الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب -19- بقلم:الشيخ عبد الغني العمري الحسني

تاريخ النشر : 2016-06-25
سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب -19- بقلم:الشيخ عبد الغني العمري الحسني
سلطة الفقهاء وأثرها على الشعوب -19-
بقلم الشيخ عبد الغني العمري الحسني

الفصل الثامن عشر
السلطة والحرية والعبودية

 
       نسمع كثيرا أن تاريخنا مليء بالمآسي، وأن الحكام الذين تعاقبوا على الأمة كان شطر منهم سفاحين، لا يرعَون في الشعوب إلاًّ ولا ذمّة.. ويُغفل المحللون أثر الدين في ذلك كله. ولا نقصد بالدين، إلا الدين الرسمي، الذي يشكّله الفقهاء بحسب الطلب تشكيلا؛ مع أن الدين في الأصل، جاء لتحرير العباد من عبودية العباد!.. فاعجب!..

       لا يشبه ما ذكرنا من انقلاب حقيقة الدين، إلا الدواء عندما يفسد، فيعود مضرا بالصحة (وقد يتسبب في الموت)، بدل أن يكون شافيا. وهكذا الدين إذا تلاعب به الأحبار، فإنه بدل أن يدل العباد على عبادة ربهم، يدلهم على عبادة العباد من جديد. وكأن الأصنام الأولى ما هدمت، إلا لتنبت في القلوب!..

       صرنا نسمع كثيرا من العلمانيين (ومنهم فقهاء)، يتكلمون عن حرية المعتقد، التي جاء ذكرها في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان (سفر من أسفار الكتاب المقدس الدجالي)، ويفهمونها على غير وجهها؛ وكأن الله يشرع لعباده الإيمان مع الكفر. ويستدلون بقول الله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، وينسون أن صدر الآية جاء فيه: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف: 29]؛ وهو ينبئ بظهور الحق وبلوغه الأسماع. ثم إن الآية وعيديّة؛ نعني أنها تتوعد من يكفر بالحق، بعد أن يتبيّن له. ثم يقول الله في موضع آخر: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]. فمُحال أن يستوي الإيمان والكفر، من أي وجه كان. ولكن مع هذا، فإن الله لا يرضى لعباده أن يأتوه مُكرَهين. يقول سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]. فإن كان الله رب الناس، لا يقبل منهم أن يأتوه بظاهر يخالف باطنا؛ فإنه لم يبق لأحد من العباد أن يقول غير ذلك. لكن الفقهاء، وقد أذن الله لهم بتبليغ أحكامه، نسوا أنفسهم، وأعجبتهم ربوبية الأمر والنهي؛ واستمرأوا سلطةً قد لا تصفو أحيانا للحكام أنفسهم، فخالفوا باستعمال منطق السلطة أصل الدين. وبدل أن يُنتج الدين لنا رجالا أحرارا، أنتج لنا أجيالا من العبيد؛ إلا ما ندر. وبهذه السلطة المبتدعة، غابت صلة الناس بربهم، وحلت محلها صلة بالفقهاء. فما أمضاه الفقيه فهو الصواب والحق، وما رده فهو الباطل. وهنا -وبما أن الفقهاء تُمكن مخادعتهم- ظهر النفاق وفشا التظاهر الكاذب. وكثيرا ما كانت سلطة الفقهاء توجِّه السلطة التنفيذية من الدولة، فيظهر العنف الذي يُلبَس لبوس الشرع؛ ويُقتل قوم، ويُنفى أو يُسجن آخرون...

       ما سلم مما ذكرنا، إلا من عاشوا تحت ظل الخلافة على منهاج النبوة الأولى؛ ولن يسلم بعدُ، إلا من سيعيش زمن الخلافة الثانية. وكما جعل الله الفقهاء سببا في تنميط الدين، وفي تقييد الحريات، في مرحلة الملك العاض والملك الجبري، فإنه سبحانه سيهيئ من يكون سببا لإخراج الناس من ذلك، إلى سعة الإسلام الأصلي؛ وليسوا إلا الربانيين أهل الإطلاق. وهكذا يبدو أن التقييد (المناسب لعبودية الإكراه) يجيء من أهل التقييد، وأن الإطلاق يأتي من أهل الإطلاق.. وكلٌّ يدل على مشهوده، لا غير.

       إن العبودية لله الحق، لا تقبل أن يكون بين العبد وربه أحد. ولسنا هنا نكرر كلاما من دون أن نعقل معناه، كما يفعل عُمْي البصائر من الوهابية؛ ولكننا نعني ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عند الله. ومن لي بمن يفهم عنا!.. إن تعليم العبودية لله، والحرية عن سواه سبحانه، له روح به تحيى ألفاظ الوحي في شاهد الناظر فيها. من دونه، لا يعدو الكلام أن يكون خطوطا أو أصواتا. إن صورة الكلام الميتة تناسب العبيد، كما تناسب بعض الأصوات أفهام البهائم؛ وروح الكلام تكون من نصيب الأحرار... ويبقى السؤال: ما الذي يجعل العبيد عبيدا، والأحرار أحرارا؟

       يقول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213]؛ أي لم يكن يُميَّز بين الأحرار والعبيد (معنويا)، قبل مجيء الرسل والكتب من عند الله. فإن كنا في زمن رُفعت فيه النبوة، فما بقي إلا الوارثون. والوارثون أصناف منهم الفقهاء العاملون وارثو الظاهر، ومنهم الربانيون وارثو باطن الدين والظاهر. فإذا فسد أهل الظاهر، فإن أهل الباطن هم الملاذ الأخير بعد الله سبحانه. وكما خرج الأحرار من أمة العبيد في زمن النبوة، فإنه يخرج أحرار بمخالطة الربانيين والأخذ عنهم في الأزمنة المتأخرة.

       قد يسأل سائل (على المذهب الأناركي): فلم كانت السلطة من الأصل؟ وما حاجتنا إلى سلطة الفقهاء؟.. فنقول: إن سلطة الفقهاء لا بد منها، ولكن ينبغي أن تتقيّد بالشرع من وجه موافقة الأحكام الربانية؛ ومن وجه عدم مجاوزة دائرة الإذن الإلهي. وذلك لأن الإذن الإلهي للفقهاء، ليس عاما كما يظنون. ونعني أنهم ليسوا ورثة للنبوة، من كل الوجوه. فإن هم تقيدوا، كما فعلت ثلة منهم عبر العصور، فإن سلطتهم تكون نافعة لمجتمعهم؛ وإن هم جاوزوا ما ذكرنا، فإنهم يدخلون في دائرة الربوبية المحرمة على كل مخلوق. ويستحقون تبعا لذلك عذاب الله، إن شاء أن لا يغفر لهم. ويدخل في نطاق أهلية الفقهاء من السلطة، الفتيا والقضاء (الحكم) في زمانه؛ دون غيرهما.

       أما الربانيون الذين قلّ من الفقهاء من يعرف مرتبتهم، فإنهم إن أفتوا أو تصدروا للقضاء، أو كانوا خلفاء (الإمامة العامة)، أو كانوا مُربين مُزكّين، فإنهم لا يكونون في ذلك كله إلا عبيدا. ولقد سبق أن ذكرنا في فصل سابق غلط الفقهاء في قياس وظائف النبوة على ما يعلمون من أنفسهم في بعض ما يأتون منها بالإذن. وقد جاء أوان ذكر الفارق بين الفريقين هنا (الربانيين والفقهاء)؛ ألا وهو الظهور بالنفس، وعدمه. نعني أن الفقهاء قائمون في كل ما يأتون بأنفسهم، وأن الربانيين نفوسهم غائبة (الفناء عن النفس باصطلاح الصوفية القرآني). وهذا يعني أن الربانيين، وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام، يكونون عبيدا تامّي العبودية ولو كانوا ملوكا (كسليمان عليه السلام). وهذا ليس للفقهاء فيه نصيب؛ وليس لهم إلا عبودية طاعة الأمر، التي للعوام. والفرق الوحيد بينهم وبين العوام، هو الإذن الخاص الذي لهم (المقيَّد) في تبليغ الأحكام. هذا فقط!..

       وأما من يطمع في إلغاء الدين جملة، ويبقى مع ذلك محسوبا من الآدميين؛ فهو واهم!.. وهذا، لأن القانون (الشريعة) الذي يكون جديرا بسياسة العالم، ينبغي أن يكون من رب العالم؛ وإلا وقع الناس في تناقض المرجعية. نعني أن الناس مؤمنهم وكافرهم، واقعون تحت حكم الله من جهة القضاء والقدر؛ ولا يُمكن لكافر أن يزعم غير هذا. نعم قد تختلف تسمية الله عنده بحسب معتقده (طبيعة، صدفة، دهر...)؛ لكن هذا لا يغير من الأمر شيئا لديه. وزعْمُ جعل "الإنسان" مرجعا من حيث التشريع، الذي يردده الجاهلون منا كثيرا، هو زعم باطل، لا يُبدي إلا تقهقر القائل به عن مرتبة الآدمية. ونعني من الآدمية هنا، النسبة إلى أبينا الأول عليه السلام، الذي كان على وحي من الله، رب العالمين.

       إننا عندما نتكلم عن الخروج عن تحكم سلطة الفقهاء، لا نريد أن نخرج عن سلطة الدين؛ وإنما نريد أن يكون خضوعنا للشريعة، خضوعا لربنا؛ لا للمبلِّغين!.. هذا فحسب. وعلى الفقهاء المنصفين، أن يُقرّوا، أن ما نقوله، هو الأصل في الدين، حتى يُعذَروا عند الله، في أزمنة الفتنة هذه. ولن ينقُص من قدرهم شيء؛ لأن القدر المعتبر هو الذي للعبد عند الله، لا عند الناس. وكم من تابع سيتبرأ من متبوعه غدا! وكم من متبوع سيتبرأ من تابعه!.. إن العاقل، هو من يحكم بحكم الله في الأمور، قبل يوم الحكم والدين!..

       لو لم يغفل الناس، بكل طبقاتهم، عن الحقيقة الثابتة التي تجعل المـُلك لله وحده، في عاجل الأمر وآجله، لرأوا أن الشريعة ليست إلا تنظيما لشؤونهم، بما لم يكونوا ليعثروا عليه من أنفسهم، لجهلهم بأنفسهم وبغيرها. لو بقيت الشريعة على هذا النقاء، لما أباها إلا الأشقياء الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»[1]. وقد يشمئز بعض الناس من كلمة "أطاعني"، ويفهمونها على المعنى الذي يعلمونه من أنفسهم ومن أمثالهم (ومنهم الفقهاء)؛ والحقيقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليس له من هذه الطاعة إلا النسبة؛ لأنه غائب غيابا تاما بنفسه الشريفة. وليس لأحد أن يزعم اتباعه في هذه الحال، غير الربانيين من ورثته صلى الله عليه وآله وسلم وحدهم. ولولا هذا المعنى من غيابه (فنائه) صلى الله عليه وآله وسلم، لما قال الله عنه في القرآن: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]. فطاعته لم تكن طاعة الله، إلا بفنائه صلى الله عليه وآله وسلم وبقائه بالله؛ وهو عينه ما رفع عنه محاسبة المتولّين غير المطيعين. وهذا، هو ما يقع فيه المترببون من الفقهاء. نعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إن لم تطعه، لا شأن له بك؛ لأن مهمته البلاغ فحسب؛ أما الفقيه الغافل، فإنه يرى مخالفتك له اعتداء على سلطته. وهذا هو الفرق!.. وهو أيضا ما أفسد الدين، ونفّر الناس منه!..


[1] . أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف