أحـكـام الـقـانـون بــين سـلـطـتي الـنـص والـمـوائـمـة
بـقــلـم / حــســــــن زايــــــــد
القاعدة القانونية تتسم بخاصيتين لا فكاك منهما ، هما خاصيتي العمومية والتجريد . وهذا يعني ببساطة أن القاعدة لا تستهدف شخصاً بعينه بحكمها ، وإنما تخاطب الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم . وهي لها صفة العموم ، ولو كان المخاطب بها شخصاً واحداً ، فتخاطبه حين تخاطبه ، بصفته لا بذاته . وهذا يعكس سلطة النص القانوني في مواجهة القائم علي تطبيقه أو تنفيذ حكمه . فالقاضي ملتزم بالنص القانوني عند دراسة القضية وإصدار الحكم ، ولا يجوز له أن يقضي بعلمه . وجهة الإدارة المنوط بها التنفيذ ـ الشرطة ـ ملتزمة بالنص القانوني عند البحث والتحري، وإلقاء القبض حال التلبس ، والضبط والإحضار ، وتنفيذ الأحكام . تلك هي سلطة النص . وما حدث في نقابة الصحفيين كان رضوخاً لهذه السلطة . أما القول بأن الشرطة كان يلزمها الإتصال بنقيب الصحفيين ، أو أن النيابة العامة كان يتعين عليها إخطاره ، فهذا تزيد علي النص القانوني ، لأنه لا يوجد نص يقضي به . ولا حتي نصوص قانون نقابة الصحفيين ذاتها . وهذا الكلام يأتي في إطار ما يمكن أن نطلق عليه الموائمة . والموائمة تعني مراعاة الظروف الموضوعية المحيطة ، بما يدرأ وقوع مفسدة أكبر من تلك المنفعة المتحصلة من الإلتزام الحرفي بالنص ، إعمالاً لقاعدة أن درء المفسدة مقدم علي جلب المنفعة . ولا تعني الموائمة تفويت المصلحة المتحققة من وجود النص ، وإنما إرجائها ريثما يتم تهيئة الظروف الملائمة لتحقيقها دون مفاسد أو بأقلها . والمكلف يحاسب قانوناً علي النص ، ولا يحاسب علي عدم الموائمة . ومن أمثلة التزام النص دون الموائمة حالة ضبط واحضار رجل الأعمال المصري صلاح دياب . فقد شغل رجل الإدارة تنفيذ الأوامر دون نظر أو اعتبار للأثار الإقتصادية المترتبة علي هذا التصرف ، والبعد السياسي للأمر ، والرسالة التي ينطوي عليها ، ووصولها بحذافيرها إلي كل من يهمه الأمر . في حين أنه كان يمكن استدعاء الرجل إلي النيابة العامة دون الإعمال الحرفي لفكرة الضبط والإحضار ، والتحقيق معه ، وإطلاق سراحه طالما لم تثبت عليه وقائع محددة . وفي الحالتين تحقق الغرض مع الفارق في النتائج . وكذا الأمر فيما يتعلق بإلقاء القبض علي وزير الزراعة الأسبق في ميدان التحرير عقب خروجه من الوزارة مُقالاً . حيث كان يمكن الإنتظار إلي حين وصوله منزله ، ثم يجري استدعاءه أو ضبطه وإحضاره . لأن إلقاء القبض عليه علي هذا النحو المهين ، لم يُقصر الإهانه علي شخصه بذاته ، وإنما لحقت الإهانة بإحدي الوظائف العامة . ومن هنا يبقي القول بحق أن رجال الإدارة المنوط بهم تنفيذ الضبط والإحضار للمتهمين قد التزموا النص دون النظر للموائمة السياسية في الأمر . دعك من قول من ذهب إلي أن الشرطة قد خالفت القانون والدستور ، وهو لا يدري عن أي قانون يتكلم ، لأن المخالفة جاءت في عدم النظر للموائمات السياسية الواجبة ، وتلك مخالفة لا يجري الحساب عليها إلا سياسياً وليس قانونياً . وبذات القدر يمكن القول بأن مجلس نقابة الصحفيين ، وبعض أعضاء النقابة ، الذين تسارعوا في صب الزيت علي النار ، فاتهم البُعد السياسي والموائمة السياسية التي يتاجرون بها الآن بعد أن وقعت الواقعة . فهم أول من يدرك أن مصر محاصرة ، ومخنوقة ، ومتربص بها في كل زاوية من زواياها ، وركن من أركانها . وأنها مطاردة بغير حق في سمعتها فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان ، لأنها من المسائل التي يصعب إثبات عكسها . وكان يمكن تفويت الفرصة علي المتاجرين في سوق النخاسة باسم حقوق الإنسان ، باعتبار الأمر أمراً عارضاً ، طالما أنه لم يخالف صحيح القانون ، ولا يمثل انتهاكاً لحقوق وحريات الصحفيين . والإنحناء للزوبعة حتي تمر من أجل سواد عيون مصر . أما الإنتصار لما يُتصور أنه حقوقاً شخصية مكتسبة ، دون اعتبار أو نظر لمصالح البلاد العليا ، ثم إلقاء تبعة الإساءة لسمعة البلاد في المحافل الدولية علي جهة الإدارة وحدها ، فلا مسمي له سوي الإنتهازية والإبتزاز . وكان يمكن لجهة الإدارة ـ في إطار الموائمة السياسية ـ البحث عن سبل توفيقية للخروج من الأزمة ، مع الإلتزام بتطبيق القانون . قد يقول قائل بأن نقابة الصحفيين في الأونة الأخيرة قد اتخذت موقفاً مناوئاً للنظام ، مع أنها نقابة مهنية لا تلعب بالسياسة ، وأنها تدعو المناوئين لإستقرار الدولة المصرية إلي مقرها لعقد ندواتهم ومؤتمراتهم ، وأن الهتافات المعادية للنظام والدولة قد خرجت من أناس اتخذوا من سلالمها منبراً لإطلاق سمومهم وسهامهم . ومن ثم فلا محل للقول بالموائمة السياسية مع أناس لهم هذا الموقف العدائي . إذ لا يمكن القول بوجود هذه الفرصة من متربصين يتصيدون الأخطاء . والرد علي ذلك ، بأن ذلك أدعي للذهاب إلي اتجاه الموائمة السياسية لتفويت الفرصة علي المتربصين . وقد يقول أنصار الإتجاه النقابي التصعيدي بأن ما حدث فيه دلالة واضحة لا تخطئها عين أي ناظر للمشهد علي أن موقف الشرطة هو موقف انتقامي كمردود للموقف السياسي للنقابة . وأن هذا هو النهج المعتمد لديها . ولهذا الفريق نقول بأن معني هذا الكلام أن النقابة ـ لو رسمنا الخط علي امتداده ـ تحمل ذات الموقف التصعيدي علي نحو مسبق بصورة غير مبررة . ولهذا فإننا ندعو االساده الصحيين إلي التخلي ـ ولو مؤقتاً من أجل سواد عيون مصر ـ عن تلك المواقف العنترية المتشددة ، والتي لا معني لها ، ومحصلتها النهائية هي حالة الصدام المجتمعي المستعر بين مؤيد ومعارض . وندعو جهة ادارة ـ الشرطة ـ إلي اعتماد فكرة الموائمة السياسية لأنها تعطي انطباعات بحسن المعاملة دون التنازل عن تطبيق حكم القانون . فهل إلي ذلك من مجيب ؟ ! .
حـــســـــن زايـــــــــــد
بـقــلـم / حــســــــن زايــــــــد
القاعدة القانونية تتسم بخاصيتين لا فكاك منهما ، هما خاصيتي العمومية والتجريد . وهذا يعني ببساطة أن القاعدة لا تستهدف شخصاً بعينه بحكمها ، وإنما تخاطب الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم . وهي لها صفة العموم ، ولو كان المخاطب بها شخصاً واحداً ، فتخاطبه حين تخاطبه ، بصفته لا بذاته . وهذا يعكس سلطة النص القانوني في مواجهة القائم علي تطبيقه أو تنفيذ حكمه . فالقاضي ملتزم بالنص القانوني عند دراسة القضية وإصدار الحكم ، ولا يجوز له أن يقضي بعلمه . وجهة الإدارة المنوط بها التنفيذ ـ الشرطة ـ ملتزمة بالنص القانوني عند البحث والتحري، وإلقاء القبض حال التلبس ، والضبط والإحضار ، وتنفيذ الأحكام . تلك هي سلطة النص . وما حدث في نقابة الصحفيين كان رضوخاً لهذه السلطة . أما القول بأن الشرطة كان يلزمها الإتصال بنقيب الصحفيين ، أو أن النيابة العامة كان يتعين عليها إخطاره ، فهذا تزيد علي النص القانوني ، لأنه لا يوجد نص يقضي به . ولا حتي نصوص قانون نقابة الصحفيين ذاتها . وهذا الكلام يأتي في إطار ما يمكن أن نطلق عليه الموائمة . والموائمة تعني مراعاة الظروف الموضوعية المحيطة ، بما يدرأ وقوع مفسدة أكبر من تلك المنفعة المتحصلة من الإلتزام الحرفي بالنص ، إعمالاً لقاعدة أن درء المفسدة مقدم علي جلب المنفعة . ولا تعني الموائمة تفويت المصلحة المتحققة من وجود النص ، وإنما إرجائها ريثما يتم تهيئة الظروف الملائمة لتحقيقها دون مفاسد أو بأقلها . والمكلف يحاسب قانوناً علي النص ، ولا يحاسب علي عدم الموائمة . ومن أمثلة التزام النص دون الموائمة حالة ضبط واحضار رجل الأعمال المصري صلاح دياب . فقد شغل رجل الإدارة تنفيذ الأوامر دون نظر أو اعتبار للأثار الإقتصادية المترتبة علي هذا التصرف ، والبعد السياسي للأمر ، والرسالة التي ينطوي عليها ، ووصولها بحذافيرها إلي كل من يهمه الأمر . في حين أنه كان يمكن استدعاء الرجل إلي النيابة العامة دون الإعمال الحرفي لفكرة الضبط والإحضار ، والتحقيق معه ، وإطلاق سراحه طالما لم تثبت عليه وقائع محددة . وفي الحالتين تحقق الغرض مع الفارق في النتائج . وكذا الأمر فيما يتعلق بإلقاء القبض علي وزير الزراعة الأسبق في ميدان التحرير عقب خروجه من الوزارة مُقالاً . حيث كان يمكن الإنتظار إلي حين وصوله منزله ، ثم يجري استدعاءه أو ضبطه وإحضاره . لأن إلقاء القبض عليه علي هذا النحو المهين ، لم يُقصر الإهانه علي شخصه بذاته ، وإنما لحقت الإهانة بإحدي الوظائف العامة . ومن هنا يبقي القول بحق أن رجال الإدارة المنوط بهم تنفيذ الضبط والإحضار للمتهمين قد التزموا النص دون النظر للموائمة السياسية في الأمر . دعك من قول من ذهب إلي أن الشرطة قد خالفت القانون والدستور ، وهو لا يدري عن أي قانون يتكلم ، لأن المخالفة جاءت في عدم النظر للموائمات السياسية الواجبة ، وتلك مخالفة لا يجري الحساب عليها إلا سياسياً وليس قانونياً . وبذات القدر يمكن القول بأن مجلس نقابة الصحفيين ، وبعض أعضاء النقابة ، الذين تسارعوا في صب الزيت علي النار ، فاتهم البُعد السياسي والموائمة السياسية التي يتاجرون بها الآن بعد أن وقعت الواقعة . فهم أول من يدرك أن مصر محاصرة ، ومخنوقة ، ومتربص بها في كل زاوية من زواياها ، وركن من أركانها . وأنها مطاردة بغير حق في سمعتها فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان ، لأنها من المسائل التي يصعب إثبات عكسها . وكان يمكن تفويت الفرصة علي المتاجرين في سوق النخاسة باسم حقوق الإنسان ، باعتبار الأمر أمراً عارضاً ، طالما أنه لم يخالف صحيح القانون ، ولا يمثل انتهاكاً لحقوق وحريات الصحفيين . والإنحناء للزوبعة حتي تمر من أجل سواد عيون مصر . أما الإنتصار لما يُتصور أنه حقوقاً شخصية مكتسبة ، دون اعتبار أو نظر لمصالح البلاد العليا ، ثم إلقاء تبعة الإساءة لسمعة البلاد في المحافل الدولية علي جهة الإدارة وحدها ، فلا مسمي له سوي الإنتهازية والإبتزاز . وكان يمكن لجهة الإدارة ـ في إطار الموائمة السياسية ـ البحث عن سبل توفيقية للخروج من الأزمة ، مع الإلتزام بتطبيق القانون . قد يقول قائل بأن نقابة الصحفيين في الأونة الأخيرة قد اتخذت موقفاً مناوئاً للنظام ، مع أنها نقابة مهنية لا تلعب بالسياسة ، وأنها تدعو المناوئين لإستقرار الدولة المصرية إلي مقرها لعقد ندواتهم ومؤتمراتهم ، وأن الهتافات المعادية للنظام والدولة قد خرجت من أناس اتخذوا من سلالمها منبراً لإطلاق سمومهم وسهامهم . ومن ثم فلا محل للقول بالموائمة السياسية مع أناس لهم هذا الموقف العدائي . إذ لا يمكن القول بوجود هذه الفرصة من متربصين يتصيدون الأخطاء . والرد علي ذلك ، بأن ذلك أدعي للذهاب إلي اتجاه الموائمة السياسية لتفويت الفرصة علي المتربصين . وقد يقول أنصار الإتجاه النقابي التصعيدي بأن ما حدث فيه دلالة واضحة لا تخطئها عين أي ناظر للمشهد علي أن موقف الشرطة هو موقف انتقامي كمردود للموقف السياسي للنقابة . وأن هذا هو النهج المعتمد لديها . ولهذا الفريق نقول بأن معني هذا الكلام أن النقابة ـ لو رسمنا الخط علي امتداده ـ تحمل ذات الموقف التصعيدي علي نحو مسبق بصورة غير مبررة . ولهذا فإننا ندعو االساده الصحيين إلي التخلي ـ ولو مؤقتاً من أجل سواد عيون مصر ـ عن تلك المواقف العنترية المتشددة ، والتي لا معني لها ، ومحصلتها النهائية هي حالة الصدام المجتمعي المستعر بين مؤيد ومعارض . وندعو جهة ادارة ـ الشرطة ـ إلي اعتماد فكرة الموائمة السياسية لأنها تعطي انطباعات بحسن المعاملة دون التنازل عن تطبيق حكم القانون . فهل إلي ذلك من مجيب ؟ ! .
حـــســـــن زايـــــــــــد