الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قِصَّة كِفَاح...

تاريخ النشر : 2016-06-26
قصَّة كِفَاح...
(ترجمة مختصرة لحياة العلامة محيي الدين خان رحمه الله تعالى)
16 محرَّم 1354هـ الموافق 19 إبريل1935م يوم الجمعة!
يرِد صدى أذان الجمعة على أهل القربة من المسجد الجامع، والكبار يهرولون إلى المسجد لاستماع الخطبة وأداء الجمعة، والأطفال يقتفون أثرهم إلى الخير والفضل والبركة.
في هذه الساعة المباركة بدأتْ زوجة الشيخ مولانا أنصار الدين خان رابعة تشعر بألم المخاض! والدنيا حولها بدأتْ تدور! والحمّالة تحاول تهدئتها بكل الوسائل! لكن دون جدوى! آه من شدة الألم! يا الله! يا رحمن! يا رحيم!
لم تطلْ شدة المخاض، بل سكنتْ، وأخذتْ مكانتها السكينة، ها هو المولود قد خرج إلى الدنيا! ها هو ذَا يفتح عينيه على البسيطة! ها هو الشيخ يغرِس كلمة الشهادة في أذن المولود! ها هي رسالة الإسلام قد وصلتْ إلى قلبه عن طريق السمع! سمّى والده الشيخ الطبيب ولده بـ محيي الدين؛ ليجعله الله معلَماً من معالم الهداية والرشاد والصراط المستقيم، وليكون لبنة في إحياء ما اندثر من معالم الدين تحت وطأة التنصير والاستعمار والجهل والبدعة والضلالة.
تربى الولد في بيت دين وتدين وعز وشرف، وبدأ دراسته بالقرآن الكريم، وترقى في سلَّم المعالي يوماً بعد يوم، واجتاز مراحل الدراسة بتفوق وامتياز، وبدأ يصبو إلى العلا والسمو والشموخ في تؤدة وأناة وحلم.
أخذ شهادته الثانوية عام ١٩٥١م، وتخرج من المدرسة العالية بدكا عام ١٩٥٥م، واجتاز مرحلة الماجتسير ١٩٥٦م من قسم الفقه الإسلامي، ثم بدأ...
يا تُرى! بدأ ماذا!!؟
بدأ التجارة أو الصناعة أو الوظيفة؟
لا شيء مما ذُكر، ولكن بدأ الأدب..
نعم، كان أغلب المسلمين والعلماء والمشايخ في هذه الديار (بنغلاديش الحالية) قد تخلَّوا عن اللغة البنغالية للهندوس، وتجرأ أكثرهم حماسة على إعلان كونها لغة هندوسية لا تليق بالمسلم الاشتغال بها، وقضاء الوقت في تعليمها وتعلمها، والكتابة بها!؟
فكان الأثر الطبيعي أن امتلك الهندوس نواصيها، وبرعوا فيها، وكتبوا بها، وأدخلوا سُم الهندوسية فيها، وحوّلوها إلى فخ لصيد شبان المسلمين ومثقفيهم!
فجرع اليغورون من أهل الدين لهذه الحالة، منهم هذا العالم الشاب! وخزن فؤاده، ففكر وقدر، ثم فكر وقدر أن يكون المجلِّي لحلبة سباق الصحافة والطباعة والنشر، فانبرى لرفع رأية الإسلام بهذه اللغة الهندوسية!؟ وتعلمها وأتقنها ثم بدأ يكتب المقالات ويرسلها إلى أصحاب الصحف والمجلات والدويات دون أن يبالي بها أكثرهم.
فتقدَّم خطوة وتشجَّع على أن يصدر مجلة شهرية!
لكن من أين يأتي بالأموال ليصدرها! ومن أين يأتي بالمقالات لينشرها! ومن أين يأتي بالرجال ليوزعها!
لم يفكر الشاب كثيراً في هذه المقدمات، وبدأ يكتب مقالاً ويترجم آخر حتى صار لديه من الكتابات ما يمكن أن يصدر بها مجلة شهرية صغيرة، فاستسلف من بعض الإخوة بعض الأموال واشترى بها أوراقاً ثم ذهب بها إلى المطبعة ليصدر المجلة!!
ما هذه السخرية!
يصدر الشاب المجلة بالأوراق! ضحك أصحاب المطابع طبعاً، ورفضوا طبع المجلة؛ لأنه ليس معه ما يدفع به أجورها، فتوسَّم الشاب في وجه أحدهم خيراً فتحدث معه، ووعده أن يدفع له الأجور بعد بيع أعداد المجلة!
وافق الرجل وهو غير راجٍ للأجرة، وطبعَ المجلة!
نعم، صدرتْ مجلة المدينة! ورأى المولود الأول وجه الدنيا العبوس!
تجشَّع الشاب أكثر ورتَّب حفل افتتاح للمجلة! ودعا إليه بعض الكُتاب الغيورين للإسلام والشعراء المائلين إلى الدين، على رأسهم علامة اللغة البنغالية على وجه الإطلاق الأستاذ الدكتور شهيد الله -رحمه الله تعالى- ولكن بدأت الوساوس تجيش في قلب الشا: ماذا سيكون إِنْ لم يحضر أحد!؟
ولكنه أقلع هذا الهاجس! وبدأ يجهِّز لحفل يليق بمجلة تحمل اسم المدينة! (على صاحبها ألف ألف صلاة وتحية).
حان موعد الحفل، وبدأ المدعوُّون يحضون واحداً بعد الآخر، والشاب يتعجب ويتحير ويندهش من فضل الله تعالى عليه ورحمته به!
حضر العلامة الدكتور شهيد الله وحضر بقية المدعوّين، وبدأ الحفل بتلاوة عطرة من القرآن الكريم!
وهنا، فجأة، تقدم أحد التجار وقال: أريد أن أسبق إلى الخير فأشتري (...) من المجلة بـ 100 تاكا! (والنسخة الواحدة لم تكلف أكثر من 5 أفلاس) وتقدم الدكتور شهيد الله واشترى نسخة واحدة بـ 5 تاكا! لأنه هو الآخر يريد أن يكون الأول في الخير!
بكى الشاب بملئ العين والفؤاد من آثار الرحمات والنفحات... وهكذا بدأ العدد الأول من مجلة المدينة الشهيرة بفضل الله تعالى وتوفيقه! سنة 1961م.
استمر الشيخ الشاب في إصدار المجلة! ولم يتوقف! بل تقدم، فكان يكتب المقال، ويذهب إلى المحلات لشراء الأوراق، ويحملها على عاتقه إلى المطبعة، ويبيعها للناس بنفسه، ويدعو الناس إلى قراءته!
فكان لا يمل ولا يكل، ولا يستحي من أعمال المجلة؛ لأنه يراها جهاداً للإسلام، ونضالاً في سبيل الله تعالى.
فتح الله على الشيخ! ووضع للمجلة القبول في فترة قصيرة، وطبقتْ شهرتها الآفاق، وتسابق الناس إلى اقتنائها شرق البلد وغربها!
ذاعت شهرة الشيخ، وانتشرتْ شهرته بين الناس، حتى وصل إلى خارج دائرة البلد، فعيِّن عضواً مؤسساً لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضواً لرابطة الأدب الإسلامي بالرياض، وصار وصار ... وألف عشرات الكتب، وترجم مثلها، وصنف وألف، وأصدر ونشر، وأسس مدارس ودور أيتام ومستشفيات و و و وشارك في السياسة، ودخل الانتخابات البرلمانية، وقاد الأحزاب الإسلامية، وساد المظاهرات والثورات ضد الطغاة البغاة والملحدين والعلمانيين، و و و إلى أنهكه المرض، وأضعفه ثِقل العمر، وألزمه الفراش، فلزم بيته وتمسك بباب الله تعالى، وقضى وقته بالتلاوة والقراءة والذكر والعبادة حتى وافته المنية مساء أمس قبيل الإفطار في مستشفى ليب إيد (19 رمضان 1437هـ).
فرحمه الله تعالى المجاهد الثائر، والكاتب الإسلامي الرائد، والسياسي البارز، والمصلح الكبير الشيخ العلامة محيي الدين خان، ورضي عنه، وجعل الفردوس الأعلى مثواه بفضله الجزيل وكرمه الواسع.
كان الشيخ رحمه الله تعالى متواضعاً في نفسه، حكيماً في تصرفاته، ومتقناً لأعماله، ذَا فراسة عن عواقب الأمور، مراقباً لله تعالى في جميع أحواله (نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله تعالى)، وقد ترك أكثر من ١٠٠ كتب، أصلية ومترجمة، على رأسها ترجمته لتفسير معارف القرآن الكريم للعلامة الشيخ المفتي محمد شفيع العثماني رحمه الله تعالى.
رحل عنا الشيخ وقد رأى بعينيه أن اللغة الهندوسية (!) تحولتْ إلى لغة مسلمة، وقد آتى جهوده الآثار بفضل الله تعالى وكرمه، وصار في البلد كتَّاب ومؤلفون بارزون، يحملون أقلامهم بلغتهم لأجل الإسلام، وينشرون رسالته السمحة بها، ويدافعون عن حوزته بها، وينفون عنه بها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
فكان شرف الريادة في ذلك للفقيد العلامة خان رحمه الله تعالى.

الكاتب: طالب الدراسات العليا بجامعة قطر.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف