الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مفارقة «الغنوشي» بقلم:عبد الحليم قنديل

تاريخ النشر : 2016-06-24
■ الشــــيخ راشــــد الغنــــوشي لم يختلف مع الإخوان اليوم، فقد كان مختلفا أغلب الوقت، وحتى حين كان يطلق على حركتـــه في تونس اسم «الاتجاه الإسلامي»، فلم يكن قريـــــبا أبدا من تفكير قيادة الإخوان في مصر، بل كان أقرب إلى تفكير شخوص من أمثال عادل حسين وحسن الترابي.

كان الترابي إخواني النشأة، ثم جعل لنفسه اتجاها يزدري طريقه تفكير قادة الإخوان، وكان عادل حسين ماركسيا ثم ناصريا قبل اتجاهه الإسلامي، وكذلك كان الغنوشي ناصريا قبل اتجاهه الإسلامي.

الغنوشي ـ إذن ـ بنية ذهنية مختلفة، وقد حمل بشدة على طرق تفكير حسن البنا وسيد قطب، وعدها ـ في حوار صحافي ـ مجرد مراحل فات أوانها، وكلام «شمولي» لم يعد له محل من الإعراب العقلي، وانفعالات ترد على حوادث من نوع انهيار الخلافة العثمانية، أو ما بدا من تقييد نظم طاردت التدين ومنعت ارتداء الحجاب.

ثم هدم الغنوشي الفكرة الأساسية للإخوان ومن تلاهم أو انشق عنهم، وهـــــي فكرة نشر الإسلام من أول وجديد، ونعت مجتمعات المسلمين بالجاهلية أو بالكفر، وإقامة توازيات و»تماهيات» بين سيرة هذه الحركات وسيرة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وأحاديث إقامة خلافة على منهاج النبوة.

وبدا الغنوشي في حواره بعيدا عن هذه الأفكار بالجملة، واعتبرها مجرد حالات مأزومة، واعتبر حزبه «حركة النهضة التونسية» حزبا وطنيا مدنيا وسطيا، وإن أكد أنه ليس علمانيا، وأن المرجعية الإسلامية عنده في الاعتراف الدستوري بعروبة وإسلام تونس، ولم يدرج جماعة الإخوان ولا أحزابها في قائمة الأحزاب المعتدلة التي يفضلها، وقال إنه قريب في التفكير من حزب عبد الإله بن كيران في المغرب، وهو حزب يقود حكومة ائتلافية تحت السلطة السابغة للملك محمد السادس، ولم ينس الغنوشي الإشارة إلى مثال «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، وبدون أن يشير بالطبع إلى تحولات أخيرة جرت على شخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا إلى نزعاته «العثمانية» المتفاقمة، ولا إلى حرصه على الاستخدام «العثمانلي» البراغماتي لجماعات الإخوان العرب، رغم أن أردوغان بدأ رحلة صعوده بالانقلاب على أربكان، زعيم الإخوان في تركيا، ووصف حزبه بالعلمانية، ولم يطالب أبدا بالنص على تحكيم «الشريعة» في الدستور، بقدر ما يطالب بالتمكين الشخصي في الحكم، وتحويل النظام التركي إلى حكم رئاسي لا برلمانيا.

ولست مع التفكير التآمري الذي يصف الغنوشي بالإخواني المناور المتلون، وإن كان الرجل قد مر في حياته الفكرية بمرحلة إخوانية بعد مرحلته الناصرية الأولى، زمن الدراسة في دمشق، وأذكر أن حوارا عابرا حول الغنوشي، دار بيني وبين قيادة إخوانية زمن حكم الإخوان لمصر، كنت أشير إلى نضج الغنوشي فكريا، وكان القيادي الإخوانى يستهزئ بإسلام الغنوشي، ويصفه بأنه «إسلام أوروبي»، مختلف جذريا عن إسلام الإخوان، وحمدت الله أن الحوار انقطع، ولم يصل لدرجة تكفير الغنوشي وإخراجه من الملة، وإن كان آخرون يفعلونها بلا حرج، ويعتبرون الغنوشي «دسيسة» على الحركة الإسلامية.

كان ذلك حتى قبل أن يعلن الغنوشى أخيرا هجرته نهائيا من دار الإسلام السياسي، وتفضيله السكنى مع حزبه تحت عنوان «الديمقراطية المسلمة»، وعلى إيقاع يقربه من حالة أحزاب «الديمقراطية المسيحية» في السياسة الأوروبية، فلم يطالب الغنوشي أبدا بالنص في الدستور على أن الإسلام دين الدولة، رغم أنه لا يوجد دين آخر في تونس غير الإسلام، واكتفى الدستور التونسي بعبارة «تونس دينها الإسلام ولغتها العربية»، وهي عبارة شديدة المرونة والعمومية والخجل، إذا قيست بنص مقابل في الدستور المصري الجديد بعد خلع حكم الإخوان، فالدستور المصري ينص في مادته الثانية على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمـــية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، وهو ما قد يعني شيئا غاية في البساطة والوضوح، هو أن المزاج الوطني العام في مصــــر أكثر «إسلامــــية» بمراحل من الغــــنوشي وحركته، وهو ما قد يجد تفسيره في اختلاف السياق المصـــري عن الســـياق التونسي، فلم يتعرض الإسلام لقطيعة معه في كافة مراحل التاريخ المصري الحديث والمعاصر، وكل الدساتير المصرية بعد ثورة 1919 وبعد ثورة 1952، تذكر في صدارتها عبارة أن «الإسلام دين الدولة»، كما أن كل الدساتير المصرية بعد ثورة يوليو وإلى الآن، تذكر في صدارتها نصا بلا مثيل في الدساتير العربية كلها، تقول ألفاظه في المادة الأولى من الدستور الجديد إن «مصر جزء من الوطن العربي، والشعب المصري جزء من الأمة العربية يسعى لتحقيق تكاملها ووحدتها»، وهذا الوضوح القطعي في النص على العروبة والإسلام، ما لا يحلم به الغنوشي في تونس، خاصة أن قضــــايا الأحوال الشخصية محكومة بالشريعة في مصر، وأن القانون المدني المصري محكوم بقواعد الفقه الإسلامي، ولا شيء من ذلك بالطبع في تونس، فقد ألغى بورقيبه مبدأ الاحتــــكام للشريعــــة، ووضع «مجلة الأحوال الشخصية» على نمط غربي علماني صرف، ولم يطالب الغنوشي أبدا بتغيير مواريث بورقيــــبه، بل اعتبرها خطا أحمر، وحمل حركته «حزب النهضة» على عدم المطــــالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في نص الدستور، وصوتـــت قيادة حركته بالأغلبية الموافقة على عدم تضمين مبدأ الشريعة في الدستور، في حين ركز الغنوشي على قضية الحريات العامة، ورفض تسييس المساجد، وطرح برنامجا اقتصاديا رأسماليا يسميه هو برنامجا وسطيا، ولا يفترق في شيء ذي مغزى عن برنامج «حزب نداء تونس» شريكه في الحكم، والأخير ـ باللغة المصرية ـ هو حزب «فلول» تونس، وهو ما يحملنا على تصديق الغنوشي في دعوى قرابته من حزب بن كيران «العدالة والتنمية» في المغرب، في حين لا يبدو حزبه قريبا من مثال تجربة أردوغان في تركيا، ولسبب بسيط، وهو أن تجربة أردوغان الاقتصادية الناجحة، استندت إلى قاعدة صناعية سبقت عهده، وهو ما لا يوجد مثيل له لا في المغرب ولا في تونس، التي يجمعها معا ـ كما كل المغرب العربي ـ سيادة المذهب المالكي عظيم الاعتدال والبساطة والسماحة.

والغنوشى يتصور ـ كما في حوار أخير ـ أن حزبه هو البديل عن «القاعدة» و»داعش»، ولم يذكر الرجل «جماعة الإخوان» التي حرص على تجنبها بعد انقطاع الالتزامات التنظيمية، ربما لأنه يطمع أو يطمح في كسب جمهور ما داخل الإخوان، يتكون من زرافات المثقفين والمهنيين، ممن قد ينفرون من «الدعشنة» الجارية في صفوف وقيادات الإخوان، ومن الترديد الميكانيكي لمقــــولات حسن البنا وسيد قطب المتقادمة، وقد يتأثر بعض الإخوان فعلا بمثال الغنوشي، خاصـــة من الذين تركوا ديار الجماعة، وتحرروا من أوامر الســـمع والطاعة، وعلى شاكلة أحزاب ومؤيدي عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي، قد يحدث شيء من ذلك في مصر، وإن كان في حدود ضيقة جدا، مما قد تسمح به التقاليد الثقافية المصرية، لكن الخطر على فكرة الغنوشي قد يأتي غالبا من تونس نفسها، ومن قلب حركته «حزب النهضة» المرتضية حتى الآن بزعامته لأسباب تاريخية لا فكرية، فحركة النهضة ليست كلها على مثال الغنوشي، والاستنارة الملحوظة في القيادة غائبة عن القواعد وكثير من الحلقات الوسطى، فقد تضخمت الحركة، وزادت عضويتها، واكتسبت نفوذها على أساس ديني صرف، وعلى أساس من رفض التحديث على الطريقة « البورقيبية».

وقد يملك الغنوشي في حياته فرصة التحكم في التفاعلات والتناقضات الداخلية، وبإغراء التقدم السياسي إلى حكم تونس، لكن تجارب الحكم تفضح في العادة عورات الحركات المسماة «إسلامية»، وقصور وعي كوادرها، وعلى نحو ما جرى لحكم الإخوان في مصر، وما جرى لحكم «النهضة» بعد الثورة التونسية، وقد أنقذ الغنوشي حركته من محنة الحكم، وخرج من الحكم طائعا مختارا بعد ما جرى في مصر، وعلى أمل إعادة الكرة من جديد باستعداد ووعي أفضل، وهي مغامرة أو مقامرة تنتظر حكم المستقبل عليها، وما إذا كانت ستؤدي لانشقاقات دينية تقوض ميراث الغنوشي الشخصي، وإن كان زعمه بالحلول كبديل لـ«القاعدة» و«داعش» مما لا ينتظر حكما في المستقبل، فالحاصل فعلا هو العكس بالضبط، و«القاعدة» و«داعش» أكثر تأثيرا من «النهضة» في أوساط الشباب التونسي «المتدين»، بل إن تونس ـ بعد تحولات الغنوشي ـ صارت الأولى عربيا في تصدير الإرهابيين «الدواعش»، وهذه هي مفارقة أو ربما محنة الغنوشي
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف