الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

جمهوريات "صفية" بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2016-06-22
جمهوريات "صفية" بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
جمهوريات "صفية"

لعادل بن مليح الأنصاري

يقول بعض الغربيين والشرقيين أيضا , أن العرب أمة عجيبة , فهم برغم عددهم , إلا أنهم عجزوا في التعايش بينهم وهم لا يكادون ينقسمون إلا لطائفتين رئيسيتين غالبا , فهناك الأكثرية السنية والأقلية الشيعية , ربما استندت دراستهم على ما يحدث في قلب العالم , الشرق الأوسط , فالتوترات في العراق وسوريا واليمن والبحرين , وما يحدث من بين قطبي الرحى في هذه النظرية , (السعودية وإيران) في الخفاء والعلن , كله يدور في فلك النزاعات الطائفية في حقيقته , ومن ناحية أخرى يعج العالم بالمئات من العقائد والطوائف وربما في مجتمعات صغيرة نسبيا بالنسبة للعالم العربي , ولا نجد تلك التوترات التي وصلت لتشريد أمم وربما الفتك بأعداد هائلة من شعوب المنطقة , وهذه النظرية قد تكون بديهية للوهلة الأولى , بل قد لا نكون مبالغين لو قلنا أنها تروق قاصري النظر ولمن هم لا ينظرون أبعد من تحت خطواتهم .
في البداية نود أن نطرح تصورا معينا ونعرف مدى علاقته بتلك النظرية , فمثلا , أين كانت تلك البراكين الطائفية الدموية ( وسميناها دموية لأن كل تلك الدماء والتشريد الذي طال شعوبا عربية وحتى ظهور جماعات متطرفة أو حكومات عملت قتلا وتشريدا في شعوب المنطقة إلا بطريقة أو أخرى , هي ذات أهداف طائفية أو تسترت الطائفية خلف أغراض أخرى لتستتر عن وجه الأحداث ) , نعود ونقول أين كانت قبل انهيار السد الشرقي للعرب (العراق) ؟
لو عدنا بعالمنا العربي "التعيس" لما قبل القضاء على نظام صدام حسين لما سمعنا حتما بحروب ونزاعات وتدخلات وقتل وتشريد طائفي كما نراه اليوم , وبحسابات أخرى وكما تقول النظرية الكونية البسيطة " لأي فعل ردة فعل " , وبطريقة اخرى وفطرية عند وقوع أي حدث " فتش عن المستفيد " , ولعل البعض يظن أن بوصلة الاتهام ستتجه لإيران , ولكن المستفيدين كُثر , وقد لا نبالغ لو قلنا أنها مؤامرة أممية رغم أن البعض يكره نظرية المؤامرة , لكن لو فتشنا عن المستفيد بكل شفافية وتجرد ومنطق , سندرك أنهم كثيرون , وقبل ذلك لنرى الوجه البسيط للعالم العربي وبالذات الشرق الأوسط قبل سقوط (عراق صدام) .
- كان هناك عالم عربي هادئ نسبيا , فحرب صدام مع إيران هي أشبه بشأن خارج حسابات العرب وإنما شأن داخلي بالعراق مع مساعدات مؤثرة من دول الخليج ضد إيران , حتى وإن كانت تلك الدول مجبرة عربيا وعاطفيا في الوقوف مع الجار العربي القوي , وهنا بدأ السهم الأول الذي جُهز لتلك الدول كونها مشاركة بشكل مؤثر في إنهاك المارد الفارسي .
لا أعتقد أن هناك من يعترض كون المنطقة العربية وقتها لم تعرف الفتن الطائفية المزلزلة كما هي اليوم , خرج عراق صدام من تلك الحرب كقوة لا يستهان بها , فصدام زعيم عربي حمى البوابة الشرقية للوطن العربي من اجتياح المد الثوري الشيعي نحو العرب , وأصبح يمتلك جيشا مدربا خاض حروبا طويلة ومدمرة وتأقلم ذلك الشعب على كونه شعب يمتلك أرضا خصبة للرجال والقدرات الحربية القوية , وأصبح القائد صدام حسين رمزا للكثير من الشباب العربي وخاصة بعد تهديده بحرق نصف إسرائيل , والذي تشبعت نفسه بالعظمة والحلم بقيادة العرب وزعامتهم وحمل عبء (تحرير الأقصى) , أصبح الخليجيين يخشون استنزاف الرجل القوي لهم , والأخطر قدرته على ذلك , ولاحظ قادة العالم الأمريكيين أن قدرة صدام على الصمود والتحدي وكسر شوكة إيران قد ارتكزت على النفط الخليجي , فوُضعت نقطة في خانة (النفط الخليجي) ونقطة في خانة ( قوة الجيش العراقي ) .
انتهت حرب صدام , وبدأ الصهاينة وقادة العالم الأول بوضع دراساتهم كالتالي :
- خروج صدام من الحرب أكثر قوة , وأكثر غرورا , وأكثر استعدادا ليتبوأ الرمزية عند الشعوب العربية التي تتوق لبطل أسطوري يعيد لها بعض أمجادها القديمة , وليس أدل من ذلك تهديده بحرق نصف إسرائيل .
- أدركوا أن هذا القائد لن يرضى بتبديل ملابسه العسكرية ليتناول السيجار الكوبي داخل أروقة قصوره وينتظر تطورات القدر , وسيبحث عن مغامرة قريبا أو بعيدا , كما أدركوا أنه لو وضع سلاح النفط الخليجي كله في تصرفه فلن يتردد وبأي وسيلة كانت .
- كان الصهاينة ومن حالفهم يدركون أن أي حرب يشنها زعيم عربي بشكل فعلي وخاصة كقائد ليس عاديا كصدام حسين لن يتجرأ قائد عربي من التملص منها ومواجهة لعنات شعبه ولعنات التاريخ , فما الذي ينقص هذا الثوري من اتخاذ تلك الخطوة التاريخية , فجيشه مدرب وجاهز , والبترول الخليجي الذي أثبت قوته في حربه مع ايران بين أطراف أصابعه , وملايين الشباب العربي تواقة لظهور مثل هذا الرمز , ولا ننسى أن المعادلة لم تنتهي عند هذا الحد .
- فعلى حدود إسرائيل هناك جيش عربي قوي ويحتاج فقط لقيادة قوية وعزيمة صارمة , وعلى الحدود الغربية أقوى جيش عربي لن يتردد في خوض تلك الحرب لو قامت بشكل فعلي وشامل .
باختصار أصبح صدام مصدر خطر لإسرائيل ربيبة القوة الغربية , كما أصبح العدو الأول لإيران المهزومة .
اعتباران أسقطا صدام حسين , الأول غروره وتسرعه وجنون العظمة الذي تملكه , والثاني سقوطه فريسة سهلة وغبية لمن أراد له النهاية , رُسمت نهاية صدام حسين بإحكام , ومشى فيها هو بغباء وسذاجة , فكانت مصيدة الكويت .
لن نخوض في أسباب وأهداف دخول صدام الكويت , ولا عشرات الآراء عن الطريقة التي أُقنع فيها بتلك الحماقة , وخاصة قصة السفيرة الأمريكية , ولكنه شرب الكأس المسمومة التي أنهت كل أحلامه التي خطط لها .
الخلاصة نهاية صدام حسين هي نهاية حقبة عربية ذات طابع تاريخي خاص , ويبقى السؤال الأعمق من المستفيد ؟
لا شك أن الاستفادة تكاد تكون مناصفة بين كيانين , الصهاينة والفرس , الصهاينة أزاحوا عن كاهلهم حلم رجل مهووس ربما كان في استطاعته إشعال فتيل الحرب وإيقاظ الحلم العربي من سباته العميق , والإيرانيين تخلصوا من رجل أذاقهم الذل والهزيمة ووقف في وجه أطماعهم وأطماع تصدير ثورتهم نحو العمق العربي .
انتهى صدام حسين وعراقه التي نعرفها , ودخلت جيوش العالم لتحرر الكويت ولتحتل العراق , ( واليهود يراقبون بكل وداعة وحيادية ) .
وانسحبت جيوش العالم بقيادة ماما أمريكا , لتحل محلها عصابات العراقيين الصفويين الخونة , وسلمت العراق العظيم لعدوها اللدود إيران , وبدأ مسلسل الانتقام الرهيب الذي مازال أبناء العراق العظيم يدفعون ثمنه لليوم , إيران احتلت المنتصر عليها وفرضت عليه تشيعها الطائفي في أبغض صوره , ( وبدأنا نعرف ما معنى شيعة وسنة وحقد طائفي وتصفيات عرقية وقتل بأسباب طائفية ) , حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو حاقد يعرف ما يفعل .

تمت عملية التدمير للعراق بسهولة وسلاسة ومنطقية , فلما لا تكرر التجربة مع دول أخرى ؟
حتى لا نتوه عن موضوع مقالنا فنحن مازلنا نتتبع أسباب ظهور الطائفية , وهل نحن كعرب عجزنا في التعايش بيننا رغم كوننا ننتمى لطائفتين دينيتين داخل ديانتنا الإسلامية الواحدة كما يقول الغربيين والشرقيين عنا .
وكما نقول في العامية ( احلوت اللعبة) , فبعد تدمير جيش وشعب يجب أن تستمر اللعبة , ولكن الظروف التي صنعت نهاية صدام صعب تكرارها , ولتدمير المزيد من القوة العربية ينبغي استخدام تكتيكات أخرى , فجاء الربيع العربي مصادفة تاريخية اخرى ظاهرها النعمة وباطنها العذاب , ولو لبعض الشعوب كما يبدو , فلا نعرف هل حرق البو عزيزي لنفسه كانت الشرارة أم هي مجرد مصادفة تاريخية اقترنت بوضع ومناقشة خطط التدمير لبعض القوى العربية واستغلها الإعلام العالمي ومن ورائه العربي بقصد أو من غير قصد , قصة البوعزيزي أشبه بلعبة الدومنو والتي تقوم الأحجار بإسقاط بعضها البعض بحركة صغير ولكنها متتابعة وحتمية , وكما يقال (الشعوب صنيعة إعلامها) , وبغض النظر عن سبب وأهداف وكيفية ظهور ذلك الربيع العربي إلا أنه ساهم كثيرا في ذبح ما تبقى من الجياد العربية الأصيلة , فبلد وجيش قوي أخر دُمر وهو سوريا , وجيش رُكّع , واقتصاديات أُنهكت , والتهبت براكين الطائفية في كل مكان .
ومن المستفيد أولا وأخيرا ؟
البلدان السنية هي الأكثرية وهي المنتشرة والمستقرة نسبيا , أما إيران الشيعية الحالمة بتصدير الثورة الفارسية فهي الأقلية في عالمنا العربي , وبدأ طموح إيران لمنح تلك الأقليات القوة والهيمنة حتى ولو بالتخطيط للخيانات والولاءات والثورات كما في البحرين واليمن وسوريا ولبنان وشرق السعودية وحتى في السودان وأفريقيا .
الصراع الطائفي كما يراه الغرب والشرق ليس فتنة عربية يا سادتي , بل هي فتنة سياسية وخطط عدائية من خارج الوطن العربي , الفتنة الطائفية هي أحلام توسعية إيرانية تريد أن تلتهم البحرين وسوريا واليمن ولبنان كما التهمت العراق العظيم , لقد قالها البعض من ملاليهم بالفم المليان وتفاخروا بها , فالعرب والإسلام بريئان من هذه التهمة .
أما إسرائيل فيبدو أنها تركت الملعب واللعبة لحقد إيران الذي وكما تعرف هي جيدا لا يبقي ولا يذر , فملالي إيران يفضلون اللطم والتطبير حول الكعبة ونبش البقيع والحجرة النبوية على الصلاة في القدس , وإسرائيل وأمريكا تدرك ذلك يقينا .
أما الروس فربما لا يعنيهم الصراع الطائفي إلا بقدر الثأر من الشباب السني المجاهد الذي أنهك الدب الروسي في افغانستان والشيشان وغيرها من الجمهوريات السوفيتية المستقلة , فهي بالنسبة لهم تصفية حسابات لا أكثر , فاجتمعت اللئام على موائد الأيتام .
في الحياة البرية قد نجد الأفعى التي تلتهم غزالا ثم تجد صعوبة في بلعه , ولكنها تصبر وتتحمل الغصة والمشاق والتعب حتى تلتهمه رويدا رويدا بصبر مدهش , وهذا ما تفعله إيران مع أي بلد عربي تريد التسلل إليه , فهي صبورة وتتحمل التعب والألم والمقاومة في سبيل ذلك , ولولا خونة الوطن من أبناء العراق وعباد الدولار والطائفيين الصفويين لما استطاعت إيران التهام العراق , بعد سقوط صدام ونهاية اسطورة الجيش العراقي العظيم تنفس كل من إسرائيل وإيران الصعداء , ولكن إسرائيل تركت تدمير بقية عروبة العراق لإيران لأن المصالح مشتركة , فجار فارسي شيعي طائفي خير من جار عربي سني يكن له العداء ويتغنى جيل بعد جيل بتحرير فلسطين .
وليعلم كل ابناء العراق , وخاصة الخونة منهم أن ملالي طهران لم ولن يحترموهم أو يحفظوا كرامتهم يوما , وإنما هي الحرب والخديعة فلن يتوانى ملالي طهران عن طمس الهوية العربية تماما وحتى أن بعضهم صرح بذلك علنا بمحو بغداد الرشيد عن خارطة التاريخ , وحتى يتمكنوا من تثبيت أقدامهم على كامل أرض العراق فللخونة موعد مع الموت والتشريد والقمع حتى لا يبق عربي واحد في أرض الرشيد .
تأملوا تلك الحية الرقطاء وهي تحاول عبثا وبصبر وألم في ابتلاع البحرين واليمن ولبنان وسوريا , وتتشدق بذلك حتى لا تترك لغبي عربي أن يبرأ ساحتهم القذرة من تلك التهمة الواضحة وضوح الشمس .
ليس هناك صراع طائفي بالمعنى الحضاري يا سادتي بل هي حرب صفوية باسم الاسلام شنتها أقلية عابثة في ظل غياب لاستراتيجية عربية واضحة ومتكاملة , وفي ظل تضافر جهود دولية لزعزعة المنطقة وإعادة الخيارات المهمة فيها بما جد من أحداث , وبما يتفق مع رؤى جديدة وسياسات فرضتها تطورات سياسية واجتماعية وفكرية تظهر جليا مع ظهور أجيال جديدة يصنعها الإعلام ويعبث في توجهاتها ويبني مستقبلها كما يخطط له الأقوياء فقط .
وفي ظل كل هذا الغبار السياسي والاجتماعي والديني المخيم على عالمنا العربي , يئن كل بلد مما يعاني , وبدل أن تجتمع العائلة العربية لإطفاء النار التي تتلظى في كل مكان على قلب رجل واحد وبيد رجل واحد وتحقيقا لحلم (شعب عربي واحد) , تركوا اليأس يضربهم بيد والعدو يضربهم بالأخرى , وتمتم كل منهم ( غطيني يا صفية ) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف