الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حياة بنكهة الشّعْر و البطاطس بقلم عبد المجيد طعام

تاريخ النشر : 2016-07-24
حياة بنكهة الشّعْر و البطاطس بقلم عبد المجيد طعام
حياة بنكهة الشّعْر و البطاطس

بقلم عبد المجيد طعام

قبل انطلاق الموسم الدراسي تهيّأت روعة نفسيا و أصبحت على أتم الاستعداد لتقوم من مقعدها و تقف أمام كل زملائها و زميلاتها لتتحدث عن نفسها :" أنا روعة الحكيم ، أبلغ من العمر خمسة عشرعاما... يناديني أبي " أفروديت " و هي إلهة الحب و الجمال عند اليونان .."

نظرت المدرسة إلى روعة نظرة  إعجاب و أحست أنها أمام تلميذة من طينة فريدة فقالت لها : " حبيبتي ما هي مهنة والديك .. ؟ " كالعادة و بكثير من الثقة في النفس أجابت روعة فقالت :" أمي ربة بيت و أبي كاتب..." خيم صمت حذر على الفصل لكن سرعان ما كسرته المدرسة  و كأنها تريد أن تؤكد ما فهمت :" بالنسبة لأمك طبعا فهمت عملها ... ربة بيت .. لكن بالنسبة لأبيك لا شك أنّك تقصدين ..مهنة كاتب عمومي .. ؟؟"

 أدركت روعة أن سيناريو السنوات الماضية سيتكرر و بدا لها و كأنها تحولت إلى سيزيف جديد و كم تمنت في قرار نفسها ، أن تحمل الصخرة وتصعد بها الجبل للمرة الأخيرة و قالت في نفسها :" متى سيدرك هذا المجتمع أن هناك مهنة اسمها كاتب ؟؟ " عادت من سفرها السيزيفي تحمل على كاهلها أوزارها الثقيلة ..استرجعت أنفاسها و قالت: " أبي ليس كاتبا عموميا ..أبي كاتب بل شاعر مثل صلاح عبد الصبور و خليل حاوي و سميح القاسم.. و عبد الله راجع.. "

أحست المدرسة بغربة غير معهودة .. لم تفهم كلام تلميذتها.. بعد جهد جهيد تمكنت من تجاوز حرجها و طرحت عليها سؤالا آخر :" و من يكون هؤلاء يا حبيبتي .... ؟؟ " ارتسمت ابتسامة عريضة زادت من روعة روعة و قالت:" أستاذتي العزيزة ... إنهم شعراء عرب معاصرون.. أبي.. شاعر يشاطرهم التجربة و يقاسمهم عشقهم للشعر.. و يرى أنهم يمثلون بروميثيوس العصر الحديث.."

استعصى الفهم أكثر و تضاعفت حدة الإحساس بالحرج و بصوت خافت سألت الأستاذة روعة :" و من يكون هذا البروميثيوس ؟؟؟؟ " بكل بساطة أجابتها :" هو من سرق النار من الآلهة  و أهداها إلى البشر فعاقبته حيث سلطت عليه نسرا ينهش كبده و كلما تجدد الكبد تستمر المأساة ...." أحست المدرسة بالخوف و الهلع و ظنت أن هذه التلميذة المتواجدة أمامها مصابة بمس و فكرت بجدية في أن ترقيها لكنها أجلت مشروعها  و طرحت عليها سؤالا في استعجال:"و ماذا يفعل أبوك بالشعر .. ؟؟ هل يبيعه .. ؟؟ أم تضعه أمك في القدر و تقدمه لكم في وجباتكم اليومية.. ؟؟"  

أشفقت روعة على مدرستها الحاجة يمينة التي اشتغلت أكثر من ثلاثين سنة في الفصل بين التلاميذ، حذقت درس "غسل الميت كفنه و دفنه" خبرت تفاصيل مراسيم الجنازة حتى هرب عنها الزمن و تركها تجتر أيامها وحيدة في مقبرة الحياة الموحشة ،قالت لها :" أبي لا يبيع الشعر و إنما يبيع البطاطس في الأسواق الأسبوعية .." ضج الفصل بالضحك و القهقهات ، لكن المدرسة ظلت صامتة جلست على الكرسي وضعت رأسها بين كفيها و تمتمت :" لم أفهم ما تقول هذه الطفلة.. أكيد أن جنيا يسكنها و هو من يكلمني الآن.. "  قرأت التعويذات بسرعة و سألتها :" أرجوك يا حبيبتي  نعود من البداية و ركزي معي ...هل أبوك شاعر ... أم بائع بطاطس .. ؟؟ أرجوك أريد أن أفهم ...رأسي يؤلمني.."

تكلمت روعة بهدوء واثق متجنبة أن تستقي ألفاظها من قاموس أبيها  فقالت : " أبي في الأصل شاعر طبع ديوانين شعريين و الثالث في طور الطبع ، لكنه يهوى بيع البطاطس في الأسواق الأسبوعية " فركت الحاجة يمينة عينيها و مررت يديها على كل وجهها و كأنها في حصة تطبيقية لدرس التيمم .. استرجعت أنفاسها و قالت لها :" أ تعيشون بفضل الشعر أم بفضل البطاطس ؟؟ " على الفور ردت روعة فقالت :" ...في الحقيقة لم نطرح أبدا هذا السؤال في بيتنا ....مادام أننا نعيش السعادة المنشودة و الفرحة العظيمة ...و مادام أن عشق أبي لأمي لا ينضب أبدا ..لا زال يكتب لها قصائد الحب و يتغزل بعيونها و لازالت هي تتغنى بأشعاره ..لم نطرح يوما سؤالك..أستاذتي العزيزة .. سؤالك لم يكن أبدا أساسيا بالنسبة لنا.." دون سابق إعلان صرخت الحاجة يمينة في وجه روعة قائلة لها :" و ما هو الأساسي في بيتكم.. ؟؟ "

نظرت روعة نحو كل التلاميذ و التلميذات ثم توجهت بعينيها نحو مدرستها ، علت وجهها ابتسامة رائعة و تكلمت عن الحب و الحوار و احترام القيم الإنسانية ، تكلمت عن التفاؤل و الفرح...تكلمت عن صحبة الكتاب و سحره  ولم تنس  أن تخبرهم بأنها تحفظ كل أشعار أبيها خاصة تلك التي قالها في أمها .

عم صمت جميل كل أركان الفصل، صمت لم تعهده الأستاذة يمينة .. كلمات روعة أسرت التلاميذ و سحرتهم  .. أحست الأستاذة و كأن خدرا يسري في عروقها  و لأول مرة تخلت عن الوعد و الوعيد  لإجبار التلاميذ على التزام هدوء شقي .....طلبت الأستاذة من روعة ألا تتوقف عن الكلام الجميل و رجتها أن تقرأ لها شعرا مما كتبه أبوها في عشق أمها .

بصوت ارتقت فيه الأحاسيس إلى سماء الإبداع الروحي قالت " أفروديت" :

عيون تذوب ألحاظها

شوقا وتيها 

في طيها جنون المساء

وشرود الغروب في وجنتيها

في عمقهما يغرق البحر

ويشتعل القمر

يتوهج الصمت بكلماته الدفينة

فتنكتب جراحات الشفق في خافقي

وخواطري تلتهب عشقا

وحنينا لا يخبو مع أسف الغروب

أنصت التلاميذ للشعر سرت في أجسادهم لذته و نعومته ..سافر بهم إلى عوالم لم يعهدوها و أيقظ فيهم أحلاما هجرتهم .. التمسوا من روعة المزيد لأن أشياء بدأت تتغير في دواخلهم .. أحست الأستاذة يمينة بقلبها يتفتح كزهرة جميلة يطلب الحب و العشق الطاهر ... لأول مرة وبعد ثلاثين سنة من التدريس تقرر أن تخرج من مقبرتها الموحشة ، تريد أن تحيى من جديد .. ذرفت دموعا شقت طريقها عبر وجنتيها  و قالت بلغة امتزج فيها البكاء بالفرح :" ما أجمل الحياة بنكهة الشعر و البطاطس.."

انتهت

ملاحظة : النص الشعري مقطع من قصيدة للشاعرة الإعلامية لامية بودشيش

18 / 70 / 2016
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف