الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تركيا والمناعة ضد الانقلابات العسكرية بقلم: أ. إبراهيم منير

تاريخ النشر : 2016-07-21
بسم الله الرحمن الرحيم


تركيا والمناعة ضد الانقلابات العسكرية

بقلم: أ. إبراهيم منير

نائب المرشد العام

المشهد الأول:

استانبول عام 1982م وأجواء الانقلاب العسكري الذي قام به كنعان إفرين تكتم الأنفاس في تركيا كلها ليشعر بها الزائر منذ وصوله إلى المطار وحتى خروجه منه، وفي لقاء تم في فندق (بيوك حميد) الموجود في منطقة الفاتح والمجاور لمبنى بلدية استانبول وبعد يوم عمل طويل رفعت المآذن نداء صلاة العشاء والذي يتداخل بشكل يعطي للمدينة تميزها المنفرد، وطلبا للصلاة في مسجد كنا مجموعة من الإخوة اخترنا مسجدا صغيرا مقابلا للفندق وهو بناء قديم بجوار مقابر بما يوحي أن من أقامه ربما أكثر من عام كان يهدف أن يوارى فيه هو وأسرته الثرى، وما أن التأم شملنا الذي تم بعد حوالي         الساعة في صالة الفندق وعبرنا الشارع حتى أيقنا أن الصلاة في المسجد كانت قد أقيمت وانتهت فيها الصلاة، ولكن وجدنا بابه مواربا والضوء خافت فيه وشعرنا أنه لم يغلق تماما لرؤيتنا بعض الشباب يدخلونه ودخلنا خلفهم بعد تردد بسيط، وكانت المفاجأة بوجود عشرات الشباب جلوسا كأنهم في حلقة درس والمفاجأة الأكبر أن الصمت قد خيم عليهم جميعا وتوجهت نظراتهم إلينا، وبخبرة العمل مع الأنظمة العسكرية والأجهزة الأمنية والارتباك الذي حدث لدى هؤلاء الشباب كان القرار السريع هو إقامة الصلاة في أحد أركانه التي أفسحوها لنا على أن نخرج فورا بعد تمامها، وهو ما حدث وسط صمت تام غير مريح من هؤلاء الشباب والذين قد تكون قراءة الإمام للفاتحة والآيات الكريمة التي تلاها بصوت رخيم وقراءة وضح فيها أننا لسنا أتراكا قد أعطتهم بعض الثقة أننا لن نكون من أي جهاز أمني تركي فاجأهم في لقائهم.

خرجنا من المسجد نتهامس عن هوية هؤلاء الشباب الذين بدا أن معظمهم في أوائل العشرينيات من العمر والبعض الآخر لم يتجاوز العشرين، وكانت المفاجأة الثانية لنا عندما لحق بنا ثلاثة منهم ليبادرونا (بالسلام عليكم) ثم السؤال من أين نحن، فقلنا لهم نحن من مصر، هل أنتم من الإخوان المسلمين؟، ولوهلة تردد لم نجد بعدها بدا من الإجابة، نعم نحن من الإخوان المسلمين، وبدأ حوار بلغة عربية ضعيفة جدا يستكمل بالإنجليزية لتأتي مفاجأة أشد بسؤال: هل حسني مبارك كافر؟ وفي محاولة لا أعتقد وقتها أننا قد استطعنا إقناعهم بخطورة إطلاق هذه الأحكام حرصا على إنهاء اللقاء تحسبا لأجهزة الأمن التي كانوا هم يحذرونها، وحاولنا شرح قناعة الجماعة الفكرية ومنهاجها والخطوات الشرعية ومن هو صاحب الحكم فيه واتضح أن حديثنا لم يصل إلى قناعاتهم الكاملة لأنهم الثلاثة وتقريبا في نفس واحد قالوا: ولكننا نرى أن كنعان إفرين كافر، ولم يكن ما قالوه بعدها مفاجأة بعد أن حملونا تحياتهم إلى مرشد الجماعة في مصر الشيخ التلمساني وإلى كل الإخوان، وبعدها قالوا عندما قالوا نحن هنا نعمل على إسقاط الانقلاب العسكري وإعدام كنعان إفرين.

المشهد الثاني:

عام 1994م وقد تمت انتخابات البلديات في تركيا كلها وفوز حزب الرفاه بقيادة البروفيسور نجم الدين أربكان برئاسة بلديات استانبول وأنقرة، فميزانية استانبول وحدها وحجم الأموال والخدمات فيها تتجاوز بعض الدول، وتم انتخاب السيد رجب طيب أردوغان رئيسا لها، لم يكن الأمر بالنسبة لنا كأصدقاء للراحل الكريم نجم الدين أربكان (عليه رحمة الله) ولا حتى لمنافسيه السياسيين وخصومه الفكريين فيه من القناعة ما يؤدي إلى النجاح، فحال البلديات كلها في ذلك الوقت كان يمثل قمة الفساد بكل صوره إضافة إلى الاهتراء الشديد في البنية التحتية وكان الجميع يعتبر أن هذا الزعيم الذي هزم انقلاب كنعان إفرين 1980م ضد التيار الإسلامي بسياسته الحكيمة وحظي بشعبية كبيرة على أساسها، قد غامر هذه المرة بدخوله إلى أوكار الفساد التركي الذي تراكم لعدة عقود من قبل أن تسقط الدولة العثمانية مرورا بحكم أتاتورك وفساد ثلاث انقلابات عسكرية سابقة 1960، 1971 و1980م، كانت تعمل على إفساد الخامة التركية البشرية لإبعادها عن دينها والقيم الإنسانية الشريفة لها، وحال استانبول كمدينة كان رمزا لكل هذا الاهتراء ولعلمانية أتاتورك التي استنسخها من مصدرها والتي فقدت (هذه المصادر) مصداقياتها برعاية الفساد في بلد كتركيا وغيرها.

وعمل السيد رجب طيب أردوغان وغيره من رؤساء البلديات المنتسبين للتيار الإسلامي وسط هذا الركام الخبيث لتخرج التجربة بنجاحين:

أولهما: حجم الإنجاز الضخم الذي لم يكن واردا في مخيلة المحبين ولا الكارهين والذي شعر به المواطن التركي بكل شرائحه.

ثانيهما: يقين المواطن التركي بفساد وبتهافت أداء العلمانية والمنادون بها الذين حاولوا غرسها في عقول وقلوب الأجيال المتتالية في مقابل أداء الأيدي المتوضئة التي تخشى الله سبحانه وتفي بأماناتها لكل الناس حتى ولو اختلفوا معهم سياسيا أو فكريا.

المشهد الثالث:

آخر فبراير 2011م ومع إذاعة نبأ وفاة البروفيسور نجم الدين أربكان (عليه رحمة الله) وتوافد الوفود من خارج تركيا لحضور تشييع الفقيد العزيز على قلوب الجميع وصاحب التاريخ الجهادي الطويل، واستعداد الأمن التركي لتنظيم حضور الصلاة على جثمانه في مسجد الفاتح في استانبول وتحديد أماكن المسؤولين والزائرين ورجال الدين، كانت المفاجأة وقبل أن يأتي موعد الصلاة بفترة طويلة امتلأت ساحة المسجد الخارجية التي تقرر إقامة الصلاة فيها، وبدأ الزحام الشديد والتدافع لكسب مجال للتنفس حتى وصل الأمر إلى ما يشبه الفوضى التي اختفت فيها البزات العسكرية للشرطة، ولشدة الزحام اضطر بعض الضيوف الكبار إلى التراجع بعيدا عن الحالة التي وصلت إلى حد الاختناق، ومنهم المجاهد الكبير وصديق الراحل الأستاذ محمد مهدي عاكف الذي حضر الجنازة ممثلا لمرشد الجماعة وأقيمت الصلاة وسط تهليل الحضور وتكبيراتهم ليجد الجميع أن قوات خاصة قد استطاعت أن تجد ممرا لرئيس الجمهورية وقتها السيد عبد الله جول ورئيس الوزراء السيد رجب طيب أردوغان للإمساك بنعش أستاذهم السابق وحمله على أكتافهم متجاوزين خلافات سياسية معه قبل وفاته تثبيتا لمعاني الوفاء لرجل عاشوا معه وعملوا معه، ونافسهم على حمل النعش مجموعة من كبار قيادات الجيش بلباسهم الرسمي .. وتمتلئ عيون الجميع بالدموع .. من كان على وفاق مع الراحل الكريم ومن كان على خلاف معه أمام مشهد تساقطت فيه كل دعاوى الزيف والخداع التي تتستر وراء علمانية ابتدعوها وجعلوها على مقاس واحد هو حرب الإسلاميين، والذين كان رمزهم جميعا رغم أي خلاف الراحل الكبير نجم الدين أربكان.

المشهد الرابع:

مساء 15 مايو 2016م ومع بداية تحرك بعض قوات الجيش لارتكاب نفس خطيئة أربع انقلابات عسكرية غادرة بعد انقلاب معلمهم الأول كمال أتاتورك، ليفاجأ الكثيرون من شارك فيه ومن ساهموا عن بعد والذين هللوا له من بدايته وتوقعوا منه النجاح أو الذين ظلوا في الوسط قبل أن يقولوا كلمتهم في انتظار نتيجة المؤامرة .. نقول يفاجأ الجميع بهبة شعبية لم يقم بها الإسلاميون أو أنصار حزب العدالة والتنمية فقط بل شاركهم خصومهم السياسيون: حزب الشعب، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي .. وتزداد حصى الرجم عندما  ينضم إلى هؤلاء جميعا رفضا لأي انقلاب على تجربة ديموقراطية رأوا نظافتها وعطاءها فيخرج نجوم السينما والمسرح والرياضة من أول لحظة ليرى الجميع صورة الشعب التركي الحقيقية الذي يدافع عن إنجازاته التي يريدون نقضها وهدمها لتلحق تركيا مرة ثانية بأشباه الدول التي يقودها العسكر.

لن تكون أحداث مساء 15 يوليو 2016م هي الأخيرة بالتأكيد، ونسأل الله لتركيا ولشعبها الأمن والأمان، فأن تصل تركيا كبلد يتمسك بقيمه وتقاليده إلى أن تكون ضمن منظومة الدول العشرين الاقتصادية في العالم، وفي مدة لم تتجاوز العشر سنوات، أمر يحرق قلوب المتهافتين بالتأكيد والكارهين لكل خير.

وعودة إلى شباب عام 1982م الذين صدمهم انقلاب كنعان إفرين عام 1980 ثم الأجيال التي تتابعت بعدهم .. يدرك الجميع كيف جاءت في تركيا المناعة ضد الانقلاب العسكري.

والله أكبر ولله الحمد
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف