الـعـقـــاد والقـائمـة السـوداء
بـقــلـم / حــســــن زايــــــــد
قد يبدو العقاد مجهولاً لأبناء الوقت الراهن ، أبناء عصر الإنترنت ، ومواقع التواصل الإجتماعي . وأنا هنا لست بصدد التعريف به ، لأن التعريف به يكفيه كبسة زر علي لوحة مفاتيح " اللاب توب " للبحث عنه . ما يشغلني أنه أثناء مطالعاتي في الكتب ، وجدت أمراً ليس معروفاً حتي لأجيالنا . هذا الأمر يتعلق بعلاقة العقاد بالإخوان . فنتيجة لكثرة الهجوم عليهم أنذروه أكثر من مرة ، فلما لم يأبه بإنذاراتهم ، دبروا لإغتياله . فقد وضعوا متفجرات عند بيته . واتصلوا به تليفونياً بالليل ـ ويبدو أن أحدهم أو أحد الموالين لهم قد أخبرهم بأنه يضع التليفون بجوار الشباك ـ فلما نهض من نومه للرد ، توجه إلي مكان التليفون ، وعندما رد أطلقوا عليه الرصاص من النافذة . فلما نجا منها وضعوا اسمه علي القوائم السوداء التي سينفذ فيها حكم الإعدام . ذلك كان ديدنهم مع من يختلفون معهم . فالعقاد لم يكن يملك غير قلمه ورأسه ، وهم يملكون المتفجرات والرصاص . فما كان موقف العقاد الذي دفعهم إلي ذلك ؟ . لم يكن موقف العقاد موقفاً من الدين الإسلامي ، كما يحاول الإخوان التلبيس علي الناس في كل مرة ، فيمن يختلف معهم ، فالعقاد هو صاحب أكبر عدد من الكتب الإسلامية عرفته المكتبة العربية ، وأكبر مدافع عن الإسلام بالحجة والمنطق ، وأشرس من وقف في مواجهة حركة التبشير وحركة الإستشراق بالطريقة العلمية المثلي . ومن هنا يصعب المزايدة عليه باسم الدين . والعقاد نفسه لم يتخذ من الجماعة موقفاً حادا ، إلا بعد انحرافها عن خطها الديني الدعوي ، وتحولها إلي العمل السياسي ، واعتمادها أسلوب الإغتيالات السياسية لتصفية الخصوم ، خاصة بعد اغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر . ومن قبله جري اغتيال أحمد ماهر ، والخازندار . يقول العقاد تعليقاً علي ذلك : " الذين بحثوا في أسرار تلك الجرائم ، يتوهمون أن جناتها الأشرار، يساقون إليها بدافع من الإيمان المضلل . ويحسبون أن إدخال هذا الإيمان إلي عقولهم الملتوية ، يحتاج إلي قدرة نفسية ، أو قوة من قبيل القوة المغناطيسية ، وإلا لما استطاعوا أن يشحنوا عقول الأحرار بذلك الضلال ، ولا أن يدفعوا بهم إلي ذلك الإجرام . وهذا هو الوهم الذي يفرض للمجرمين شرفاً لا يرتفعون إليه ، وهو شرف الإيمان ولو كان إيماناً مضللاً منحرفاً كل الإنحراف عن مقاصد الأديان ، وبخاصة مقاصد الدين الإسلامي . فكل ما يحتاج إليه أولئك المجرمون ليندفعوا إلي الإجرام ، هو تحريك ما في نفوسهم من طبيعة الشر والغرور والطمع ، ولا حاجة بهم بعد ذلك إلي إيمان يتعب في تعليله المضللون ، أو يدل علي قدرة أولئك المضللين " . " العقاد بين اليمين واليسار ص 277 ـ رجاء النقاش ، والعقاد في معاركه السياسية 175 ـ 176 ـ سامح كريم " . ثم يذهب العقاد إلي تفسير ذلك بالطمع ، باعتباره الباعث النفسي الأول وراء سفك الدماء وإشاعة الفوضي ، فيقول : " إن الكلمة الأولي التي تُقال لهم أن الإسلام دين ودولة ، وأنهم يعملون ليقبضوا بأيديهم علي زمام الدولة في يوم من الأيام . يُقال لهم هذا ، ويُقال لهم معه : أن إرهاب القضاء كفيل بنجاتهم من الموت ، وأنهم لا يلبثون أن يخرجوا من السجن أبطالاً متوجين بأكليل الفخار ، متربعين علي مناصب الحكم ، متصرفين في الأنفس والأموال . فإن خانهم الحظ العاثر ، ونفذ فيهم حكم الموت ، فهنا يأتي الطمع الأكبر ، في جنات عرضها السموات والأرض ، إذا بطلت الحيلة في مطامع الحكم والسلطان " . وينتهي العقاد إلي القول بأنهم ليسوا مؤمنين مضللين في إيمانهم ، ولكنهم مجرمون في الصميم . ويذهب العقاد إلي ما هو أبعد من ذلك ، باعتبار الجماعة فتنة اسرائيلية من باب أصل مؤسسها ، الذي يرجح أصوله اليهودية ،ومن حيث المشابهة في التدبير والتنظيم والخطة . واعتبر أن مشاركة أفراد من الجماعة في حرب فلسطين ليس مما يبعد الشبهة ، علي اعتبار أن الأتباع لا يطلعون جميعاً علي حقائق النيات من ناحية ، والمشاركة في الحرب مما يكسب الثقة في الجماعة ، والحصول علي السلاح والتدريب عليه من ناحية أخري . وأياً كان الأمر ـ يري العقاد ـ أنها فتنة غريبة عن روح الإسلام ونص الإسلام ، وأنها قائمة علي الإغتيال والإرهاب ، وكل ما قام علي الإرهاب والإغتيال فلا محل فيه للحرية والإقناع . وجدير بالمسلمين ، ومن يؤمنون بالحرية والحجة من غير المسلمين أن يقفوا له بالمرصاد . وها هو العقاد كأنه بين أظهرنا ينادي فينا بلسان حالنا : " أمة مصرية مشغولة بفتنة هنا ، وجريمة هناك ، وحريق يُشعل في هذه المدرسة ، واضطراب يستفحل في هذا المعهد ، ومؤامرات في الخفاء تغذي هذه العناصر المفسدة بالتحريض والتهييج ، وتزودها بالذخيرة والسلاح . أهذه هي محاربة الصهيونية ؟ . أهذه هي الغيرة علي الإسلام ؟ . أي خدمة للصهيونية أكبر من هذه الخدمة ؟ . وأي خذلان للإسلام أشنع من هذا الخذلان ؟ . إن يهود الأرض لو جمعوا جموعهم ، ورصدوا أموالهم ، وأحكموا تدبيرهم ، لينصروا قضيتهم ، بتدبير أنفع لهم من هذا التدبير ، لما استطاعوا " . ولكنها المطامع الخبيثة تتطلع ، والغرورالصبياني يُهاج ، والشر الكمين في الطبائع العوجاء يُستثار . ثم يصرخ فينا العقاد علَّنا نستفيق بقوله : " ليس لهذه الأمة من علاج غير علاج واحد وهو الشدة التي لا تعرف الهوادة ، والحزم الذي لا يعرف الإبطاء ... فيا رجال مصر : هل أنتم رجال ؟ " . ثم يستطرد : " فما من عاقل في الدنيا يري أن تنطلق شرذمة من الزعانف لا تساوي وزنها تراباً . لتهدد الأمة كلها في سلامتها ثم يقال أن حرية القانون حق لأمثال هؤلاء ، أهذه الحرية حق حين تُغل أيدي الملايين من الأبرياء ولا تغل أيدي هؤلاء الوحوش الذين هم وصمة علي الإنسانية وعلي الحياة ؟ ." رحم الله العقاد ، كأنه يعيش بين أظهرنا .
حــســـــن زايــــــــــد
بـقــلـم / حــســــن زايــــــــد
قد يبدو العقاد مجهولاً لأبناء الوقت الراهن ، أبناء عصر الإنترنت ، ومواقع التواصل الإجتماعي . وأنا هنا لست بصدد التعريف به ، لأن التعريف به يكفيه كبسة زر علي لوحة مفاتيح " اللاب توب " للبحث عنه . ما يشغلني أنه أثناء مطالعاتي في الكتب ، وجدت أمراً ليس معروفاً حتي لأجيالنا . هذا الأمر يتعلق بعلاقة العقاد بالإخوان . فنتيجة لكثرة الهجوم عليهم أنذروه أكثر من مرة ، فلما لم يأبه بإنذاراتهم ، دبروا لإغتياله . فقد وضعوا متفجرات عند بيته . واتصلوا به تليفونياً بالليل ـ ويبدو أن أحدهم أو أحد الموالين لهم قد أخبرهم بأنه يضع التليفون بجوار الشباك ـ فلما نهض من نومه للرد ، توجه إلي مكان التليفون ، وعندما رد أطلقوا عليه الرصاص من النافذة . فلما نجا منها وضعوا اسمه علي القوائم السوداء التي سينفذ فيها حكم الإعدام . ذلك كان ديدنهم مع من يختلفون معهم . فالعقاد لم يكن يملك غير قلمه ورأسه ، وهم يملكون المتفجرات والرصاص . فما كان موقف العقاد الذي دفعهم إلي ذلك ؟ . لم يكن موقف العقاد موقفاً من الدين الإسلامي ، كما يحاول الإخوان التلبيس علي الناس في كل مرة ، فيمن يختلف معهم ، فالعقاد هو صاحب أكبر عدد من الكتب الإسلامية عرفته المكتبة العربية ، وأكبر مدافع عن الإسلام بالحجة والمنطق ، وأشرس من وقف في مواجهة حركة التبشير وحركة الإستشراق بالطريقة العلمية المثلي . ومن هنا يصعب المزايدة عليه باسم الدين . والعقاد نفسه لم يتخذ من الجماعة موقفاً حادا ، إلا بعد انحرافها عن خطها الديني الدعوي ، وتحولها إلي العمل السياسي ، واعتمادها أسلوب الإغتيالات السياسية لتصفية الخصوم ، خاصة بعد اغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر . ومن قبله جري اغتيال أحمد ماهر ، والخازندار . يقول العقاد تعليقاً علي ذلك : " الذين بحثوا في أسرار تلك الجرائم ، يتوهمون أن جناتها الأشرار، يساقون إليها بدافع من الإيمان المضلل . ويحسبون أن إدخال هذا الإيمان إلي عقولهم الملتوية ، يحتاج إلي قدرة نفسية ، أو قوة من قبيل القوة المغناطيسية ، وإلا لما استطاعوا أن يشحنوا عقول الأحرار بذلك الضلال ، ولا أن يدفعوا بهم إلي ذلك الإجرام . وهذا هو الوهم الذي يفرض للمجرمين شرفاً لا يرتفعون إليه ، وهو شرف الإيمان ولو كان إيماناً مضللاً منحرفاً كل الإنحراف عن مقاصد الأديان ، وبخاصة مقاصد الدين الإسلامي . فكل ما يحتاج إليه أولئك المجرمون ليندفعوا إلي الإجرام ، هو تحريك ما في نفوسهم من طبيعة الشر والغرور والطمع ، ولا حاجة بهم بعد ذلك إلي إيمان يتعب في تعليله المضللون ، أو يدل علي قدرة أولئك المضللين " . " العقاد بين اليمين واليسار ص 277 ـ رجاء النقاش ، والعقاد في معاركه السياسية 175 ـ 176 ـ سامح كريم " . ثم يذهب العقاد إلي تفسير ذلك بالطمع ، باعتباره الباعث النفسي الأول وراء سفك الدماء وإشاعة الفوضي ، فيقول : " إن الكلمة الأولي التي تُقال لهم أن الإسلام دين ودولة ، وأنهم يعملون ليقبضوا بأيديهم علي زمام الدولة في يوم من الأيام . يُقال لهم هذا ، ويُقال لهم معه : أن إرهاب القضاء كفيل بنجاتهم من الموت ، وأنهم لا يلبثون أن يخرجوا من السجن أبطالاً متوجين بأكليل الفخار ، متربعين علي مناصب الحكم ، متصرفين في الأنفس والأموال . فإن خانهم الحظ العاثر ، ونفذ فيهم حكم الموت ، فهنا يأتي الطمع الأكبر ، في جنات عرضها السموات والأرض ، إذا بطلت الحيلة في مطامع الحكم والسلطان " . وينتهي العقاد إلي القول بأنهم ليسوا مؤمنين مضللين في إيمانهم ، ولكنهم مجرمون في الصميم . ويذهب العقاد إلي ما هو أبعد من ذلك ، باعتبار الجماعة فتنة اسرائيلية من باب أصل مؤسسها ، الذي يرجح أصوله اليهودية ،ومن حيث المشابهة في التدبير والتنظيم والخطة . واعتبر أن مشاركة أفراد من الجماعة في حرب فلسطين ليس مما يبعد الشبهة ، علي اعتبار أن الأتباع لا يطلعون جميعاً علي حقائق النيات من ناحية ، والمشاركة في الحرب مما يكسب الثقة في الجماعة ، والحصول علي السلاح والتدريب عليه من ناحية أخري . وأياً كان الأمر ـ يري العقاد ـ أنها فتنة غريبة عن روح الإسلام ونص الإسلام ، وأنها قائمة علي الإغتيال والإرهاب ، وكل ما قام علي الإرهاب والإغتيال فلا محل فيه للحرية والإقناع . وجدير بالمسلمين ، ومن يؤمنون بالحرية والحجة من غير المسلمين أن يقفوا له بالمرصاد . وها هو العقاد كأنه بين أظهرنا ينادي فينا بلسان حالنا : " أمة مصرية مشغولة بفتنة هنا ، وجريمة هناك ، وحريق يُشعل في هذه المدرسة ، واضطراب يستفحل في هذا المعهد ، ومؤامرات في الخفاء تغذي هذه العناصر المفسدة بالتحريض والتهييج ، وتزودها بالذخيرة والسلاح . أهذه هي محاربة الصهيونية ؟ . أهذه هي الغيرة علي الإسلام ؟ . أي خدمة للصهيونية أكبر من هذه الخدمة ؟ . وأي خذلان للإسلام أشنع من هذا الخذلان ؟ . إن يهود الأرض لو جمعوا جموعهم ، ورصدوا أموالهم ، وأحكموا تدبيرهم ، لينصروا قضيتهم ، بتدبير أنفع لهم من هذا التدبير ، لما استطاعوا " . ولكنها المطامع الخبيثة تتطلع ، والغرورالصبياني يُهاج ، والشر الكمين في الطبائع العوجاء يُستثار . ثم يصرخ فينا العقاد علَّنا نستفيق بقوله : " ليس لهذه الأمة من علاج غير علاج واحد وهو الشدة التي لا تعرف الهوادة ، والحزم الذي لا يعرف الإبطاء ... فيا رجال مصر : هل أنتم رجال ؟ " . ثم يستطرد : " فما من عاقل في الدنيا يري أن تنطلق شرذمة من الزعانف لا تساوي وزنها تراباً . لتهدد الأمة كلها في سلامتها ثم يقال أن حرية القانون حق لأمثال هؤلاء ، أهذه الحرية حق حين تُغل أيدي الملايين من الأبرياء ولا تغل أيدي هؤلاء الوحوش الذين هم وصمة علي الإنسانية وعلي الحياة ؟ ." رحم الله العقاد ، كأنه يعيش بين أظهرنا .
حــســـــن زايــــــــــد