الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حرب البسطات ومعارك الباعة الجوالة بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تاريخ النشر : 2016-06-28
حرب البسطات ومعارك الباعة الجوالة بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
حرب البسطات ومعارك الباعة الجوالة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

مشاهدٌ محزنة ومؤلمةٌ بت أراها وغيري في أكثر من مكانٍ، تتكرر في كل الأوقات، وتحدث في كل البلاد العربية، في صيرورةٍ عنيدةٍ، وتكرارٍ موجعٍ، وتحدي أليمٍ، وصراعٍ مريرٍ بين السلطات والمواطنين، بين حملة الهراوة والسوط، وبين أصحاب الحاجة وذوي الأفواه الفاغرة، من الجوعى والفقراء والمساكين، الذين ضاقت بهم الدنيا وسدت في وجوههم أبواب الرزق، فباتوا عاطلين عن العمل، ومحرومين من الوظيفة، ولم يجدوا غير الشارع يبسطون فيه بضاعتهم، أو الطرقات العامة يتجولون فيها بعرباتهم الصغيرة، وبين الحراس على القانون، والساهرين على النظام، والخائفين على مصلحة الوطن وسلامة المواطن، ممن يطبقون القوانين بمزاجيةٍ واستنسابيةٍ خاصةٍ، ويحرصون على نفاذها، غير آبهين بنتائجها، أو عالمين بعواقبها.

سياراتُ نقلٍ متوسطةٌ بل شاحناتٌ كبيرةٌ، تطوف في الشوارع العامة والفرعية، وأمامها وخلفها سيارة شرطة، فيها بعض العساكر يحملون بنادقهم، ويتأهبون للنزول من عرباتهم والانطلاق، ومعهم ضابطٌ تعلو كتفه نجوم رتبته العسكرية، وعشرات العناصر الشابة الفتية، يجرون أمام الشاحنات ويطوفون حولها، يتحركون بسرعةٍ ويتنقلون بخفةٍ، يهجمون كالوحوش الضارية على البسطات المنثورة في الشوارع، أو المصفوفة على الأرصفة بانتظام، يقتلعونها من أرضها ويقذفون بها بفوضى وعبثيةٍ إلى جوف الشاحنة، التي تبتلع كل ما يلقى إليها مما كان على البسطات، فتختلط فيها الملابس والثياب، والفواكه والخضار، والأدوات الكهربائية والأحذية وأدوات الزينة وأشرطة الكاسيت واسطوانات الأفلام والأغاني وغيرها الكثير مما يحمله الباعة المتجولون، ويبسط به الفقراء والمحتاجون.

بعض الباعة الذين يرون الشاحنات والدوريات من بعيدٍ يفرون ويهربون ببعض بضاعتهم، أما الذين تصلهم الإخبارية مسبقاً بقدوم الدورية، فإنهم ينجحون في حمل أغراضهم وتأمين بضاعتهم، خاصةً إذا كان معهم بعض أولادهم، أو من يساعدهم من المارة والمعارف، فلا تصل إليها أيدي عناصر الشرطة أو عمال البلدية عجزاً أو اتفاقاً، وبذا ينجون من المصادرة والعقوبة والغرامة.

إلا أن بعضهم يتكلف الكثير للفرار والنجاة بنفسه وببضاعته، ولا تنال منه الدوريات أو شرطة البلدية بثمنٍ، إذ أن بعض عمال البلدية أو عناصر الشرطة، يتفقون مع الباعة الجوالة وأصحاب البسطات على بدل الإخبار والتنبيه المسبق، وعلى قدر ما يدفعون يكون البلاغ في الوقت المناسب، أما في حال تأخر بعضهم أو امتناعهم عن دفع المعلوم، فإن الدورية تباغتهم، ويقوم عناصرها بجمع كل حاجياتهم ومصادرتها، وقد تبالغ في عقوبتهم ليعضوا أصابعهم ندماً لأنهم امتنعوا عن دفع المعلوم، ورفضوا إرضاء المخبرين من عناصر الدورية، الذين يعملون في الغالب بعلم رئيس دوريتهم أو لحسابه الخاص، فيؤدون إليه نهاية اليوم غلة المداهمات.

وفي تنظيمٍ آخرٍ لعمل السلطات البلدية وعناصر الشرطة، يقوم متعهدٌ بضمان عدم قيام الدوريات بمداهمة بسطات الباعة أو مصادرة بضائعهم، فيتعهدهم برعايته، ويشملهم بحمايته، ويمنحهم الفرصة للعمل في الليل والنهار بحريةٍ تامةٍ دون خوفٍ أو قلقٍ، وذلك مقابل بدلٍ ماليٍ يؤدونه شهرياً وبانتظام له، وبدوره يدفع للمسؤولين عن المنطقة بدل صمتهم وامتناعهم، ومقابل عدم مداهمتهم أو مصادرتهم لبضائع وبسطات الباعة المتجولين، رغم أنهم يأخذون "خاوةً" من بضاعتهم بعض ما يحتاجون.

لكن غيرهم ممن تداهمهم الدوريات وتباغتهم، وتنقض عليهم كالنسر فجأةً، وتحوطهم من كل مكانٍ، هم ممن لا تصلهم البلاغات ولا ينذرهم المستفيدون والمنتفعون، ومن غير المتعاقدين مع الشرطة أو متعهدي المنطقة، وهم في غالبيتهم من الفقراء البسطاء ومن صغار الباعة، ممن لا يدركون طبيعة المعادلة القائمة، ولا يعرفون آلية التعامل مع السوق وقوانينه، فعند يضطربون ويرتبكون، إذ يحملون ما استطاعوا من بضاعتهم ويحاولون الفرار، وفي أثناء هربهم تتساقط منهم قطعٌ كثيرة وأغراض مختلفة، وهي الفئة التي تقسو عليها الشرطة والبلدية، وتبالغ في عقوبتها وغرامتها، لا لتنظم عملها وتشرع وجودها، بل لتدفعها إلى التعامل معها والالتزام بعرفها.

لا يراعي المتعهد وسلطات البلدية والشرطة أحوال السوق، وكساد التجارة، وتراجع مستوى المبيعات، وانخفاض العوائد، ولا ينظرون بعين الرحمة إلى عجز الباعة عن أداء الغرامات التي هي في حقيقتها أتاواتٌ ومكوسٌ، بل يصرون على أخذ نصيبهم المعلوم في وقته وحينه، وبتمامه وكماله، وإلا فإن خسارة الباعة ستكون أكبر، إذ بالإضافة إلى فقدهم بضاعتهم وخسارتهم المالية، فإنهم قد يخسرون مكانهم في الشارع، وموقعهم في الطريق العام، الذي يحل فيه غيره ممن يبدي استعداداً للدفع والتزاماً بالوفاء.

البسطات ظاهرةٌ عامةٌ في بلادنا العربية كلها وعلى مدى العام كله، لكنها تكثر في شهر رمضان من كل عام، وتزداد فترة المساء وبعد ساعات الإفطار حتى ساعة متأخرة من الليل، وتتضاعف أعدادها ويكثر زبائنها قبيل الأعياد وفي العطل والمناسبات العامة، وهي وسيلة الفقير للعيش وسبيل العاطل للعمل، يعمل فيها المثقفون والجامعيون ومن لم ينل حظاً وافراً من العلم، ومن انقطعت به السبل وفقد عمله وأصبح عاطلاً، لكنه وغيره يعيلون أسراً، وينفقون على أطفالٍ، ويتكفلون أيتاماً، ويتعهدون آخرين علاجاً ومساعدة.

على الرغم من أن السلطات كلها تعرف هذه الحقائق، وتدرك الواقع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء الباعة المتجولون الذين أرغموا على هذا النوع من العمل، إلا أنها تلاحقهم وتطاردهم، وتطبق قوانينها الجائرةَ بحقهم بتعسفٍ وقسوةٍ، وبتشددٍ وصرامةٍ، وتبرر قسوتها بأنها حريصة على الشوارع العامة ونظافة الطرقات، ويهمها المظهر العام والتنظيم، ويسوؤها الفوضى ومشاهد البضائع المنثورة على الأرض، والمنشورة على مدى الشارع، ويزعجها أصوات الباعة وعروضات أصحاب البسطات، وتؤذيها الروائح المنبعثة وحالة الازدحام الشديدة في الشوارع، التي تعرقل السير وتمنع انسياب حركة المرور، وغيرها من الأسباب التي توجب قمعها، وتجيز عنفها، وتبرر سياستها الضابطة.

تحسن السلطات والحكومات استخدام العصا والسوط، وتمعن في العقاب والجزاء، وتتناسى دورها وواجبها، وما ينبغي عليها فعله تجاه مواطنيها، لتضمن لهم العمل والسكن والعيش الكريم، ثم تتساءل باستغرابٍ واستهجانٍ لماذا يثور المواطنون وينقلبون عليها، ولماذا ينتفضون على سلطتها ويرفضونها، ولماذا يطالبون بتغيير أنظمتهم وإسقاط حكوماتهم، أليس فيما ترتكبه الدولة في حقهم مبرراً لغضبتهم، ومسوغاً لانتفاضتهم، ودافعاً للخروج عليهم.

بيروت في 28/6/2016
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف