هذا هو الإسلام
الإسراء والمعراج بالروح والجسد وفي حالة اليقظة
الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين/رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس
قال صلى الله عليه وسلم { ... أُتِيتُ بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال فركبته حتى أتيتُ بيتَ المقدس ، قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء ، قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت ، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : اخترت الفطرة ، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل ، فقيل من أنت : قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قال وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير ، قال الله عز وجل { ورفعناه مكاناً علياً } ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ، ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل ، فقيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال ، قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى الله إليَّ ما أوحى ، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزلتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة ، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك ؛ فإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخبرتهم ، قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي ، فحطَّ عني خمساً ، فرجعتُ إلى موسى فقلتُ حطَّ عني خمساً ، قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد : إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً ، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، قال فنزلتُ حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقال صلى الله عليه وسلم : فقلتُ قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييْتُ منه } رواه مسلم ، وجاء في نهاية رواية البخاري { فلما جاوزتُ ناداني منادٍ : أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي } .
ومن أبرز أحداث ليلة الإسراء صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً ، ففي رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم { ... وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى ... وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي ... وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلى ... فحانت الصلاة فأممتهم } رواه مسلم ، وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه { فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي فالتفت ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه } رواه أحمد .
هذه رحلة الإسراء والمعراج المباركة ، الرحلة المعجزة التي ما كانت رؤيا أو مناماً ، بل كانت بالجسد والروح معاً وفي حال اليقظة ، وهذا هو الحق الذي نوقن به يقيناً راسخاً ، ومن الأدلة الكثيرة التي تؤكد ذلك :
* قوله تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } الإسراء 1 ، فلفظة "عبد" تعني مجموع الروح والجسد ، ولا تُطلق على الروح فقط .
* قوله الله تعالى في ذات الآية { سُبْحَانَ } ، فتسبيح الله إنما يكون عند عظائم الأمور ، فلو كانت هذه الرحلة بالروح لما كانت عظيمة ولما تجلت فيها قدرة الله عز وجل .
* قوله تعالى في سورة النجم { مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى } وقوله فيها أيضاً { وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى } ، فالبصر والإبصار من أدوات الذات وليستا من أدوات الروح .
* قوله تعالى { ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ } الإسراء 60 ، قال ابن عباس [ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ } رواه البخاري . والرؤية هي من لوازم الجسد وأدواته .
* قوله تعالى في الآية السابقة { فِتْنَةً لِلنَّاسِ } ، وهو دليل على كون هذه الرحلة بالجسد والروح معاً ، وإلاَّ فإن رؤيا المنام لا فتنة فيها للناس وما كان لأحد أن ينكرها ، وما كانت قريش لتسخر من محمد صلى الله عليه وسلم وتشتد في تكذيبه استعظاماً واستغراباً لمنام رآه .
* ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وجود البراق الذي انتقل به إلى المسجد الأقصى المبارك ونعته بصفاته يدل على أنه كان بروحه وجسده ، وإلا فما حاجة الروح إلى البراق الذي هو مخلوق مادي يحتاج جسداً مادياً يركبه !
* وقوله صلى الله عليه وسلم في ذات الحديث عن البراق { فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ } يدل على أنها رحلة بالروح والجسد ، فربط البراق أيضاً من أعمال جوارح الجسد لا الروح .
* وثبت أن قريشاً بادرت إلى تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بهذه الرحلة ؛ حتى أن بعض المسلمين ارتدوا كُفاراً ، فما الذي يحمل قريشاً على تكذيب هذا الحديث إلا كونه يقظة ؟ { ... لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأمر الإسراء والمعراج وقام أهل مكة يصفقون ويصفِّرون وذهبوا سراعاً إلى أبي بكر وقالوا : اسمع ماذا يقول صاحبك ! قال ما يقول ؟ قالوا يقول إنه ذهب البارحة وأتى إلى بيت المقدس وأسري به إلى السماوات ثم نزل إلى الأرض وجاء في ليلة ؛ ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً ذهاباً وشهراً إياباً ... } فتح الباري 10/461 .
ومما روي عن موقف أبي بكر رضي الله عنه من الإسراء والمعراج وسبب تسميته بالصديق أنه { لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى المبارك أصبح يتحدث الناس بذلك ، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعَوْا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال أَوَ قال ذلك ؟ قالوا نعم . قال لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا أَوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ قال نعم ؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ؛ أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة } رواه البيهقي وصححه الألباني . ولو كانت الرحلة مناماً لما كان لتصديق أبي بكر بها أيّ امتياز .
الإسراء والمعراج بالروح والجسد وفي حالة اليقظة
الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين/رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس
قال صلى الله عليه وسلم { ... أُتِيتُ بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال فركبته حتى أتيتُ بيتَ المقدس ، قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء ، قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت ، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : اخترت الفطرة ، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل ، فقيل من أنت : قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قال وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير ، قال الله عز وجل { ورفعناه مكاناً علياً } ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ، ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل ، فقيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال ، قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى الله إليَّ ما أوحى ، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزلتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة ، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك ؛ فإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخبرتهم ، قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي ، فحطَّ عني خمساً ، فرجعتُ إلى موسى فقلتُ حطَّ عني خمساً ، قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد : إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً ، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، قال فنزلتُ حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقال صلى الله عليه وسلم : فقلتُ قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييْتُ منه } رواه مسلم ، وجاء في نهاية رواية البخاري { فلما جاوزتُ ناداني منادٍ : أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي } .
ومن أبرز أحداث ليلة الإسراء صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً ، ففي رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم { ... وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى ... وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي ... وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلى ... فحانت الصلاة فأممتهم } رواه مسلم ، وفي رواية ابن عباس رضي الله عنه { فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي فالتفت ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه } رواه أحمد .
هذه رحلة الإسراء والمعراج المباركة ، الرحلة المعجزة التي ما كانت رؤيا أو مناماً ، بل كانت بالجسد والروح معاً وفي حال اليقظة ، وهذا هو الحق الذي نوقن به يقيناً راسخاً ، ومن الأدلة الكثيرة التي تؤكد ذلك :
* قوله تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } الإسراء 1 ، فلفظة "عبد" تعني مجموع الروح والجسد ، ولا تُطلق على الروح فقط .
* قوله الله تعالى في ذات الآية { سُبْحَانَ } ، فتسبيح الله إنما يكون عند عظائم الأمور ، فلو كانت هذه الرحلة بالروح لما كانت عظيمة ولما تجلت فيها قدرة الله عز وجل .
* قوله تعالى في سورة النجم { مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى } وقوله فيها أيضاً { وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى } ، فالبصر والإبصار من أدوات الذات وليستا من أدوات الروح .
* قوله تعالى { ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ } الإسراء 60 ، قال ابن عباس [ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ } رواه البخاري . والرؤية هي من لوازم الجسد وأدواته .
* قوله تعالى في الآية السابقة { فِتْنَةً لِلنَّاسِ } ، وهو دليل على كون هذه الرحلة بالجسد والروح معاً ، وإلاَّ فإن رؤيا المنام لا فتنة فيها للناس وما كان لأحد أن ينكرها ، وما كانت قريش لتسخر من محمد صلى الله عليه وسلم وتشتد في تكذيبه استعظاماً واستغراباً لمنام رآه .
* ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وجود البراق الذي انتقل به إلى المسجد الأقصى المبارك ونعته بصفاته يدل على أنه كان بروحه وجسده ، وإلا فما حاجة الروح إلى البراق الذي هو مخلوق مادي يحتاج جسداً مادياً يركبه !
* وقوله صلى الله عليه وسلم في ذات الحديث عن البراق { فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ } يدل على أنها رحلة بالروح والجسد ، فربط البراق أيضاً من أعمال جوارح الجسد لا الروح .
* وثبت أن قريشاً بادرت إلى تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بهذه الرحلة ؛ حتى أن بعض المسلمين ارتدوا كُفاراً ، فما الذي يحمل قريشاً على تكذيب هذا الحديث إلا كونه يقظة ؟ { ... لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأمر الإسراء والمعراج وقام أهل مكة يصفقون ويصفِّرون وذهبوا سراعاً إلى أبي بكر وقالوا : اسمع ماذا يقول صاحبك ! قال ما يقول ؟ قالوا يقول إنه ذهب البارحة وأتى إلى بيت المقدس وأسري به إلى السماوات ثم نزل إلى الأرض وجاء في ليلة ؛ ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً ذهاباً وشهراً إياباً ... } فتح الباري 10/461 .
ومما روي عن موقف أبي بكر رضي الله عنه من الإسراء والمعراج وسبب تسميته بالصديق أنه { لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى المبارك أصبح يتحدث الناس بذلك ، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعَوْا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال أَوَ قال ذلك ؟ قالوا نعم . قال لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا أَوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ قال نعم ؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ؛ أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة } رواه البيهقي وصححه الألباني . ولو كانت الرحلة مناماً لما كان لتصديق أبي بكر بها أيّ امتياز .