الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

السينما الروائية المصرية ودورها في معالجة القضية الفلسطينية بقلم حسن قزاز

تاريخ النشر : 2016-05-21
السينما الروائية المصرية ودورها في معالجة القضية الفلسطينية بقلم حسن قزاز
دراسة جديدة

السينما الروائية المصرية ودورها في معالجة القضية الفلسطينية

بقلم/ حسن قزاز

·       تمهيد

·       السينما المصرية وقضايا المجتمع .. التأثير والمعالجة

·       المعالجة السينمائية المصرية للقضايا السياسي

1.   الفيلم السياسي ... رؤية وواقع

2.   السينما السياسية والرقابة

·       معالجة السينما الروائية المصرية للقضية الفلسطينية

·       معالجة السينما الفلسطينية للقضية الفلسطينية ذاتيًّا

·       أهمية السينما المصرية في معالجة القضية الفلسطينية


تمهيد:

        السينما فن عالمي, استطاعت أن تثير مواضيع خالدة من خلال لغتها الخاصة؛ لأن تآلفنا مع اللقطات المتنوعة وحركات الكاميرا ونمط المونتاج , يجعلنا ندرك بشكل واضح الملكات البصرية أكثر من القصة.

فالسينما صناعة ومهنة وخبرة وتجارب, وفن وتقاليد وثقافة, فهي مجال تركيبي بامتياز, وأكثر الفنون استدعاء للعمل الجماعي والتنسيق والحوار, وهي من أكثر الوسائل التعبيرية قدرة على تكثيف اللحظات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها الأمة. فهي تنقل إلينا تقاليد البلاد وحياتها الاجتماعية في شتى صورها، كما تنقل إلينا الحروب في الماضي والهزائم والانتصارات وأشهر المعارك التي خاضتها الشعوب من أجل استقلالها، كما تعطينا فسحةً من الوقت كي نرفه عن أنفسنا من خلال قصة أو حكاية تروى في قالب درامي ننسى فيه آلامنا.

والسينما مثل غيرها من المؤسسات التربوية الأخرى في المجتمع تساهم بما تقدمه من مضمون في تشكيل الثقافة وفي تكوين الرأي العام في هذه المجتمعات, فهي تقوم بعملية تحديد ما ندركه, فانتقال الفكرة والخبر من مكان لآخر وبسرعة ساهم في زيادة الرصيد الثقافي للأفراد والجماعات، وجعلها تعكس الثقافة العامة للمجتمع وإثراء وجدانه بالقيم الروحية والتقاليد الأصيلة, وتحقيق الجو الديمقراطي الذي تزدهر فيه طاقات الفكر الخلاق والإبداع الفني الرفيع لذلك عملت السينما الغربية على السيطرة الفكرية وتأخير الوعي القومي, فكانت السلطات الاستعمارية كثيرة الحذر من السينما الوطنية.([1])

لقد كانت للسينما بدايات أولية تنحصر في مجرد تجارب فردية وعروض بسيطة لما يسمى بالعرض السينمائي إلى أن تطورت حتى وصلت إلى مستواها الآن, وما نعيشه الآن من إنتاج سينمائي ضخم على المستوى العالمي أو المحلي.

وفي عام 1897م تم افتتاح أول دار عرض سينمائي )سينما توجرافلوميير( بمدينة الإسكندرية، ثم مدينة القاهرة، وفي العاشر من مارس لنفس العام بدأ مسيو (بروميو موفددار تلوميير) بفرنسا تصوير أول شرائط سينمائية عن بعض المناظر في مصر، ووصل عدد هذه الشرائط إلى 53 شريطًا، وكان أول هذه الشرائط (ميدان القناصل بالإسكندرية)، ويعتبر هذا التاريخ هو بداية تاريخ السينما المصرية؛ أي التصوير السينمائي في مصر. ([2])

ويعتبر عام 1923م هو تاريخ البداية الحقيقية في رحلة السينما المصرية، إذ تم عرض أول فيلم مصري روائي طويل وهو فيلم" في بلاد توت عنخ آمون "وتبلغ مدة الفيلم حوالي 80 دقيقة، وتدور الأحداث أثناء اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون. ومن الأسماء التي برزت خلال هذه الفترة اسم (محمد بيومي) كأول مصري يقف خلف الكاميرا منتجًا ومؤلفًا ومخرجًا ومصورًا.

السينما المصرية وقضايا المجتمع... التأثير والمعالجة:

تحظى السينما بالأخص – كوسيلة اتصال – بقدرة هائلة على التأثير في الجمهور المتلقي لها، وينبع هذا التأثير من الطبيعة الخاصة بالسينما, باعتبارها تجمع بين الوعاء المعرفي والثقافي والشكل الفني التعبيري، بالإضافة إلى تسخيرها لأحدث وسائل تكنولوجيا العصر في صياغة هذا المحتوى بأسلوب يحقق جذب انتباه المشاهد، والتوغل إلى وجدانه وعقله.

ومن ناحية أخرى فإن السينما نمط من أنماط الإبداع الثقافي، يمكن أن تعكس النظم والأوضاع والمعتقدات السائدة في تطورها وتغيرها، كما أنها مصدر من مصادر تشكيل الوعي على المستوى الفردي والجماعي، من خلال تأثيرها على عمليات الإدراك والشعور وتشكيلها للرؤى الخاصة بالحياة.([3])

والسينما ليست موضوعًا أو رواية وليست سيناريو وتمثيلًا للمواقف فحسب .. لكن هناك خصائص مهمة في العمل السينمائي؛ كالتصوير والإضاءة والألوان والديكور والموسيقى وغيرها من مكونات الكادر السينمائي الجمالي والشكلي. مما يجعل هذا العمل الفني المتكامل يتم وفق رؤية سينمائية فنية محددة وواضحة.

وقدمت السينما كثيرًا من الحقائق السياسية والاجتماعية أكثر مما جاء به كل السياسيين لمحترفين والدعاة والوعاظ مجتمعين.

وحولت السينما روائع الأعمال الأدبية الروائية إلى مشاهد فنية محسوسة من خلال التمثيل بالصورة والصوت فضلًا عن الموسيقى والحركة والإضاءات الفنية الكثيرة .

وعالجت السينما عددًا من القضايا الاجتماعية التي تلامس حياتهم اليومية, فتطرقت إلى مشاكل الشباب والعمال وأزمات البطالة ونضال العمال من أجل كسب حقوقهم الضائعة. كما كشفت كثيرًا من الألاعيب وأنواع الفساد والرشوة والمحسوبية والأهم من ذلك التلاعب بالقوانين, وغير ذلك من الممارسات الخاطئة التي تعرقل مسيرة الفرد والمجتمع، وقدمت كثيرًا من الحقائق دون تزييف أو تشويه.

وكما ناقشت السينما أهم المواضيع التي تهم المجتمع فتعرضت لمشاكل الفقر والجهل والجوع والمرض ... وخاصة في البلدان النامية .. فعرضت مشاكل التعليم والأمية الأحوال الصحية.. مشاكل السكن والمواصلات، كما قدمت لنا نماذج من مشاكل الإنسان مع مجتمعه، فقد أبدعت السينما في تصوير مشاكل الإنسان مع البيئة والطبيعة وصراع الإنسان مع هذه الكوارث كالزلازل والفيضانات.

وهكذا كانت بدايات السينما تفضح الممارسات الخاطئة لأرباب العمل ومعاناة العمل والفلاحين، وقدمت نماذج من أساليبهم في معاملة الفرد واستغلال جهود الأيدي العاملة .. وكان هدف السينما الكشف عن الحقائق التي نسمع عنها ولا نراها، فقدمت نماذج وصورًا للسجون والمعتقلات السياسية .. والإحباطات النفسية التي يتعرض لها الإنسان في أماكن كثيرة من العالم، كما صورت السينما نماذج للحروب ونتائجها ومخلفاتها .. وأشكالًا من نضالات الشعوب ضد الاستعمار والعنصرية.

وهكذا استطاعت السنيما أن تحقق نجاحًا متصاعدًا وخاصة في مرحلة ما قبل ظهور الفيديو والقنوات الفضائية المتعددة .

وقد كسبت السينما نجاحها من أقدميتها ومن أهدافها النبيلة التي شكلت بداياتها حتى وصلت إلى قمة ازدهارها وتطورها .. خاصة بعد أن تطورت الإمكانيات السينمائية .. وعرفت أنواعًا جديدة من الأفلام: كالفيلم الكوميدي، والفيلم الاستعراضي، ثم تطورت أيضًا لتشمل أفلام الخيال العلمي وأفلام الغزو الفضائي وأفلام الرعب .. وأفلام الإثارة والتشويق وكل تلك المسميات الأخيرة التي تعمل بتنافس سريع من أجل بقاء السينما كفن لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة وقد أصبح للسينما مدن خاصة بها وصناعات تمتلكها السينما وحدها دون غيرها من الفنون.([4])

ويرى المخرج السينمائي المصري الشهير علي عبد الخالق([5]) في مقابلة أجراها الباحث معه أن السينما المصرية طوال عمرها مناسبة للمجتمع، فنجد السينما في فترة حكم عبد الناصر قدمت موضوعات كثيرة مرتبطة بالحركة الاجتماعية والسياسية الموجودة في مصر مثل ((رد قلبي, الأرض, أريد حلًّا))، وفي عهد السادات وحركة الانفتاح ظهرت أفلام كثيرة تنتقد هذا الانفتاح أو ترصد حركة المجتمع في هذه الفترة عندما قام الرئيس بشكل الانفتاح المفاجئ في المجتمع المنغلق قام بانفتاح استهلاكي وغير شكل المجتمع والسينما تأثرت بهذا وفي عهد الرئيس مبارك كانت الحياة ساكنة إلى حد ما.

        اتسمت السينما العربية الجماهيرية بدورها في تعبئة الوعي القومي, واهتمامها بقضايا المجتمع, والارتقاء بالقيم النبيلة التي تساهم في بناء الحضارة , وتقضي على العدوانية, وتقارب بين أبناء المجتمع الواحد, باستيعابها لكل فئات الشعب, وتسمو بمشاعرهم وفكرهم وإرادتهم, فهي سينما الحقيقة التي تعمل على خلق التفاعل بين الموضوع والذات وفق أرضية ثابتة, هي الواقع الحي الذي تستقي منه الفكرة والأسلوب والهدف.([6])

هكذا تكون السينما تستهدف التعليم والترفيه والإضحاك والتسلية وكذلك الصدق والنقل عن الواقع ومحاولة تناول المشاكل الموجودة بالمجتمع ومحاولة إيجاد حلول لها.. ([7])

وتؤثر الدراما الاجتماعية في مشاهديها, فهي تكشف عن أحداث وخبرات ربما تساهم في تغيير حياة الإنسان إلى الأبد، إذ تساهم في تغيير نظرة الفرد للحياة المحيطة به، وهذا يوضح سبب متابعة المشاهدين للحلقات الدرامية التي تستمر إذاعتها مرة أخرى بعد أسابيع أو شهور أو سنوات، حيث تعرض لنا الحياة الإنسانية بما فيها من أزمات وعلاقات جافة بين الأفراد([8]). وانطلاقًا من هذا افترض الباحثون أنه كلما قضى المشاهدون فترة طويلة أمام هذه العروض السينمائية الدرامية كلما كان هناك تأثير أكبر على معتقداتهم([9]).

        تشير نتائج الدراسات إلى تزايد الاهتمام بالدراما الاجتماعية والأفلام التي تعبر عن القضايا الاجتماعية المخلتفة أو المشكلات التي تنبع من واقع المجتمع، حيث تسيطر هذه القضايا على اهتمام كتاب السيناريو للأفلام السينمائية، كما تحوز قدرًا كبيرًا من اهتمام الجمهور, كما أن الشكل الاجتماعي قد يتضمن أنواعًا أخرى يتباين ملامحها في كل فيلم([10]).

وقد شملت القضايا الاجتماعية التي طرحتها الدراما العديد من الموضوعات منها الفساد واستغلال النفوذ، الفقر والحاجة إلى المال وتأثيره في سلوك الفرد، وأهمية الترابط العائلي والعلاقات الأسرية المتوازية، والتمسك بالقيم الأصلية، وعدم تجاوز حدود الحرية المتاحة وأهمية الالتزام بالمبادئ الأخلاقية, وعدم التخلي عنها في سبيل تحقيق المصالح الشخصية، وعدم اتباع الوسائل غير المشروعة من أجل تحقيق غايات معينة. ولهذا تتزايد أهمية التليفزيون في التصدي للمشكلات الاجتماعية بوجه عام ومواجهة الظواهر السلبية في المجتمع، والارتقاء بوعي الفئات الدنيا.([11])

وهذا يعني أن هناك عددًا من الأفلام السينمائية حاولت أن تعالج بعض المشكلات الاجتماعية، وبذلك أصبحت هذه الوظيفة تمثل انعكاسًا لما يحدث في الواقع، كما أن استخدام هذه الظواهر -وفقًا لما يسميها قدري حفني– في إيجاد مادة سينمائية تجذب الجمهور بعد أن تكون الظاهرة قد انتشرت بالفعل، فلا يمكن دراسة انتشار ظاهرة من خلال السينما لكون السينما تختار الموضوعات التي تساير الرأي العام حتى تكسب جمهورها, فمثلًا عندما انتشرت ظاهرة الثراء المفاجئ، وامتلأ المجتمع بجيوب متنوعة، وازداد الصخب، وانتشرت الظواهر الفردية وغاب القانون أو عجز عن ملاحقة الجريمة، وأشغل القانون نفسه في إيجاد صيغة للتعامل مع الجرائم الجديدة.

ويؤكد "أرنست فيشر" في هذا السياق على قدرة الفن على فهم الواقع ليصبح أكثر إنسانية وجدارة بالإنسان، والفنان الممتلئ بأفكار عصره وتجاربه يطمح في تصوير الواقع، بل وتشكيل هذا الواقع.([12])

ويهتم علماء الاجتماع بالأفلام عن طريق رصد البعد الاجتماعي الذي تتناوله الأفلام, ودراسة وتحليل الظواهر الاجتماعية التي يتم تقديمها كنماذج, وتأثيرها في فئة من فئات المجتمع, والآثار السلبية والإيجابية المترتبة عليها ومدى تفاعل المجتمع معها.

المعالجة السينمائية المصرية للقضايا السياسية:

الفيلم السياسي..... رؤية وواقع:

الفيلم السياسي يمس موضوعًا سياسيًّا في المقام الأول, والسياسة موضوع متسع, وشديد المرونة, وهو يصور الواقع السياسي الحالي لزمن إنتاج الفيلم, وقد يكون لهذه الأفلام إسقاط على النظام السياسي المعاصر لتاريخ إنتاجها, فالفيلم السياسي فيلم مجابهة, ويعرف صناعه في المقام الأول أنهم سيدخلون في صدام مع النظام السياسي القائم؛ لأنه يواجه هذا النظام بدستوره وبرلمانه, والشكل الاجتماعي الذي انعكس من القرار السياسي, وليس الذي يؤيد النظام السياسي في وطنه, مهما كانت إنجازاته؛ لأنه هنا يدخل في نطاق الدعاية والإعلام مما ينفي صفة السياسة, والبعض يرى أن كل ما يتعلق بالحياة سياسي ابتداءً من قصص الحب, إلى شكل المجتمع والجريمة والبطالة والملابس وما إلى ذلك.

وهناك مقولة أن "كل الأفلام سياسية ولكن ليست سياسية بنفس الدرجة، ولقد زهت الأفلام السياسية في العقد الثالث من تاريخ السينما والذي ظهر في الفترة من الستنييات والسبعينيات، وقد بدأ الباحثون في دراسات الفيلم السياسي في فترة الثمانينيات ومع المناخ السياسي الذي ساد الدول زاد ظهور الفيلم السياسي، فالسينما تهدف بالدرجة الأولى إلى تقديم أعمال محلية وجماعية بغية الوصول إلى الجمهور ومشاركته في القضايا التي تثيرها.[13]

 والسينما السياسية تتخذ موقفًا فكريًّا وثوريًّا محددًا ضد التخلف السياسي, والاستخدام السيء للسلطة, وامتهان حرية الإنسان وكرامته وعواطفه, فهي تمجد الإنسان, وتؤكد على حقه في الحياة الشريفة الآمنة, وتؤكد أحلامه المشروعة في الحرية والعمل والحب والمستقبل, وهي التي تعارض الفساد والتسلط والديكتاتورية الحاكمة الظالمة, والمؤسسات التي تتاجر بأسلحة الدمار, ويهمها ترويج بضاعتها.

والسينما السياسية لا تتوقف عند حدود النقد أو التفسير, وإنما تتجاوز هذا إلى الكشف عن مكمن الخلل في أبنية المجتمعات والربط بينها وبين مظاهر الفساد, وتمضي قدمًا نحو التحريض والثورة, وهي أجرأ خطوات السينما عبر عمرها, ودخولها طرفًا في الصراع السياسي كشف عن خطورتها وقدرتها على الحركة والمناورة, مما أدى إلى مزيد من الرقابة للحد من حريتها, وأصبح طريقها محفوفًا بالمخاطر ومضطهدة من قبل السلطة. ([14])

ولعل كلمة فيلم سياسي يتم تفسيرها على مستويين:

-يطبق هذا المصطلح "السياسي"على تفسير الفيلم بصفة عامة.

-وأحيانًا هو نوع من تصنيفات الفيلم مثل الفيلم الأيدلوجي والاجتماعي.([15])

ومع ظهور السينما عام 1927م, والتي تناولت قضايا اجتماعية وقضايا الحديث عن الاستعمار وغيرها إلا أنها ظلت بعيدة عن ميدان السياسة حتى قيام ثورة يوليو1952م, وظاهرة ابتعاد السينما المصرية عن معالجة القضايا السياسية يرجع إلى أن صناعة السينما كانت في يد مجموعة من الأفراد المنتجين المستغلين - قبل ظهور القطاع العام - الذين ابتعدوا عن تقديم أفلام تزيد من إثارة الشعب, وتدفعه إلى التخلص من الاستعمار. ([16])

حيث سنعرض عددًا من الأفلام التي تناولت قضايا سياسية منذ نشأة السينما في مصر مرورًا بالتغيرات والأحداث السياسية التي عصفت بمصر:

يعتبر فيلم "لاشين" الذي أنتج عام 1938م للمخرج الألماني فريتز كراب, أحد أبرز الأفلام الذي تعرض للمنع في اليوم الأول لعرضه بسبب الظروف السياسية غير الملائمة, وإن كان المنع بسبب نهايته الجسورة التي تنتصر للشعب في مواجهة نظام ملك ظالم, وحاشية فاسدة. وبالرغم من أن الفيلم تحدث عن "ماضٍ بعيد" , لكن ذلك لم يشفع له, وكان على صناعه الرضوخ, وافتعال نهاية سقيمة يهتف فيها الشعب للسلطان العادل, ويندد بالحاشية والقيادات الخائنة, وكانت السلطة حاسمة وصارمة مع "لاشين", ولم تأبه لكونه من إنتاج أستوديو مصر, وأن وراءه الاقتصادي الكبير طلعت حرب, فاستقرار النظام أهم من السينما, فكان الدرس قاسيًا وواضحًا, ارتفع على أثره ولسنوات عديدة شعار "ممنوع الاقتراب أو التصوير" لما يمس النظام أو رموزه, رغم كل دعاوى الديمقراطية والتعددية الحزبية فيما قبل عام 1952م.[17]

كان درس "لاشين" كافيًا لأن تهرب السينما من تعاطي السياسة لأكثر من عشر سنوات, حتى يتجرأ أحمد بدرخان, ويقدم فيلمًا عن الزعيم الوطني مصطفى كامل, فتنتفض الرقابة, وترفض وتمنع عرض الفيلم الذي يؤكد قيمة النضال والتضحية من أجل الوطن, والتنديد بالاستعمار والاستبداد والظلم. ولم ينقذ الفيلم إلا قيام ثورة 1952م, فتفرج عنه ويعرض في نهاية عام 1952م. ([18])

صارت السينما أداة سياسية لدى القائمين بالثورة, تدافع عن مبادئهم وأفكارهم, وقراراتهم السياسية, ومواقفهم العامة, وتناصر الثورة, ومشاريعها, وتتحدث عن الماضي بصفته صفحة كان يجب أن تمحى, وعن الحاضر باعتباره متميزًا بالثورة.

واكب قيام الثورة سلسلة أفلام ثورية وسياسية منها:

·        فيلم " ثمن الحرية", ويتناول قصة مجموعة من الذين دفعوا دماءهم ثمنًا لحرية الآخرين.

·        فيلم "رُدّ قلبي", والذي يصور قضية الصراع الطبقي.

·   فيلم "في بيتنا رجل", عن قصة "إحسان عبد القدوس", ويعتبر من أحسن الأفلام الوطنية التي قدمتها السينما المصرية خلال الفترة الماضية, وهو يصور الفترة قبل الثورة.

·   فيلم "السمان والخريف", وهو يبين مدى نجاح الثورة في ترسيخ مبادئها, وحرصها على تطهير أجهزة الحكم من مدعي الوطنية. ([19])

بعد ثورة 1952م, وعلى مدى ما يقرب من ثمانية عشر عامًا - عهد جمال عبد الناصر- ظهرت عشرات الأفلام التي تناولت فساد العصر السابق, وعملت على تشويه صورته بالكامل, دون نقد الواقع, والاقتراب منه, وبالرغم من قسوة الأجهزة الأمنية, إلا أن هناك أكثر من محاولة في التعبير عن الثورة, ورجالها وممارستها, بل وإلى رفضها.

فيلم "المتمردون" لتوفيق صالح, بدأ إنتاجه قبل الثورة عام 1966م, وعرض عام 1968م, قدم توفيق أقسى نقد وجهه للنظام الثوري في مصر, وشكك في صلاحية القيادة السياسية للشعب, وعجزها عن التعبير عن مصالح الشعب, وبعدها عن الجمهور الذي ساندها ودعمها واعتبرها قيادة مستبدة, تبحث عن مصالحها, وأشار توفيق إلى افتقاد رجال الثورة لرؤية ثورية منهجية. تعرض الفيلم للتمزيق من قبل الرقابة, بحذف ما يقرب من خمس وعشرين دقيقة من النسخة الأصلية, وتأجيل عرضه, وإجبار مخرجه على تصوير نهاية جديدة, وهو ما حدث مع "لاشين" قبل ثلاثين عامًا, باعتبار أن الأحداث تبشر بالأمل القادم.([20])

والأفلام التي أعقبت ثورة يوليو مباشرة ظهر فيها عبد الناصر بشكل ضمني, كان دائمًا شخصية القائد الغامض والمجهول, في ذات الوقت يظهر على الشاشة فيبدو رزينًا هادئًا (رد قلبي – شروق وغروب – لا وقت للحب), فالثورة قدمت قائدها ومفجرها متأخرًا, وكما يقول د. أحمد يوسف: إن يوسف شاهين من أبرز المخرجين الذين أظهروا صورة عبد الناصر في خلفيات أفلامه, ففي فيلم "عودة الابن الضال" كانت مجسدة بشكل شفاف في جنازة عبد الناصر.

وفي فيلم "إسكندريه ليه" لقطات عابرة ترسم خلفية المجتمع السياسي في الأربعينيات, وتظهر صورة لعبد الناصر والسادات. ([21])

وفي فيلم "قانون أيكا" باعتباره ليس مجرد فيلم أدان عهدًا سياسيًّا لحساب عهد آخر, ولكنه يطرح قضية تلك الفترة السياسية التي أصابت عددًا كبيرًا من السينمائيين, وجعلت البعض يهاجم عصر عبد الناصر لحساب عصر السادات أو العكس بدعوى أن تلك أفلام سياسية, وهي ليست أفلامًا ولا سياسية.([22])

جاء ما سمي بحرب "الاستنزاف 69", وعاش الناس في حالة إحباط, أو حالة "اللا سلم واللا حرب", وكان لهذه الفترة تأثير كبير في السينما المصرية, فقد ابتعدت السينما عن السياسة وخاصة أن الناس كانوا يعيشون في ضياع وإحباط واللامبالاة, ومن بين هذه الأفلام "نساء الليل", "حمام الملاطيلي", "امرأة سيئة السمعة".

ومع نهاية هذه الفترة, وكانت الهزيمة قد وقعت, وأثرت في المجتمع المصري, كان رد فعل النظام الحاكم الذي أحس بوقع الصدمة على الشعب, أنه أتاح نوعًا من الحرية لتناول أمور الواقع الحالي, واستجابت السينما لذلك, فتناولت قضايا المشاركة السياسية للشعب في أمور الحكم, وقضايا الديمقراطية, وفي ذلك الإطار ظهرت أفلام "القضية 68", "ميرامار", "ثرثرة فوق النيل", "شيء من الخوف".([23])

فيلم "شيء من الخوف" عن قصة الكاتب الكبير ثروت أباظه, للمخرج حسين كمال, والذي أنتج بعد حرب 1967م, كان بمثابة مبادرات شجاعة, ويتناول عدم الرضوخ والاستسلام والخوف ممن هو في مركز القوى, والتشكيك في النظام ذاته, وبالرغم من رفض الرقابة له, فقد أمر جمال عبد الناصر بعرض الفيلم كاملًا, فقد بدا النظام ضعيفًا بعد هزيمة67, فكانت هناك مساحة من الحرية مسموح بها رغم المتاعب والعقبات.

فيلم " ميرامار " للكاتب " نجيب محفوظ ", عرض عام 1969م وهو أحد الأفلام في عهد جمال عبد الناصر, وقد تناول الوقوف في وجه رافعي الشعارات الثورية الكاذبة, ومدعي الإصلاح الاجتماعي, والمتهربين من المسؤولية, والمتشدقين بالحرية المزيفة, والاشتراكية الموضوعة. وبالرغم من تهجمه على الثورة ونظامها السياسي, إلا أن أنور السادات سمح بعرضه, فبعد وفاة عبد الناصر, وبدأ عهد السادات, فقد سمح بالهجوم المباشر على رموز النظام القديم, وتجاوزات الأجهزة الأمنية.

كانت حركة تصحيح 15 مايو1971م, بمثابة الشرارة الأولى التي استند عليها أنور السادات شعبيًا, لإحداث تغيير في وجه مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي, عما كان عليه في الخمسينات والستينات, مما مهد للتحول إلى الاشتراكية ثم إلى الانفتاح. ومن الأفلام التي تناولت تلك الفترة التي عاشتها مصر تحت حكم مراكز القوى " زائر الفجر, وراء الشمس, الكرنك", وأفلام أخرى.

أما في فيلم " العصفور" فقد تم إنتاجه قبل حرب أكتوبر, وعرض عام 1974م, وقد عبر يوسف شاهين عن رغبة الشعب في تحرير أرضه بالقوة, والصورة ارتبطت بجو النكسة ولحظات التنحي, والطابع الملحمي كان يغلب على الفيلم, لكن مشاكل رقابية عديدة أوقفت عرض الفيلم, ورأت الرقابة أن السبب يعود إلى أنه يصور سلبيات عديدة في المجتمع, لذا فإنه عندما عرض بعد النصر بدا كأنه قد صار تاريخًا , وكأنه على هوى القيادة السياسية في تلك الفترة, بانتقاد فترة حكم عبد الناصر, التي اشتدت في العام التالي , من خلال عرض فيلم "الكرنك " عن رواية نجيب محفوظ, والذي لاقى ترحيبًا في عهد السادات تمهيدًا لسياسة جديدة, وتشويه لعهد عبد الناصر رغم افتقاده للموضوعية.

 في فيلم " زائر الفجر" عبر ممدوح شكري عن الإرهاب, وعن جدوى الحرية والديمقراطية, وجاء الفيلم ليعطي إشارة البدء في الهجوم, واختراق الممارسات الهمجية لبعض الأجهزة الأمنية بقوله: "حاميها...حرميها !!", وينتقد ويناقش مسائل حيوية تخص النظام السياسي والاجتماعي القائم, فقد عانى من متاعب رقابية, ولم يسمح بعرضه إلا عام 1975م, بعد أربع سنوات من إنتاجه, ثم منعته الرقابة نهائيًا عام 2000م, وكان الفيلم يمتلك قدرًا من النزاهة رغم قسوته, افتقدها فيلم "الكرنك" صاغه الليثي, ليكون نقطة انطلاق لسينما التشهير السياسي التي أطلق عليها أفلام "مراكز القوى".

 وفي فيلم "التلاقي" إخراج صبحي شفيق, عرض عام 1977م, تعرض الفيلم للفساد والانحراف في أجهزة الدولة, وعن هجرة العقول خارج مصر.

وكتب حسن عبد المنعم وكيل وزارة الثقافة مقالًا بعنوان "أفلام ممنوعة- لماذا ؟" جاء فيه عن فيلم "زائر الفجر" أنه يقدم صورة شائبة حرصت على تشويه وجه الحياة في المجتمع المصري بصورة لا نظير لها, سواء كان المقصود هو إعطاء صورة من المجتمع قبل 1967م أوما قبل 15 مايو1971م, فإن الصورة التي أعطيت لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون واجهة للمجتمع المصري "إني أرفض هذا الفيلم وأعتبره فنًا منحرفًا عن رسالة الفن المقدسة".

وعن فيلم "التلاقي" قال: أنه يقدم صورة حافلة بالفساد والاستهتار والاستهانة بحياة الناس والوصولية. وعن فيلم "العصفور" قال: هل هذه صورة مصر بكل هذه السلبيات حتى في الفترة التي سبقت وقوع النكسة أم أن الفن الذي برع المخرج يوسف شاهين في تقديمه لا يمثل الفن الذي ينبض بحب مصر وهي قلب العروبة ومناط رجائها؟

وفي الوقت نفسه, سمح بعرض أفلام "حمام الملاطيلي" و"الخوف", وبنفس المقاييس على الأفلام السابقة كان يجب منعهما من العرض لنفس الأسباب, لكن استمرار أجواء الهزيمة قبل أكتوبر, وصبغة الفيلمين التجارية, واستغراقهما في التصورات والمشاهد الفاضحة, وإمكانية قيامهما في مهمة التسريب النفسي خاصة لفئة الشباب, جعل الرقابة تغض الطرف عن تشويه وجه المجتمع المصري.

أما فيلم "الناس والنيل" الذي أخرجه يوسف شاهين, فقد عرض في ظروف غير مواتية على الإطلاق, إذ أن الفيلم يعرض الصداقة المصرية السوفيتية, وتعاون الجانبين لإنجاز بناء السد العالي, وعندما عرض الفيلم عام 1972م بعد سنوات طويلة, كان السادات يصدر قراره بطرد الخبراء السوفيت من مصر, فلم تتنبه الرقابة لفحوى ما يعلنه الرئيس, وتناقضه مع مضمون ما يعرضه الفيلم. وفي فيلم "الظلال على الجانب الآخر" , كان ممنوعًا من العرض في تلك الفترة, وتم عرضه بعد سنتين عام 1974م. وفيلم " المومياء "تأجل عرضه حوالي ست سنوات وعرض عام 1975م.([24])

جاءت حرب أكتوبر 1973م, نقطة تحول في تاريخ الأمة العربية, من الهزيمة إلى النصر, فكانت الاستعادة للكرامة والأرض والنفس والعرض, على عكس الحرب العالمية التي كانت حرب تدمير وخراب وتقسيم دول. حيث استطاعت السينما المصرية أن تعبر وتصور حرب أكتوبر المجيدة من وجهة نظر سينمائية, من خلال مجموعة من الأفلام التي قدمتها عن هذه الحرب ومنها:

·        فيلم "أبناء الصمت" عام 1974م, ويحكي عن رئيس التحرير الذي تخلى عن مبادئه بعد خروجه من المعتقل.

·        فيلم "بدور" عام 1974م, يحكي عن "عامل المجاري" الذي عاد من الحرب ليتزوج "النشالة".

·   فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" عام1974م, وهو يصور الانتقام لشرفه بعد مشاركته في حرب الاستنزاف, ثم في حرب أكتوبر, ويعود مرفوع الرأس بعد الانتصار.

·        فيلم "العمر لحظة", وهو يصور صحفية تتمسك بمبادئها حتى وإن كان الثمن حياتها الزوجية.([25])

كان المجتمع المصري مهيئًا لاستقبال وممارسة الديمقراطية, وكان من المنطقي أن تتجه الرقابة إلى إلغاء جانب من المحظورات لصالح حرية التعبير, لكن ما حدث هو بمزيد من المحاذير والقيود.

عبر مائة عام لعبت السينما المصرية دورًا كبيرًا في تحديد أهم الملامح العامة للشخصية القومية والعربية في مختلف عصورها، كما استطاعت أن تؤرخ لأهم الأحداث والتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة العربية باعتبارها السينما الرائدة في المنطقة، السينما التي لعبت دورًا أساسيًّا في تاريخ مصر والوطن العربي, فلم تعرف أفئدة العرب تأثيرًا كالذي تركته شاشة مصر، وكان رجالها ونساؤها يتحكمون بمشاعر كل بيت فرحًا أو حزنًا أو سلوى, وكانت هي المسيطرة حتى أصبحت اللهجة المصرية معروفة في كل العالم العربي من المحيط إلى الخليج.

السينما السياسية والرقابة:

وعرفت مصر الرقابة مبكرًا في عام 1947م، حتى قبل أن يوجد إنتاج سينمائي قومي، بهدف رقابة ما يعرض من أفلام أجنبية، والسيطرة على ما قد يكون فيها من تحريض ضد النظام السياسي أو الاحتلال البريطاني أو الدين.

وشهدت الرقابة على مستوى العالم تغيرات وتطورات في قيودها وحدودها، تحت تأثير عوامل كثيرة، منها التطور الاجتماعي والسياسي، ونمو الوعي لدى الجمهور، ومساحة الديمقراطية السياسية، وحالة المجتمع في زمن الحرب أو السلم.

والأمر مرتبط في معظم الأحوال بمساحات الحرية الفردية والحريات العامة في المجتمع، فكلما زادت المساحة المتاحة للتعبير قلت الحاجة للرقابة وتضاءلت ضرورتها، والعكس. 

وكانت المجتمعات الليبرالية هي الأكثر تطويرًا لمفهوم الرقابة، في حين ظلت النظم الاستبدادية و"العسكرية" الأكثر تشددًا فيما يتعلق بحريات التعبير، وبالتالي التمسك برقابة صارمة للدولة أو الحزب على السينما.

تتمثل الرقابة على السينما في عدة صور وأشكال أولها: رقابة المؤلف أو كاتب القصة والسيناريو والحوار على نفسه، وهي الرقابة الذاتية. يليها رقابة جهة الإنتاج، وهي التي تحدد السمات الأساسية للسينما القومية في أي بلد.

ويبقى الحكم في النهاية لرقابة جمهور السينما، ومن الصعب تحديد سمات هذا الضابط من الناحية العلمية، لكنه رقيب لا يرحم بالنسبة لأفلام السوق.

أما الشكل الرابع، وهو المؤثر بدرجة أكبر من الصور السابقة، فهو رقابة الدولة على السينما، التي تتمثل في جهاز إداري، ومجموعة من اللوائح والقرارات والقوانين الرقابية، تشكل معًا الحدود التي يتحتم عدم تجاوزها.([26])

وكانت الرقابة على السينما هي أول وأخطر سلاح شرعته الحكومات في وجه السينمائيين, ومع قيام حرب فلسطين وإعلان الأحكام العرفية في 13مايو1948م, صدر الأمر العسكري رقم (1) بتفويض الرقابة في جميع أراضي مصر على الكتابات والمطبوعات والصور وعلى جميع القطع التمثيلية, وأفلام السينما والأسطوانات وغيرها من الوثائق الناقلة للأصوات والصور.([27])

وفي دراسة بعنوان "لمحات من تاريخ القمع للسينما المصرية" يرى المخرج هاشم النحاس أن ثورة 1952 كشفت عن نظرتها المتدنية للسينما بوضعها ضمن "الملاهي" وألحقت الرقابة على الأفلام بوزارة الداخلية، حتى تضع أصحابها في موضع الشبهة من البداية، وتعزل فنان الفيلم عن أصحاب الرأي، وفق النحاس.

 احتلت السينما في مصر موقع الريادة تاريخًا وكمًّا وكيفًا, فهي سباقة إلى اعتماد الرواية منذ أفلامها الأولى, وبعد قيام ثورة يوليو1952م, بدأ زخم جديد يميز الحركة السينمائية بالاعتماد على أعمال روائية هامة ليوسف السباعي, ونجيب محفوظ, وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس, وغيرهم. وقد زادت العلاقة بين السينما والرواية توطدًا في مرحلة الستينيات حيث بلغت إلى حدود أواخر السبعينيات خمسة وثلاثين فيلمًا, مأخوذة عن نصوص روائية، وبرز بشكل خاص تعامل كل من صلاح أبو سيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين مع الأعمال الروائية.([28])

قامت الرقابة على السينما بمهمة حماية ممارسات النظام السياسية, ومنع الاقتراب منها باعتبارها أداة النظام, فقد شهد عام 1976م التعددية السياسية لأول مرة منذ ثورة يوليو1952م, كما أعلن عنها النظام الحاكم, وبدأ استرداد الوجه الديمقراطي للحياة في مصر فيما عرف بتجربة المنابر كنواة للأحزاب, كما شهد نفس العام إعلان وزارة الثقافة عن قانون جديد للرقابة وهو القانون رقم 220 لسنة 1976م, والذي عدد الممنوعات والمحظورات, وحد من سلطة الرقباء التقديرية, كما شهد نفس العام أكبر معركة للرقابة مع فيلم "المذنبون" الذي تم إحالة مديرة عام الرقابة على المصنفات الفنية ومجموعة من الرقباء معها للتحقيق بسبب إجازة في أول سابقة من نوعها. ([29])

وقد لاقى صدور القرار عام 1976م استياء السينمائيين, وأصدرت جماعة السينما الجديدة بيانًا أعلنت فيه رفضه, وأشارت فيه أنه يشكل خطرًا بالغًا على حرية التعبير, وانتهاكًا للحريات الديمقراطية, كما أنه تأكيد للأوضاع الاحتكارية في السينما المصرية خاصة, والفنون التي يتناولها القرار عامة. وأشار البيان إلى عودة القرار إلى تعليمات عام 1947م التي صدرت أيام الاحتلال.

وظلت أحداث كبرى في السبعينيات بمنأى عن السينما, فلم تتناول موضوع الممارسة الديمقراطية, أو جدوى المشاركة السياسية, ولم تتعرض للصراع العربي الإسرائيلي.

        كان للتجربة المصرية مع الديمقراطية في السبعينيات وجهان أفصحت عنهما ممارسات النظام: بدأت الفترة الأولى مع تولي الرئيس السادات الحكم في أكتوبر 1970م, واستمرت حتى نهاية عام 1976م. وبدأت الفترة الثانية ذات الوجه المغاير مع بداية عام 1977م, وبالتحديد مع أحداث 18/19 يناير, وحتى السادس من أكتوبر عام 1981م. وواكب نفس هذا التقسيم تقريبًا فترتان للرقابة على السينما: كان القانون المطبق في النصف الأول منها هو قانون الرقابة على المصنفات الفنية رقم 430 لعام 1955م. ومع عام 1976م صدر قانون الرقابة الجديد رقم 220, وهو الساري حتى 1981م وحتى الآن.

وإذا كان التقسيم الأول يفصل ما بين تجربة مصر مع الشعارات الديمقراطية, وما بين ممارساتها الفعلية, فإن التقسيم الثاني الخاص بالرقابة يفصل ما بين قانون سلطة الرقيب التقديرية –المقيدة- وبين قانون المحظورات والممنوعات المحددة, كما أنه يفصل ما بين الرقابة في ظل الحزب الواحد, والرقابة في ظل ديمقراطية المنابر والأحزاب.

في الوقت الذي أصدرت فيه الرقابة توجيهات عن نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام, تنفيذًا لما أشار إليه السيد رئيس الجمهورية, بتنقية الأفلام العربية والأجنبية من كل ما يمس الأخلاق الفاضلة, المنبثقة من العادات والتقاليد المصرية بحيث تصلح هذه الأفلام للعرض على الكبار والصغار معًا. وقد وجد السينمائيون في تلك التوجيهات الصادرة من الرقابة خلطًا منها ما بين جمهور الصغار والكبار, أو بين أفلام الكبار والصغار, التي تفرق بينهما أجهزة الرقابة في أي مكان في العالم. ([30])

وكانت الرقابة في ذلك الوقت تصرح بعرض الأفلام بشرط ألا تتضمن ما يمس النظام العام أو الآداب العامة, حتى جاءت مرحلة الثمانينيات, مرحلة ضعف واستسلام من قبل السلطة على الأعمال السينمائية (ربما كان ذلك لوجود السيدة نعيمة حمدي) مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية في ذلك الوقت, فكان أثرًا واضحًا لتشددها وتعسفها في تطبيق القانون تحت التأثير المباشر أو غير المباشر لدعوات "المتطرفين", وكانت نعيمة محافظة ومتدينة, وتركز على الاتجاه الأخلاقي, وصارمة في تطبيق القانون, وقد تسبب ذلك في ظهور موجة (أفلام المقاولات), والتي لا تتضمن أي محاذير رقابية, ولكنها ليست بسينما, فقد وصل عدد الأفلام التي عرضت من هذا النوع عام 1986م إلى 96 فيلمًا, وهو أكبر رقم تم عرضه في عام واحد في تاريخ السينما المصرية.([31])

وقد لا يمكن إغفال عشرات الأفلام التي تلامست مع القضايا السياسية أو تحمل في ثناياها بُعدًا سياسيًّا بارزًا أو خافتًا -والتي تم ذكرها سابقًا- سواء في العصر الملكي أو الجمهوري بعهوده الثلاثة.

معالجة السينما الروائية المصرية للقضية الفلسطينية:

        فلسطين هي الكلمة الوحيدة التي جمعت بين العرب طوال نصف قرن ونيف, وهي الحدث السياسي المتحرك منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن, وقد صارت منذ بدايتها موضوعًا لقصص أفلام عديدة, ليس فقط في مصر والعالم العربي, بل في أنحاء العالم, وقد حاولت السينما أن تقوم بواجبها في خدمة هذه القضية، ولم تُقصّر في تعاملها مع القضية الفلسطينية.([32])

ولو بدأنا بحرب فلسطين عام 1948م, فهي بلا شك الحرب العالمية الأولى ضد إسرائيل, كدولة اغتصبت أرض فلسطين, فصار من كرامة العرب أن يتجمعوا معًا في حرب واحدة, وقد منيت الجيوش العربية بهزيمة أولى في أرض المعركة, وكتب المحللون السياسيون خاصة إحسان عبد القدوس أن سبب الهزيمة هي الأسلحة الفاسدة, وصار الحديث عن الهزيمة كأن الأسلحة الفاسدة هي السبب الأساسي, وليست هناك إشارة في الأفلام إلى أن القوات المسلحة هي التي استوردت السلاح, بل إن أشخاصًا قريبين من السلطة هم الذين يفعلون هذا, خاصة الملك. (نفس المرجع) ص256, وسرعان ما راحت السينما تعزف على الأعلام الموجه للثورة بأن الملك كان وراء صفقة الأسلحة الفاسدة, وأن هذه القضية كانت من الأسباب المباشرة لقيام ثورة يوليو52, وبدت حرب فلسطين كحدث رئيسي في كافة الأفلام التي تناولت قيام الثورة, وأن حرب فلسطين التي جرت خارج مصر قد تركت صداها السياسي داخل الوطن.([33])

بدأت صناعة السينما في إسرائيل عام 1949م, أي بعد عام من إعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة, وحملت الأفلام الإسرائيلية المغالطات والأكاذيب الموجهة للرأي العام الإسرائيلي, وللرأي العام العالمي عن ذلك الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر. ([34])

لعبت السينما الصهيونية دورًا مهمًّا في تمجيد الكيان الصهيوني وتزيف التاريخ العربي والحق العربي, فبذلت الأموال الهائلة على الأفلام الصهيونية التي شنت حربًا شرسة على العرب, والحروب التاريخية بين العرب والإفرنجة, وتشويه واقع المقاومة الفلسطينية للاحتلال, وفي مواجهة هذه السينما فقد اتخذت عدة خطوات ولكنها كانت غير كافية, ومنها إعلان الجامعة العربية في مايو1968م عن إعدادها مشروعًا لإنشاء هيئة عربية للإنتاج السينمائي تشترك فيه الدول الأعضاء في الجامعة, وكانت تلك أول خطوة جادة لمواجهة النشاط الصهيوني في السينما العالمية, وكانت أيضًا أول خطوة إيجابية يتخذ فيها العرب موقفًا موحدًّا إزاء الفيضان الهائل الذي غزت به الصهيونية شاشات العالم, وفي مجابهة هذه السينما المعادية, ومع أهمية هذه الخطوة إلا أنها لم تستمر.([35])

أصبح الاتجاه النقدي نحو بحث تأثير المسألة اليهودية في مصادر الإبداع الفني العامة اتجاهًا ملموسًا, ولم يعد الاهتمام بتأثير هذه المسألة مقصورًا على النواحي السياسية والاقتصادية فحسب, ومن أمثلة اهتمام الناقد الأدبي العربي بهذه المسألة البحث المنشور عن "توظيف الشخصية الدينية في الأدب لخدمة الصهيونية". والمسألة اليهودية هي أحد شواغل النقّاد الفنيين بصفة عامة, والنقاد الأدبيين بصفة خاصة, فضلًا عن موقع هذه المسألة في الفكر النقدي السينمائي في نشرة نادي السينما بالقاهرة على وجه أخص. ومن الملاحظ أن نطاق الاهتمام بالمسألة اليهودية في السينما ليس مقصورًا على النشاط النقدي السينمائي في العشرين عامًا الأولى من عمر نشرة نادي السينما بالقاهرة, بل إن نطاق هذا الاهتمام يمتد زمانيًّا داخل النشرة ذاتها, ويمتد مكانيًّا إلى خارج نشرة نادي السينما لنجد صداه في الكتب السينمائية مثل كتاب "تاريخ السينما في مصر" , وكتاب "مدخل إلى السينما الصهيونية", والمجلات الفنية المتخصصة مثل مجلة "أدب ونقد"، والصفحات الفنية في الصحافة اليومية, بل ويمتد إلى مجلات عربية أخرى مثل مجلة "البيان الكويتية". ويدور البحث في المسألة اليهودية في السينما من خلال فرعين: الناحية الشكلية، والناحية الموضوعية. وتتصل الناحية الشكلية بكل من نطاق تقديم الفكر النقدي المتصل بالمسألة اليهودية في السينما "يتضمن جنسية الأعمال الفنية موضوع الدراسة ليشمل الأفلام الأجنبية أو الأفلام العربية ونوع المادة النقدية كالنقد الحواري ومتابعة المهرجانات السينمائية أو التعليق من خلال ما يقوم بترجمته من مادة نقدية أجنبية"، وأسلوب تقديمه بالنشرة.([36])

رغم كثرة الأفلام المصرية السينمائية وطرق العرض عبر الشاشات فإن البعض منها قد لا يحمل المضمون ذاته أو الرسالة المطلوب عرضها، ويتم طرحها بشكل نمطي وعشوائي، مع عدم ترتيب الأفكار وكيفية تناول الأحداث، والبعض الآخر قد يكون جيدًا, فالفائدة تعود إلى المشاهد كتحصيل حاصل للنص الدرامي المعروض له.

ومنذ نشأة السينما المصرية في أواخر العشرينيات من القرن الماضي وحتى أواخر الأربعينيات أثبتت أنها الأعرق والأكثر إنتاجًا عن الأقطار العربية الشقيقة, فلا ننكر أن السينما المصرية قدمت تاريخًا وعمقًا إنسانيًّا للشعوب العربية من خلال عرض بعض القضايا, ولو نظرنا إلى الأساليب والأبعاد والأنماط التي تناولتها السينما المصرية نجد أن القضية الفلسطينية لم تنل القدر الكافي الذي يليق بها من حيث الكتابة والأسلوب والمعالجة وطرق العرض كالمعاناة والحصار والمقاومة والاحتلال وتناقص بعض المهارات الفنية.

لم تكن القضية الفلسطينية ذات اهتمام ملموس داخل السينما المصرية رغم الكم الكبير من الإنتاج وسرد بعض القضايا، فقبل ثورة يوليو 1953م كانت القضية الفلسطينية أخطر القضايا السياسية التي عاشتها الأمة العربية في تاريخها المعاصر وما تزال، فمنذ ظهور فن السينما في مصر عام1927م لم تصدر الأفلام التي تعرضت للقضية الفلسطينية عن خطة واضحة أو هدف محدد فتناولت الصراع المصري الإسرائيلي وتهميش القضية خصوصًا في الخمسينيات حيث وقوع بعض الدول العربية تحت وطأة الاستعمار، أما بالنسبة لمصر فسيطرة البرجوازية والقصر الملكي والتحكم في السينما إلى جانب الاحتلال أثرت بالسلب في تناول القضية الفلسطينية سينمائيًّا. كما أن الفيلم السياسي لم يحتل موقعًا على الخارطة السينمائية في فترة الملكية.

فالقضية الفلسطينية تشكل جزءًا من مستقبل وواقع مصر، فمعالجة تلك القضية سينمائيًّا من فرضيات البقاء والاستمرار العربيين في مواجهة الكيان الصهيوني، ولكن لا ننكر بعض الأفلام كـ "فتاة من فلسطين" عام 1948م بطولة وإخراج محمود ذو الفقار بالاشتراك مع سعاد محمد وصلاح نظمي، وتحكي قصته عن فتاة فلسطينية هاجرت من بلادها بعد مقتل والدها على يد عصابة عسكرية صهيونية فترحل إلى القاهرة لتعيش مع خالها، ويرتبط بها ابن خالها ضابط الطيران تاركًا خطيبته، ويذهب هو للحرب وتصاب طائرته، ويكاد يفقد حياته ويصاب بإصابات تعوقه عن الزواج.

وفي عهد الثورة والتغيير تراكمت أسباب السخط الشعبي المصري، فاحتلال بريطانيا وفساد السرايا أصابا الكرامة الوطنية بجراح وكيفية تخلص الشعب من كل ما يعانيه.

وفي أواخر 1952م أخرج نيازي مصطفى فيلم "أرض الأبطال" بإذن خاص من الرئيس جمال عبد الناصر، ثم فيلم "أرض السلام" للمخرج كمال الشيخ عام1957م والذي يحكي قضية شباب مصري يشارك في إحدى العمليات الفدائية داخل الأرض المحتلة ليتعرف على شابة فلسطينية تساعده في تنفيذ العملية، ثم يتزوجان بعد العودة إلى مصر، وبعد حرب 1948م أنتج فيلم "الله معنا" عام 1953م فقد عماد حمدي ذراعه مما جعله يشعر بمرارة من ضياع فلسطين نفسها واغتصابها نتيجة الخيانة والفساد، ولا تستطيع أفلام هذه الفترة تحديد سياسة مرسومة لتناول القضية الفلسطينية داخل السينما المصرية رغم أهميتها كجزء من التحرر الوطني العربي.([37])

ويمكن توضيح فترة الخمسينيات: منذ ظهور فن السينما داخل مصر 1927م، لم تصدر معظم الأفلام التي تعرضت للقضية الفلسطينية عن خطة واضحة، وبالتالي لم ترمِ إلى هدف محدد، فتناولت غالبية الأفلام الصراع المصري الإسرائيلي، وأرجع البعض تهميش تناول القضية الفلسطينية، خاصة في فترة الخمسينيات، إلى:

أولًا: وقوع معظم الدول العربية تحت وطأة الاستعمار، بما أعجزها عن تناول قضاياها الملِحّة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وفي مصر كان لسيطرة البرجوازية والقصر الملكي إلى جانب الاحتلال، الأثر السلبي على القضية الفلسطينية، حيث لم يكن في وسع مجتمع تحكمه العلاقات الرأسمالية الإقطاعية، وتسيطر عليه الملكية المتحكمة في السينما في ذاك الوقت، أن تتناول قضية الشعب الفلسطيني على النحو المرجو.

ثانيًا: لم يحتل الفيلم السياسي موقعًا على الخارطة السينمائية المصرية، ولا نقصد بالفيلم السياسي الفيلم الذي يناقش أو ينتقد موقفًا أو أداءً، بل ذلك الفيلم النابع من مبدأ "كيف توجد استراتيجية لحياتك وبناء متماسكًا؟ وكيف تناقش هذا البناء؟". ([38])

وبعد نكبة 1967م ظهرت مجموعة من الشباب داخل السينما المصرية بعدما انبثقت لديهم إرادة قوية لإصلاح ما كان والبحث عن الأسباب ومعالجتها وولادة "جماعة السينما الجديدة"، وأعضاؤها: خيري بشارة، وداود عبد السيد، وغالب شعث، وعلي عبد الخالق فبدءوا بوضع رؤية وطرح حقيقة الكفاح الوطني الفلسطيني داخل السينما العربية عمومًا والمصرية خصوصًا، وبناء عمل درامي يتناول قضية النضال كفيلم "أغنية على الممر" للمخرج علي عبد الخالق عام 1972م ليحث على المقاومة، وبأسلوب بعيد عن الضجيج والثرثرة، وفيلم "ثرثرة فوق النيل" الذي فتح الباب أمام أفلام تجاهلت واقعها تمامًا، ثم أنتجت أفلام كـ "الكرنك" عام 1976م للمخرج على بدرخان و"وراء الشمس" للمخرج محمد راضي عام 1977م و"إحنا بتوع الأتوبيس" للمخرج حسين كمال عام1979م التي لا تستند إلى دعائم وطنية لأجيال سابقة من خلال الاستخفاف وتشكيل وعي مسطح ومشوش.

فبعد حرب 1973م المجيدة وبناء المجتمع بعد الحرب وتأكيد أن هذه الحرب هي آخر الحروب والانفتاح الاقتصادي، والاهتمام بالقضية الفلسطينية والمشاركة في حلها بشكل دءوب حتى وقتنا هذا بدأ ظهور بعض المخرجين البارزين في فترة الثمانينيات كعاطف الطيب الذي أخرج أفلامًا عديدة كفيلم "كتيبة الإعدام" 1989م و"سواق الأتوبيس" عام 1983م و"ناجي العلي" الفيلم الذي تعرض لرمز ثقافي ونضالي فلسطيني من خلال أحداث وتواريخ تتعلق بفلسطين والقضية الوطنية كاغتصاب فلسطين، وتفجير المساكن، وتشريد أهالي القرى، وانتهاء بالانتداب البريطاني وإعلان الدولة الصهيونية عام 1948م، ثم اغتياله، ويحتل هذا المخرج دور رائد السينما المصرية في تناول القضية الفلسطينية بعيدًا عن التزييف والانتقادات. ومن المخرجين العظام أمثال صلاح أبو سيف وعاطف الطيب، ويوسف شاهين الذي أثرى السينما المصرية بعبقريته الفذة في فيلم "الناصر صلاح الدين"، حيث جسد موقع الحدث بحرفية متقنة، ويسري نصر الله وداود عبد السيد الذي يكتب بالقلم أولًا ثم بالكاميرا، أي أنه فنان سينما بالمعنى الكامل بما يقوم به من اختيار للنص الدرامي والفن الراقي، وشيوخ الإخراج الآن: خيري بشارة، ومحمد خان، وبدرخان، والقليوبي الذين أثروا الحياة السينمائية بالعديد من الأفلام الهادفة والقيمة.

يقول الناقد الفني نادر عدلي: نستطيع أن نرصد بعد الأفلام التي أشارت إلى القضية الفلسطينية سواء من خلال أحداث درامية يتضمنها الفيلم نفسه أو بمجرد الإشارة إليه، فمثلًا في فيلم "أصحاب ولا بيزنس" تكون مسألة تحرير فلسطين وما يحدث من عمليات استشهادية جزءًا أساسيًّا من دراما الفيلم، بينما لا تزيد على مجرد موقف شهدناه في فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" كحرق العلم الإسرائيلي.

وبشكل عام فإن السينما المصرية التي يقوم إنتاجها على أستوديوهات كبيرة إنما تبقى في النهاية مشروعات فردية إنتاجية تجنبت بشكل أساسي الخوض في القضايا السياسية سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحصار والقضايا المصرية.

ولهذا فمعظم الأعمال السينمائية تميل إلى الأعمال الاستهلاكية التي تكون فيها الكوميديا أو المواقف البوليسية هي العنصر الأساسي في إنتاج الفيلم، كما لا ننسى أن تدخل بعض القنوات في شراء نيجاتيف الأفلام المصرية جعلها تفرض شروطًا تتلخص في أن الأفلام ذات طبيعة ترفيهية والابتعاد بشكل كبير وبقدر الإمكان عن كل ما هو سياسي أو اجتماعي في الدول العربية لجعل هذه الأفلام فارغة حتى لا تسبب أي مشاكل.

وعن الإنتاج السينمائي قال: عندما سمح قطاع الإنتاج لجهاز السينما قدمت السينما المصرية عدة أفلام كفيلم "ناجي العلي" وفيلم "أولاد العم" و"بركان الغضب". أما فيلم "باب الشمس" تجربة يسري نصر الله جعلت الفنان المصري مهتمًّا بطرح القضية الفلسطينية، ولكن المشكلة أن الفيلم ليس إنتاجًا مصريًّا رغم أن مخرجه من أهم مخرجي السينما المصرية.

أما رأي الناقد الفني طارق الشناوي فيرى أننا تأخرنا كثيرًا في عرض القضية رغم تناول الأفلام المصرية القضية الفلسطينية كالحصار والمقاومة، ولكن هذه الأفلام لم تخدم القضية، كما أن إسرائيل عينها على السينما المصرية وما يعرض فيها.

أما بالنسبة للأعمال التي بها مبالغات كبيرة كفيلم "أولاد العم" فبه جهد وإخراج جيد وطريقة العمل البطولي الذي تناوله كريم عبد العزيز بدخوله إسرائيل وخروجه ومعه الزوجة المصرية وطفلاها دون أدنى مقاومة من الجانب الإسرائيلي، فلم تكن في نطاقها الصحيح باستخدام بعض الحيل والمطاردات مع التقنيات الحديثة.

ومع تعدد الأفلام المصرية كأفلام ناديه الجندي "مهمة في تل أبيب" و"48 ساعة في إسرائيل" التي صورت في قلب فلسطين، فهذه الأفلام استفادت منها إسرائيل.

أما عن الأعمال الفنية بين الدول العربية لخدمة القضية الفلسطينية - والكلام لطارق الشناوي- فإن اتحاد الفنانين العرب الذي أُنشئ في فترة الثمانينيات والذي يترأسه سعد الدين وهبة قد قدم مسرحية تناولت القضية الفلسطينية، وقد تبنى الاتحاد فكرة عمل مسرحية للأطفال تخص القضية والحصار والمعاناة والمقاومة لهذا الشعب الفلسطيني.

أما فترة التسعينيات فلم تتعرض السينما المصرية من قريب أو بعيد للقضية الفلسطينية، بحكم جيل تربى على أفلام الأكشن الأمريكي ومفهوم الفهلوة والتربح دون النظرة لمستقبل آمن.

أما مسلسل "حرب الجواسيس" فيرى طارق الشناوي أن بالمسلسل أخطاء درامية وتاريخية وعدم كشف الحقائق لأشياء كثيرة، وأن بعض المسلسلات التي تطرقت إلى تلك القضية لم تقم بعرض الأحداث من النكبة للانتفاضة، وبعض المسلسلات تستعرض الأساس التاريخي للهزيمة العربية والتقدم الصهيوني. ([39])

لماذا لم يخاطب الجيل الصاعد من الكتاب بالحاجة لمعرفة الوجه الحقيقي المعاصر لهذا المجتمع وكيفية المواجهة الحالية للاحتلال بعيدًا عن التاريخية والمطالبة بالتركيز على القضية الفلسطينية دون استثناء لأحد والبعد عن سياسة التعتيم عن القضايا المثارة؟

وحول القضية الفلسطينية في السينما المصرية يتحدث الناقد كمال رمزي فيقول: اتخذت قضية فلسطين في السينما المصرية من الناحية الكمية شكل الموجات, فعقب كل جولة من جولات الصدام الحربي كانت تظهر مجموعة من الأفلام التي تتعرض للصراع العربي الصهيوني, ومن الناحية الكيفية اقتصرت معالجة "القضية" في معظم هذه الأفلام على النظر إلى الصراع على أنه صراع صهيوني مصري أو إسرائيلي مصري. فعلى شاشة السينما المصرية وخلال ما يقارب من الأربعين فيلمًا لم يستشهد إلا بعض الفلسطينيين كما في فيلم "أرض السلام" الذي أخرجه كمال الشيخ في عام 1957م, وأيضًا لم يقدم العرب إلا شهيدًا واحدًا هو البطل السوري جول جمال في "عمالقة البحار" للفنان سيد بدير في عام 1960م. ويقول أيضًا: قدمت السينما المصرية على نحو فج يجمع بين الجهل الفكري والغلظة الفنية العديد من الأفلام التي تعرضت للقضية, وحتى الأفلام التي امتلكت قوة إيجابية لم تتمكن بأسلوبها الرمزي البسيط من التوغل في أحراش القضية الفلسطينية. وعندما كانت النكسة – كانت السينما التجارية سباق– كالعادة في استثمارها فعلى خلفية مثيرة من "المناطق المدمرة" تدور قصة فيلم "الحب الضائع" للمخرج بركات عام 1974م, وفي العام التالي قدم حسين كمال فيلم "ثرثرة فوق النيل" حيث تصبح الهزيمة نتاجًا لحياة لاهية يعيشها البعض, وفتح الفيلم الباب لأفلام أخرى مثل: "وراء الشمس" و"إحنا بتوع الأتوبيس" تجاهلت جوهر الصراع مع العدو، وتحاشت الخوض في قضية فلسطين, وقدمت الهزيمة من وجهة نظر ضيقة وأرجعتها إلى مراكز القوى وانعدام الديمقراطية والفساد الداخلي. ووجد هذا التيار في نصر أكتوبر 73 فرصة لإهالة التراب على الستينيات ولإعلاء شأن السبعينيات, وبالطبع تحاشى الخوض في القضية أو دور إسرائيل في الشرق الأوسط.([40])

لقد أهدرت السينما المصرية لتقنية الصراع العربي الصهيوني فرصة تقديم أعمال جادة, وأمينة, ونزيهة, وجاء حصاد نصف قرن متهافتًا, خافتًا, لا يليق بما بذله المقاتلون من دماء, وما قدمه الوطن من تضحيات خلال حروب "1948م, 1956م, 1967م" ثم حرب الاستنزاف من 1967م إلى 1970م وصولًا إلى أكتوبر 1973م. فكان من الممكن أن تشكل معينًا لا ينضب, ومادة ثرية, ومنهلًا خصبًا, تنهل منه السينما المصرية بدلًا من أن تبدد طاقة فنانيها في أعمال رخيصة تافهة.

اتجهت السينما المصرية في ذات علم النكبة لتقديم أول رد فعل سينمائي يتعرض لما حدث في فلسطين. حيث احتل فيلم "فتاة من فلسطين" للمخرج محمود ذوالفقار وعن سيناريو لرائدة السينما المصرية عزيزة أمير "زوجة المخرج" – ومن إنتاجها أيضًا – حيث عرض في أول نوفمبر عام 1948م, وأسند دور الفتاة الفلسطينية إلى المطربة اللبنانية سعاد محمد, ومن أجل أن يجذب إليه الجماهير كان مصبوغًا بالأغنيات أسوة بالسينما الغنائية التي ازدهرت في تلك الآونة, وحمل الفيلم السبق والريادة في تناول القضية الفلسطينية, وهو أول فيلم مصري روائي طويل يحمل اسم فلسطين, يحكي قصة فتاة هاجرت من فلسطين بعد مقتل والدها على يد عصابة عسكرية صهيونية فترحل الفتاة إلى القاهرة لتعيش مع خالها، وترتبط بابن خالها، ضابط الطيران، عادل "محمود ذو الفقار"، تاركًا خطيبته، التي تتهم ابنة عمته "سالمة" بخطفه، ويذهب عادل للحرب، وتصاب طائرته، ويكاد يفقد حياته، ويصاب بإصابات، يتوهم بأنها تعيقه عن الزواج، لكن ابنة عمته "سالمة" تصر على أن تظل بجانبه.

وهي مبادرة طيبة رغم سذاجة الطرح الذي ارتأى أن حل مشكلة الفتاة الفلسطينية يأتي عن طريق زواجها من حبيبها الطيار المصري - الذي كان مدافعًا عن الأرض الفلسطينية ضد العدو الصهيوني, وتعثر عليه الفتاة وقد سقط في قرية فلسطينية مصابًا فيتزوجان- وإقامتها في القاهرة, بدلًا من الدعوة لعودتها واستعادتها لبيتها وأرضها. ([41])

ويضرب الناقد كمال رمزي مثلًا بفيلم "فتاة من فلسطين" الذي وصفه بأنه وقع في مأزق مزدوج, فقد ابتعد الفيلم عن السياسة وتحاشى الخوض في أسباب الهزيمة, وإنشاء دولة إسرائيل, وجاء الفيلم مرتبكًا بالعديد من العلاقات والأحداث التي لا ضرورة لها. ([42])

في فيلم "ناديه" أول أفلام المخرج فطين عبد الوهاب في عام 1949م, ألَّف قصته وكتب له الحوار يوسف جوهر, وتواصل عائلة محمود ذو الفقار اهتمامها بالقضية, فتنتج وتمثل هذا الفيلم, وبرغم أن الفيلم لا يعد سوى مجرد ميلودراما باهتة من ميلودرامات السينما المصرية المعتادة من تضحية أخت في سبيل إخوتها, إلا أن الفيلم يحمل قيمة خاصة, بكونه أول فيلم يسجل سقوط أول شهيد مصري أثناء حرب فلسطين على شاشة السينما. ([43])

ويشير كمال رمزي إلى الفيلم أنه على مستوى الواقع, فإن استشهاد الضابط الشاب يكتب معنى لا يمكن أن نغفله هو أن قضية فلسطين ترتبط أشد الارتباط بحياة الأسر المصرية, هنا في هذا الفيلم المبكر, على النقيض من معظم أفلام تلك الفترة.([44])

وأغلب الأفلام التي تم إخراجها في مصر تدور حول المشاركة المصرية في حرب فلسطين, والكثير منها ينحصر في قصص حب, ذهب الرجل فيها للحرب في فلسطين ولم يعد, أو عاد مصابًا نفسيًّا أو بدنيًّا.([45])

بعد ثورة يوليو1952م تشغل قضية الأسلحة الفاسدة التي كانت أحد أسباب هزيمة الجيش المصري في ساحة القتال بال صناع السينما فيقدم نيازي مصطفى فيلم "أرض الأبطال" عام 1953م, وفيه أول إشارة إلى قضية الأسلحة الفاسدة, والذي يتناول تلك القضية من خلال موقف أحد الباشاوات الذين شاركوا في استيراد هذه الأسلحة, حين يصاب ابنه بنفس السلاح الفاسد, مما يدفع الأب إلى الانتحار, والفيلم مجرد مماحكة هزيلة تحاول نيل شرف التعامل مع قضية كبيرة , وجاء الفيلم بضيق أفقه على درجة كبيرة من التسطح الفكري. ([46])

أما فيلم "الله معنا" قصة إحسان عبد القدوس, الذي صوره أحمد بدرخان عام 1952م, وتم منع عرضه لثلاث سنوات حتى سمح الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1955م بعرض الفيلم, وحضر بنفسه حفل الافتتاح, وهو أحد الأعمال الجيدة التي كشفت مجموعة السماسرة والتجار الخونة داخل النظام, الذين تواطئوا ضد مصالح الأمة وتسببوا في كارثة عسكرية من أجل بعض المكاسب. والفيلم بطولة عماد حمدي الضابط الذي يعود مبتور الذراع من حرب فلسطين باحثًا عن المجرمين الذين استوردوا الذخيرة الفاسدة, والتي كانت -حسب تفسير الفيلم- السبب الوحيد في الهزيمة, وهو يحدد وبشكل قوي حتمية الارتباط المصيري بين مصر وفلسطين, وأن حرب 48 وقضية فلسطين التي غدر بها كانت من أهم أسباب الثورة، وأن مصر–طالما أن الفساد يحكمها– لا يمكن أن تكون درعًا للوطن الفلسطيني.([47])

أما فيلم "رد قلبي" قصة يوسف السباعي, وإخراج عز الدين ذو الفقار عام 1957م, فإن أحداثه تدور بين عامي1936م و1952م, لكن حرب 1948م والهزيمة المفاجئة للقوات المصرية كانت بارزة, وفي الفيلم إشارة إلى أن الأسلحة الفاسدة كانت سببًا في قتل الضباط, وتيقن الضباط الأحرار الذين شاركوا في الحرب أن النظام الملكي الفاسد كان وراء ذلك, مما عجل بقيام الثورة.

فيلم "أرض السلام" لكمال الشيخ 1957م, والفيلم بأكمله صناعة مصرية, أنتجه المخرج حلمي حليم الذي كتب في مقدمة الكراس الدعائي للفيلم عبارات حماسية فيها: هذا الفيلم نقدمه من أجل فلسطين أرض السلام, ومن أجل الوطن العربي الكبير, ومن أجل السلام والحرية. وفي الفيلم إشارات واضحة إلى قيام الفلسطينيين بالمشاركة في العمليات الفدائية على أرض فلسطين ذاتها, ويرصد كمال الشيخ انعكاسات القضية على الشعب العربي في مصر, فيبدو الفيلم أكثر نضجًا في تناوله للقضية, حيث أبرز التلاحم بين الفدائيين المصريين ورجال المقاومة المبكرة في فلسطين.([48])

وينتقد كمال رمزي هذه الأفلام بقوله: إن هذه الأفلام لن تجد فيها فلسطينيًّا يدافع عن أرضه, بل ربما لن تطالعنا شخصية فلسطينية على الإطلاق غير فيلم "أرض السلام" الذي ينتقل إلى الأرض الفلسطينية نفسها, وهو في هذا يختلف عن معظم الأفلام التي ترصد بأشكال متعددة انعكاسات القضية على الوطن العربي ومصر.([49])

ومن الأفلام الأخرى التي تناولت القضية الفلسطينية فيلم "صراع الجبابرة" لزهير بكير وريمون نصور عام 1962م. وهوفيلم بسيط لا يرقى إلى مستوى الأفلام السابقة. ([50])

ويعتبر فيلم "أغنية على الممر" إخراج علي عبد الخالق عام 1972م واحدًا من أهم الأعمال التي وقفت عند النكسة, وحرب 1967م وما تلاها, وهو فيلم تدور أغلب أحداثه في الوحدات العسكرية وأرض الحرب, والفيلم يرتبط بسينما الجيل الجديد, جيل الشباب الذي بدأ حياته العملية في السينما في نهاية الستينيات, وجاء في محاولة لرفع الظلم الذي حاق بالمقاتل المصري, حيث لم تتح له الفرصة للقتال الحقيقي ومواجهة العدو الإسرائيلي وقدرة هذا المقاتل على المقاومة, بل وفدائيته لدرجة الاستشهاد, وذلك من خلال الصمود والتصدي في وجه العدو, وجاء الفيلم تعبيرًا عن قوة وشجاعة وبسالة رجال ضاعت بطولاتهم تحت سنابك الهزيمة, جنود بسطاء, أصروا على الاستمساك بالأرض, ورفض الانسحاب, والدفاع عن موقعهم, وكرامتهم وكرامة وطنهم.([51])

منذ عام 1978م, أحجم السينمائيون المصريون عن الاقتراب من أية أعمال لها علاقة بالحرب, محاذرين بسبب معاهدة السلام, وبدا أن الفيلم "العمر لحظة" 1978م هو آخر سلسة أفلام الحرب في السينما المصرية – وإن كانت هناك بعض الأفلام عن أصداء هذه الحروب– خاصة حرب 1973م –في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مصر, إلا أن التيلفزيون المصري يفاجئ الجميع بفيلم هام "الطريق إلى إيلات" 1993م. ([52])

أعلى النموذج

أسفل النموذج

أعلى النموذج

أسفل النموذج

إبان هذه الفترة بدأت تتشكل أجيال في مصر، بعيدة تمامًا عن قضاياها الوطنية. فبعد الانتصار العسكري العربي على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 1973م، وشق الرئيس المصري أنور السادات طريق الانفكاك عن العرب وقضاياهم، كالارتباط بالغرب عبر "الانفتاح الاقتصادي"، وضرب التحالف مع السوفييت والصلح مع عدو الأمة "إسرائيل"، فبدأت حالة من الانحسار والانكفاء الذاتي أسهمت فيه المؤسسات الحكومية، فضلًا عن التغيرات الدراماتيكية الداخلية في المجتمع المصري، مثل:

أولًا: انحسار التيار القومي، وبدء ترسيخ النزعة الفردية لدى الشباب، والانكفاء الذاتي لبناء المجتمع بعد الحرب، مؤكدين لدى قطاع كبير من الشباب بأن الحرب قد انتهت إلى غير رجعة، وأن حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973م آخر الحروب.

ثانيًا: التسطيح الإعلامي، وعمليات تزييف الوعي، الذي مارسته وسائل الإعلام الرسمية المصرية في طرحها للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية الشعب الفلسطيني لا ترتب على أبناء الشعب المصري أي مهام نضالية تضامنًا أو مشاركة.

ثالثًا: ثمة سيطرة القطاع الخاص على المؤسسات وتفشي الفساد والمحسوبية داخل المجتمع المصري، فما كان من أبنائه إلا العمل، بشكل دءوب، ليل نهار، لتحصيل قوت يومهم، فكيف لهم، والأمر كذلك، أن يفكروا في قضاياهم النضالية.

رابعًا: بدء عملية التخدير للمنطقة بأسرها، تحت مسمى "السلام"، فلا قضايا وطنية، ولا كفاح من أجل الحريات، ولا حقوق أو مستقبل لشعوب، ضحت بدمائها، ولا تزال.

قد يبدو للناظر بأن الوعي بالقضية الفلسطينية في مصر قد انحسر تمامًا، إلا أن المحاولات الجادة التي قام بها تيار آخر من المخرجين في فترة الثمانينيات قد أسهمت إسهامًا مجديًا في طرح الكثير من الأسئلة حول ما آلت إليه انتصارات أكتوبر/ تشرين الأول 1973م، ومن هم الأعداء الحقيقيون للأمة العربية؟

لعل أبرز مخرجي الثمانينيات، والذي يمتلك رؤية وفكر ثاقبين، ليس سينمائيًا فحسب بل في المجالين الاجتماعي والسياسي على حد سواء- المخرج عاطف الطيب الذي أخرج أفلامًا عدة عالجت قضايا المجتمع المصري التي استشرت داخل نسيجه. ومن أهم أفلامه: "كتيبة الإعدام" 1989م، و"سواق الأتوبيس" 1983م إلا أن ما يهمنا تناوله في هذا البحث، فيلم "ناجي العلي"، في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، إنتاج مصري لبناني عام 1992م, ولأول مرة نجد في السينما المصرية فيلمًا يتعرض لرمز ثقافي نضالي فلسطيني، هو محور السرد داخل الفيلم، من خلال استعراض أحداث وتواريخ تتعلق بفلسطين. وقضيتها الوطنية، حيث يبدأ النص السينمائي للفيلم، قبل بضعة أشهر من تاريخ اغتصاب فلسطين، ويشار إلى ذلك بجملة الإشارات الزمنية التاريخية، وتفجير المساكن، وتشريد أهالي القرى الفلسطينية، ثم انتهاء الانتداب البريطاني، وأخيرًا: إعلان الدولة الصهيونية، في 15 مايو/ أيار 1948م، إلى أن يأتي ختام الفيلم، بتوقف قلب ناجي العلي داخل مستشفى بلندن "عقب اغتياله" صيف عام 1987م.

كان ناجي العلي فنانًا كاريكاتيرًا فلسطينيًّا, يتفاعل مع الأحداث من خلال رسوماته. يرقد ناجي في غرفة الإنعاش، ويعود الزمن لعام 1948م. عند نزوح أسرته إلى بيروت ثم الكويت وأخيرًا: يستقر في لندن وتنتشر رسوماته معبرة عن الواقع العربي من خلال شخصية حنظلة. ومن خلال حياة ناجي يروي لنا الفيلم قصة خروج الفلسطينيين إلى أماكن متفرقة وانضمامهم إلى صفوف المقاتلين، ويجتاح الصهاينة أرض لبنان ويجبرونهم على مغادرتها بعد أن حققوا بعض الانتصارات على أرضها. يستعرض المخرج، عبر هذه الشخصية، نكسات الوطن العربي، والوضع المستشري في الدول العربية، من خلال بناء درامي محكم، ليحتل هذا المخرج موقع رائد السينما المصرية في تناول القضية الفلسطينية، بشكل مباشر وصريح، بعيدًا عن الاختلافات والتزييف، رغم الانتقادات التي تعرض لها الفيلم من كتَّاب اليمين. وبسبب سيادة قيم الفهلوة، وتراجع قيم الوطن والكفاح، فإن هذا الفيلم لم يعرض في دور العرض سوى أسبوعين فقط.

ومع بداية التسعينيات لم تتعرض السينما المصرية، من قريب أو بعيد، للقضية الفلسطينية، فعلى منوال نشرات الأخبار، ووسائل الإعلام المصرية، نسجت السينما المصرية أفلامها. فلم يكن يرجى الكثير من جيل تربى على أفلام "الأكشن" الأمريكية، وعلى مفهوم الفهلوة داخل واقع استهلاكي، ونظرة للمستقبل لا تتعدى القدمين.

جاءت أفلام التسعينيات التي تناولت القضية الفلسطينية، فطالعنا فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، إخراج سعيد حامد 1998م، بطولة محمد هنيدي، ومنى زكي، وأحمد السقا. حيث هنيدي فتى يأتي من صعيد مصر (خلف)، ليدرس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فتنفجر تناقضات ساخرة داخل الفيلم، عندما يشرع خلف في مطارحة فتاة أرستقراطية قاهرية الحب، فتتوالى الأحداث في إطار فكاهي كوميدي، ويظهر زميل خلف، المسيس المستنير، الذي يحث خلف على مشاركته في هموم واقعه، والعمل معًا لإصلاحه. ومع اقتراب نهاية الفيلم، يطالعنا المخرج بمشهد مكرر، لطالما سبق استخدامه على شاشات التلفاز من حرق للعلم الإسرائيلي، ومواجهة قوات الأمن للطلبة الثائرين. وكأن التوعية بالقضية قد تمت بإحراق العلم الإسرائيلي، أو بمشاركة خلف في هذه التظاهرة، ثم نأتي إلى نهاية الفيلم، حيث يتعرض خلف للمساءلة، في أحد الأجهزة الأمنية، حول اشتراكه في الاعتصام، ودوافعه، ويظل الصديق المسيس لخلف، طوال الفيلم، تحت مراقبة الأمن ومطلوبًا، وكل من يقترب من هذا الصديق تلتصق به التهمة نفسها، فما كانت محاولة الفيلم بالإشارة إلى القضية إلى محاولة للتنفيس والترهيب معًا، دون توعية بأن العدو ماثل وملِحّ.

كما هو حال بعض السينمائيين في تناولهم لقضية الفدائي جاء فيلم "أصحاب ولا بيزنس" 2001م، إخراج علي إدريس ليصور الفدائي باعتباره الحل الأمثل للقضية، فبتفجير نفسه تحل القضية الفلسطينية، وينتهي الحديث عنها. وقد أوجز المخرج المصري الكبير توفيق صالح هذه النوعية من الأفلام بقوله: "إن هذه الحلول التي تأتي على نمط (الكاوبوي) هي حلول من داخل الفيلم، وليست من الواقع بعمقه، فليس بالتفجير وحده نصل للحل أو الاستقلال والحرية".

ما بالنا والحال كذلك أن نرى بارقة أمل في تعامل السينما المصرية مع القضية الفلسطينية، بما يخدم مصالح الأخيرة. كذلك التعامل مع السينما ودورها التثقيفي، الريادي، والكفاحي.

باختصار، نحن أمام إسفاف بالقضية الفلسطينية، وأخذها مادة للاستهلاك فحسب، كغيرها من المواد الإعلامية، ففي أفلام نرى فدائيًّا يفجر نفسه، وفي أفلام أخرى ثمة من يحرق العلم الإسرائيلي، في استدراج ساذج لعطف الشارع العربي، غداة اندلاع "انتفاضة الاستقلال والأقصى"، وكأنه يتم خفض صوت السينما المصرية ورفعه في ارتباط حميم مع ارتفاع وهبوط الكفاح الوطني الفلسطيني، وبشكل لاحق لذاك الانخفاض وهذا الارتفاع.

كما يحول هؤلاء المخرجون -كصناع للسينما المصرية- دون أن تلعب السينما دورها المفترض، والمنوط بها، كحادي للقافلة، الذي يتقدم الجمال والقوم، أو كغزال السير، الذي يبشر بالثورة قبيل وقوعها.

عجزت السينما المصرية -رغم تاريخها الطويل ورغم أهمية الحرب الأولى والثانية مع العدو الصهيوني- أن تقدم أعمالًا ذات مستوى يليق بمكانة الحربين في تاريخ مصر, فجاءت الأعمال في معظمها هزيلة وركيكة, مفتقدة القدرة على التفسير والتحليل والتقييم([53]).

ومع انحسار موجة الوعي بالقضية الفلسطينية خلال السبعينيات وانحسار الوعي النوعي وبداية ترسخ النزعة الفردية لدى الشباب انكسرت موجة الأفلام الفلسطينية خلال هذه الفترة إلا أن الأفلام التي تتناول القضية الفلسطينية عاودت الظهور بعد ذلك، ويستحضر يوسف شاهين في "حدوتة مصرية" عام 1982م ملامح الصراع العربي الصهيوني، وفي العام نفسه يقدم خيري بشارة فيلمه الروائي الطويل "الأقدار الدامية" الذي يتناول حرب 1948م، كما ظهرت في هذه الفترة أفلام التطبيع مع إسرائيل منها فيلم المخرج إيهاب راضي "فتاة من إسرائيل".

أما في الدول العربية الأخرى، فلم تقف السينما العربية في تناولها القضية الفلسطينية عند حدود مصر فقط، بل تعدتها إلى بعض الدول العربية الأخرى بدرجة أقل وبجملة عوامل حكمت تناول هذا الموضوع، إما لأسباب سياسية، أو قطرية، أو تقنية بحتة تتعلق بالإنتاج السينمائي في الأقطار العربية.

ويستنتج من خلال ذلك أن السينما العربية أساءت إلى القضية الفلسطينية بتصويرها أن البطل الذي يهب للدفاع عنها يذهب كنوع من الانتحار لا الاختيار الحر مدفوعًا بتجربة شخصية مريرة يريد الخلاص منها, بإيهام نفسه بأنه من أهل القضايا الكبرى كما في فيلم "أرض الأبطال".

معالجة السينما الفلسطينية للقضية الفلسطينية:

ولدت السينما الفلسطينية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي على يد بعض المتشبثين بالفن منهم إبراهيم حسن سرحان الذي قام بتصوير الملك عبد العزيز آل سعود خلال زيارته لفلسطين عام 1935م، وكانت مدة هذا الفيلم 20 دقيقة في سينما "أمير" بتل أبيب، ثم قام بصنع أفلام "شمس وقمر" و"صراع في جرش" و"أحلام تحققت" بمساعدة جمال الأصفر. ثم أنشأ إبراهيم أستديو فلسطين، ثم شارك في تأسيس شركة للإنتاج السينمائي، وقد خضعت للاستعمار الفرنسي والإنجليزي تحت مسميات كثيرة وحتى إلى ما قبل 1948م وما بعدها. فبدأ محمد صالح الكيالي بصنع شريط قصير لبعض الأحداث عام 1948م، كما أخرج فيلمًا روائيًّا "ثلاث عمليات في فلسطين" عام 1969م، ثم بدأ نشاطًا سينمائيًّا بسيطًا ضمن إطار التصوير، واستخدم آلة تصوير سينمائي مقاس 16مم لتسجيل ما يمكن تسجيله دون خطة عمل محددة ليكون بعد سنوات مادة وثائقية نادرة توضع في متناول السينمائيين والمؤرخين والباحثين.

وفي عام 1969م وبعد تحديث قسم التصوير أنجز أول فيلم سينمائي وثائقي "لا للحل السلمي"، واتبعته وحدة أفلام فلسطين في عام 1970م بفيلم "بالروح بالدم" لمصطفى أبو علي وهو أول فيلم مهم يدعو للوحدة والتلاحم الفلسطيني، وكان بمثابة مؤشر للطريق الذي سارت فيه السينما الفلسطينية، ثم قامت وحدة أفلام فلسطين بإنتاج 15 فيلمًا كان منها المتوسط والقصير.

أما في عام 1967م فتكونت أول وحدة سينمائية فلسطينية تعمل ضمن إطار الثورة الفلسطينية، مما ساعدت هذه الوحدة في إنشاء وتأسيس جماعة السينما الفلسطينية، وذلك عام 1973م التي انضمت إلى مركز الأبحاث الفلسطينية وقد شملت هذه الجماعة أعضاء كل التنظيمات والسينمائيين التقدميين العرب وهدفها تجميع الجهود من أجل سينما فلسطين ونضال شعبها، ثم أنتجت هذه الجماعة فيلمًا واحدًا هو "مشاهد الاحتلال في غزة"  ثم توقفت عن الإنتاج لأسباب تنظيمية.

كما عبرت السينما الفلسطينية ضمن إطار الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني وثورته المسلحة ضد الاغتصاب الصهيوني في سبيل إعادة وطنه وإصراره على هزيمة العدو لإقامة الديمقراطية.

ومنذ عام 1973م تزايد إنتاج الأفلام عبر المنظمات الفلسطينية مما ساعد على اشتراك السينما الفلسطينية في المهرجانات الدولية المختلفة كـ"ليبزج" الدولي للأفلام القصيرة والتسجيلية ومهرجان أفلام فلسطين الذي عقد أكثر من مرة ببغداد، وأسهمت هذه الأفلام على اختلاف المستوى ومضمون الموضوع باشتراكها في المهرجانات والمحافل الدولية لسماع صوت الشعب الفلسطيني لقطاعات كثيرة. وقد أنتجت بعض الأفلام لتعكس نضال الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة كفيلم "مشاهد من الاحتلال في غزة" و"الانتفاضة" لرفيق الحجار عام 1974م، وفيلم "يوم الأرض" لغالب شعث الذي استعان في تصويره بمجموعة من المصورين الأوروبيين لتصوير الاحتفالات داخل الأرض المحتلة، ولم تقف السينما الفلسطينية بعيدًا عن الأحداث التي تجري في العالم العربي، بل قدمت مجموعة أفلام عن الثورات في العالم العربي كـــ "لمن الثورة واليمن الجديد؟" إخراج سمير نحر عن الثورة في اليمن الديمقراطية.

كما تأثرت السينما الفلسطينية بخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م.

وعلى الرغم من بعض إرهاصات السينما الفلسطينية العربية إلا أن سينما القضية الفلسطينية لم تتبلور إلا من خلال وحداتها الأساسية في منظمة التحرير وفي بعض التنظيمات والجبهات الفلسطينية الأخرى. والمعروف أن هذه السينما لم يقتصر إنتاجها على نشاط المؤسسات الفلسطينية المتخصصة, وإنما تعدت ذلك إلى مجموعة عروض روائية وتسجيلية وقصيرة حققها مخرجون عرب وأجانب, وحققتها مؤسسات في عدة أقطار عربية وعالمية.([54])

وعلى الرغم من الإعلان الذي طرح في مهرجان دمشق السينمائي الأول, وأعلن فيه عن قيام مؤسسة موحدة للسينما الفلسطينية, فقد ظلت الجهود مشتتة خاصة وأنه لم يكن هناك -ساعة هذا الإعلان- أي فيلم روائي عن القضية الفلسطينية لمخرج فلسطيني, إذ لم يتمكن السينمائيون العاملون في التنظيمات الفلسطينية من إنتاج هذا النوع من الأفلام الروائية. ويتناول إنتاج الأفلام الروائية العربية نوعين: الجاد الذي يقدم حقائق واقع الشعب الفلسطيني وثورته, وأمثلته قليلة مثل: "المخدوعون" "كفر قاسم", "سنعود", "الظلال في الجانب الآخر". والتجاري الذي تجاهل هذه الحقائق، واعتمد على الخيال بقصد الإثارة وجلب المتفرجين باستغلال عاطفة الجماهير مع الثورة الفلسطينية المسلحة والأمثلة عليه كثيرة مثل: "الفدائيون", " كفاح حتى التحرير", "أجراس العودة", "الفلسطيني الثائر".([55])

وهناك العديد من المخرجين والمخرجات الذين استطاعوا توفير ظروف إنتاجية لطرح القضية داخل الأرض المحتلة، ومن أهمهم رشيد مشهراوي ـ أبرز المؤلفين والمخرجين المهتمين بالقضية الفلسطينية ـ حيث يستعد لتصوير فيلم من تأليفه وإخراجه تحت عنوان "كتاب على الثلج" عن القضية الفلسطينية وسرد الأحداث المأساوية في هذه الأراضي المحتلة، وميشيل خليفي وإيليا سليمان الذي أخرج فيلم "الزمن المتبقي" الحائز على الجائزة الكبرى في أبو ظبي، وشيرين دعيبس التي أخرجت فيلم "أمريكا" الذي حصد الجوائز العالمية، كما قامت المخرجة نجوى النجار بإخراج فيلم "المر والرمان" الذي يسرد المواقف والأحداث المأساوية كالحصار واغتصاب الأراضي والاعتقالات والصراع على الحياة والبقاء من أجل الأرض والهوية، والمخرج هاني أبو أسعد الذي أخرج فيلم "الجنة الآن" الحائز على جائزة الكرة الذهبية لأحسن فيلم أجنبي، والمخرج سمير عبدالله -المصري الأصل والفرنسي الهوية- الذي قام بإخراج فيلم "الحصار"، والفيلم يسلط الضوء على معاناة شعب غزة خلال الغزو الإسرائيلي ومعاناة الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما حاصرته القوات الإسرائيلية برام الله، وفيلم "الجنة الآن" الذي شجع فلسطين على المشاركة في أهم المهرجانات العالمية، وهذا يعني أن هناك سينما فلسطينية تهتم بهذه القضية، بينما إذا عدنا إلى فترة الأربعينيات فنجد أن السينما المصرية هي التي كانت تقوم بهذا الدور.([56])

أما عن الأحداث السياسية فلها تأثير كبير على السينما الفلسطينية، ودائمًا الاستعمار والاحتلال يشكلان عقبة رئيسية تعرقل التطور الطبيعي لمختلف المجالات داخل المجتمع الفلسطيني وخلق شعور بعدم الاطمئنان والاستقرار، فإن السينما استطاعت أن تبقي نفسها بمنأى عن التأثيرات الخارجية والبقاء على قيد الحياة رغم الصعاب التي تواجهها، على الرغم من عدم وجود أسس لصناعة السينما في فلسطين إلا أن صناع السينما يقومون بإنتاج أفلام على المدى القصير.([57])

إن ظهور فلسطين في السينما العربية كان له جانبان: الأول سلبي والآخر إيجابي, أي أن السينما يمكنها أن تؤدي مهمتين متناقضتين. فالسينما استطاعت نشر القضية، كما أمكنها عرض الحقائق وتحريض الجماهير, وحقنها بروح الثورة. ([58])

ولعله من الغريب ألا يحاول السينمائيون العرب الذين خارج فلسطين الاستفادة من الروايات العربية التي كتبها كتاب عرب داخل فلسطين لتقديمها على الشاشة, فالرواية الفلسطينية الحديثة في الأرض المحتلة تعكس قاسمًا مشتركًا واحدًا لدى كتابها يتمثل في عملية رصد الدافع والمعاناة اليومية التي تصل في كثير من الأحيان إلى درجة "اللهاث" تاركةً خلفها بصمات واضحة على الشكل الفني وحركة البناء في الرواية ذاتها. ([59])

ولا تعود كتابة الرواية في الأرض المحتلة إلى عهد بعيد, لكن عقد الثمانينيات شهد إنتاجًا ليس بقليل وصل إلى عشر روايات تقريبًا, جاءت جميعها حاملة يوميات ومشاهد من حياة الفلسطينيين منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م. ويرى الكاتب أسعد الأسعد صاحب رواية (ليل البنفسج) الصادرة عام 1990م "أن ما يشغل الروائي الفلسطيني هم مشترك هام هو معاناة الشعب كله".

وفي خضم محاولات الروائيين الفلسطينيين تسجيل الواقع, فإنهم يعترفون بوجود عقبات يشتركون فيها مع غيرهم من الروائيين العرب, ويدور فلك هذه العقبات في تسجيل مواقف سياسية تخرج عن القاعدة العامة في بعض الأحيان, أو في تصوير مشاهد تخدش الحياء العام, أو حتى عند نقل صورة "بشعة" مثل عمليات قتل وغيرها.

وكانت هناك بحوث خاصة بالقضية الفلسطينية في السينما المصرية وأخرى في السينما السورية, باعتبار أن السينمائيين في هذين البلدين كانا الأكثر اهتمامًا بهذا الموضوع. ظل الفلسطينيون بعيدين عن المشاركة في صناعة أفلام عن قضاياهم, حتى بداية السبعينيات, وبعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية, والعديد من منظمات الكفاح المسلح, فإن السينما المصرية شهدت تجربة واحدة لمخرج فلسطيني هو (غالب شعث) في فيلمه الأخير والوحيد "ظلال على الجانب الآخر" الذي تأخر عرضه من عام 1974م إلى عام 1975م, وعرض بشكل متواضع في دور العرض, وإن كان النقاد هللوا له لأنه محاولة لتقديم القضية من وجهة نظر فلسطيني.([60])

ولكن بعد عشرات السنين من الانتظار استطاعت السينما الفلسطينية أن تعيد الاعتبار إلى الهوية, وأن تنهض من الداخل رغم الإمكانات المتواضعة لتصور الحياة والهوية الفلسطينية.

أهمية السينما المصرية في معالجة القضية الفلسطينية:

كانت مصر -التي لها دور الريادة في ميدان السينما العربية- الدولة الثانية في العالم التي تشهد عرضًا تجاريًّا لهذا الفن السينمائي, فالسينما المصرية تعتبر "أم السينما العربية", حيث أطلق عليها "هيوليود الشرق". هكذا لقبت السينما المصرية أكبر صناعة سينمائية في الوطن العربي على المستوى الاقتصادي، كانت هي السلعة الوحيدة التي تصدر بنسبة 100% وكانت في فترة من الفترات هي الدخل الثاني بعد القطن.([61])

تبنت السينما المصرية منذ أفلامها الأولى أن تكون ذات طابع عربي في انتشارها وجمهورها إن لم يكن في مواضيع أفلامها وصورتها, فالأبعاد الفكرية التي حملتها الأفلام نهلت دائمًا من مصدرين: القيم الإسلامية بشكل عام، والامتدادات العربية لمصر بشكل أقل عمومية, فهناك سينما مصرية حقيقة مؤسسة تأسيسًا فعليًّا, وهناك على هامشها بعض الأفلام العربية لبعض الأقطار العربية.

 دخلت السينما العربية وخاصة المصرية مرحلة صحوة جديدة, مع عودة مجموعة من الفنانين الشباب الجدد الذين درسوا فنون السينما في معاهد الدول الشرقية والغربية, وحاولوا أن يخرجوا برؤية جديدة تساهم في تعبئة الوعي القومي وتكون مع قضيتهم وجمهورهم, وطالبت هذه المرحلة بتغيير جذري لتنظيم الإنتاج ولوسائل النفاذ إلى الواقع الاجتماعي, وأن يكونوا أصحاب حق في قضيتهم, ويرفضون الواقع القائم إلى الممارسة العملية بالرغم من صعوبة الموقف, وإلى مواقع متقدمة أكثر فعالية وجدوى, وخلق سينما وطنية تربط الجمهور بحركة الثورة الاجتماعية, وتخرجه إلى مرحلة المواجهة ضد القهر والتخلف والاستيطان والاستعمار والاحتلال.([62])

التجأت السينما المصرية إلى الاقتباس, فالمخرجون السينمائيون ليسوا بمنعزل عن أدب وسينما الدول الغربية, وقد بدأ هذا الاتصال قبل صناعة السينما, وحتى المؤلفين الشباب الذين يعملون حاليًا في السينما, واستفادت السينما من نجاح بعض الأفلام في بلادها بنقلها إلى الأجواء المصرية؛ لأنها رأت فيها منبعًا للمصريين.([63])

يمكننا القول: إن الإنتاج السينمائي المصري بما يخص تناوله الهم والقضية الفلسطينية ينقسم إلى مرحلتين:

1- منذ النكبة عام 1948م وحتى عام 1967م.

2- بعد عام 1967م.

ولقد أكد المخرج سعيد حامد على أن السينما المصرية تهتم بالقضية الفلسطينية منذ نشأتها، وإن كان يرى أن السينما المصرية غير واقعية في تقديمها القضية الفلسطينية، ويرجع ذك لضعف الإنتاج السينمائي الخاص بالقضية.([64])

وفي هذه الفترة أنجزت السينما المصرية خمسة أفلام تسجيلية، وكان أولها عام 1955م، وحمل عنوان "القدس" من إخراج كمال مدكور، وكان فيلمًا سياحيًّا عرض من خلاله أهم المواقع والأماكن الأثرية والدينية، وفي نفس العام قدم حسن حلمي فيلم "معسكر اللاجئين في غزة". وكان يعرض لحالة اللاجئين وظروف حياتهم في المخيمات. وقدم المخرج توفيق صالح فيلم "من نحن؟" في عام 1960م. ويعد أول فيلم تسجيلي طويل الذي قدم ظروف حياة اللاجئين الفلسطينيين مستعرضًا قضيتهم السياسية والاجتماعية. وفي عام 1964م قدم محمد صالح كيالي فيلم "قاعدة العدوان". وخامس تلك الأفلام كان فيلم "أجراس السلام" من إخراج رمسيس نجيب، وكان ذلك في عام 1965م.

وأما في مجال الأفلام الروائية فقد قدم القطاع الخاص المصري في هذه الحقبة التاريخية من عام 1948-1967م قدم 6 أفلام روائية غلب عليها الطابع الميلودرامي إلى جانب التشويق والمغامرة.

 ويرفض المخرج السينمائي علي عبد الخالق مصطلح القضية الفلسطينية مفضلًا مصطلح "الصراع العربي الإسرائيلي"؛ لأن القضية الفلسطينية ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، وإنما العرب جميعًا وذلك في بلاد عربية وخاصة مصر دخلت مواجهات مع إسرائيل بسبب القضية الفلسطينية وبعض الدول طبعًا، لكن بصفة أساسية مصر دخلت في أكثر من حرب أو جرت إلى أكثر من حرب بسبب هذه القضية ابتداء من حرب 1948م.([65])

 في هذه الفترة كانت فقط السينما المصرية هي الوحيدة التي أسهمت بأفلام روائية وتسجيلية تعرضت فيه للقضية الفلسطينية. عدا ذلك لم تكن هناك إلا تجربة عربية وحيدة وهي تجربة للقطاع الخاص في الأردن. حيث تم إنجاز فيلم "وطني حبيبي" من إخراج محمود كعوش عام 1964م. ومن الملاحظ أن الإنتاج السينمائي في هذه الفترة كان متواضعًا كمًّا وكيفًا. فلم يتم التطرق بموضوعية إلى القضية الفلسطينية ولا مناقشة أسباب النكبة ونتائجها. وغاب التحليل المعمق لمجمل القضايا الأساسية للشعب الفلسطيني. فكانت الأفلام تلك غارقة في تفاصيل قدمت القضية بشكل غير موضوعي شوهت وقلبت المفاهيم، وأضرت بالنضال والحقوق العادلة، وأن لها الأثر السيء في تشويه لمعنى الكفاح والنضال من أجل التحرير والعودة.([66])

إن الأفلام التي أنتجت في هذه الفترة أخذ عليها الإغراق في الخيال. فكانت المعالجة خارج إطار المكان والزمان، حتى إن أحد الأفلام كان عبارة عن فيلم غنائي استعراضي راقص وجد أن الاستعانة بالقضية الفلسطينية يكسب هذا الفيلم مزيدًا من الرضى عند جمهور المشاهدين والذين كانوا مستعدين للتماهي مع قصة حب جندي مصري مع فتاة فلسطينية فتلهب مشاعرهم وعواطفهم الجياشة مشاهد التحام الحب المصري الفلسطيني.([67])

وتعتبر النصوص الفيلمية الواقعية هي التي تسعى لحل مشكلة سياسية فلسفية جمالية أو فكرية اجتماعية, تضع في المقام الأول الوظيفة النقدية للمجتمع, وليست الوظيفة التجارية الاستهلاكية. ولكل نص فيلمي سياقه الاجتماعي الذي يؤثر فيه من خلال لغة المجتمع, فيصوره حوارًا أو إشارات متعددة تعبيرية سمعية فكرية وأيدولوجية. فالدلالة الفكرية هي نقطة الوصول بين المجتمع في فترة زمنية معينة من فترات تطوره الاجتماعي والتاريخي والفكري والسياسي الأيدولوجي. والطبقة المثقفة والمفكرة, فلا يمكن تحليلها ودراستها بمعزل عن الفئة الاجتماعية التي تمثلها, واللغة التي تخاطب هذه الفئة, وكلما كانت الأعمال السينمائية أعمالًا فكرية وثقافية بالدرجة الأولى كانت أدوات فعَّالة لتتبع حركة الفكر والأدب المتاح في المجتمع, وترصد تغير القيم الاجتماعية والفكرية والثقافية, فكاتب الرواية يمكنه أن يعيد وصف التاريخ والمجتمع في صورة أكثر قربًا وتأثيرًا من خلال نماذج إنسانية حية من الواقع الاجتماعي, وفضل العملية الفكرية كبير على السينما المصرية, فهي التي وضعت حدودًا واضحة لحرية الفرد وانطلاقاته وفقًا للإطار العام للمجتمع. ([68])

استندت الموجة الجديدة من السينما المصرية إلى الواقعية, فنقلت صور الواقع إلى الشاشة بأحداث تهم المشاهد, حيث إنها غزت بنجومها وأنواعها الشعبية البلاد العربية فتوارت كل السينمات, بما في ذلك السينما الأمريكية, من الخليج إلى المحيط, وهي تدين بجزء من نجاحها الجماهيري لنظام النجوم الذي عود الجمهور على مجموعة من الممثلين الذين تحولوا إلى "نجوم" مطاردين من قبل المنتجين.([69])

وفي هذه الفترة كانت جميع أوجه النشاط السينمائي في أيدي شركات القطاع الخاص, وكانت القاهرة هي هوليود الشرق بالفعل، فانتشر الفيلم المصري في الدول العربية التي عرفت السينما, واعتمدت عليه دور العرض في سوريا ولبنان والعراق وشرق الأردن وفلسطين والجزائر وتونس وليبيا، بل وصلت الأفلام المصرية إلى الهند وباكستان واليونان والولايات المتحدة الأمريكية.([70])

تأثرت السينما المصرية بالحركات السينمائية والنجومية العالمية التي تلقى نجاحًا تجاريًّا, هذا بالإضافة لتأثرها بالأفلام السياسية في بعض الدول الأوروبية, والتي ظهرت تندد مراكز القوى الحاكمة.([71])

وتبقى السينما المصرية المحرك الأساسي لكل السينمات في الوطن العربي, وهي السينما السائدة في الوطن العربي, والتي تقوم على مجموعة من الثوابت يسهل على أي مشاهد ضبطها.

ومن خلال أستوديو مصر تم تقديم عدد من الأفلام التي اهتمت بحقوق الإنسان سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية مثل فيلم "لاشين"، إخراج "فريتز كرامب"، عن قصة للكاتب الألماني "فون ماين" وسيناريو"ستيفن هارس" وحوار "أحمد رامي"، وكانت قضيته الأساسية هي العلاقة بين الشعب وحاكمه وكيف يصغى إليه وتطبيق العدالة الاجتماعية.

وهو الأمر الذي تم عرضه لأول مرة في تاريخ السينما المصرية، وقد تقرر عرض الفيلم بسينما ديانا بالقاهرة والكوزموجراف بالأسكندرية يوم الخميس 17 مارس 1938م، إلا أنه في نفس اليوم صدر قرار بتأجيل عرض الفيلم وسحبه من دار العرض وعرض بدلًا منه فيلم "سلامة في خير" في سابقة خطيرة لإيقاف فيلم عن العرض لأسباب سياسية.([72])

وبعد الحرب العالمية الثانية استمر نمو السينما المصرية , فتضاعف عدد الأفلام المصرية من 16 فيلمًا عام 1944م إلى 67 فيلمًا عام 1946م وقد بلغ عدد دور العرض في مصر في تلك الفترة 248 دارًا.

وقد ارتبط إنتاج هذه الأفلام بوعي مخرجيها واهتماماتهمـ، أمثال: كمال سليم الذي أخرج فيلم" العزيمة" 1936م، وكامل التلمساني الذي قدم فيلمه "السوق السوداء" عام 1945م.

عندما قامت ثورة 23 يوليو عام 1952م كانت السينما المصرية مزدهرة، فقد شهد الفيلم المصري نشاطًا ورواجًا متزايدًا منذ سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية, حيث ارتفع متوسط عدد الأفلام كل سنة إلى 60 فيلمًا، وبلغ عدد الأفلام 588 فيلمًا حتى عام 1962م، أي نحو ضعف الأفلام المصرية منذ عام 1927م، كما وصل عدد دور العرض إلى 354 عام 1954م.

وفي عام 1957م أنشئت مؤسسة دعم السينما، وقد تحددت اختصاصاتها([73]) فيما يلي:

1-     تشجيع صناعة السينما بمنح الجوائز للأفلام الجيدة.

2-    تدبير مصادر التمويل للأفلام الطويلة الهادفة، وخاصة ما يكون منها في النواحي الثقافية والتاريخية والقومية.

3-     العناية بشئون التدريب الفني والمهني.

4-    تنظيم الاشتراك في المهرجانات الدولية وأسابيع الأفلام.

5-    حماية الأفلام المحلية من المنافسة الأجنبية. ([74])

كما أنشئ المعهد العالي للسينما عام 1959م.

ومن خلال ما تقدم يقع على عاتق السينما المصرية مهمة سينمائية في عرض وتناول وتحليل ونقد القضية الفلسطينية كونها قضية عربية؛ ولأن السينما المصرية لديها من الأمكانات والقدرات من حيث الإنتاج وممثلين ومخرجين وكتاب سيناريو يستطيعون تقديم هذه القضية المحورية وتداخل ما بين الشعبين منذ الأزل -فإن السينما المصرية لديها القدرة على إيصال هذه القضية إلى كافة الشعوب العربية والعالمية بسبب قدرتها وانتشارها الواسع في بيوت شعوب الدول.

تعتبر الحادثة أو الواقعة –في مفهومنا- عندما تصاغ عبر بناء تسلسلها بحيث تتضمن مؤثرًا دراميًّا أو مؤثرات درامية سوف تتحول إلى "حدث درامي" له تأثيره على المشاهد، ومن ثم فإن في تحقيق هذا الأثر الدرامي يكمن السبب في توجه جمهور ما إلى عرض درامي يتضمن حدوتة معروفة سلفًا لدى هذا الجمهور.

ويذهب الجمهور إلى السينما بشكل منتظم لمشاهدة الأفلام التي كانوا يجدون فيها غاية المتعة والراحة الذهنية وتعلموا منها الكثير عن حياة الشعوب الأخرى, وعن تاريخ الحضارات السابقة وغير ذلك من المواضيع التي تغطيها عادة قصص السينما أو الأفلام الروائية.

أما صناعة السينما فقد نمت وتطورت وزادت الاستثمارات فيها، وإنتاجها من الأفلام في زيادة مستمرة. إن العالم ما زال في حاجة ماسة إلى الاستفادة من الدور الذي تقوم به السينما الروائية، وخاصة في إطار الاتصال الثقافي بين الدول والشعوب؛ لأن في استطاعتها تناول كثير من المواضيع الحضارية والثقافية والاجتماعية ومعالجتها بطريقة تغري أغلب المشاهدين على متابعتها والاستفادة منها.

وعلى المستوى الفني حفل تاريخ السينما المصرية بالكثير من الإنجازات، حركة سنيمائية كانت تموج بشتى الاتجاهات والتيارات، مخرجون ومصورون، ومونتيرون على مستوى كبير يضارع أفضل المستويات العالمية، ممثلون اكتسبوا خبرات كبيرة متنوعة وثرية في الوقوف أمام الكاميرا، وتقنيون أتقنوا "الصنعة" وقطعوا أشواطًا كبيرة في مجال الابتكار والخلق والإبداع، وتراث من الأفلام التي تتبدى فيها شتى الأفكار وتتنوع الأساليب.

وقد فاقت السينما في تأثيرها الثقافي كل الوسائل المعروفة من كتابات ومؤسسات ومحاضرات وأحاديث مباشرة، كذلك فإن أفكار السينما ترسخ أكثر لأنها تظهر حقيقة معاشة, وليس مجرد خاطرة نقرؤها، ولم تعد السينما قاصرة على روادها، بل أصبحت تدخل البيوت عن طريق التليفزيون. وأصبحت السينما من الأدوات الثقافية والتربوية التي لها تأثير كبير؛ لأنها تمثل أفكارًا حية تعيش أمام المشاهد، ولذلك فإن تأثيرها لا يقتصر على الأفكار النظرية, كما هو تأثير المؤلفات وإنما ينطبع بصورة أشد على سلوكنا ومظاهرنا.

إن لغة التعبير في السينما المصرية بعد أن شهدت تقدمًا كبيرًا في الستينيات والنصف الأول من السبعينيات، بسبب الانفتاح الثقافي والفكري والسينمائي الكبير على العالم في تلك الفترة، عادت لتنغلق على نفسها بعد أن أصبحت مصر في قمة انفتاحها، بل وفي عصر العولمة، وبعد أن أصبح كل شيء متاحًا للمشاهدة، وأصبح السفر للخارج "روتينًا" بالنسبة للكثير من السينمائيين.

وفي حوار مع الفنان محمود ياسين يقول: "كامب ديفيد دمرت السينما المصرية, فتراجُع السينما المصرية حقيقة لا يمكن إنكارها, ولكن يتم عادة حتى في مصر تجاهل الحديث عن أسباب ذلك؛ لأن التراجع لم يكن صدفة, بل هناك مجموعة من العوامل ساهمت بشكل مباشر في تراجعها, وخاصة الاتفاقية كامب ديفيد, التي أحدثت قطيعة مع المحيط والعمق العربي لمصر بعد قرار قمة الدول العربية مقاطعة مصر, وبالتالي أغلقت السوق العربية أمام السينما المصرية".([75])

استطاعت السينما الإسرائيلية أن تقدم حرب أكتوبر بأنه انتصار "وهمي", في الوقت الذي لم تفعل السينما المصرية فيه شيئًا, مقابل نصر حقيقي, أجمع الخبراء العسكريون على أنه أعظم نصر عسكري في القرن العشرين, هذا بالإشارة إلى أن صناعة السينما في إسرائيل قد بدأت منذ عام 1949م, وبدأت بإنتاج 4 أفلام فقط, إلا أنه سرعان ما قفز إلى نحو أكثر من 140 فيلمًا سنة 1967م, واستعانت فيها بالخبرة الأجنبية, والاعتماد على رءوس الأموال الصهيونية خارج إسرائيل, والشركات العالمية للسينما, والمخرجين العالميين, ويبلغ عدد دور السينما الإسرائيلية أكثر من 380 دارًا, وهذه نسبة عالية جدًّا مقارنة مع عدد سكانها.([76])

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وفي الفترة من 15-22 يونيو1980م, عقد في مدينة فيتيل الفرنسية أسبوع سينمائي نظمه نادي البحر المتوسط تحت عنوان "سينما البحر المتوسط", وقد شارك فيه يوسف شاهين بخمسة من أفلامه, وأحد عشر فيلمًا جزائريًّا, وشادي عبد السلام بأربعة أفلام من إنتاج مركز الفيلم التجريبي, وفي البرنامج الرسمي شاركت المغرب بثلاثة أفلام, وتونس بفيلمين, والجزائر بفيلم واحد, وإسرائيل بثلاثة أفلام طويلة وثلاثة قصيرة, وقد أطلق عليه آموس أربيل مندوب التليفزيون الإسرائيلي "كامب ديفيد السينما". ([77])

كما أننا لا نملك إحصاءً دقيقًا بعدد الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية، ولا نملك موسوعة واحدة يستطيع الناقد أو الباحث الاعتماد عليها، إضافة إلى وجود الأفلام التي تلف بعضها أو أجزاء منها لسوء التخزين، بعد أن تعثر مشروع الأرشيف القومي للحفاظ على التراث منذ عشرين عامًا. والأهم أن تراث السينما المصرية لم يعد ملكنا، وكثير من الأفلام التي تنتج حاليًا برءوس أموال أجنبية أو عربية.

تناولت السينما المصرية في بداياتها قصصًا عن واقع ومعاناة الإنسان, إلا أنها تحولت إلى سلعة تجارية أيام الاستعمار والحرب العالمية الثانية, وما بعدها وعلى أيدي عدد من المنتجين التجار, إلى سلعة تجارية من نوع جديد, تبتعد عن هموم الواقع ومآسي الحرب والاستعمار, وبالتالي أخرجت السينما عن أهدافها كفن جماهيري هادف في تعبئة الوعي القومي إلى مجال المتاجرة بعيدًا عن قضايا الناس وهموم الجماهير. ([78])

 


([1]) محمد منير حجاب- المحتوى الثقافي والتربوي للفيلم السينمائي. (القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع، 1998م) ص27:41

(2) إلهامي حسن- تاريخ السينما المصرية1797-1970.( القاهرة: المجلس الأعلى للفنون والآداب، يوليو1971م) ص71:69

([3]) نجوى الفوال- موقف الجمهور المصري في السينما، ط2، (القاهرة: المركز القومي البحوث الاجتماعي والجنائية، 1995م)، ص1.

([4] ) سعيد عولقي ـ سينما الصراع من أجل البقاء. الثقافة. العدد السادس. أغسطس/ سبتمبر 1993.

([5] )مقابلة مع المخرج علي عبد الخالق أجريت بتاريخ الأول من مايو 2013

([7]) جان الكسان- قضايا عربية في السنيما، ط، 1(القاهرة والمنيا: دار الأحمدي للنشر والتوزيع) ص54

([8]) لورينز وفيلشس- ترجمة وجيه سمعان، التليفزيون في الحياة اليومية"، (القاهرة: الهيئة العامة للمطابع الأميرية، 2000) ص 133.

([9])Barrie Gunter, Media Research Methods, Measuring Audiences, Reactions and Impact, (London: Sage publication), 2000, p. 204

([10]) نجوى الفوال، آمال كمال- مرجع سابق، 2004م، ص 63.

([11]) آمال كمال- مرجع سابق، 2005م، ص 114.

([12]) أرنست فيشر، ترجمة أسعد حليم، "ضرورة الفن"، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م) ص 67.

([13]) Mike Wayne‏. Political Film: The Dialectics of Third Cinema. (Pluto Press,2001).pp1-3www.google.com

([14]) محمود قاسم– الفيلم السياسي في مصر.(القاهرة: مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب) ص9-18

([15]) Janina Falkowska. "The Political" in the Films of Andrzej Wajda and Krzysztof Kieslowski. In: Cinema Journal,Vol. 34, No. 2 (Winter, 1995), pp. 37-50

([16]) زياد فايد- الثورة في السينما المصرية. القاهرة يوليو1952-أكتوبر1973 (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998 ) ص 23-24.

([17] ) إلهامي حسن- مرجع سابق.ص1

([18])علي أبو شادي- اتجاهات السينما المصرية. (القاهرة: دار الأحمدي للنشر) ص 69:71

([19])زياد فايد- مرجع سابق.ص27:43

([20])علي أبو شادي- مرجع سابق. ص71

([21])علي أبو شادي- مرجع سابق. ص53-55

([22])طارق الشناوي- مرجع سابق ص35

([23])زياد فايد – مرجع سابق ص 64:66

([24])درية شرف الدين.–السياسة والسينما في مصر (1968-1981 هيئة الكتاب، 2002 ) ص220:222

([25])زياد فايد.– الثورة في السينما المصرية يونيو 1952- أكتوبر 1973 .ص 73:77


([27]) محمود علي. مائة عام من الرقابة على السينما المصرية. (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2008 ) ص 76

([28]) جان الكسان-الرواية العربية من الكتاب إلى الشاشة- منشورات وزارة الثقافة –المؤسسة العامة للسينما دمشق 1999 ص 38-39

([29]) درية شرف الدين- السياسة والسينما في مصر. ص217-218

([30]) درية شرف الدين- السياسة والسينما في مصر(1961-1981). ص217:227

([31]) زياد فايد- الثورة في السينما المصرية (يوليو1952- أكتوبر 1973-الهيئة المصرية العامة للكتاب-1999) ص93:94

([32] ) محمود قاسم. الفيلم السياسي. مرجع سابق. ص57

([33]) محمود قاسم- مرجع سابق .ص45:46

([34]) زياد فايد- مرجع سابق ص78:80

([35]) جان الكسان- قضايا عربية في السينما- مرجع سابق. ص 53.

 ([36])ناجي فوزي- نشرات السينما في مصر-اتجاهات نقدية. ص 299:302

([37]) شريف حسن. السينما المصرية بعيدة الآن عن القضية الفلسطينية. مجلة نصف الدنيا، 9 مايو2010. 

([38]) سحر منصور. السينما المصرية والقضية الفلسطينية. رؤية. العدد30. تشرين الأول


([39]) مقابلة أجريت مع الناقد طارق الشناوي بتاريخ الخامس من يونيو2013


([40])جان الكسان- الرواية العربية من الكتابة إلى السنيما. ص199:200

([41])على أبو شادي- اتجاهات السينما المصرية-مرجع سابق ص90, محمود قاسم- مرجع سابق. ص 58

([42])جان الكسان- الرواية العربية من الكتاب إلى السينما-مرجع سابق. ص202

([43])علي أبو شادي- مرجع سابق ص90, محمود قاسم-مرجع سابق. ص 59

([44]) محمود قاسم ص 60 , الرواية العربية من الكتاب إلى السنيما-مرجع سابق. ص 202

([45]) مرجع سابق ص60

([46]) علي أبو شادي- مرجع سابق. ص 90:91,جان الكسان- الرواية العربية من الكتاب إلى السينما – مرجع سابق. ص 202 , محمود قاسم- مرجع سابق ص 46

([47]) علي أبو شادي- مرجع سابق ص 91 , جان الكسان- الرواية العربية من الكتاب إلى السنيما- مرجع سابق ص 202:203

([48])محمود قاسم- مرجع سابق ص 62-64, علي أبو شادي- مرجع سابق ص 91

([49])جان الكسان-الرواية العربية من الكتاب إلى السنيما-مرجع السابق .ص203

([50])محمود قاسم- مرجع سابق. ص 67

([51]) محمود قاسم- مرجع سابق ص 139، علي أبو شادي- مرجع سابق ص 97:98

([52]) الاتجاهات 102

([53]) علي أبو شادي-مرجع سابق. ص 95

([54])جان الكسان- الرواية العربية من الكتاب إلى الشاشة- مرجع سابق. ص 197

([55])جان الكسان– السينما في الوطن العربي- سلسلة عالم المعرفة –الكويت عام 1982

(2) "الرواية الفلسطينية الحديثة ترصد الواقع والمعاناة اليومية – القدس –هشام عبد الله وكالة أ.ف.ب. تاريخ 24/4/7/1991م".

([56]) مقابلة أجريت مع الناقد نادر عدلي بتاريخ السابع من مايو2013 عبر الهاتف.

 

([57]) شريف حسن. السينما المصرية بعيدة الآن عن القضية الفلسطينية. مجلة نصف الدنيا، 9 مايو2010. 

([58]) ناجي فوزي- مرجع سابق. ص 67


(1) محمود قاسم- مرجع سابق. ص 65

([61]) جان الكسان- قضايا عربية في السينما – مئوية السينما:1895-1995(منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1995). ص9

([62]) جان الكسان- مرجع سابق ص 14:15:51

([63]) محمود قاسم- مرجع سابق.ص14:15

([64]) مقابلة مع المخرج السينمائي سعيد حامد في 10 أبريل 2013

([65]) مقابلة مع المخرج السينمائي علي عبد الخالق بتاريج الأول من مايو 2013

([66]) موسى سعيد. مرجع سابق.

([67]) موسى سعيد. القضية الفلسطينية والسينما العربية (الحلقة الثانية). مركز الإعلام والدراسات الفلسطينية. فتح الانتفاضة. 

([68]) نسمة البطريق- نصوص السينما والتليفزيون والمنهج الاجتماعي. (كلية الإعلام – جامعة القاهرة 1995) ص21- ص 24

([69]) موني براح وآخرون- السينما العربية –ترجمة مي التلمساني. (الهيئة العامة للكتاب 1994). ص 72:71

([71])محمود قاسم– الاقتباس في السينما المصرية.(القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ) ص 17:18

([72]) مجدي عبد الرحمن- لاشين (القاهرة: صندوق التنمية الثقافية/ 2000)ص 35.

([73]) سمير فريدفص- أول من تاريخ السينما المصرية (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002)، ص 61.

 ([74])منى الحديدي- دراسة تحليلية لصورة المرأة في الفيلم المصري والآثار الإعلامية والاجتماعية المترتبة على ذلك. رسالة دكتوراه غير منشورة (القاهرة، كلية الإعلام، 1977) ص57.

([75]) محمود ياسين: "كامب ديفيد" دمرت السينما المصرية – الفجر نيوز- الثلاثاء 25 مارس 2008 – حاوره نور الدين الطيب

([76]) زياد فايد- مرجع سابق- ص78:80

([77]) هاني الحلواني، سمير فريد- الصراع العربي الصهيوني في السينما. ص 91

([78]) نفس المرجع السابق ص 13:50
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف