مكرمة بوتين مغايرة لكل المعايير السياسية والعسكرية
تميم منصور
مع أنه لا حدود لتقديرنا للكثير من المواقف الروسية والرئيس بوتين اتجاه القضايا المختلفة التي لها علاقة بالشعوب العربية ، خاصة حمايتها من القوى الامبريالية الطامعة في ثرواتها واستمرارها في محاولات تركيعها ، خاصة الشعب السوري ، فلا أحد يستطيع انكار الدور الروسي بقيادة بوتين بالوقوف الى جانب سوريا الشعب والدولة والنظام ، ولا أحد ينكر وقوف روسيا الى جانب ايران في تحديها لغطرسة امريكا ، فتزويد روسيا لإيران بالأسلحة الاستراتيجية لم يتوقف حتى أثناء فرض الحصار على طهران ، كذلك فأن روسيا تتناغم في مواقفها مع المقاومة اللبنانية ، وترفض الاعتداءات التي تمت في الماضي والحاضر على قطاع غزة ، كما انها لا تدعم الممارسات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
لكن يبقى الدعم الروسي لسوريا يحتل الأولوية لسياسة الكرملين فلولا روسيا ، لكان مصير سوريا مثل مصير ليبيا ، التي مزقت جسدها كلاب أمريكا المسعورة ، مع حلف الاطلسي ، وعدداً من الأنظمة العربية العميلة ، أسقطوا النظام بوحشية قبل أن يضمنوا ما هو البديل ، واذا هذا البديل مجموعة كنتونات تتقاتل فيما بينها .
ما حل بليبيا كان درساً بالنسبة لروسيا ، فلم تفرط بالنظام السوري ، ولا بالجيش ومؤسسات الدولة الرئيسية ، لقد وضعت روسيا ثقلها السياسي ووزنها العسكري الرادع في وجه امريكا وتركيا ، فقد كسرت شوكة امريكا شرق اوسطياً وعالمياً ، بعد أن اعتبرت الأخيرة نفسها القطب الوحيد الذي يقود العالم ، توج بوتين وقوفه الى جانب سوريا ، ليس فقط بالدعم السياسي والمعونات المالية والعسكرية ، بل توجه بالدعم العسكري المباشر ، بعد أن سمحت روسيا لنفسها باستخدام جزءاً من آلتها الحربية الاستراتيجية لأول مرة منذ سنين ، استخدمت عدد من اسراب طائراتها الفتاكة كما استخدمت جزءاً من التكنلوجيا في الرصد وتدمير البنية العسكرية للإرهابين .
لكن هذا الدعم وهذا الموقف لا يعطيان روسيا ورئيسها بوتين الحصانة من توجيه النقد لها ، اننا نعتبر الرئيس بوتين من أكثر رؤساء العالم موضوعية ونزاهة ، لكن في رأيي ان المكرمة المجانية التي قدمها بوتين الى رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بعيدة عن كل نزاهة ، بل هي خدمة لأبشع حكومة عرفها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم .
ما قامت به موسكو يثير الكثير من التساؤلات الى درجة التشكيك من موقف بوتين من قضايا هامة وحساسة ، لها علاقة بكرامة كل الشرفاء في الوطن العربي عامة وسوريا خاصة .
ان مكرمة السيد بوتين ليست في مكانها وزمانها ، خاصة وانها جاءت في وقت فقد فيه الفلسطينيون ثقتهم بغالبية الأنظمة العربية ، ولم يعودوا يعولون على هذه الأنظمة لمساعدتهم للتحرر من نير الاحتلال ، لذلك بدأت أنظار هذا الشعب تتطلع نحو قوى خارجية عالمية من دول ومؤسسات أكاديمية ، ومؤسسات أخرى لعلها تساهم بالضغط على حكومة الاحتلال كي تتزحزح عن مواقفها الرافضة للسلام ، مع أن حركة هذه الآلة العالمية بطيئة ، الا أن قاعدتها تتسع كل يوم تقريباً .
الشعب الفلسطيني يأمل بأن يزداد الخناق حول المصالح الاسرائيلية ، سواء كانت السياسية أو الاقتصادية والاكاديمية ، يحدث هذا في الكثير من دول العالم ، باستثناء العواصم العربية التي تقيم كل يوم جسوراً جديدة للتواصل مع اسرائيل ، آخرها موافقة البرلمان الاردني في مطلع هذا الأسبوع على السماح للشركات الاسرائيلية استثمار اموالها داخل الأسواق الاردنية .
المكرمة صغيرة في حجمها ، لكنها كبيرة للغاية في قيمتها التاريخية والسياسية والمعنوية ، لا تستحق حكومة نتنياهو الفاشية مثل هذا التقدير .
المكرمة عبارة عن دبابة حصلت عليها وزارة الدفاع السوفياتية من الجيش السوري بعد أن استولى عليها يوم 11/ 5/ 1982 ، أثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان ، فقد اوقع السوريون باعتراف اسرائيل كتيبة من الدبابات الاسرائيلية في كمين ، عندها وقعت معركة طاحنة بالدبابات عُرفت بمعركة " السلطان يعقوب " كانت نتيجتها تدمير معظم الدبابات الاسرائيلية ، وقتل غالبية الجنود الذين قادوا هذه الدبابات ، وفقد البعض ومنهم من وقع بالأسر .
كان هناك عدد من الدبابات التي استولى عليها السوريون صالحة ، فتم نقل اثنتان الى دمشق لمعاينتها ، وقد تم تسليم احدهما الى المخابرات السوفياتية لمعرفة خصائص مثل هذه الدبابات ، وهذا يحدث كثيراً بين الحلفاء ، لكن وصل الى علم اسرائيل بوجود هذه الدبابة في متحف الدبابات الروسي في موسكو .
قرر نتنياهو أن يكسب نياشين جديدة على حساب هذه الدبابة ، فاستغل زيارته الى موسكو قبل حوالي شهر ، وقد اعتبرها زيارة خاصة لأنها جاءت احتفاءً بمرور 25 عاماً على اعادة العلاقات الروسية الاسرائيلية .
خلال الزيارة طلب نتنياهو من بوتين هدية بهذه المناسبة ، وهي اعادة الدبابة المذكورة لإسرائيل ، واقنعه بأن اعادتها سوف يخفف من وطأة حالة الاكتئاب والأسى التي يعاني منها ذوو الجنود الذين قتلوا أو فقدوا في معركة " السلطان يعقوب " .
لم يصدق الاسرائيليون كما ذكرت صحيفة " هآرتس " بأن بوتين سوف يستجيب لهذا الطلب العجيب الغريب . ان الموافقة على تقديم هذه المكرمة لأبشع حكومة ما هو الا نفاق وتواطؤ مع حكومة نتنياهو العنصرية ، وهي تساهم في تقوية موافقه الرافضة للسلام العادل في الشرق الأوسط .
لا أعرف اذا كان بوتين قد تذكر عند موافقته على تقديم هذه المكرمة المجانية لحكومة ترفض السلام قد تذكر بأن الجنود الذين تعاطف مع عائلاتهم قتلوا في لبنان نتيجة هجومهم العسكري ، ولم يكونوا في رحلة سياحية ، اذا كان بوتين ومستشاريه لا يعرفون بأن مناحم بيغن ارسل جيشه الى لبنان عام 1982 كي يتم الجريمة التي بدأت بها العصابات الصهيونية عام 1948 للقضاء على الشعب الفلسطيني ، لماذا لم يذكر مستشاروه بأن الجيش السوري قدم ثمناً غالياً وهو يدافع عن لبنان ، وقدم ثمناً باهضاً قبل أن يستولى على آلة القتل هذه التي تحولت الى مكرمة وهدية حصل عليها نتنياهو .
بوتين يعرف بأن هذه الدبابة هي اعارة من سوريا الى روسيا ، وليس من حق روسيا التفريط بها ، واذا قررت التخلص منها عليها ارجاعها للجيش السوري ، ليس من حقه اعادتها للمعتدين الذين سيعتبرون اعادتها انتصاراً لكل مواقفهم العدوانية ضد البشرية عامة ، لو قرأ بوتين عدة سطور من ملفات وارشيفات الموقف الصهيوني من الاتحاد السوفياتي ومن روسيا الحالية ، ربما لإعادة النظر في قراره المدهش والمثير للاستغراب .
الخوف والخشية أن يطلب نتنياهو من بوتين اعادة رفاة الجاسوس الاسرائيلي " ايلي كوهين " الذي اعدمه السوريون ، مستغلاً وضع سوريا المأساوي .
تميم منصور
مع أنه لا حدود لتقديرنا للكثير من المواقف الروسية والرئيس بوتين اتجاه القضايا المختلفة التي لها علاقة بالشعوب العربية ، خاصة حمايتها من القوى الامبريالية الطامعة في ثرواتها واستمرارها في محاولات تركيعها ، خاصة الشعب السوري ، فلا أحد يستطيع انكار الدور الروسي بقيادة بوتين بالوقوف الى جانب سوريا الشعب والدولة والنظام ، ولا أحد ينكر وقوف روسيا الى جانب ايران في تحديها لغطرسة امريكا ، فتزويد روسيا لإيران بالأسلحة الاستراتيجية لم يتوقف حتى أثناء فرض الحصار على طهران ، كذلك فأن روسيا تتناغم في مواقفها مع المقاومة اللبنانية ، وترفض الاعتداءات التي تمت في الماضي والحاضر على قطاع غزة ، كما انها لا تدعم الممارسات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
لكن يبقى الدعم الروسي لسوريا يحتل الأولوية لسياسة الكرملين فلولا روسيا ، لكان مصير سوريا مثل مصير ليبيا ، التي مزقت جسدها كلاب أمريكا المسعورة ، مع حلف الاطلسي ، وعدداً من الأنظمة العربية العميلة ، أسقطوا النظام بوحشية قبل أن يضمنوا ما هو البديل ، واذا هذا البديل مجموعة كنتونات تتقاتل فيما بينها .
ما حل بليبيا كان درساً بالنسبة لروسيا ، فلم تفرط بالنظام السوري ، ولا بالجيش ومؤسسات الدولة الرئيسية ، لقد وضعت روسيا ثقلها السياسي ووزنها العسكري الرادع في وجه امريكا وتركيا ، فقد كسرت شوكة امريكا شرق اوسطياً وعالمياً ، بعد أن اعتبرت الأخيرة نفسها القطب الوحيد الذي يقود العالم ، توج بوتين وقوفه الى جانب سوريا ، ليس فقط بالدعم السياسي والمعونات المالية والعسكرية ، بل توجه بالدعم العسكري المباشر ، بعد أن سمحت روسيا لنفسها باستخدام جزءاً من آلتها الحربية الاستراتيجية لأول مرة منذ سنين ، استخدمت عدد من اسراب طائراتها الفتاكة كما استخدمت جزءاً من التكنلوجيا في الرصد وتدمير البنية العسكرية للإرهابين .
لكن هذا الدعم وهذا الموقف لا يعطيان روسيا ورئيسها بوتين الحصانة من توجيه النقد لها ، اننا نعتبر الرئيس بوتين من أكثر رؤساء العالم موضوعية ونزاهة ، لكن في رأيي ان المكرمة المجانية التي قدمها بوتين الى رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بعيدة عن كل نزاهة ، بل هي خدمة لأبشع حكومة عرفها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم .
ما قامت به موسكو يثير الكثير من التساؤلات الى درجة التشكيك من موقف بوتين من قضايا هامة وحساسة ، لها علاقة بكرامة كل الشرفاء في الوطن العربي عامة وسوريا خاصة .
ان مكرمة السيد بوتين ليست في مكانها وزمانها ، خاصة وانها جاءت في وقت فقد فيه الفلسطينيون ثقتهم بغالبية الأنظمة العربية ، ولم يعودوا يعولون على هذه الأنظمة لمساعدتهم للتحرر من نير الاحتلال ، لذلك بدأت أنظار هذا الشعب تتطلع نحو قوى خارجية عالمية من دول ومؤسسات أكاديمية ، ومؤسسات أخرى لعلها تساهم بالضغط على حكومة الاحتلال كي تتزحزح عن مواقفها الرافضة للسلام ، مع أن حركة هذه الآلة العالمية بطيئة ، الا أن قاعدتها تتسع كل يوم تقريباً .
الشعب الفلسطيني يأمل بأن يزداد الخناق حول المصالح الاسرائيلية ، سواء كانت السياسية أو الاقتصادية والاكاديمية ، يحدث هذا في الكثير من دول العالم ، باستثناء العواصم العربية التي تقيم كل يوم جسوراً جديدة للتواصل مع اسرائيل ، آخرها موافقة البرلمان الاردني في مطلع هذا الأسبوع على السماح للشركات الاسرائيلية استثمار اموالها داخل الأسواق الاردنية .
المكرمة صغيرة في حجمها ، لكنها كبيرة للغاية في قيمتها التاريخية والسياسية والمعنوية ، لا تستحق حكومة نتنياهو الفاشية مثل هذا التقدير .
المكرمة عبارة عن دبابة حصلت عليها وزارة الدفاع السوفياتية من الجيش السوري بعد أن استولى عليها يوم 11/ 5/ 1982 ، أثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان ، فقد اوقع السوريون باعتراف اسرائيل كتيبة من الدبابات الاسرائيلية في كمين ، عندها وقعت معركة طاحنة بالدبابات عُرفت بمعركة " السلطان يعقوب " كانت نتيجتها تدمير معظم الدبابات الاسرائيلية ، وقتل غالبية الجنود الذين قادوا هذه الدبابات ، وفقد البعض ومنهم من وقع بالأسر .
كان هناك عدد من الدبابات التي استولى عليها السوريون صالحة ، فتم نقل اثنتان الى دمشق لمعاينتها ، وقد تم تسليم احدهما الى المخابرات السوفياتية لمعرفة خصائص مثل هذه الدبابات ، وهذا يحدث كثيراً بين الحلفاء ، لكن وصل الى علم اسرائيل بوجود هذه الدبابة في متحف الدبابات الروسي في موسكو .
قرر نتنياهو أن يكسب نياشين جديدة على حساب هذه الدبابة ، فاستغل زيارته الى موسكو قبل حوالي شهر ، وقد اعتبرها زيارة خاصة لأنها جاءت احتفاءً بمرور 25 عاماً على اعادة العلاقات الروسية الاسرائيلية .
خلال الزيارة طلب نتنياهو من بوتين هدية بهذه المناسبة ، وهي اعادة الدبابة المذكورة لإسرائيل ، واقنعه بأن اعادتها سوف يخفف من وطأة حالة الاكتئاب والأسى التي يعاني منها ذوو الجنود الذين قتلوا أو فقدوا في معركة " السلطان يعقوب " .
لم يصدق الاسرائيليون كما ذكرت صحيفة " هآرتس " بأن بوتين سوف يستجيب لهذا الطلب العجيب الغريب . ان الموافقة على تقديم هذه المكرمة لأبشع حكومة ما هو الا نفاق وتواطؤ مع حكومة نتنياهو العنصرية ، وهي تساهم في تقوية موافقه الرافضة للسلام العادل في الشرق الأوسط .
لا أعرف اذا كان بوتين قد تذكر عند موافقته على تقديم هذه المكرمة المجانية لحكومة ترفض السلام قد تذكر بأن الجنود الذين تعاطف مع عائلاتهم قتلوا في لبنان نتيجة هجومهم العسكري ، ولم يكونوا في رحلة سياحية ، اذا كان بوتين ومستشاريه لا يعرفون بأن مناحم بيغن ارسل جيشه الى لبنان عام 1982 كي يتم الجريمة التي بدأت بها العصابات الصهيونية عام 1948 للقضاء على الشعب الفلسطيني ، لماذا لم يذكر مستشاروه بأن الجيش السوري قدم ثمناً غالياً وهو يدافع عن لبنان ، وقدم ثمناً باهضاً قبل أن يستولى على آلة القتل هذه التي تحولت الى مكرمة وهدية حصل عليها نتنياهو .
بوتين يعرف بأن هذه الدبابة هي اعارة من سوريا الى روسيا ، وليس من حق روسيا التفريط بها ، واذا قررت التخلص منها عليها ارجاعها للجيش السوري ، ليس من حقه اعادتها للمعتدين الذين سيعتبرون اعادتها انتصاراً لكل مواقفهم العدوانية ضد البشرية عامة ، لو قرأ بوتين عدة سطور من ملفات وارشيفات الموقف الصهيوني من الاتحاد السوفياتي ومن روسيا الحالية ، ربما لإعادة النظر في قراره المدهش والمثير للاستغراب .
الخوف والخشية أن يطلب نتنياهو من بوتين اعادة رفاة الجاسوس الاسرائيلي " ايلي كوهين " الذي اعدمه السوريون ، مستغلاً وضع سوريا المأساوي .