الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب -23-بقلم:الشيخ عبد الغني العمري الحسني

تاريخ النشر : 2016-06-29
سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب -23-بقلم:الشيخ عبد الغني العمري الحسني
سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب -23-
بقلم الشيخ عبد الغني العمري الحسني

الفصل الثاني والعشرون
الدين لله


       يقول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193]؛ وهل يمكن أن يكون الدين لغير الله؟.. نعم!.. لقد تفطن المغرضون من أول يوم بعد انقضاء مدة الخلافة على منهاج النبوة الأولى، إلى قوة الدين، التي يُمكن أن تُوظّف من أجل توجيه الشعوب، إلى حيث يُراد. ولقد بدأ تسييس الدين، من أول ما رُفعت المصاحف على الرماح في جيش معاوية؛ ثم عندما بدأ يُلعن الخليفة الإمام، علي عليه السلام، على منابر المساجد.  وُظِّفت بيوت الله، لمحاربة أولياء الله!.. فأين الدين؟!.. قال ابن حجر في "فتح الباري": "ثم اشتد الخطب فتنقّصوه، واتخذوا لعنه على المنابر سنّة، ووافقتهم الخوارج على بغضه"[1].

       واستمر توظيف الدين إلى زماننا هذا، مع عودةٍ إلى الحق، إبان خلافة كل خليفة، من الأحد عشر الماضين. ولمـّا أصاب المساجد ما أصاب، انزوى من كان مرادهم النجاة بأنفسهم؛ فنشأت الزوايا، والرُّبُط، وغيرها... مما كان محلا للتعبد والذكر والزهد...

       وإن ما ينبغي أن يُعلم، هو أن الدين إذا لم يُرَد به وجه الله، انسحب منه الإذن الرباني، وصار جسدا بلا روح؛ بل قد ينقلب دينا وضعيا، وإن ذُكر اسم الله فيه من جهة اللسان، وأُتيت حركات الأبدان.. وهذا هو السبب الذي يجعل شطرا من الناس، عبر الأزمان، لا يعطيهم الدين ثماره. أما من يتعمدون تحريفه من فقهائه، فإنه يلعنهم لعنا!..

       وإن مما يُساعد على وقوع الناس، في حبال أهل التلبيس، تحريف معنى الجماعة، وإخراجه عن حده الشرعي؛ خصوصا وأنّ بالناس دائما نزوعا فطريا إلى الكون في الجماعة، ونفورا عن الانفراد، لما فيه من وحشة. فعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَعَ حُبُّهُ فِي قَلْبِي؛ فَلَزِمْتُهُ حَتَّى وَارَيْتُهُ فِي التُّرَابِ بِالشَّامِ، ثُمَّ لَزِمْتُ أَفْقَهَ النَّاسِ بَعْدَهُ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ؛ فَذُكِرَ يَوْمًا عِنْدَهُ تَأْخِيرُ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا، فَقَالَ: "صَلُّوهَا فِي بُيُوتِكُمْ، وَاجْعَلُوا صَلاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً". قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: فَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَكَيْفَ لَنَا بِالْجَمَاعَةِ؟ فَقَالَ لِي: يَا عَمْرُو بْنَ مَيْمُونٍ؛ إِنَّ جُمْهُورَ الْجَمَاعَةِ هِيَ الَّتِي تُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ؛ إِنَّمَا الْجَمَاعَةُ مَا وَافَقَ طَاعَةَ اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ!"[2]. وقد كان تأخير الصلاة بدعة، استحدثت على عهد الأمويين. فما الظن، بكل البدع التي استُحدثت فيما بعد!.. ومعنى قوله رضي الله عنه: "إِنَّ جُمْهُورَ الْجَمَاعَةِ هِيَ الَّتِي تُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ"، هو أن الجماعة العددية، عندما خالفت حكم الشريعة، قد أصبحت هي المخالفة للجماعة، التي قد تكون رجلا واحدا على الحق.

       إن تحريف الدين في الأزمنة المتأخرة، كزماننا، بلغ ما لم يبلغه في كل الأزمنة السالفة؛ عند تلونه بلون الدول القطرية كلها؛ وكأن الدين بالفعل أديان!.. ولو أن الأنظمة في الدول القطرية، أعلنت علمانية تامة، تفصل الدين عن الشؤون العامة، وتبقيه في دائرة ما هو شخصي، لكان أهون من إدخال الدين، في متاهات السياسة القطرية الضيقة.

       غير أنه من الإنصاف أن نذكر أن الأمر ليس سهلا على الأنظمة، في مواجهة من يريد تسييس الدين، من الطرف المقابل؛ أولئك الذين يريدون الوصول إلى الحكم، عن طريقه. ولقد جُنبت بلاد المسلمين كثيرا من الشرور، بضبط إدارة المساجد، رغم استغلالها من جهة القائمين عليها؛ والذين لا يكونون أبرياء هم أيضا. نعني أن ذلك كان منهم أهون الشرين. ولو أن وزراء الشؤون الدينية في البلدان القطرية، كانوا على علم تام، لجمعوا بين الخيرين: حفظ أمن المساجد، وإبقاء الدين بعيدا عن التوظيف. نقول هذا، ونحن نعلم شبه استحالة ما نقول!..

       إن الدين، ينبغي أن يبقى على أصله، حتى يكون ملاذا للحائرين من الفلاسفة وأهل الفكر على الخصوص؛ لأن هؤلاء، لا ينطلي عليهم ما هو عليه الدين الرسمي من "تحنيط"؛ بسبب مكانتهم العقلية. وبنفور العقلاء من الدين (منهم كثير من علمانيينا)، يبقى مَجمعا للحمقى والسفهاء؛ وهذا إجرام بيّن في حقه!..

       أما فيما يعود إلى ما نراه من تلاعب من الأنظمة بالمساجد، وتمكين الفرق والمذاهب منها، بحسب الغرض السياسي؛ كتمكين المتسلفة، من أجل إضعاف الحركات السياسية؛ أو كتمكين الإخوان، لإضعاف اليساريين؛ فإنه يعود على المدى البعيد على الأنظمة نفسها، عندما يتحول كل من تُخُلّي عنه، عدوا جديدا. وهذا كله، من غياب الاستراتيجيا لدى الحكومات.

       أما الشيعة، فإن المنصف، لا بد أن يعذرهم فيما ذهبوا إليه (إلا الرفض!)، وهم ينظرون إلى الدين ينقلب أمام أعينهم؛ وهؤلاء أئمة الأمة من آل البيت عليهم السلام، يُهانون!.. ومضت بالشيعة الأيام طيلة حكم "أهل السنة"، مطاردين ومضطهدين. كيف يُنتظر منهم أن ينسوا ما فُعل بهم طول هذه المدة!.. ومِن دون أن يبدي الطرف الآخر ندما على ما لحقهم!.. نحن نشك أن يكون من يزعم أنه يُبغض الشيعة ويبغض كل ما هم عليه، مريدا لخير هذه الأمة، أو مخلصا في دينه!.. إن كان الله يقول سبحانه عن أهل الكتاب: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9]؛ فما العمل مع مَن هو من المسلمين بعدُ؟!.. اللهم إنا نبرأ إليك من كل دم أريق بغير حق، من جميع الأفرقاء إلى يوم الدين!..

       كثيرا ما كنا نسمع عن كون المسلمين صاروا حجابا عن الإسلام، ولا أحد يتكلم عن الطريق التي تُخرجنا من هذا التناقض، الذي رصدته الأمم الأخرى لدينا. وما لِهذا التدين الذي يرعاه الفقهاء، لا يمكِّن من ذاك الخروج!.. نحن هنا لا نريد أن نحاكم أسلافنا بمعايير مرحلتنا؛ ولكن نريد أن نتخلص من موروث الفتنة التي عاشوها. لم تكن سهلة من الجانبين، ولم تترك لكثيرين فرصة للتبيّن!.. من لم يعش في بؤرة الفتنة، لا يفهم ما أصاب أهلها!..

       إن زمن العولمة، الذي أظلّنا، وفرض علينا أن نعيد حساباتنا مع الأعداء البُعداء؛ إن لم يجعلنا نتجاوز الأحقاد مع الأقرباء، فما نالتنا بركته. إنّ مؤسساتنا الفقهية، إن لم تستطع أن تبدأ حوارا أو تواصله، مع الشيعة الراغبين في مثل ما نرغب، وهي تريد أن تعمل بإيعاز من حكوماتها على محاورة سائر الأديان، فإنها تكون خائنة لله ورسوله وللمؤمنين. هذا، وإنه ما كل فقيه يصلح للحوار؛ لأن من غلبت عليه العصبية المذهبية، وغطت على أصول العلم لديه، لن يزيد الهوة إلا اتساعا.

       للمرء أن يعجب، كيف يسهل الأمر على فقهاء الدين من جميع الأطراف، إذا هم أرادوا إيجاد أسباب الخلاف، أو أرادوا تقويتها؛ وعند إرادة لم الشمل والتقريب، يعجزون ويكلّون!..  إننا نتكلم، من جهة الشرع، لا من جهة القضاء والقدر؛ لأن المرء لا يسعه إزاءه إلا التسليم. فسبحان من قدّر على هذه الأمة كل هذا البلاء، والذي لا تغلبه إلا رحمته سبحانه، التي هي أوسع منه على كل حال.

       في زمن العولمة، على شبابنا -أهل السنة والشيعة- أن يتعلموا الاستقلال عن جماعتهم علميا، ليتبيّنوا الحق عندهم وعند مخالفيهم؛ عسى أن يكونوا أساسا لجماعة الحق، التي ستنصُر في هذا الزمان الدين. ونحن دائما نكرر أن الأمة متخلفة عن إدراك المرحلة التي نحن فيها. فإن كانت قد انتهت في العالم الثنائية القطبية التي شغلته سنين، فلِمَ لا تنتهي هذه الثنائية عندنا، ونحن أولى بالوحدة من غيرنا.

       عندما نريد أن يكون الدين لله، فهذا يجعلنا كلنا، لا شيء لنا (=الفقر)؛ وإذا لم يكن لنا شيء، فإن أسباب الخلاف تنتفي تلقائيا. فما علينا إلا أن نتنازل -في أوهامنا- عما ليس لنا. سواء كنا فقهاء أم صوفية؛ شيعة أم أهل سنة!.. الدين لله؛ والملك لله؛ والحكم لله؛ والمرجع إلى الله؛ {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88].
--------------------------------------------------------
[1] . فتح الباري لابن حجر: 7- 71.

[2] . رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: رقم160. 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف