الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الهم الوطنى فى تجربة محمد يس الشعرية - بقلم رفعت المرصفى

تاريخ النشر : 2016-05-01
الهم الوطنى فى تجربة محمد يس الشعرية - بقلم رفعت المرصفى
تأملات نقدية فى شعر العامية - لـ رفعت المرصفى
الهم الوطنى والألق الذاتى فى تجربة الشاعر محمد يس - من محافظة الفيوم
تطبيقا على ديوانه "الزجلى " مزيكة حسب الله" (1)
--------------------------------------------
بداية ... ماهو الزجل ؟ مقدمة لابد منها:
أن فن الزجل هو فن صوتى سمعى بالأساس وبالتالى يلعب الإلقاء دورا بارزا فى إيصال التجربة إلى جمهور المتلقين أى يعتمد على الصوت والإلقاء وربما التمثيل أحيانا فى العرض على جمهورالمتلقين فقد تبين بالبحث فى أصل كلمة زجل أنه فن من فنون شعر العامية نشأ فى الأندلس مثل الموشحات الأندلسية ثم انتقل بعد ذلك إلى المشرق العربي
وبالبحث فى معرفة المعنى اللغوي لكلمة زجل ندرك السبب في اختيارالكلمة اسما لهذا الفن
.الأصل الحسي لكلمة زَجَل يفيد أنها كانت تعني: درجة معيّنة من درجات شدة الصوت وهي الدرجة الجهيرة ذات الجلبة والأصداء. وبهذه الدلالة، كان يُقال للسحاب سحاب زَجِل، إذا كان مصحوبا الرعد.
ثم تغيرت دلالة كلمة زَجَل، فأصبحت تعني اللعب والجلبة والصّياح،
ومنها انتقلت إلى معنى رفع الصوت المرنَّم والملحن.
وهنا جاء إطلاق اسم زجل على صوت الحَمَام، ثم إطلاقه على الصوت البَشَري المُطرب.
وقد يؤكد هذا الارتباط الدلالي بين كلمة زجل ومعني الصوت العالي المُنَغَّم أنه في إحدى واحات مصر حتى الان، مازالت تطلق كلمة الزجالة على الذين يجتمعون معا ليغنوا ويرقصوا على أنغام آلاتهم الموسيقية
أغراض الزجل
منذ أن استقر الزجل شكلاً من النظم مُعْترفًا به
ومنظوماته تعالج مختلف الأغراض التي طرقتها القصيدة العربية التقليدية،كالمدح والهجاء والغزل والوصف.
وقد استمرت تلك الأغراض قائمة يتناولها الزجالون على توالي العهود والعصور حتى اليوم،
غير أن للزجالين، في كل عهد معين وبيئة محددة، مجالات يرتبطون بها.
ومن ثم كان مركز اهتمامهم ينتقل من أغراض بعينها، تلقى قبولاً في هذا المجال أو ذاك،
إلى أغراض أخرى، تختلف باختلاف العهود والبيئات الثقافية التي ينتمون إليها.
ومن ذلك ما نقرؤه في أزجال زجّالي أندلس القرن السادس الهجري،
وزجالي العصر المملوكي في القرن الثامن، مثلا، من انشغال بالعشق والشراب،
ووصف الرياض ومجالس الصحاب؛ نتيجة لالتفاف زجالي هذين العهدين
حول دوائر الخاصة والتحاقهم بمجالسهم التي كان مدارها الغناء والتنافس في إظهار المهارة والتأنُّق والتَّظرُّف.
وعندما أصبح للصوفية وجودها في الحياة الاجتماعية،
وأصبح من أهل التصوف مَن ينظم الزجل، غدا الزجل مليئًا بالمواعظ والحكم ووصف أحوال الصوفي.
على هذا النحو، تنقلت محاور التركيز في أغراض الزجل وموضوعات منظوماته،
إلى أن جاء العصر الحديث وأصبحت مواجهة الاستعمار والتغيير الاجتماعي هما شغل الأُمَّة الشاغل،
أخذ الزجالون يشاركون في الحركة الوطنية.
ولذا صارت القضايا الاجتماعية والسياسية من أهمّ المواضيع التي تعالجها المنظومات الزجلية.
وفي كل الأحوال، فهذا الارتباط الوثيق بين المنظومات الزجلية ومشاغل ناظميها وجمهورهم الذي يتلقاها،
قد وفّر للمنظومات الزجلية إمكانية واسعة لتجويد أساليبها وصقل طرق صياغتها؛
كما أتاح لأدواتها البلاغية وتصويرها البياني مزيدًا من الواقعية والقدرة على التشخيص والتجسيد،
الأمر الذي يسَّر استخدام الزجل في أشكال التعبير الفني الحديثة.
نعود إلى " مزيكة حسب الله" والزجال محمد يس لنجده منذ البداية مهموما بالهم الوطنى والذاتى حتى النخاع حيث تمسك هذه الفكرة بتلابيب أوجاعه لتذيدها اعتصارا وألما ونجد ذلك جليا منذ البداية حيث يبدأ بالإهداء فى صفحة 5 حيث يقول " أهدى هذه الكلمات إلى ....... العين الحزينة – الشمس الحزينة – الوطن الحزين " والعين الحزينة هنا ترمز إلى الذات الشاعرة التى بداخله ’ والشمس الحزينة ترمز إلى الوطن الخاص بالشاعر والذى يرتويه حزنا ووجعا ’ والوطن الحزين يرمز إلى الوطن المطلق للشاعر وفى القلب منه مصرنا الحبيبة .
إذن فتجربة الوجع عند الشاعر ممتدة من الذات إلى الوطن ومن الوطن إلى الذات فى ضفيرة متصلة تؤرق الشاعر وتعتصره.
وتأكيدا لهذا الحزن القابع فى أعماقه ولهذا الضياع الذى يعتريه يخاطب الشاعر محبوبته مصر معبرا عن أسمى مايتمناه ويلحم به وهو أن يضمها إلى أحضانه ليتخفف من أحزانه وأحماله , فيقول فى نص بعنوان " طفل ضايع " فى صفحة 21 حيث يقول :
نفسى اضمك جوا حضنى / وانسى بيكى كل حزنى / أتولد لحظة شروقك فجر طالع / أرسم الشمس فـ جبينك ضحكة حلوة / ألغى كل حدود مابينا أو موانع "
وما أروع هذا التعبير ودلالته الفنية القوية الذى يقول فيه " أتولد لحظة شروقك فجر طالع " صورة قوية معبرة ومؤثرة وتستجلب الدمع فى المآقى تؤكد مدى ارتباطه بمصير وطنه الحيبب وأن لحظة شرق هذا الوطن هى لحظة ميلاده الحقيقية.
يستمر الشاعر مع هذا الحب الوطنى والذاتى الجارف حيث يقول فى صفحة 22:
"عشقى ليكى مش خطية/ ذنب لأ / مش ذنب طبعا / دانتى حبك جوا منى ليا دافع / إنى احبك ... غصب عنى مش بإيدى / ياريته نافع"
ولنتأمل نهاية المقطع والمعزى الفنى من تعبيره " ياريته نافع" ليؤكد أن هذا الحب وجل العشق لم يأت بما هو مطلوب ولم يحقق ثماره المرجوة.

ثم يطلق الشاعر ثورته الإستفهامية التعجبية حيث يقول فى قصيدة بعنوان " وعرفنا إيه المسألة" فى صفحة 12:
" ياترى ... إيه اللى خلى المسألة / توصل لحد المهزلة ؟/ والكيل طفح من دمنا / وشبعنا ذل وبهدلة / متغربين والحزن كاتم عـ النفس / المصيدة اتنصبت تمام / عصفورنا طار جوا القفص / بس القلم كتب الألم / كتب الحكاية والحروف من دم / مبقاش يفيد حتى الندم/ قبل النهاية مـ تترسم / هوا الضمير اللى اترمى فى المزبلة "
وهنا يتحدث الشاعر عن ثورة 25 يناير وما ترتب عليها من آثار سلبية يندى لها الجبين هى سالت الدماء وانعدم الأمان وحدثن موجة من الذل والانكسار وانهيار فكرة الحلم الوطنى , ولنتأمل روعة التعبير ومتانة الصياغة عندما يقول " المصيدة اتنصبت تمام/ عصفورنا طار جوا القفص / بس القلم كتب الألم" وكأنه يود أن يقول أن ثورة يناير ماهى إلا مصيدة نُصبت بإحكام مما أدى إلى مايسمى بالثورة المغلقة أو الثورة السجينة التى لم تراوح مكانها بمعنى أنها لم تحقق شيئا من أهدافها حتى وصلنا إلا المهزلة الحتمية وهى فقدان الضمير وانهيار المنظومة الأخلاقية " هوّا الضمير اللى اترمى فى المزبلة " ثم يقدم صورة ساخرة فى نهاية المشهد مؤكدا فيها انتهاء الثورة ولم يعد سوى الحزن والدموع حيث يقول : جلا جلا / جلا جلا / انفض سوق المرجلة / وما عادشى فيه غير الدموع والولولة"
واستمرارا لنفس النهج الساخر من فكرة الثورة التى انتهت بالندم على كل شئ وضياع الحلم أو الوهم الذى تعلق به الجميع حيث يقول فى قصيدة بعنوان " مشاكس " فى صفحة 25 :
مشاكس معاكس وحلمك باعوه / مناهد معاند وقلبك داسوه/ فى وسط الديابة أكيد راح تتوه / ومين للغلابة يابكرا اللى جاى ؟/ وقفت وهتفت وصرخت وناديت /تعبت واخرتها ندمت وياريت / عافرت وقاومت ووقفت بشرف / لأن الحقيقة جابت لى القرف "
وهنا يذوب الشاعر حسرة وأنينا على ماحدث من ضياع للحلم وتحطيم للقلب وانكسار للإرادة وسط غابة من الوحوش والفاسدين وسماسرة الأوطان , ولنتأمل قسوة الإستغهام التعجبى الذى يقول فيه " ومين للغلابة يابكرا اللى جاى ؟! " حيث المصير المجهول لمعظم أهداف الثورة وفى مقدمتها "الغلابة" والفقراء .
ثم يختتم الشاعر قصيدته باستشراف الحلم من جديد واشتعال الأمل فى نفوس الجميع من أجل الحرية والكرامة والانسانية حيث يقول مخاطبا مصره الغالية فى صفحة 28:
" مـ هو انتى الحكاية وإنتى القضية / وعمرك مـ تبقى فى يوم الضحية / حقوقنا اللى راحت / أكيد بكرا جاية / ومين اللى قال لك بعنا القضية ؟!/
ولنتأمل الصحوة الوطنية التى تألقت فى عروق الشاعر عندما يقول " ومين اللى قال لك يعنا القضية " والفرق بينها وبين روح اليأس والحزن التى تجلت عندما قال فى المقطع السابق " ومين للغلابة يابكرا اللى جاى ؟!" ويبدو أن الشاعر بعد أن هدأ انكساره وانهياره قد عاد من جديد إلى ذروة الحلم وإلى روعة الصمود من أجل استرداد الحرية والعزة لهذا الوطن العزيز
وتستمر لهجة العتاب وتزداد روح السخرية بين الشاعر ووطنه الحبيب مصر فى استعراض ماآلت إليه الأوضاع من فساد وظلم وطغيان بعد أن خفت صوت الثورة وعلت أصوات الفاسدين واشتعلت هتافات الخونة وسماسرة الأوطان ومصاصى الدماء فى قصيدة بعنوان " على فكرة أول كلمتى " فى صفحة 78 حيث يقول :
"حالك انتى ماعادشى يفرح/ واللى كان مدارى بان / لما قام الشعب يهتف / عـ اللى ظالم واللى خان / واللى مص فـ دم ناسك / واللى عاش يدى الأمان "
ثم يختتم المقطع ببيان باتر وشديد القسوة ليكون مُر الختام حيث يقول " واما قلنا بجد ثورة / قلتى بس بلاش جنان "
ويعود شاعرنا ليؤكد عبق الحلم وروعة الحرية من جديد متكئا على وحدة هذا الوطن ومتانة نسيجه الوطنى وحدة جناحيه من مسلمين ومسيحيين , ولنتأمل مايقوله حول هذه الفكرة فى قصيدة بعنوان " قبل مانتوه فى احساب " فى صفحة 79 حيث يقول :
يعنى كلمة وطن / يعنى إيه على مر الزمن ؟/ مصر أقوى من المحن / أقباطها ويا المسلمين / مين اللى قال وقت الصعاب م مااحناش صحاب "
ثم يختتم النص بصيغة التأكيد على قوة التلاحم بين عنصرىْ الأمة فيقول " الله أكبر يابلد / الله محبة يابلد / مع كل تكبيرة وندا بنقول آمين / عـ الحب والخير والسلام متجمعين "
ويستمر الشاعر فى بوحه الثورى وفى طرحه الوطنى ليؤكد لنا من جديد على فكرة الثورة التى مازالت قائمة بل ومتألقة على الظلم والفساد والطغيان حيث يقول فى قصيدة زجلية بعنوان " ثورة شعب " فى صفحة 105:
ياثورة شعب كله كفاح / وأخرة صبر ليل ونهار / عشقنا الصبر فيكى سلاح / حلفنا نكمل المشوار / ياثورة شعب مصرية / وجوا قلوبنا حرية / يلين بيها الحديد والنار / ياثورة شعب بسم الله / هـ نكتب فوق جبينك لا / لصوت جوانا عاش مهزوم"
ويختتم الشاعر هذا المقطع بالعزف من جديد على وتر الحلم والثورة ويتألق بداخله الأمل من جديد فى الخلاص من المفسدين والملاعين الذين يعيثون فى الأرض فسادا حيث يقول :
" بداية الخير كانت ثورة / وحلم يصحّى فى الملايين /وناس تعبت عشان فكرة / تخلصنا من الملاعين / وناس عايشه فـ أمل بكرا / وفين بكرا اللى غايب فين !!!"
ليعود فى النهاية إلى نبرة الحزن والألم والبحث عن الحلم الضائع والأمل المفقود حيث يقول :
" وفين بكرا اللى غايب فين ؟؟!!"

ومن مسك ختام هذا الديوان ننصت لشاعرنا وهو يعزف على أوتار غربته فى تجربة إنسانية راقية بعنوان " غريب" فى صفحة 113 حيث يقول:
" غريب والدنيا مش سايعاك/ بواقى وذكريات إنسان / وعايش فيها مستنى / ومش عارف أخرها كمان / عنيد ودماغك الناشفة سبب طيبتك/ لكن حقك / ياما شقيت وشفت زمان"
وفى نهاية القرائة التأملية لهذا الديوان الزجلى الجاد " مزيكة حسب الله" الذى قدم فيه الشاعر الزجال محمد يس عزفا راقيا على وتر همه الذاتى وعندما نشير إلى الهم الذاتى للشاعر فإننا نؤكد أنه لاينفصل أبدا عن همه الوطنى وإنما يمتزجان معا ليشكلا أيقونة متوهجة من تجربة إنسانية تستحق التأمل وتستوجب التقدير ,

هامش:
1-ديوان " مزيكة حسب الله" رقم الإيداع بدار الكتب :11095/2015
2-كتاب المؤتمر السادس عشر لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافى المنعقد فى مدينة السادس من أكتوبر فى أبريل 2016- البحث الخاص بـ رفعت المرصفى من صفحة 189- 240
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف