الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سميحة الكنعانية وبئر الحوريات بقلم:أ.عبدالعزيز أمين عرار

تاريخ النشر : 2016-05-26
أ.عبدالعزيز أمين عرار/ مشرف وباحث تاريخ
28/9/2015
اعتدنا في بعض الليالي المقمرة بهلالها وبدرها المتلألئ بياضا ً أن نصحو ا على صوت مجموعة من النساء يلبسن ملابس بيضاء تشبه قماش الكفن في بلادنا ، ويظهر من تحت المنديل وجوههن البيضاء الواسعة بعيون محدقة،وأجسامهن الشبيهة بجسم السمكة، وقد قمن بنصب مناحة، وأخذن يبكين بصوت حزين ، وفهمنا أنهن يبكين على سميحة ، وقد احترت في تفسير هذا المشهد ،وهن يحطن بالبئر الذي كنا نملا منه الماء في النهار والصباح، ولكننا كنا نسأل أنفسنا: أين ذهبت الحوريات اللواتي سمعنا أصوات نحيبهن ليلاً.
وسألنا أنفسنا :ماذا يسكن في بئر الحوريات؟ ولماذا سمي بهذا الاسم؟ .

قالت جدتي: كانت سميحة واحدة من نساء القرية الجميلات بما حباها الله من جمال بشعرها الطويل الكستنائي وطولها وبعيونها السوداء الحوراء، وبفمها كالخاتم وبأذنيها التي تحمل أقراطا جميلة وبوشمها الذي طرزته أمها على محياها وعند ثغرها، وهي تلبس لباسها الكنعاني المطرز بألوانه الجميلة والخلابة في فلسطين قبل أن يأتي إلى البلاد نبي الله داود وابنه سليمان الحكيم ومعه يهود.

وفي هذا الموقع الذي كان يقع في أطراف البئر حفر الكنعانيون بئراً كبيراً وواسعاً في أرض الحور الصلبة والرخوة حينا ، والتي أكسبت الماء برودة، وكنا نشرب من مائه الذي أشبه ما يكون بالبوظة والثلج، وحول البئر حلقت مجموعة كبيرة من نساء الحارة والحوش الشرقي ليملأن الماء ويروين عطش البيوت التي كان موردها هذا البئر، وقد حلقت حوله منذ قرون خلت سميحة ورتيبة، وخديجة، ومليحة، وظل هذا البئر يجمع نساء حارتنا وحينا الشرقي ، وعلى العكس منه كان بئر النوادر الذي يجتمع حوله رجال القرية في الجهة الغربية منها يلعبون السيجة ويملأون طواقيها إما ببعر الغنم أو الحجارة وهي كثيرة وقد زاد من بعرها أن قريتنا ربت الأغنام بأعداد مهولة، وكم كان صوت أجراسها عذباً عندما كان الرعاة يسرحون بها مارين إلى أراضيهم بالقرب من بئر النوادر.
ذات يوم ذهبت سميحة وعلى غير عادتها، وعند الضحى لتملأ جرتها الصغيرة ،وقد أدلت بركوتها وملأتها ، وفي هذه الأثناء مر بالقرب منها احد الشباب الذي كان يركب فرسه لابساً لباس الأمراء، ويبدو أنه جاء من بعيد إلى هذا المكان.
سألها : يا بنت الجود أعطيني الركوة لأشرب وأسقي فرسي .
قالت: تفضل . وشكرها .
وقبل أن تهم سميحة بالانصراف وترد بكلمتها عفواً ،رمقتها إحدى نساء أخوتها بنظرة ملؤها الغيرة والحقد، ولم يعجبها أن تقف سميحة مع هذا الرجل أو أن تعطيه ركوة البئر .
نادت عليها بصوت عال وقالت : يا سميحة كفى حديث مع الرجال .
ردت سميحة: طلب مني المساعدة فساعدته .
رجع أخوة سميحة السبع وقيل العشر من مراعيهم وفلاحتهم ، بينما كانت سميحة البنت الوحيدة في بيت أخوتها، والجميع يقيمون في الدار الكبيرة مستبشرين ومبشرين بالخيرات حتى سموا بدار البشير ،والجميع كانوا أصحاء وفي عافية باستثناء واحد منهم دعاه أهل قريته بـ" الأعرج" .
رجع هؤلاء من عملهم وهم متعبين والعرق يتصبب من جباههم وملابسهم، وما إن رجعوا حتى بادرت زوجة أحدهم المدعوة سليمة إلى تحريض أخيها على أخته سميحة ، بوصفها خليلة وعشيقة لأحد العرب، وأنها كانت تغازله فاسودت الدنيا في أعينهم.
اجتمع الأخوة وأخذوا قراراً سريعاً ،وكان أشبه ما يكون بقرار المجالس العسكرية مقررين الخلاص منها ، ودون سماع افادتها.
حاول الأعرج ثنيهم عن عملهم ، وقال : ربما كان هذا اتهاماً باطلاً .
ثم أين المصيبة في أن نقدم الماء لضيف أو رجل .
وعلت أصوات الإخوة عليه ستلحق بها إن كثرت كلامك : وأمام سطوتهم : تركهم وشأنهم وراح يندب ،تاركاً بلده، وذهب إلى قرية تقع غربي القرية تبعد عنهم عشرة كيلومترات بالقرب من كفرقاسم.
بدا رأيه رأياً وحيداً والكل لم يلق بالا .
اجتمع هؤلاء الرجال على سميحة كما تجتمع الغيلان على مليحة ، وأخذ الأخوة الأشرار يرددون قولهم المشؤوم : أضربها يا عنتر أبو دبسة .
أعد عدته وهوى بعصاه ، وكانت ضربة قاضية ،وهواة غل كأن به حقداً يملأ قلبه منذ عقدين من الزمان .
فضربها على رجليها وأقعدها فأخذت تقبل رجل أخيها أحمد، وهي تقول: طنيبك يا أخوي لا تقتلوني أنا مظلومة.
فدفعها عن نفسه، وقال : اذهبي يا عا..... ، فأكمل عليها عنتر بضربة على رأسها ، فأفقدتها صوابها ، ولكنها عادت لأنفاسها بعد قليل، وهي تمتم بكلمات مخنوقة وحشرجات مبحوحة، وبدم يخرج من فيها ورددت الكلمات الأخيرة : يا رب بمكنسة وليفة تهفي البشايرة .
ولم ينتظروا حتى يسمعوا مزيدا بل أكملوا عليها بأن قذفوها في البئر .
مرت الأيام والسنون غير بعيدة، وقد أصاب عنتر ابو دبسة مرض الطاعون ، وانتشر الطاعون بين جميع الإخوة ونسائهم وأولادهم، ولم يبق منهم أحدا.فتحققت دعوة المظلومة على الظالم .
مات الكل رجالا ونساءً وأطفالاً، ولم يبق منهم غير واحد إنه الأعرج نصير المظلومين .
تساقط الأخوة أصحاب العضلات المفتولة واحداً بعد الآخر، وكانوا أشبه ما يكون بأوراق التوت المتساقطة في فصل الخريف ،أما بير الحوريات فقد ظل شاهدا على جريمتهم المروعة وظلمهم الكبير . في حين اعتادت الحوريات أن يخرجن في الليالي المقمرة .
يبكين ويندبن على سميحة وقد أرخين شعورهن وهن يرددن قولها المشهور :بمكنسة وليفة : يا رب تهفي تواليهم.
مات الكل من الرجال والنساء في حارة البشايرة،وبقيت دارهم شاهدا عليهم ، ولم يبق من وريث غير واحد فقير يقيم في قرية كفرقاسم إنه" الأعرج" وأشفق الناس عليه وأرسلوا له قائلين : تعال خذ أملاك أهلك فمن يرثهم غيرك .
عاد الأعرج لبلده غير مسرور ليعمل في أراضي عائلته، ولا زالت الجريمة راسخة في قلبه وفؤاده ،وظل بير الحوريات شاهدا وحيدا على ظلم سميحة وسلب حقوقها سواء في الحديث والرد والكلام،وبقيت الحوريات هن الوحيدات يخرجن في تراجيديا حزينة وفي كل ليلة من الليالي القمرية يندبن وينشجن من دموعهن، وهن محلقات حول البير كنساء في عرس يدبكن ، ويظل البير حتى اليوم مسكون بالخوف والظلم والهلع مسلوب الحقوق والإرادة كما سلبت حقوق سميحة جميعها.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف