الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ما بعد إنضمام فلسطين إلى إتفاقية نيويورك بقلم:د. إيهاب عمرو

تاريخ النشر : 2016-06-27
ما بعد إنضمام فلسطين إلى إتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية لعام 1958

تم إقرار إتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية “New York Convention”  من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجاري الدولي الذي انعقد في مدينة نيويورك سنة 1958. وتعد إتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ، أفضل ما تم التوصل إليه في نطاق الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها. من جانب، تعتبر هذه الاتفاقية بمثابة تعديل كبير بالنسبة لاتفاقية جنيف “Geneva Convention” لعام 1927 الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية. حيث أن إتفاقية نيويورك تعد أكثر فعالية في تحصيل الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي. وقد حلت محل إتفاقية جنيف فيما يتعلق بالدول التي تعتبر أطرافاً في كلتا الاتفاقيتين. من جانب آخر، تعطي الإتفاقية أثراً أكثر اتساعا لصلاحية اتفاق التحكيم من تلك التي كانت معطاة وفقاً لبروتوكول جنيف “Geneva Protocol” لعام 1923. والإتفاقية حلّت محل البروتوكول فيما يتعلق بالدول التي تكون ملتزمة بكليهما. وقد وصفت الإتفاقية من قبل بعض شراح التحكيم التجاري الدولي بأنها  الركيزة الأكثر أهمية التي يستند إليها صرح التحكيم الدولي.

وعلى الرغم من أن إتفاقية نيويورك تشير إلى الإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، فإنها تبحث أيضاً في مسألة الإعتراف والتنفيذ غير المباشر لإتفاقات التحكيم. وتتكون الاتفاقية من 16 مادة، تعالج مسألة الإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في إقليم الدولة المنضمة إليها. وفي إعلانها الافتتاحي أخذت الإتفاقية موقفاً ملفتاً للنظر حيث تضمنت النص على أن الحكم الصادر في دولة معينة حتى لو لم تكن طرفاً في اتفاقية نيويورك، فإنه يكون معترفاً به وواجب التنفيذ بواسطة أي دولة أخرى تكون طرفاً في الإتفاقية. كما تسمح الإتفاقية للدول الملتزمة بها، أن تعمل تحفظين؛ الأول على أساس المعاملة بالمثل أو التبادلية   “Reciprocity” والثاني هو التحفظ التجاري “Commercial Reservation”، وبهذا فإن الإتفاقية تتميز بالوضوح وسهولة الفهم. وقد تركت الإتفاقية الحرية للدول في وضع التحفظات التي تتلاءم مع سياستها التشريعية، وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وذلك بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الدول للانضمام إلى الاتفاقية.

وقد تضمن قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000 نصوصاً تتناول العديد من المواضيع ذات العلاقة بالتحكيم التجاري الدولي، والمتوافقة مع النصوص الواردة في إتفاقية نيويورك. ومن ذلك تضمن قانون التحكيم الفلسطيني مبادئ تعد من أهم المبادئ التي يرتكز عليها التحكيم التجاري الدولي بشكل عام مثل تحديد نوعي التحكيم (الخاص والمؤسسي) في المادة (3) منه، تحديد نوعي اتفاق التحكيم (شرط التحكيم ومشارطة التحكيم) في المادة (5/1) منه، التأكيد على الحرية الممنوحة للأطراف في اختيار القواعد القانونية الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم - في التحكيم الخاص تحديداً- في المادة (18) منه، الاعتداد بإرادة الأطراف في اختيار القانون الموضوعي الذي يحكم النزاع في المادة (19) منه، الاعتراف بمبدأ الحق بالطعن ضد قرار التحكيم أمام المحكمة المختصة في المادة (43) منه، مع عدم إمكانية التنازل عن هذا الحق. أخيراً، تضمن قانون التحكيم الفلسطيني التأكيد على منح قرار التحكيم الأجنبي ذات القوة التنفيذية والأثر القانوني التي تكون لقرارات المحاكم  بعد أن يتم الاعتراف به "تصديقه" من قبل المحكمة المختصة في المادة (47) منه، إذ أنه في حالة تنفيذ قرار تحكيم أجنبي، فلا بد أن يقترن التنفيذ  بالاعتراف. بحيث يتم تنفيذ قرار التحكيم بالصورة التي تنفذ فيها القرارات الصادرة عن المحاكم الفلسطينية، في حالة رفض التنفيذ الطوعي من قبل الطرف الخاسر في القضية.

ويلاحظ أيضاً قيام قانون التحكيم الفلسطيني بإيراد الأسباب التي يستطيع الطرف الخاسر في القضية التمسك بها عند الدفع برفض التنفيذ أمام المحكمة المختصة وذلك في المادتين (47، 48) منه، والتي تتعلق بأطراف عملية التحكيم، اتفاق التحكيم، المحكمون، إجراءات التحكيم وقرار التحكيم ذاته. غير أن قانون التحكيم الفلسطيني قدم الأسباب التي تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها أو ما يعرف بإسم "أسباب الدولة" على الأسباب التي يثيرها الخصم، عكس ما فعلت الاتفاقية. ونرى أن فانون التحكيم الفلسطيني قد أعطى سمواً للإتفاقات الدولية ومن ضمنها إتفاقية نيويورك، ذلك أنه في حالة تعارض قرار التحكيم مع الإتفاقية، فإن المحكمة لا تقوم بتنفيذه من تلقاء نفسها، وذلك بموجب المادة 48 من القانون والتي أجازت للمحكمة المختصة رفض تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي من تلقاء نفسها إذا كان القرار لا يتفق والمعاهدات والإتفاقيات الدولية المعمول بها في فلسطين.

وعليه، نرى أن قانون التحكيم الفلسطيني يتماثل في العديد من نصوصه مع أحكام إتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية لسنة 1958، سواء كان ذلك بشكل مباشر، أو بشكل ضمني. ويظهر هذا الأمر جلياً من خلال النصوص التي أوردها قانون التحكيم الفلسطيني، والتي تتناول موضوعة الاعتراف وتنفيذ قرار التحكيم الأجنبي، حيث تتشابه نصوص القانون الفلسطيني إلى حد بعيد مع النصوص الواردة في إتفاقية نيويورك. ويمكن أن نعزو ذلك إلى كون أن الإتفاقية المذكورة تعتبر من أهم الإتفاقيات التي تتناول المسائل ذات العلاقة بالتحكيم التجاري الدولي، من جهة. ولكون أن معظم دول العالم تعتمد هذه الإتفاقية بشكل رسمي، بحيث تعتبر جزء لا يتجزأ من التشريع الداخلي لهذه الدول، من جهة أخرى. ولا يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى أن واضعو قانون التحكيم الفلسطيني لسنة 2000 قد أخذوا بعين الاعتبار عند إعداد القانون، إمكانية انضمام فلسطين إلى الإتفاقية، وهو ما استلزم تهيئة القانون الفلسطيني كخطوة إستباقية، عبر المواءمة ما بين النصوص التي يتضمنها قانون التحكيم الفلسطيني - ذات العلاقة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية تحديداً- مع أحكام إتفاقية نيويورك، بحيث تكون فلسطين ملتزمة بأحكام هذه الإتفاقية، كباقي الدول الأخرى المتعاقدة.    

بناءً على ما سبق، يتبين لنا مدى أهمية الإنضمام إلى إتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، خصوصاً بعد إنتزاع دولة فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة بموجب قرار تاريخي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2012، بحيث أنه سيكون من الممكن تنفيذ قرارات التحكيم الصادرة في بلد أجنبي في فلسطين، بعد اتباع الاجراءات القانونية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ هذا النوع من القرارات، والمنصوص عليها في قانون التحكيم الفلسطيني سالف الذكر. وكذلك تلك الواردة في قانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005، وتحديداً المواد (38،37،36،8) منه، والتي تتضمن أحكاماً تتعلق بتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية، بما يعزز ثقة المستثمر الأجنبي بالنظام القانوني في فلسطين وكذلك في القضاء الفلسطيني، وهو ما قد يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

غير أن ذلك قد يتطلب تدخلاً من قبل سيادة الرئيس بما له من صلاحيات تشريعية نص عليها القانون الأساسي من أجل تعديل قانون التحكيم الفلسطيني، بحيث يتم اعتبار إتفاقية نيويورك جزء لا يتجزأ من القانون الوطني، كما فعلت كثير من الدول المتقدمة سواء كانت تتبع النظام القانوني اللاتيني مثل ألمانيا واليونان، أو تتبع النظام القانوني الأنجلوسكسوني مثل بريطانيا، كما سبق وأسلفنا. كما يتطلب الإنضمام إلى إتفاقية نيويورك تعزيز الاهتمام بالمحاكم الفلسطينية، والتي سوف تضطلع بمهمة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بما لذلك من أهمية وتأثيرعلى الاقتصاد الوطني، من خلال رفد الجهاز القضائي بالقضاة المتخصصين في التحكيم التجاري الدولي، ممن لديهم المهارات والخبرات اللازمة والمعرفة الكافية بالتحكيم الدولي عموماً، وبأحكام إتفاقية نيويورك خصوصاً. إضافة إلى هذا وذاك، فإن ثمة أهمية قصوى في عقد ورشات عمل تعريفية للعاملين في القطاع الإقتصادي بكافة مكوناته سواء كانوا أفراداً أم شركات حول أهمية وفعالية التحكيم التجاري الدولي كوسيلة لحل منازعات التجارة الدولية، بما يمكنهم من إبرام عقود تجارية مع أفراد أو شركات أجنبية تتضمن شروط تحكيمية تضمن تسوية النزاعات التي قد تنشأ عن طريق التحكيم، وهو ما قد يبعث بالطمأنينة والثقة لدى المتعاقد الأجنبي بإمكانية تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في دولة أجنبية في فلسطين عن طريق المحاكم الفلسطينية المختصة.

 
الكاتب: المحامي د. إيهاب عمرو
أستاذ القانون الخاص ومحكم معتمد  
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف