الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أناس الرّفوف الباردة بقلم: رجاء بكرية

تاريخ النشر : 2016-05-28
أناس الرّفوف الباردة  بقلم: رجاء بكرية
أُناس الرّفوف الباردة

".. وليس بكثير من الذّكاء، ولكن بقليل من الدقّة فهمتُ كم أعادي الإبتسامات المُعلّقة كدبابيس الشّعر بين الشّفتين. يا إلهي كيف تلفّعتُ بدفئي لأصونَ قلبي من نَزلةِ جفاء."


كتابة: رجاء بكرية

في شهر كهذا، سطا فيه التّشكيل الثّقافي على الأجواء الفلسطينيّة وسط ظروف سيّاسيّة  صعبة، غير مُمْكنٍ أن يمرّ دون أن نُسَجّلَ ملاحظاتٍ، ولو عابرة عمّا التقطته عدسة القلب هناك.

وشخصيّا يهمّني أن أُدوّنَ بعض ملاحظات رسمتُها شأن ذلك الطّفل في قصّة بعيدة، على الهواء، هواء المعرض الفلسطيني الدّولي العاشر في رامالله. للحقيقة، لم تفاجئني أكثر منْ ردودِ الفعل الباردة لبعض دور النّشر، وعدم حرص مندوبي المبيعات على تسويق كتبهم باللّباقة الّتي نعرفها في مقامات كهذه، كمؤسّسة القطّان مثلا! تساءلتُ بشَدَهٍ، لماذا يجب أن تجلس في هذه الدّار القيّمة مندوبة مشغولة بهاتفها النقّال، كأنَّ استفسارات المارقين لا علاقة لها بنوعيّات الكتب المعروضة في جناحها؟

بعض الوجوه الشّعريّة والرّوائيّة الّتي كنتُ قد سمعتُ عنها قبلاً أثارت استغرابي ببرودِ حضورها أيضا، فهل أسمّي المعرض الزخم مضمونا، الفقير حسّا معرض  الكتاب البارد، أم أناس الرّفوف الباردة؟ لا أعرف كيف أفسّر نفسي وأنا أستعرض رفوف الكتب الكثيرة الّتي داعَبَتْها أَصابِعِي، ودوَّرتُها لاكتشاف كنز جديد لم يسبق ذاكرتي إليه أحد.

تفاجأتُ مراراً بأقلامٍ شبابيّة كبِرَتْ سريعاً، أسرعَ من ورق العنب، وأصبح التواصل معها يسير وفق سياسة السّهم والبيكار، وكنت حرصتُ على لقاء وجه أدبي شبابي أدعمُهُ، ولم أنجح لانّه كبر ربّما بعد الرّفوف وبعد واجهات الكتب. وربّما لمتُ نفسي لمرّات، وأنا أكتشف أنّي لا أتغير وأبقي على طيبتي دون مبرّر. حرصتُ على ابتسامتي ونبرةِ صوتي الوادعة مع كلّ من صادفت. سألتُ نفسي بعد ذلك عن سرّ الدّفء الّذي ضمّختُ به كفّي الّتي امتدّت حولي، وتجاوزتني، فحرتُ في إجابة. لا أفهم كثيرا في بروتوكولات هذا النّوع من المعارِض، ولا سلام الّذين يشتاقون لكَ على ورقِ البريدِ وصفحات الفيسبوك، وحين تصادفُهُم حيث وعدوكَ تُثْلِج يدكَ، ويسقُطُ خدُّكَ جليداً خَجِلاً. لقد فهمتُ أثناء تجوالي القليل بين الأجنحة والشّخوص الكثيرة لمَ أتحاشى ارتياد المعارض، وحضور التجمّعات الأدبيّة. وليس بكثير من الذّكاء، ولكن بقليل من الدقّة فهمتُ كم أعادي الإبتسامات المُعلّقة كدبابيس الشّعر بين الشّفتين. يا إلهي كيف تلفّعتُ بدفئي لأصونَ قلبي من نَزلةِ جفاء.

 بعض وجوه الزّمن الجميل أنقذت قلبي، وزخمتني دفقا، غزّة، الجلزون، عمّان، الرّباط، حتّى الكويت. كنتُ أحفنُ تبر العفويّة من عيون هؤلاء، وأفرح بكلّ لفتة تصدر عنهم. وتساءلتُ كما أتساءل الآن، لماذا لم ألتقِ روائيّا كمحمّد نفّاع لأوزّع فرحا على رفوف النّاس؟ لقد عثرتُ في كلّ وجه صادفتُه، تقريباً، رفّا فارغا من وهج الكلمة الّتي أتى بها  د. محمّد البوجي مثلا من غزّة.

شكرا زياد خدّاش، رمّمتَ بعض الرّفوف المشروخة في ذاكرة الوقت، الّذي كان لي معك بصحبة أصدقاء. وبقيتُ على الفُجاءة التّاريخيّة الّتي تلازمني منذ عرفتُ المغربي الجميل نور الدّين صدوق. لجناح المغرب في معرض الكتاب مواسمَ دفء وألق، من أين يأتي هؤلاء بكلّ هذا العنفوان، بكلّ هذا الدّفء المجّاني، حتّى لو كنتُ تعبرُ لمجرّد أن تلقي سلاما وتذهب! ثقافة القائمين عليه تذهلك، يعرفون كلّ ما يحدث في بلادهم، يوجّهونك بمقبّلات الفتنة الّتي يفتقدها كُثُر، نعم هكذا يسوّق الأدب، عبر ابتسامة تحاوِرُ وتُسائلُ، وترتبِك.

حَظُّ الفُجاءة صفعني في جناح الكويت. كياسة القيّمين على تسويق ثقافتهم أخجلني. ببساطة لم أتوقّع هذا القدر من العناية، والعفويّة لدى القيّمين على هذا الجناح، وهذه الخبرة العالية في انتقاء التّرجمات. كانت الكتبُ الّتي بحثتُ عنها وقتا طويلا، ترتاحُ على آخر رفٍّ توقّعاتي هناك. شكرا للثّقافة الّتي تجعل علاقاتنا أسهل وأنضر. شكرا للكويت ثقافة وحضارة. ولو أنّا نُشرِعُ قامات أرواحنا لعدوى اللّطف الّذي لهم لتغيّرت حياتنا تماما، ولصرنا شعباً أقلّ أنانيّة، وعُدوانيّة، وغرورا تجاه أنفسنا، والآخرِ الّذي يحاوِلُ أن يعيش فينا. فأزمة الأدب الفلسطيني، اليوم، هي أزمة كبرياء استحال بسرعة الإدّعاءِ لمُنتَج معقّد يسوّق تحت تسمية الغرور وبالمجّان، ذلك لأنّي أعتبر الغرور ماركة تحتاج أن تسوّق وفق مادّتها الأوليّة، ويصحّ فيها يليقُ، أو يُمسَح!

لم يفاجِئني أحمد أبو طوق بلطفهِ. ولا بنُدرةِ خصالٍ التقطتُها فيهِ، ذات لقاء عابر للمدن. تاجر كتب، لكن يعرف الحدود بين أغلفةِ القلبِ وأغلفةِ الورَق. الفلسطينيّ الجميل بما يعرفهُ عن ثقافة مشاعِرِه، وبُعدِ إنسانيّتِه. كم من فلسطينيّي الدّاخل والخارج، والمتضامنين مع قضيّتهم يفهمون العجينة الّتي تخرجُ من طَحينِها عذوبة التّواصُلِ مع نبض الكلام. أكاد لا أجدُ من يغمِسُ غيرَ الخُبزِ في زيتِ اللّغة، لذلك لن نستغرب شيوع ثقافة الخبز المحروق على طاولات الأدب.   

فهل أفدتُ، أنا من تجربة السّنة لتجارب قادمة سيجري مسرحها بين رفوف ومساحاتٍ وصور؟ لا أعرف تماما، لكنّي واثقة أنّي قد أذهب، ولكن نقيّة من التوقّعات، لا عطرَ على كفّي غير عطر رجل انتظرني على مشارف أيّام تعبِت من عدِّ أرقامها، وورق عنَبٍ كثير لوجوه الزّمن الّذي بقي جميلا!  


25 مايو، 016

حيفا

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف