الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ألو ... يا شعب بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2016-07-18
ألو ... يا شعب  بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
ألو ... يا شعب

( لعادل بن مليح الأنصاري )

ربما لا يعنينا عدد حركات الانقلاب التي شهدتها تركيا عبر تاريخها الحديث كثيرا , ولا يعنينا المراحل التي مرت بها خطة الانقلاب الأخيرة ولا نتائجها وآثارها , في مقال سابق هنا , تحت عنوان :
" الكلمة , الموقف , الرجل الرمز "
نورد كلمات ذات دلالة بمقالنا اليوم , مثل :
عند ظهور المجتمع الإلكتروني ( مهما طالت الأزمنة ) وتربع النظام والقانون والدساتير على تسيير عجلة المجتمع الإنساني , عندها فقط سيوقف التاريخ ظهور الرمزيات , وسيكتفي البشر برمزية القانون الصارم فقط .
وكذلك :
ربما في المستقبل القريب ستختفي الرمزية بكل أنواعها من التاريخ البشري لو دارت عجلة التقدم سريعا , وستبقى تلك الرمزية مجرد إطارات تاريخية , ولا يبقى منها إلا تأثيراتها القوية والتي فرضت نفسها على التاريخ وعلى العدم , ربما ستظل نظرة بعض المجتمعات للرمزيات التاريخية المختلفة نظرة احترام , وحنين , وربما حاجة , لكسر العجز المتنامي في نفس الإنسان نحو تحقيق أحلامه ألا متناهية .
وأخيرا :
في المقال القادم لنا حديث ( إن شاء الله تعالى ) عن الرمزية منذ مرض الخلافة العثمانية مرورا بالقوميين والإسلاميين والليبراليين وحتى ( البوعزيزي ) و ( مرسي ) و (أردوغان التركي ) .

ربما " شاء البعض أم أبوا " , أستطاع أردوغان في دحره للتمرد الأخير بوقت قياسي بالنسبة لأحداث التاريخ وهو , ما يقارب (6) ساعات , وربما فجر أردوغان ثورة جديدة في عالم السياسة , كيف لا , وهو أول زعيم في التاريخ ينهي تمردا باتصال تليفوني لشعبه , والذي لم يتردد بالاستجابة فورا لنداء الرئيس الذي انتخبوه بإرادتهم , ولم يسمحوا لبعض الخونة من العسكر في هدم معلم الديموقراطية الذي بنته أيديهم , لم يكن أردوغان ساحرا أو عبقريا سياسيا , ولكنه كان زعيما لشعب عبقري , ناداهم فاستجابوا بكل بساطة وأنهوا تخطيطا شيطانيا ربما استمر شهورا , وربما تضافرت لإنجاحه قوى تفوقهم دهاء ومكرا وتخطيطا وإعدادا .
المتابع لذلك العدد المهول من كبار الشخصيات العسكرية والسياسية يُذهل كيف تهوي صروحهم الثابتة والمتغلغلة في أعماق المجتمع التركي كافة , وهو ما عُرف ( بالكيان الموازي ) أي حكومة ظل ومنظمات توازي حكومة ومنظمات الدولة الرسمية , كيف لهذا الكيان الكبير المتجذر منذ عشرات السنين في أعماق المجتمع التركي المدني والعسكري والقضائي والمتربص ربما منذ سنين , وأحكم التخطيط والإعداد , وانتظر طويلا للوقت المناسب للتنفيذ , ولم يستطع الصمود ساعات أمام مجرد (اتصال تلفوني) من رئيس حكومة تواجه معارضة ليست بالضعيفة ؟
لقد أشبع المحللون هذه الظاهرة السياسية التاريخية الفريدة وهي هزيمة تمرد مُحكم ومُدعم بكبار الجنرالات الذين لا يستهان بهم , بواسطة برنامج تواصل يملكه أصغر طفل في العالم !!!
ولكن لا ينبغي أن نغفل عن ذلك الشخص الذي استخدم هذا التطبيق البسيط , إنه شخصية نادرة التكرار , لماذا ؟
لا يُنكر إلا جاحد أو مغفل أو حاسد وحاقد أن أردوغان يكاد أن يكون الزعيم الأوحد عبر تاريخنا الحديث الذي تمتع بذلك الحضور " النقي " لدى الغالبية العظمى من بسطاء المسلمين عربا وعجما , فهو ليس زعيما فرض هيبته بواسطة دبابة أو عنتريات عسكرية زائفة , أو خطب جوفاء , أو وعود فارغة .
الأتراك قبل غيرهم يدركون أن تركيا في عهد أردوغان هي غير تركيا قبله ( دون الخوض في التفاصيل الكبيرة والصغيرة ) , ثم ساهمت شخصية أردوغان الإسلامية في تقريبه من جماهير العالم العربي والإسلامي بتواضعه وخطاباته التي لا تخلوا من سمات الفكر الإسلامي وبعض الآيات والأحاديث , والتفاخر بماضي تركيا العثماني العظيم الذي حكم نصف العالم ذات يوم .
لا يمكن التغافل عن صورة أردوغان الزعيم الإنسان عبر القنوات الفضائية والذي يسلم على الرجل والأنثى الصغير والكبير , وحتى صوره وهو يسلم على أيديهم وينزل إليهم من سيارته الرئاسية ليقابلهم ويحدثهم بوجهٍ طلق .
هذا هو المدخل لصميم فكرتنا هنا .
الرمزية التي يفتقدها الشباب العربي والمسلم في زعيم يجسد آمالهم وطموحاتهم , يخاطبهم بنعاتهم الدينية الفطرية , ويتقابل معهم تحت خط المحاذير السياسية والأمنية .
نعم لقد أعاد أردوغان لنا فكرة ( الرجل الرمز ) الي خشينا في مقالنا السابق أن تختفي بعد أن عجز محمد مرسي عن حملها ’ لأي سبب كان , وليس أسهل من متابعة مواقع التواصل عبر العالم العربي والإسلامي لنرى تلك الظاهرة جلية واضحة وضوح الشمس في مدى تأثر الجيل الجديد بتلك الظاهرة ( الرمز ) .
ربما كان الأتراك أكثر واقعية وتحضر في المشاركة في دحر الانقلاب بالدفاع عن روح النظام والديمقراطية , ولم يشير الكثير منهم خاصة كبار السياسيين لأروغان شخصيا , ولكنهم تحدثوا ودافعوا عن ديموقراطية بلدهم ورح النظام لديهم , كما يتضح ذلك جليا في رفع الأعلام التركية فقط دون أن نجد صورة واحدة
لأرد وغان بين المتظاهرين , وهنا يبرز الفرق الشاسع بين تعاطف الأتراك وتعاطف غيرهم من خارج تركيا , فالأتراك تمسكوا بروح الديموقراطية فقط دون تجيير مواقفهم لأشخاص , بينما تعاطفت الجماهير خارج تركيا لافتقارهم ( للرجل الرمز ) في زمن الانكسارات السياسية والمهانة التاريخية .
وربما كانت تلك الصور لكبار الجنرالات الذين كانوا ذات يوم يتباهون في حللهم العسكرية المهيبة ذات الأنواط والنياشين والرتب العالية , وهم منكسي الرؤوس بملابس رثة ومقيدي اليدي , تلك الأيدي التي تعودت التباهي بالتحية العسكرية المهيبة , والتي تعودت على أن ينحني لها آلاف الجنود بإشارة صغيرة منها , تلك الصور ربما تحمل إشارات معبرة (لغيرهم) بأن الأيام دول , وأن تلك الهيبة العسكرية والمقامات الرفيعة يمكن لها أن تهوي خلال ساعات إلى الهاوية .
ربما لن تنتهي الحالة التركية من مخاضها الكبير لتلقي علينا المزيد من الدروس والعبر , ونلاحظ أن الأوقات التالية لهزيمة الانقلابيين تكشف لنا المزيد والمزيد من داعمي الانقلاب من كافة القطاعات والرتب العسكرية وحتى في عمق المؤسسة الرئاسية , مما يدل على عمق التخطيط وزمنه وقوته ودقته المخيف , ومقارنة بتلك الدلالات الكبيرة والمخيفة نقف مذهولين بتلك البساطة والسلاسة لدحر هذا التنظيم الذي يُعد بحق من تنفيذ حكومة موازية بكل دقة .
هنا نسجل مليون علامة استفهام ضد الحالة المصرية , دون الخوض في أسباب ومسببات الحالتين , فالشعب التركي والشعب المصري , وكذلك الجيش التركي والجيش المصري تصرف كل منهما بطريقة معينة , نترك الرؤية السياسية فيها للمتابعين الكرام ! , ويظل السؤال , أين الخطأ وأين مكمن الضعف ؟
وقوف المعارضين الأتراك في صف الخيار الديموقراطي رغم الخصومة الشديدة مع رئيس دولتهم , وخروج جماهير الشعب التركي الذي كان له اليد الطولى في إجهاض التمرد لمجرد تطبيق "آيفون" , يطرح تساؤلات بديهية :
هل العرب شعب لا يجيد الديموقراطية , وربما يمارسها بعض العرب بطريقة صورية محاكاةً للغرب , وربما مجاراةً للأقوى , وربما هي خطوات طفل يحبو ليجد طريقه بين الكبار , وربما لم تُـمْحَ من جينات بعضهم الوراثية نظام القبيلة والولاء لشيخ القبيلة وولي الأمر , وربما ساهم تمسكه بثقافته الدينية بتعزيز ذلك التوجه وتوارث الخضوع لها ( راغبا أو صاغرا ) , تعددت الأسباب والنتيجة واحدة , العرب لا يجيدون الديموقراطية .
وربما أفرزت الحالة التركية صورة مؤلمة أخرى أشد إيلاما لأحداث تركيا , ألا وهي الصورة الفجة من (العهر الإعلامي) لبعض الإعلاميين العرب !
تذكرت تعليق يدخل في باب (العهر الإعلامي ) لهالة سرحان عندما تم إسقاط مرسي وقالت بالحرف الواحد ( الرئيس المنيو......) , وبعيدا عن موضوع مرسي , هل يليق بإعلامية في دولة بحجم مصر أن تتفوه بهذه القذارة مهما اختلفت مع خصمها ؟؟ ولكنها إفرازات ثقافة العسكر يا سادتي .
وفي الحالة التركية نأخذ نموذج آخر (لهم) الإعلامي الموتور " أحمد موسى" لعجزنا عن وصف هستيريته أثناء التعليق على الأحداث التركية وفي دقائقها الأولى بشكل مرضي , لينطبق عليه مقولة ( وإذا خاصم فجر ) , فأحمد موسى خرج عن إطار العقل والصواب والإنسانية والتحضر ليخطط كأي كاتب سيناريو رديء لمستقبل تركيا خلال دقائق ! , فما حدث في تركيا ومنذ أول دقيقة هو ( ثورة شعبية ) و " رؤية مستقبلية أو نبوءة عرّاف " أن الأتراك خلال الساعات القادمة يغرقون في دمائهم , وأن أردوغان قُتل أو سيُقتل , وأن كافة الشعب التركي والجيش خرج مؤيدا للإنقلابيين , صورة مقززة لإعلام فاجر قذر , يقوم عليه ثلة من عصابات الكلمة ومنحطي الأخلاق لا يليق بمكانة مصر الكبيرة , ولكن كما قلنا هي إفرازات ثقافة العسكر النتنة , العسكر مجموعة من الهالات المضيئة إذا ما سكنت في ثكناتها واكتفت بالدفاع عن الوطن والمواطن حتى ضد فاسديه ومجرميهم , فهم لم يرهنوا أرواحهم فداء لأوطانهم لينزلوا ساحات الشعب ويديروا عجلة الموت بينهم بل كما قال أحد المسؤولين الأتراك لحثالة من العسكريين ( كيف تجرأتم وأطلقتم نيران بنادقكم على المواطن التركي ) هذه المقولة يجب أن تكتب بماء الذهب على باب كليات العسكر قاطبة .
ومن إفرازات العلمانية الخائنة لتوجه الأمة أنهم يرون في تعبير ( العثمانيين الجدد ) نوع من استجداء رضى الغرب واليهود , فمن ناحية تاريخية أليس العثمانيون حكموا نصف العالم بما فيه الغرب (العلماني الكافر) ؟ .
أليس العثمانيون هم من أخرس أجراس كنائسهم عند مرور أساطيلهم البحرية من جوارها ؟
إنهم عندما يستعدون أعداء الأمة علينا يخاطبوهم بما يحبون , فلم يجدوا غير إطلاق ذلك الاسم وكأنه تهمة وسقطة تاريخية حضارية !!
نعم يا سادتي ليس للخونة في كل شبر عربي وإسلامي إلا تبادل العزاء في وفاة أحلامهم المريضة لتكسر السهام المسمومة القذرة التي أرادت النيل من تركيا (العثمانيين ) .
لاشك أن الكثير من جماهير العرب سترى في المستقبل القريب أردوغان ( العثماني ) كرمز يحيي آمالهم ويغذي أحلامهم بالكبرياء المفقود , حتى يجدوا ضالتهم في زعيم عربي ربما مازال مخبأً بين طيات الأيام يعيد إليهم نشوةً لم يتذوقوها إلا عبر قصائد غابرة وحكاياتٍ قديمة .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف