الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مدى جواز التحكيم في مسائل الأحوال الشخصية بقلم:د. إيهاب عمرو

تاريخ النشر : 2016-06-23
مدى جواز التحكيم في مسائل الأحوال الشخصية

تعد مسائل الأحوال الشخصية مثل الزواج، الطلاق، الارث، التفريق، النسب، الوصية والنفقة من الأمور التي نظمها المشرع القانوني بموجب قواعد آمرة لا تجوز مخالفتها كونها متعلقة بالنظام العام في الدولة بسبب علاقتها بحقوق الأسرة، بحيث أن أي اعتداء عليها أو أي مساس بها يشكل اخلالاً بالأسس التي يرتكز عليها النظام العام في الدولة، رغم أن قانون الأحوال الشخصية ساري المفعول لسنة 1976 يعد فرعاً من فروع القانون الخاص. وفي حالة وجود مخالفة تتعلق بأي من المسائل آنفة الذكر، فإن الطرف المتضرر يستطيع أن يلجأ إلى المحكمة الشرعية المختصة مطالباً بإنصافه ورفع الضررعنه. وإذا سلمنا حكماً وقانوناً باختصاص المحاكم الشرعية على اختلاف أنواعها ودرجاتها بالنظر في أية مسألة من مسائل الأحوال الشخصية الموضوعية، فإن التساؤل المطروح يتعلق فيما إذا كان ممكناً تسوية أي من مسائل الأحوال الشخصية الأخرى، خصوصاً المالية منها، عن طريق التحكيم.                          

من أجل الإجابة عن التساؤل المطروح وغيره من الأسئلة ذات العلاقة، فإننا نورد المثال التالي بقصد إيضاح الفرق بين التحكيم في المسائل المالية الناشئة عن قضايا الأحوال الشخصية، وبين التحكيم في منازعات الأحوال الشخصية الموضوعية:                                              
"توفي السيد سليم وترك وراءه ثلاثة أبناء ذكور وابنة واحدة. بعد مضي فترة من الزمن، لجأ أحد الأبناء الأربعة إلى المحكمة الشرعية كي تحدد الأنصبة الارثية لكل واحد منهم عن طريق استخراج  حصر الإرث الشرعي. بعد تحديد الأنصبة الارثية، ثار نزاع بين الورثة بخصوص قسمة بعض الأموال الشائعة وذلك كون أجزاء أعيان التركة متداخلة بسبب وجود عقار بناء وعقار أرض للمتوفى، فما كان من الورثة إلا أن اتفقوا على إحالة الخلاف الناشئ بينهم إلى المحكم الشرعي فريد والمعتمد من قبل وزارة العدل، والذي طلب ابتداء من الورثة تزويده بحصر الارث الصادر عن المحكمة الشرعية بخصوص المتوفى سليم، والذي انحصر ارثه الشرعي في أبناءه الثلاثة الذكور وابنته الوحيدة. بعد ذلك، استعان المحكم فريد بذوي الاختصاص من أهل الخبرة بخصوص اجراء مساحات الأرض والبناء  وذلك حتى يتم إزالة الشيوع، ثم قام بعد ذلك بإجراء التخمين حتى يتم معرفة حصة الانثى الوحيدة، حيث رغب أحد الاخوة بالحصول على حصتها مقابل حصولها على قيمة البدل، وهو ما يعرف بإسم التخارج، أي قيام أحد الورثة ببيع كل حصته أو جزء منها لوارث آخر. بعد كل ذلك، أصدر المحكم الشرعي فريد قراره وذلك استناداً إلى المذهب الحنفي بخصوص إزالة الشيوع وتخمين قيمة حصة الأنثى الوحيدة للمتوفى".        

  يتبين لنا من المثال السابق أن الورثة قد اختاروا اللجوء إلى التحكيم من أجل تسوية النزاع القائم بخصوص قسمة بعض الأموال الشائعة، بدلاً من اللجوء إلى المحكمة النظامية المختصة. وهذه المسألة تدخل ضمن المسائل المالية الناشئة عن احدى قضايا الأحوال الشخصية الموضوعية. بذلك، يتضح لنا الفرق بين التحكيم في المسائل المالية الناشئة عن قضايا موضوعية، وبين التحكيم في مسائل الأحوال الشخصية الموضوعية الذي يتم عن طريق المحكمة الشرعية المختصة ويعرف بإسم "التحكيم الشرعي"، كما هو الحال مثلاً في المسائل المتعلقة بالنزاع والشقاق بين الزوجين. حيث تقوم المحكمة بالطلب من كل طرف أن يعين محكماً أو تقوم من تلقاء نفسها بتعيين محكمين من أهل العلم والصلاح، على أن يقوم المحكمين المعينين بحل النزاع، وفي حالة عدم اتفاق المحكمين المعينين على حل النزاع، فإن المحكمة تقوم بتعيين مرجح يقوم بالفصل في النزاع.                                                                       
إن التساؤلات التي تطرح نفسها إضافة إلى التساؤل الذي طرح ابتداء وتمت الاجابة عنه، تتعلق فيما إذا كان التحكيم في النزاعات الخاصة بالمسائل المالية في قضايا الأحوال الشخصية يتفق وصحيح القانون. وهل يعد قرار التحكيم الذي أصدره المحكم فريد في المثال السابق ملزماً للأطراف. وهل يمكن تنفيذ هذا النوع من قرارات التحكيم جبراً في حال رفض أحد الأطراف التنفيذ الطوعي للقرار، وما هو الأساس القانوني لذلك. أخيراً، هل يتعين إخضاع المسائل المالية في قضايا الأحوال الشخصية لإجراءات خاصة بها في التحكيم يتفق وطبيعة هذا النوع من النزاعات كتلك المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الشرعية ساري المفعول مثلاً، أم أنه يمكن تطبيق الاجراءات المنصوص عليها في قانون التحكيم على هذه النزاعات.          
                                                
للإجابة على التساؤلات المطروحة يمكن القول: إن نص المادة 4 من قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000 قد إستثنى مسائل الأحوال الشخصية من الخضوع للتحكيم، حيث جاء النص على النحو التالي:                                                                                      
"لا تخضع لأحكام هذا القانون المسائل الآتية: ...3. المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية". حسب ظاهر النص، يتضح لنا أن القانون يستثني مسائل الأحوال الشخصية من أن تتم تسويتها عبر التحكيم. غير أن هذا النص تم توضيح مقصده في اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون التحكيم لسنة 2004، والتي تضمنت كافة التفصيلات والجزئيات ذات العلاقة بالقانون الموضوعي،    حيث جاء في المادة 2 منها ما يلي:                                                                
"لا يجوز التحكيم في المسائل التي تتعلق بالنظام العام والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح قانونا كالعقوبات والمنازعات المتعلقة بالجنسية، وكل ما هو متعلق بالأحوال الشخصية كالطلاق والنسب والإرث والنفقة، علي أنه يجوز أن يكون موضوعا للتحكيم تقديرا لنفقة واجبة أو تقديراً لمهر أو أية دعوى مالية أخرى ناشئة عن قضايا الأحوال الشخصية". وعليه، فإن التحكيم في مسائل تقدير النفقة الواجبة أو المهر، وكذلك المسائل المالية الناشئة عن قضايا الأحوال الشخصية يتفق وصحيح القانون، كون أنه تمت إجازته من قبل اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون التحكيم. في ضوء هذا التفسير للنص التشريعي العادي واللائحي، فإننا نرى أن القرار الذي أصدره المحكم فريد يعد ملزماً للأطراف ويتعين عليهم الالتزام به، وإلا فإن الطرف المتضرر يستطيع اللجوء لقاضي التنفيذ وطلب التنفيذ الجبري للقرار بعد التصديق عليه من قبل المحكمة المختصة، وذلك استناداً إلى نص المادة 8 من قانون التنفيذ والتي اعتبرت قرارات التحكيم من قبيل الأسناد التنفيذية شأنها شأن الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم النظامية، وقد جاء نصها كما يلي:                                                                               
"الأسناد التنفيذية هي الأحكام والقرارات والأوامر القضائية والنظامية والشرعية ومحاضر التسوية القضائية والصلح التي تصدق عليها المحاكم النظامية وأحكام المحكمين القابلة للتنفيذ والسندات الرسمية والعرفية وغيرها من الأسناد التي يعطيها القانون هذه الصفة".               

إضافة إلى ذلك، نرى أنه لا حاجة لإخضاع مسائل تقدير النفقة والمهر أو المسائل المالية في قضايا الأحوال الشخصية المتفق على تسويتها عبر التحكيم لاجراءات خاصة، كون أن اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون التحكيم اعتبرت تلك المسائل من قبيل المسائل التي يمكن تسويتها عبر التحكيم، وبالتالي فإن قانون التحكيم الفلسطيني هو الذي يحكمها.                                 

من نافلة القول، أن مجلة الأحكام العدلية المستمدة أساساً من المذهب الحنفي، قد نظمت وأقرت في الباب الرابع، تحديداً المواد 1841-1851، الأخذ بالتحكيم في دعاوى المال المتعلقة بحقوق الناس. وقد تضمنت المواد المذكورة كثيراً من المبادئ التحكيمية المعترف بها في العصر الحديث والتي تتشابه مع قانون التحكيم الفلسطيني مثل جواز الاتفاق على تسوية النزاعات المالية عن طريق التحكيم، اختيار المحكمين من قبل الأطراف مع جواز تعددهم، عزل (رد) المحكم من قبل الأطراف، حجية قرار التحكيم بين الأطراف المتنازعة، تصديق قرار التحكيم، الطعن ضد قرار التحكيم، تنفيذ قرار التحكيم، سلطة هيئة التحكيم بتسوية النزاع عن طريق الصلح في حالة اتفاق الأطراف على ذلك. غير أن المجلة تختلف عن قانون التحكيم الفلسطيني في عدم إمكانية صدور قرار التحكيم بالأغلبية، إذا لا بد من صدور القرار بإجماع كافة المحكمين وفقاً للمجلة. كما تختلف المجلة عن قانون التحكيم الفلسطيني بإلزام المجلة للمحكم بالتقيد بالمدة المحددة لاصدار القرار وإلا فإن القرار الذي يصدره لا يصبح نافذاّ في حق الأطراف، بحيث أن المجلة لم تنص على جواز تمديد الفترة اللازمة لإصدار القرار من قبل المحكم، عكس قانون التحكيم الذي منح هيئة التحكيم سلطة تقديرية مقيدة بصفة احتياطية تتضمن إمكانية مد هذه المدة لفترة محددة قانوناً.                                                   

الكاتب: المحامي د. إيهاب عمرو

أستاذ القانون الخاص ومحكم معتمد
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف