الأخبار
ما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضاتمفوض عام (أونروا): أموالنا تكفي لشهرين فقط
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

شبابيك معلَّقة ..!!بقلم: م. صلاح أبو غالي

تاريخ النشر : 2016-05-03
شبابيك معلَّقة ..!!بقلم: م. صلاح أبو غالي
قصة بعنوان‬ :

شبابيك معلَّقة ..!!

بقلم الكاتب / صلاح أبو غالي ..

تحت شجرة وارفة الظِّل كان يجلس بلا حراك ، كأنه صخرة بلا روح ، أو روحاً تحلِّق بلا جسد ، ولكن أحداثاً عظيمة كانت تموج في عقله ، أفكاره كما الموج ، تطارد الفكرة الأخرى ، بعضها لا زال يسكن عقله والآخر يتساقط كأوراق الشجر من حوله ، وأفكارٌ حالمة تطير في مخيِّلته كالفراشات ، كل فراشة بألوان أجمل من رفيقاتها ، تزهو بها الحياة وتبتسم لها اللحظات ، ولا تكاد ترى منه إلا أنفاساً يرتفع بها صدره وينخفض ، وعينان تدوران في حلقات مفرغة وإيماءات تتلاعب بمعالم وجهه وحركات حواجبه ، ولا شيء في المكان سوى الصَّمت وزقزقة العصافير ، وصوت جداول الماء تنساب في طرقاتها بين الشجر ...
وفجأة ودون مقدِّمات نهض أشرف وأخذ يصرخ " لا .. لا .. ثم بدأ يضرب رأسه في جذع الشجرة " التي كان يستظل بها ، ولحظات حتى أجهش بالبكاء ..
يبكي رجل !! نعم .. فلا يبكي الرجال إلا عند القهر أو فقدَ عزيزٍ غالي ، ولكنَّ أشرف أُبتُلِيَ بالاثنتين ، القهر والفَقْد ..
خانته اللحظة ، كان في أضعف أوقاته ، وفي أشدِّ لحظات العَوَز والاحتياج ، لا قلب يحنو عليه ، ولا صدر يرتمي عليه كما الاطفال فيبكي ويبكي حتى تهدأ ثورته ، ويطيب خاطره ، لا يعلم من الدنيا إلا الأوجاع ، وكثيرة هي اللطمات التي لطمت وجهه حتى أصبح عجوزاً في مظهره ، ويحمل علامات الكهولة وهو في رَيْعان الشباب ..
فَقَدَ والديه صغراً ، فدخل في حضانة عمه ، وليته ما دخل ، فقد كانت حياته في بيت عمه أشبه بمعيشة الكلاب ، وزوجة عمه لم تكن تعرف للشفقة والرحمة أي معنى ، ومع ذلك كان لزاماً عليه أن يدور مع دولاب الحياة ..
بدأ يكبر ويكبر ، حتى أصبح في الثانوية العامة ، وعزم أمره أن يطرق أبواب النجاح ويصنع مستقبله ، ليتخلَّص من الرِّقِّ والعبودية في بيت عمه ، أيام ويتوفى العم والسند ، ويغرق أشرف في دوامة البؤس من جديد ، ولكنَّ الدراسة توشك على الانتهاء ، ولا بدَّ له من مواصلة المسير ، ولكن كيف ؟؟!!!
طردته زوجة عمه بدعوى أن مصروفاته تفوق قدرتها ، ولا تستطيع أن تفي باحتياجات أبنائها ، فإذا به يحتضن الفوضى والتشرُّد بأوسع الاحضان ..
على مقربة منهم ، وعلى ناصية الطريق المؤدِّي لمدرسة الثانوية القريبة من المخيَّم الذي يسكنه ، يقع بيت الاستاذ أحمد ، كان نِعم الأب لأشرف ، علَّمه اللغة العربية منذ بداية المرحلة الثانوية ، ويعلم الاحداث التي مرَّ بها ، وما آلت إليه أحواله ، لم يستطع الاستاذ أحمد ، أن يرى أشرف مشرَّداً ، وقد كان عزيزاً في أهله ، ومن أكثر الطلاب ذكاءً وتميُّزاً ، فأرسل في طلبه وأخبره أن لديه مكاناً في البيت يستطيع أن يقيم فيه ، حتى يشقَّ طريقه وينهي دراسته ، ويجد عملاً يقتات منه ويواصل الحياة ..
في بيت المعلم أحمد ، في الدور الأول مدخل يفضي إلى صالة وغرفة صغيرة مجهَّزة ، أصبحت هي العالم الجديد لأشرف ، ومنها بدأ يواجه الحياة مرة أخرى ..
تسارعت الأيام وتبدَّلت كَثِيابِ عروسٍ في ليلةِ زِفافها ، فقد أنهى دراسته الثانوية ، وكان من المتميِّزين فيها ، وما هي الا سنوات انقضت حتى أنهى الدراسة الجامعية بامتياز مع مرتبة الشرف ، قَهَرَ بهذه المكانة قسوة الظروف والأيام وكل من راهن على تشرُّده وفشله من أهل المخيَّم ..
ومع جملة هذه الاحداث لم ينسى أشرف أنه ابن أقدس أرض وأنه نبت كشجرة زيتون في أصلب تربة جبلية ، عشق فلسطين الوطن ، وامتزج بثراها ، وكان مخيَّم جنين كقطعة غالية من ذاك الوطن ، فَقَدَ أشرف الاهل ولكنه لم يفقد الصحبة والأُخُوَّة ، وعشق كل ذلك في صمت الجبال ..
كان أشرف كبقية رفاق دربه في المقاومة والجهاد ، يخرج سرَّاً في منتصف كل ليلة ، ويرابط على مداخل المخيَّم المشرفة على الجبل المقامة عليه أقرب المستوطنات الصهيونية في منطقة جنين ، مستوطنة "موبي دوتان" الجاثمة كما الموت على صدور الأحياء والاوفياء للثورة والوطن ..
بدأ الخناق على أهل المخيم يزداد ، والملاحقات والمداهمات في تزايد شَرِه ، تارة من العدو الصهيوني وتارة أخرى من الأجهزة الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية ، ووسط كل هذه الملاحقات اندلعت شرارة الأحداث ، وبدأ أشرف ورفاقه يُسطِّرون معالم الثورة وطريق الحرية ، فهكذا هم أبناء هذه الأرض ، وسط الزحام وترف الحياة ، تجد المتشبِّثين في الأرض كجذور الزيتون المعمِّر ، لا تهتز جذوعهم مهما اشتدَّت العواصف ..
توالت الأحداث ، وازدادت المواجهات ضراوة ، وبدأت تتدحرج ، وكانت الملحمة الكبرى تتمدَّد ، ففي الأول من أبريل لعام 2002م كانت الكارثة ، "مجزرة جنين" التاريخية ، والرجال الأشاوس كأمواج البحر الهادر لا تهدأ ثورتهم ، وظهرت سطوتهم ، وأسقطوا من جنود العدو الكثير بين قتيل وجريح ، ما أغضب القيادة الصهيونية وقضَّ مضاجعها ، وكان القرار بمحاصرة مخيم جنين ، وتضييق الخناق عليه وعلى المقاومين فيه ، واشتد القصف بطائرات F16 لأول مرة في تاريخ المواجهات مع الفلسطينيين ، وتوالت ضربات المدفعية على رؤوس السكان ، وأصيب واستشهد الكثير من السكان المدنيين الذين تم استخدامهم كدروع بشرية من قبل الجنود الصهاينة ، وسقط العديد من شباب المقاومة شهداء وبعضهم اسرى ، وما زادهم ذلك إلا إيماناً ..
تلاحقت الضربات ، وبدأت البيوت تتساقط وتنهار من شدة القصف ، والجثث تملأ الشوارع ، ولم يبقى أمام أشرف والمجموعة المتبقِّية من المقاتلين إلا التسلُّل والفرار وسط الهرج والمرج واصوات المدفعية والطائرات ، إلى البيوت المتناثرة على التلال القريبة من المخيَّم ..
جُنَّ جُنون المحتل وتفرَّد بالمخيم الصغير الذي لا يقوى على الصمود أكثر ، فقد صمد مدة خمسة عشر يوماً ، أذاقهم فيها طعم الموت ألوان وحسرات ، محاولات يائسة لمن تبقَّى ولم يجد مهرباً ، تم أسره أو لاقى ربه شهيداً فداءً للدين والوطن ..
عربدة وصَلَف وعنجهية الاحتلال لم تلاقي رادعاً عربياً أو إسلامياً أو دولياً ، ولم يندِّد أحد بمجزرة جنين وبما ارتكبه الصهاينة من حماقات تفوق تصُّور البشر ، كأنها الحلم لا الحقيقة ، لكنها حدثت في واقع المتخاذلين ومن تنقصهم شِيَمُ الرجال ..
كان أشرف مصاباً بشظية قذيفة مدفعية ، وقدَّر الله أنها كانت سطحية ، استطاع الفرار رغم جراحه ، وألقت به الأحداث إلى أحد البيوت المتناثرة على التلال القريبة من مدينة جنين ، فوجد فيه الأمان والمأوى ، وكرم الشعب الفلسطيني المتأصِّل ، ونخوة النساء قبل نخوة الرجال ، فلم يكن يسكن هذا البيت سوى سيدة كبيرة السن وابنتها المتبقية بعد استشهاد الابن البكر "أمجد" ، كانت "دينا" تحنو على أشرف وتعالج جراحه وتُقدِّم له الطعام حتى تعافى ، لكن طبيعة البشر لا تقوى على مقاومة المشاعر الانسانية ، وسط هذا الحنان ، وهذه الانوثة الطاغية وجمال بنات الجبل ، تهاوى قلب أشرف ، أَسَرَتْهُ دينا بحبها ورِقَّتها والسِّحر الكامن في بحرِ عينيها الزرقاوين ، فكان مع كل يوم يُبحر في بحرِ حبها حتى بلغ حدَّ اللا عودة ، فإما أن يواصل كسباح ماهر أو يغرق ، وكم غرق في بحر الحب من أحباب ..
تعافى أشرف من الجراح ، ولكنه بدأ يعاني أوجاع الحب ، فكان الرحيل والمغادرة ، فقد مكث طويلاً وكان يخشى سطوة المحتل على أهل الدار ..
في صمت كان أشرف يسكن قلب دينا ويتملَّك منها الفؤاد ، ويُزلزل جنباتها ، ولم تعد تقوى على الهروب من هذه المشاعر الجارفة ، فهي وحيدة وحبيسة الدار وسط التلال ولا أحد يؤنس وحدتها سوى هذا الحبيب ..
كانت روح أشرف كالملاك يتسلل كالضوء مع بدء الفجر ، فيداعب ظلام وحدتها ، فتُعانِد بكبرياءِ الأنثى ضجيجَ الصَّمت ، وهي تعلم أنها هيَ من تستدعيه بِوحيٍ من رُوحِها .. وأنَّ الأرواح تتصل ..
كانت تتلهَّف لزيارته التي اعتاد عليها كل اسبوع ، كما العطشان في الصحراء ولا يجد الماء ، يفترش الأرض ويلتحف السماء ، فقد كان أشرف أرضها وسماءها ، وهي منه الرُّوح وهو الجسد ..
لكنها غريبة أحداث الحياة ، ودوماً تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن !! غادر أشرف إلى نابلس جبل النار بأمرٍ من قيادته ، ليساند المقاومين هناك ، وما هي إلا أيام وتُفارق والدة دينا الحياة ، وترحل دينا إلى بيت خالها في القرية القريبة ، فلم يتبقَّى لها أحد ..
كعادتها الأيام في تتابع ، والأحداث تترا ، والليل يسابق النهار ، ويطول ليل العاشقين في زحمة الاحداث وتعاظمها ..
تزوَّجت "دينا" من "توفيق" اين خالها ، وهناك رجلٌ لا يزال يحمل في قلبه حبها المتجذِّر كشجرة الزيتون ، ويستمد من جذورها الحياة ..
بعد شهور ضاق الحال بأشرف ورفاقه ، فعاد إلى جنين من جديد ، بعد الملاحقات والمضايقات اليومية لرجال السلطة الفلسطينية لهم ، فقرَّر زيارة دينا ووالدتها ، فقد اشتاق لها كثيراً ، مرَّ زمن على آخر لقاء ..
فكانت الفاجعة !! طرق الباب ففتحت له سيدة متوسطة العمر ، فسأل عن أهل الدار لتخبره بما كان ، وانهم اشتروا البيت من دينا ، ورحلت برفقة خالها إلى قرية "قباطية" ..
قرر أشرف رغم صعوبة الاوضاع ، وضرب بعرض الحائط كل اللاءات و اللا ممكن والمستحيل ومعها الممنوع ، وركب سيارة أجرة قاصداً قرية قباطية ، فهناك من تسكنها روحه ، ويحمل بين ضلعيه حبها الذي لا يقوى على مقاومته ..
سأل وسأل حتى اهتدى إلى عنوان بيت خالها ولكن !! كيف السبيل إلى دينا ؟؟!!
فقد أصبحت زوجة رجل آخر .. ولكنها سطوة الحب وإلحاح السؤال ، لماذا تزوَّجت وقد عاهدته على الوفاء بعهد الاوفياء أن تكون له وحده ؟ ولا بد أن يحصل على جواب لتهدأ روحه ..
تدخَّل القدر ، فقد أصبح وقت العصر ، ومن شبابيك البيت هبَّت نسمات هواء طيبة كأنها استدعت قلب دينا لتقف بالشباك تتأمل الحقول والتلال الخضراء المحيطة بمنزل خالها ، وهناك إلى جانب شجرة مقابلة كان يقف رجل قد تسمَّرت قدماه في الارض ، فقد التقت عيناه بعينيها ، عرفته ، فكيف تجهله وهو أول انسان سكن فؤادها ، وحفظت معالمه التي هي اشبه لمعالم الوطن ، وليتها لم تراه ..
نزلت دينا مسرعة دون تفكير ، ولم تُلقي بالاً لمن بالبيت أو تُفكِّر للحظة إن كان ما ستفعله صحيحاً وجائزاً ، لكنها كانت بحاجة للحظة مواجهة واعتراف لترتاح من عقدة الذنب وخيانة العهد ..
لماذا يا دينا ؟ ألم أكن أنا رَجُلِك وعالمك ؟؟ لماذا خنتي العهد الذي بيننا ؟؟؟
تسللت الدموع من عينيها كالمطر ، فلا جواب سوى كلماتٍ عاجزة "هو القَدَر والنصيب يا أشرف.. سامحني .. سامحني ، فأنا وحيدة في ظُلمة الحياة " ..
لم يقوى أشرف على المكوث أكثر ، فقد بدأ يختنق ، وبدأت الأرض تهتز تحت أقدامه ، والعالم يدور من حوله ، وأخذ يتمتم بكلمات مختنقة متحشرجة " لم أكن أعلم أنك مرساتي !! ومهما تكن قوة البحر الهائج ، كنت أعلم أنك ستكوني هناك من أجلي .. لكنك لم تكوني ..." ..
ليس ذنبك يا دينا .. لا عليك .. لا عليك .. وفي صمتٍ رحل ..
أصبحت حياته ضياع آخر جديد .. كان جسداً أشبه ببيوت المخيم المدمرة ، واحلامه مثل الشبابيك المعلَّقة على حوائط آيلة للسقوط ..
كان يحلم بمستقبل واعد ، وان تبتسم له الحياة مع دينا ويُزهر معها الأمل ، ولكن !! هي الحياة لا تمنحك ما تريد ، وأصبحت قاسية ومظلمة كقطعةٍ من ليل ، وأشبه بامتصاص العسل من الاشواك ..
جلس أشرف مرة أخرى بعد أن هدأت ثورته ومسح دموعه ، وقلَّب بصره بين أغصان الشجرة التي يجلس في ظلها ، وما هي إلا لحظات وأخرج من حقيبته ورقة وقلم ، وبدأ يكتب وقلبه يعتصر : " إيه يعني لمَّا يدوسك حد .. إيه يعني لمَّا تبكي بجد .. إيه يعني تايه بدون عنوان .. لا هوية ولا حتى صفة إنسان .. وإيه يعني لمَّا تكون عايش وحاسس ميِّت من زمان .. إيه يعني .. التوقيع أشرف " ، وعلَّق الورقة بدبوس في جذع الشجرة ووقف شاخص البصر ينظر إلى ورقته وكلماته التي كتب ، ولسان حاله يقول : " آثرتُ الرَّحيل صمتاً .. ولا أدري إن كنت سأعود ..." وبدأ يسير مُثقل الخُطى حاملاً حقيبته صوب الغروب ... .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف