الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الغموض العارف للغة القصيدة ومكانة القارئ بقلم:مادونا عسكر

تاريخ النشر : 2016-06-27
الغموض العارف للغة القصيدة ومكانة القارئ بقلم:مادونا عسكر
مادونا عسكر/ لبنان

الغموض العارف للغة القصيدة ومكانة القارئ.

قراءة في ديوان "كأعمى تقودني قصبة النّأي" للشّاعر محمد حلمي الرّيشة.

تقودنا قصبة نأي الشّاعر محمّد حلمي الرّيشة إلى عوالم الشّعر المتأرجحة بين الحقيقة والخيال، والمترعة بالجمال المجازيّ. تحركّنا الدّهشة وتجذبنا منقادين إلى عالم الشّاعر المحتجب في خفايا ذاته المتأنّية في تلمّس الوحي الشعريّ والتّبشير به في كلمات/ أنفاس يصفها الشّاعر بالأبديّة.

على الرُّغمِ من أنَّها لَيسَتْ سِوى أنفاسٍ

إِنَّ الكَلِماتِ الّتي تَصدُرُ عنّي أَبَدِيَّة (1)

ولئن كنّا منقادين مجذوبين إلى سحر الشّعر وبهائه سبرنا أغوار الشّاعر، وذهبنا عميقاً في معناه القلبيّ لنقطف ثمار الكلمة، ونحصد غلال الجمال. إلّا أنّه وهو العالِم بكونه الشّعريّ، والعارف بمقاصده القلبيّة، يتركنا في حيرة من أمرنا، خالقاً بيننا وبينه حلقة وجدانيّة مفقودة.  تشكّل هذه الحلقة حالة من الشّوق بين القارئ والقصيدة، فيطمح إلى مزيد من الولوج في كون الشّاعر، إلّا أنّه يجد نفسه ظامئاً إلى تلمّس المعنى الأصيل. فالشّاعر محمد حلمي الرّيشة يريد للقارئ اشتعال الحيرة واتّقاد التّوق المعرفيّ الشّعريّ، ولا يريد له الخمول والاستكانة للقراءة العادية المرحليّة. كما يريد الاستئثار بقارئه حتّى يعود إليه كلّما تباعدت أمواج المعرفة.  فالشّاعر الأصيل هو ذاك الّذي يمنح قارئه آفاقاً واسعة، فيربّي خياله، وينمّي فكره، ويرتقي بروحه إلى مقامات تتجلّى بالتّأمّل.

- القصيدة/ الحبّ الدّهشة:

القصيدة في عرف الشاعر محمد حلمي الرّيشة كائن حيّ، يحاوره ويتصادق معه، بل يوليه رتبة أرفع من ذلك. فينقل القصيدة من قلب الشّاعر ليولد هو منها. فتكون هي السّيدة وهو الّذي يمدّ حبره ليتجدّد بها. "لأنّك غير مقطوعة ولا ممنوعة،/ تظلّين تنتظرين يداً عارفة مذاق عينها الثّالثة./ لأنّك تعودين الشّاعر كلّ مرّة، بيضاء من غير سوء/ يحاولك حبره من جديد." (2). هي الحبيبة الصّامتة  الّتي لا تُلمَسُ بالحواس وإنّما تُغرم بها العين الثّالثة. ويظلّ الشّاعر بارتحال مستمرّ إليها ولا يصل، حتّى لا يتعطّل اللّقاء ولا تبرد المحبّة، ولا تبرح القصيدة مكانتها السّامية كحبيبة متجدّدة أبداً. "يدع الشّاعر كلّ شيء لأجلك إلّاكِ/ ذكيّة أنتِ في اجتذاب لاوعيه نحوكِ طائعاً/ لانخطافه/ منصتاً لأوار صمتك يضجّ بين خلاياه." (3). وبالحديث عن (لاوعي) نحن بصدد انجذاب لا إراديّ، أو بمعنى أصحّ، انجذاب أعمى. فالشّاعر شديد التّعلّق بالقصيدة. ويبدو لنا الشّاعر الرّيشة مسكوناً بالشّعر، مجبولاً بلغته، منغمساً في صمته البليغ. والعبارة (لانخطافه) تؤكّد أنّ للشّاعر مسكناً واحداً هو القصيدة، حيث يحيا منخطفاً، أشبه بناسك يكرّس ذاته لمحبوبه الإلهيّ، متخطياً الزّمان والمكان، ملتحماً به حتّى المنتهى. "تأخذين الشّاعر من زمانه ومكانه/ ليلدكِ بعد حركاتٍ شبه عابثة/ فدخولٍ مريضٍ/ فيتيمٍ على صفحة الحياة" (4)

لاوعي/ انخطاف/ يد ثالثة/ لا يجد أناه حتّى في هوامشه/ اليد الواحدة للموت... وعبارات عدّة تبلّغنا الحالة الرّؤيويّة الّتي أسرت الشّاعر أمام بهاء القصيدة وسرّها. وكأنّي بنا أمام ديوان رؤيويّ إن جاز التّعبير، نقرأ ألغازه ونفكّ شيفرته بتأنٍّ لندرك المعنى الكامن في قلب الشّاعر.  

- الغربة عن الذّات:

ولمّا كنّا أمام فنّ رؤيويّ، لزمنا الغوص في عمق الحرف حتّى نرتفع إلى الجمال المرجو، فنتبيّن غربة الشّاعر عن ذاته واتّحاده بالقصيدة. ( أمدّ جناحيّ، أحرّك هوائي/ لم تعد الأرض تشبهني) (5).

تقود قصبة النّأي شاعرنا إلى فوق، إلى ما بعد هذا العالم وهذه الأرض. من هنا أتت اللّغة الشّعريّة في الدّيوان مغايرة للغة العالم. كأن نقرأ في السّطور التّالية:

" تأمّل

... ... ...

... ...

..." ( 6)

وكأنّي بالشّاعر وصل إلى نقطة الصّمت شبه المطلق، أم أنّه ولج في تأمّله حدّ تلاشي الكلمات، ما دلّت عليه العلامات السّيميائيّة بتلاشيها، فنشهد تضاؤل ملامحها لتدلّ على انتفاء اللّغة الأرضيّة والتّحوّل نحو اللّغة الشعريّة. يؤكّد على قولنا السّطور الّتي تلي مباشرة ( التّأمّل):

" خلاص

أمدّ جناحيّ

أحرّك هوائي

لم تعد الأرض تشبهني" ( 7)

- الوعي الأيروسي عند الشّاعر محمد حلمي الرّيشة:

حذر جدّاً شاعرنا في محاكاة لغة الجسد الشّعريّة. وللأمر إيجابيّة في جعل القارئ قابعاً في الحالة الرّؤيويّة، لا يبارحها حتّى وإن عبّرت القصيدة عن التّناغم الجسدي. فالحال هنا أشبه باتّحاد الكلّ في الكلّ، جسداً وروحاً. وبما أنّنا نقرأ فنّاً رؤيويّاً فلا بدّ أن نتفهّم هذا الوعي الأيروسي الإبداعي لدى الشّاعر. كما لا بدّ أن نتبيّن الإبداع الشّعريّ في سكب المعاني في قالب الجسد بتعابير مجازيّة  تحاكي الجسد من ناحية وترتقي بالرّوح من ناحية أخرى. فيظهر لنا الأيروس في إطار غامض، مبهم، لا يكشفه القارئ إلّا بعد أن يتّحد بقلب الشّاعر.

قد لا نقرأ تعابير واضحة وصريحة تشير إلى لغة الجسد وإنّما بتفكيك العبارات نصل إلى غايتنا المرجوّة.

" أريكة ضيّقة لا تسع كرة أرض خلجاتنا

نثرت وسائدها كأوراق رزنامة الفقد

: هيّا فوق صهوة الصّدر وافتراق السّاق

هكذا شاء قوسها، فشاء سهمي" ( 8)

" بصفحات شغف

وتوهان قنديلي

أقرأ كتابها الجسد

بأمّيّة ارتباكي" (9)

وتظلّ قصبة النّأي تقودنا حتّى نبلغ فردوس الشّعر، حيث يعبّر الشّاعر عن ذروة إبداعه، ويعلن بخجل عن تلك الحلقة الوجدانيّة المفقودة، فنجدها في تواريه واحتجابه الأرضي كَيما يظهر متلألئاً بإبداعه. وبهذا التّواري أو الاحتجاب نتفهّم هدفه من خلق حيرة لدى القارئ. بل إنّه يتباعد عنه ويتدانى حتّى يحافظ على مكانة القصيدة ومكانة القارئ معاً. فلا هي تنحدر إلى الابتذال، ولا هو يسقط في سطحيّة المعنى.

يقول الأديب والمفكّر  اللّبناني جورج الأشقر: " الجمال هو الإلحاح على الكلمة حتّى تتجسّد". ولا ريب أنّنا ونحن نقرأ ديوان الشّاعر محمد حلمي الرّيشة "كأعمى تقودني قصبة النّأي"، نشهد لجمال الكلمة المتجسّد، فنحاكي القصيدة شخصاً، ويتراءى لنا بهاء سرّ الكلمة، وينعكس سناها على نفوسنا فنرتقي ونسمو.

--------------

(1) ال ( حبيبته العالقة في دبق نجمة المجاز) ( ص 138)

(2) القصيدة؛ صدقة الغيظ في يد الموت ( ص 11)

(3) القصيدة؛ صدقة الغيظ في يد الموت ( ص 13)

(4) القصيدة؛ صدقة الغيظ في يد الموت ( ص 12)

(5) أمدّ جناحيّ، أحرّك هوائي/ لم تعد الأرض تشبهني ( ص 21)

(6) شرهان تائهان في حلولهما- أمدّ جناحيّ، أحرّك هوائي/ لم تعد الأرض تشبهني- ( ص 43)

(7) شرهان تائهان في حلولهما ( ص 43)

(8) لا جداولي تملؤها ، ولا بئرها تلقيني ( ص 60)

(9) لا جداولي تملؤها ، ولا بئرها تلقيني ( ص 61)
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف