عندما يختل توازن المصالح الاستعمارية تفقد اسرائيل قدرتها على الردع
تقتضي الفطرة البشرية ان تكون مراكز العلم منارات هداية ؛ تبث علوم الدنيا المكتنزة في صفحات التاريخ لخير الشعوب ورقيها وتحضّرها ، ولا تقتضي ان تكون المراكزبؤرا سرطانية ؛ تحكم العالم وتحرك قادة الدول الكبرى ؛ وعلى مدار قرون من الزمن ؛ لتنفيذ سياستها وتحقيق اهدافها الخفية بكل الوسائل ؛ سواء كانت بصناعة القنبلة النووية والقائها على اليابان ، او باغتيال الرئيس الامريكي الأسبق جون كيندي أو بافتعال الحروب والثورات الدامية ، او بتحرير وعد بلفور وتنفيذه ، ثم بصناعة جوقات اعلامية نشطة تواكب الأحداث وتعزف ألحان الفنون الخداعة لحواس السمع والبصر والبصيرة .
خلال مشاركته في منتدى بطرس بيرغ الاقتصادي ؛ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول : ( الغرب دعم الثورات الملونة ، واحداث الربيع العربي ؛ ما ادى الى تفشي الفوضى في الشرق الاوسط ) اشارة الى ان الدولة الكبرى امريكا وحلفاءها من الدول الاوروبية الغربية ؛ هم القادرة على التخطيط لاحداث دامية في مناطق ؛ تتنازع الدول الاستعمارية العالمية للسيطرة عليها .
يستطرد بوتين في اقواله : ( اذا استمرت هذه السياسة المبنية على العمل الأحادي ؛ دون تنسيق الخطوات على الساحة الدولية التي باتت حساسة جدا بالنسبة الى المجتمع الدولي ، فلا مفر من مثل هذه العواقب السلبية ، لكن اذا كنا نصغي الى بعضنا البعض ، ونبحث عن نقطة توازن للمصالح ؛ فلن تكون هناك أية عواقب من هذا القبيل ) .
بوتين رئيس دولة اتحادية ؛ تقف وجها لوجه امام الولايات المتحدة الامريكية ، وفي الوقت ذاته تعرف ان سوريا ساحة حرب يتصارع فوق ارضها كل الطامعين في خيرات ارضها وسمائها ومائها ، فاستباحوا ارضها ؛ واقتحمت روسيا ساحة الصراع من اوسع ابوابها ؛ لفرض حالة من توازن المصالح ، فعززت من قواعدها العسكرية في البر وفي البحر وكثفت من طلعات مقاتلاتها العسكرية في الجو ؛ تضرب في كل اتجاه ، وارهاب رصاصها يعيث فسادا وقتلا في كل مأوى اعتقد المواطنون انه آمن من غدر الطامعين ، ومدفعيتها تدك قرى ومدنا وابرياء .
ليست سوريا وحدها التي تدفع ثمنا باهظا جرّاء تناحر دول العالم الاول والثاني على سلب خيرات العالم ؛ الكثير من بلدان العالم الثالث تندثر انظمتها الحاكمة لانتهاء صلاحيتها في ترجمة ولاء الطاعة الى واقع ملموس ، وغيرها كثير من الدول محكوم عليها بان تعاني حالة انعدام الاستقرار حتى تستقر الحال بعد طول انتظار وترقب على انظمة تلقى مواصفات توازن المصالح . مع طول الانتظار ؛ يباد الملايين من الشيوخ والاطفال والنساء والشبان ، ويشرد شعب هائم على وجهه ؛ يصارع امنياته في الموت خلاصا من عذابات محطات التشرد ، ثم يحظر عليه تحقيق ما تمنى ؛ لا موت ولا حياة حرة كريمة متوفرة تحمي نساءه واطفاله من وحشية تجار البشر بدرجات من الانحطاط تنحدر دون وحشية الحيوانات المفترسة في الغابات والادغال .
بوتين يتغنى بانه يبحث عن عمل جماعي يرضي المجتمع الدولي ولا يقبل بالعمل الغربي الاستعماري الاحادي ، ولا يريد ان يختزل المجتمع الدولي امام الاعلام بمجتمعين توامين روسي وامريكي ؛ اذا توفرت السلامة لكل فرد من المجتمعين ؛ سلم العالم كله من اية عواقب سلبية ، واستقرت المصالح بينهما على قرني شيطان في حالة من التوازن .
بالامس ؛ اقتضى توازن المصالح بين الاتحاد السوفييتي من جهة وامريكا والدول الغربية من جهة اخرى ؛ على طرد شعب فلسطين من وطنه واحلال شتات اليهود من كل انحاء الدنيا بدلا منهم ، واقامة وطن قومي لهم في فلسطين – دولة اسرائيل – ثم اقتضت الضرورة الملحة صناعة الجيش الذي لا يقهر لحمايتها ، وارهاب كل جهة تطالب باعادة الارض الى اصحابها .
حافظت النزعة العسكرية الاسرائيلية على هيبتها ؛ عندما كانت ذات جدوى الى حد ما ، الّا ان تلك العقيدة قد اصطدمت بصمود حركة المقاومة اللبنانية عام 2006 ، ثم فشلت في تحقيق اي انتصار عسكري منذ تلك الحرب المصيرية ، خسرت قدرتها على الردع ؛ ليس على الساحة السياسية فحسب ، وانما على الارض كذلك ، تصدت لها المقاومة الفلسطينية في اكثر من مواجهة عسكرية في الاعوام 2008 ، 2012 ، 2014 على التوالي ، اصبح الجيش الاسرائيلي قادرا على ادامة احتلال لا يمكن الدفاع عنه ، وليس باستطاعته ان يحقق انتصارات عسكرية .
حتى نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي لم يعد باستطاعته أن يوفر بارقة امل حقيقية في طمانة عائلات جنود مفقودين في حرب لبنان على مصير ابنائهم ، فاضطر الى اعتلاء صهوة اسلوب الخداع ؛ للايهام بأن الدبابة التي سلمتها روسيا الى اسرائيل ؛ ستكون لهم ( اثرا من معركة السلطان يعقوب ، بامكانهم زيارته في اسرائيل ولمسه ولمس ذكرى ابنائهم ) لكن خبير دبابات اسرائيلي ميخائيل ماس اكد ان الدبابة ليست هي الدبابة التي تواجد فيها الجنود الثلاثة المفقودون .
عندما تعرض قيادة المنطقة الشمالية بعض استعداداتها وجاهزيتها لحرب ثالثة تستهدف فيها لبنان ، مع ما تعنيه الحرب بان اياما صعبة جدا سيواجهها الاسرائيليون ، ولا تعني بالمطلق احراز انتصار عسكري ، فان عرض استعداداتها لا يخرج عن كونه استعراضا اعلاميا ؛ يهدف الى بث الروح المعنوية في الأوساط الاسرائيلية .
كل ما تبقى في جعبة اسرائيل من ادوات فعالة ذات اثر الى حد ما لا يخرج عن كونه تجديدا لعقيدة استعمارية ( فرّق تسد ) ادواتها تكمن في بث روح الفرقة والتناحر بين مكونات الشعب الفلسطيني بالمرتبة الاولى ، وعلى درجات من الاستهداف ؛ ترتبط بتغير مواقع الشتات الفلسطيني الجغرافي ، ثم استهداف الامتداد العربي والاسلامي .
أما ان تعود قدرة اسرائيل على الردع ، فذلك مرهون بمدى نجاح القوى الاستعمارية العالمية على توفير توازن المصالح بينها ؛
والتوافق على اعتمادها اداة استعمارية ضاربة في الخطوط المتقدمة ، عندما تقتضي مصلحة روسيا التخلي عن الوقوف الى جانب
ايران وحزب الله ، وتطابق المصالح الروسية والامركية ؛ يكون لقدرة الردع الاسرائيلية شأن آخر .
...........................................................................
بقلم : بديع عويس
تقتضي الفطرة البشرية ان تكون مراكز العلم منارات هداية ؛ تبث علوم الدنيا المكتنزة في صفحات التاريخ لخير الشعوب ورقيها وتحضّرها ، ولا تقتضي ان تكون المراكزبؤرا سرطانية ؛ تحكم العالم وتحرك قادة الدول الكبرى ؛ وعلى مدار قرون من الزمن ؛ لتنفيذ سياستها وتحقيق اهدافها الخفية بكل الوسائل ؛ سواء كانت بصناعة القنبلة النووية والقائها على اليابان ، او باغتيال الرئيس الامريكي الأسبق جون كيندي أو بافتعال الحروب والثورات الدامية ، او بتحرير وعد بلفور وتنفيذه ، ثم بصناعة جوقات اعلامية نشطة تواكب الأحداث وتعزف ألحان الفنون الخداعة لحواس السمع والبصر والبصيرة .
خلال مشاركته في منتدى بطرس بيرغ الاقتصادي ؛ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول : ( الغرب دعم الثورات الملونة ، واحداث الربيع العربي ؛ ما ادى الى تفشي الفوضى في الشرق الاوسط ) اشارة الى ان الدولة الكبرى امريكا وحلفاءها من الدول الاوروبية الغربية ؛ هم القادرة على التخطيط لاحداث دامية في مناطق ؛ تتنازع الدول الاستعمارية العالمية للسيطرة عليها .
يستطرد بوتين في اقواله : ( اذا استمرت هذه السياسة المبنية على العمل الأحادي ؛ دون تنسيق الخطوات على الساحة الدولية التي باتت حساسة جدا بالنسبة الى المجتمع الدولي ، فلا مفر من مثل هذه العواقب السلبية ، لكن اذا كنا نصغي الى بعضنا البعض ، ونبحث عن نقطة توازن للمصالح ؛ فلن تكون هناك أية عواقب من هذا القبيل ) .
بوتين رئيس دولة اتحادية ؛ تقف وجها لوجه امام الولايات المتحدة الامريكية ، وفي الوقت ذاته تعرف ان سوريا ساحة حرب يتصارع فوق ارضها كل الطامعين في خيرات ارضها وسمائها ومائها ، فاستباحوا ارضها ؛ واقتحمت روسيا ساحة الصراع من اوسع ابوابها ؛ لفرض حالة من توازن المصالح ، فعززت من قواعدها العسكرية في البر وفي البحر وكثفت من طلعات مقاتلاتها العسكرية في الجو ؛ تضرب في كل اتجاه ، وارهاب رصاصها يعيث فسادا وقتلا في كل مأوى اعتقد المواطنون انه آمن من غدر الطامعين ، ومدفعيتها تدك قرى ومدنا وابرياء .
ليست سوريا وحدها التي تدفع ثمنا باهظا جرّاء تناحر دول العالم الاول والثاني على سلب خيرات العالم ؛ الكثير من بلدان العالم الثالث تندثر انظمتها الحاكمة لانتهاء صلاحيتها في ترجمة ولاء الطاعة الى واقع ملموس ، وغيرها كثير من الدول محكوم عليها بان تعاني حالة انعدام الاستقرار حتى تستقر الحال بعد طول انتظار وترقب على انظمة تلقى مواصفات توازن المصالح . مع طول الانتظار ؛ يباد الملايين من الشيوخ والاطفال والنساء والشبان ، ويشرد شعب هائم على وجهه ؛ يصارع امنياته في الموت خلاصا من عذابات محطات التشرد ، ثم يحظر عليه تحقيق ما تمنى ؛ لا موت ولا حياة حرة كريمة متوفرة تحمي نساءه واطفاله من وحشية تجار البشر بدرجات من الانحطاط تنحدر دون وحشية الحيوانات المفترسة في الغابات والادغال .
بوتين يتغنى بانه يبحث عن عمل جماعي يرضي المجتمع الدولي ولا يقبل بالعمل الغربي الاستعماري الاحادي ، ولا يريد ان يختزل المجتمع الدولي امام الاعلام بمجتمعين توامين روسي وامريكي ؛ اذا توفرت السلامة لكل فرد من المجتمعين ؛ سلم العالم كله من اية عواقب سلبية ، واستقرت المصالح بينهما على قرني شيطان في حالة من التوازن .
بالامس ؛ اقتضى توازن المصالح بين الاتحاد السوفييتي من جهة وامريكا والدول الغربية من جهة اخرى ؛ على طرد شعب فلسطين من وطنه واحلال شتات اليهود من كل انحاء الدنيا بدلا منهم ، واقامة وطن قومي لهم في فلسطين – دولة اسرائيل – ثم اقتضت الضرورة الملحة صناعة الجيش الذي لا يقهر لحمايتها ، وارهاب كل جهة تطالب باعادة الارض الى اصحابها .
حافظت النزعة العسكرية الاسرائيلية على هيبتها ؛ عندما كانت ذات جدوى الى حد ما ، الّا ان تلك العقيدة قد اصطدمت بصمود حركة المقاومة اللبنانية عام 2006 ، ثم فشلت في تحقيق اي انتصار عسكري منذ تلك الحرب المصيرية ، خسرت قدرتها على الردع ؛ ليس على الساحة السياسية فحسب ، وانما على الارض كذلك ، تصدت لها المقاومة الفلسطينية في اكثر من مواجهة عسكرية في الاعوام 2008 ، 2012 ، 2014 على التوالي ، اصبح الجيش الاسرائيلي قادرا على ادامة احتلال لا يمكن الدفاع عنه ، وليس باستطاعته ان يحقق انتصارات عسكرية .
حتى نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي لم يعد باستطاعته أن يوفر بارقة امل حقيقية في طمانة عائلات جنود مفقودين في حرب لبنان على مصير ابنائهم ، فاضطر الى اعتلاء صهوة اسلوب الخداع ؛ للايهام بأن الدبابة التي سلمتها روسيا الى اسرائيل ؛ ستكون لهم ( اثرا من معركة السلطان يعقوب ، بامكانهم زيارته في اسرائيل ولمسه ولمس ذكرى ابنائهم ) لكن خبير دبابات اسرائيلي ميخائيل ماس اكد ان الدبابة ليست هي الدبابة التي تواجد فيها الجنود الثلاثة المفقودون .
عندما تعرض قيادة المنطقة الشمالية بعض استعداداتها وجاهزيتها لحرب ثالثة تستهدف فيها لبنان ، مع ما تعنيه الحرب بان اياما صعبة جدا سيواجهها الاسرائيليون ، ولا تعني بالمطلق احراز انتصار عسكري ، فان عرض استعداداتها لا يخرج عن كونه استعراضا اعلاميا ؛ يهدف الى بث الروح المعنوية في الأوساط الاسرائيلية .
كل ما تبقى في جعبة اسرائيل من ادوات فعالة ذات اثر الى حد ما لا يخرج عن كونه تجديدا لعقيدة استعمارية ( فرّق تسد ) ادواتها تكمن في بث روح الفرقة والتناحر بين مكونات الشعب الفلسطيني بالمرتبة الاولى ، وعلى درجات من الاستهداف ؛ ترتبط بتغير مواقع الشتات الفلسطيني الجغرافي ، ثم استهداف الامتداد العربي والاسلامي .
أما ان تعود قدرة اسرائيل على الردع ، فذلك مرهون بمدى نجاح القوى الاستعمارية العالمية على توفير توازن المصالح بينها ؛
والتوافق على اعتمادها اداة استعمارية ضاربة في الخطوط المتقدمة ، عندما تقتضي مصلحة روسيا التخلي عن الوقوف الى جانب
ايران وحزب الله ، وتطابق المصالح الروسية والامركية ؛ يكون لقدرة الردع الاسرائيلية شأن آخر .
...........................................................................
بقلم : بديع عويس