الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أبو الهموم (1+2+3) بقلم:د. عز الدين حسين أبو صفية

تاريخ النشر : 2016-05-01
أبو الهموم (1+2+3) بقلم:د. عز الدين حسين أبو صفية
قصة قصيرة :::

أبو الهموم ::: (1+2+3)

على عتبة باب خشبي قديم موصد جلس ليستريح من تعب أنهك قواه، ألقى بكيس الخيش الذي كان على كتفه ووضعه بجانبه وهو يأخذ شهيقاً عميقاً ثم يزفره وكأنه يقذف بما لفه من تعب في الهواء.

كان يوماً صيفياً من أيام تموز والوقت يقترب من غروب الشمس وكانت نسائم الهواء الشمالي بدأت تهب عليه وتتسلل إلى جسمه من بين الفتحات التي صنعها الزمن في ملابسه الرثة، فكانت تنعشه وتشعره بأنه في نعمة من الخالق.

تسرب النعاس إلى عيناه وغازلت جفونه فسيطر على مقدرته على مقاومته فغفى وراح في نوم عميق بعد أن ألقى برأسه وأسنده على كيس الخيش لعبت خمر النعاس والجوع  لعبتها في عقله وحركت الأحلام فيه،

وكانت الأحلام كثيرة ومتنوعة صالت وجالت في ذاكرته التي لم تغادره بعيداً كان قد عايشها خلال نهار يومه وهو يجوب الأسواق وبعض الشوارع يتلقط رزقه ورزق عياله وأبنائه العشرة من إناث وذكور وجميعهم صرف دم قلبه عليهم حتى يُحَصلوا قدراً لا بأس به من العلم علهم يكونوا له سنداً في الحياة وهمومها ويريحوه من شقاء ومعاناة توفير لقمة العيش لهم.

يمد يده يطلب مساعدة ممن يظن فيهم الكرم والإحسان ويمر بالعشرات ولم يجد إلا القليل ممن يمدون له يد المساعدة رغم أن مظاهرهم توحي أنهم بخير وفي بحبوحة كبيرة بل في رغد من العيش,

خاطبه أحدهم وهو يوجه له أسئلة كثيرة يحاول من خلالها سبر غور هذا الرجل إن كان في حقيقة الأمر يستحق المساعدة أم أنه يمتهن الشحاتة لمجرد الحصول على المال ... تأكد الرجل بأنه في فاقة من أمره وأنه يستحق المساعدة لإطعام الأفواه الفارغة التي تنتظره في بيته لسد رمقها من الجوع وإسكات أمعائهم الخاوية.

كان (أبو الهموم) ينظر إلى سائله وهو يستبشر منه خيراً كثيراً لما شاهده من هيئة الرجل المهيبة ولبسه النظيف والجميل والذي تفوح منه رائحة المسك وهو يمرر كفه اليمين مرة وكفه اليسرى مرة أخرى على لحيته البيضاء وهو يقول الحمد لله على ما أكرمنا من نعمه ويستغفر الله ويدعوه بالمغفرة والرحمة.

تململ الرجل في إخراج حسنة من جيبه لشدة تأثره بحال ( أبو الهموم) فأخرج محفظته التي أبهرت أبو الهموم لما شاهده فيها من أنواع العملة التي تحشوها فانطلقت من بين شفتيه السوداوان الجافتان ابتسامة البشائر بأن حسنة كبيرة في طريقها إليه وفي برهة من الزمن كان يرسم شكل يومه وهو في نفسه يقول نأخذ للعيال وأمهم فرختين وشوية فواكه وبعض الخبز وممكن نأخذ للصغار ما يستر عوراتهم من ملابس البالة.

 أفاق أبو الهموم من سرحانه على صوت وهو يقول له بصوت ملأه الكبر والاستهزاء خذ بدكوش تبطلوا شحاتة في الشوارع.

اشمأز أبو الهموم من لفظ الرجل وفظاظته ومد يده وهو متردداً ليأخذ ما جاد به الرجل وكان (شيكل واحد فقط) ودار بينهم حواراً بسيطاً. قال أبا الهموم له ما هذا صدقة  أم حسنة أم زكاة مال، قال له خذ وما تكثر حكي، سأله أبو الهموم طيب شو بيجيب الشيكل، فرد عليه يجيب ولا إن شاء الله ما جاب هذا اللي خرج من الذمة وما تتنمردش.

أفاق أبو الهموم من غفوته ومن حلمه فلم يجد في يده شيكل ولا أيّ صدقة.

جلس أبو الهموم بعد أن أفاق من نومه وحلمه وبعد أن أخذ قسطاً من الراحة بعد رحلة العناء التي أمضاها خلال يومه يبحث عن قوته وقوت أبنائه وزوجته، ولم يدر بخلده أنه جالس على عتبة بيته، وهو يوهم نفسه بأنه ليس في المكان الذي يرغب ولم يدر بخلده بأن الأفواه الفارغة داخل المنزل تنتظر قدومه وما يجمعه من طعام ليسكت جوع أمعاء أبنائه.

وأما في داخل البيت لم تكن زوجة أبو الهموم والتي تنتظر زوجها بفارغ من الصبر

وبدأ القلق يساور تفكيرها وظنها فلم تكن تدرك ولا تعلم بأن أبو الهموم يجلس على عتبة باب الدار,

طال انتظارها فدفعها قلقها إلى فتح باب الدار لتلق نظرة من خلاله إلى الشارع لعل قلبها يطمئن وتهدئ من قلقها على زوجها

كان الليل قد أسدل خيوطه وزاد من عتمة الزقاق الذي يوجد به البيت فكان صعباً عليها أن ترى بوضوح، غير أن تسلل بعضاً من ضوء القمر الذي بدا كالعرجون القديم وكان خافتاً ولامس وجنتي أبو الهموم فأدركت بأن زوجها يقبع بجوار عتبة الباب فصرخت ... أبو الهموم .... عساك بخير يا سندي يا قدري مالك قاعد هون ... قوم أدخل في البيت.

دخل أبو الهموم إلى المنزل بعد أن ساعدته زوجته واستند بيديه إلى جسمها حتي يقوى على النهوض، وما أن زلف إلى الداخل فإذا به يلقى بنفسه على قطعة القماش البالية التي تتخذها العائلة بساطاً للجلوس والاسترخاء والتفاف أفراد العائلة حول بعضهم البعض للتسامر ولتناول الطعام البسيط الذي لا يتعدى في أحسن الأحوال كسرات من الخبز وبعضاً من الخضار والتي قد تكون مطبوخة إذا ما توفرت مستلزمات الطبخ من نار وبهار وغيرها من المستلزمات.

انهالت زوجة أبو الهموم عليه بوابل من الأسئلة والاستفسارات وهي تحاول الوصول إلى نتائج رحلته اليومية.

لم يجب على أبو الهموم على أيّ من الأسئلة وظل شارداً بتفكيره وهو يسترجع موقف ذاك المحسن الكبير الذي وهبه الشيكل وكانت هيئته الوقورة تخرج من بين شفتيه ابتسامة حزينة تمر عبر نظراته إلى محفظته تلك التي كادت تمزقها رزم النقود مختلفة الأشكال والمسميات، فتفر من عينيه دمعات تتساقط في رحم كفيه وهو يمسحها عن وجنتيه وتنطلق منه كلمات تريح نفسيته ... بيعين ربنا ... برنا يصبرنا ربنا يرزقنا برزق عيالنا يا كريم يا رب ...

وما أنهى كلامه .. اندفعت زوجته نحوه بذهول واستغراب   بتبكى يا أبو الهموم ... شو اللي صار مالك زعلان وطفران واقتربت منه وفاض منها الحزن على مظهره ولفته بحنان كفيها وهيّ تكفكف دموعه وما أن أنهت سؤالها ... فإذا بباب البيت يفتح على غير عجل وصريره المالئ فراغ المنزل يصل إلى مسامع أبو الهموم وزوجته التي أطلقت سؤالها مين اللي فتح الباب.

كان الابن الأكبر قد عاد من رحلة يومه في البحث عما يمكنه بيعه وكسب بعضاً من النقود يتمكن بها من مساعدة الأسرة على العيش ... وقال أنا ... إنت إجيت يا ابني أدخل وتعال اجلس بجانب والدك وأدعو أخوتك وأخواتك إلى المكان حتى نجهز طعام العشاء قبل الذهاب إلى النوم.

دخل الابن وألقى من على كتفه بكيس كبير ممتلئ بأشياء كثيرة ومختلفة كان قد جمعها من على الطرقات وأماكن الاستجمام على ساحل وكورنيش بحر غزة ومن العديد من حاويات القمامة المنتشرة في العديد من الشوارع والأحياء الفقيرة والميسورة الحال وأحياء الأغنياء.

ألقى الابن بثقل جسمه بجانب والده وهو يطلق الآه خارجة من أعماق معاناته وآلامه التي صنعها سيره طوال اليوم على قدميه يجوب الشوارع والحارات.

لم يرد في ذهن أبو الهموم ولا في ذهن زوجته بتوجيه السؤال اليومي والتقليدي للابن عن يومه كيف كان وعما أحضر من أشياء يمكن أن يكون لها فائدة ويجنون من بيعها بعضاً من النقود.

جلس جميع أفراد الأسرة ووضعوا بعضاً  من الأرغفة وبعضاً من الزيتون والزعتر وبادرت زوجة أبو الهموم بسؤاله عما أحضر معه من أشياء يمكن أن يأكلوها ... فأخرج من أحد جيوبه حبات قليلة من البندورة وقليلاً من الخيار كان قد تصدق بها إليه بعضاً من الباعة في الأسواق، قامت الزوجة بتقطيعها وتناول كل من أفراد العائلة طعامه وأسكت جوعه وحمدوا الله جميعاً على هذه النعمة المسداة ودعوا الله بأن يديمها عليهم ويزيدها لهم.

انفض الأبناء الصغار إلى مضاجعهم وبقى أبو الهموم وزوجته وابنه الأكبر جالسين وبعد أن شربوا جميعاً الشاي الذي كانت قد أعدته الزوجة مسبقاً، وبادرت بسؤال ابنها عن يومه كيف كان وماذا حَصّلَ في هذا اليوم.. لم يتكلم الابن بأيّ كلمة وزحف نحو الكيس الكبير الذي أحضره وسحبه أمامه وأمام أبيه وأمه وقام بفتحه وبدأ يخرج منه كل الأشياء التي أحضرها وجمعها بداخل الكيس، كانت الزوجة كلما أخرج ابنها شيئاً تقوم باستلامه وتقوم بفرز كل صنف على حدى، تمهيداً لبيعها فكانت تجمع زجاجات المشروبات الغازية البلاستيكية الفارغة في مكان والجالونات البلاستكية في مكان آخر، كذلك فعلت بكل الأصناف والأشياء التي حواها الكيس، وقبل أن تنتهي شعرت بأن شيئاً ما موجود في قعر الكيس فقامت ونفضته فإذا بكيس بلاستيك صغير أسود وقع على الأرض وأمام أبو الهموم.

لم يكن أحد يعلم ما بداخل هذا الكيس الذي تناوله أبو الهموم وقام بفتح وكانت المفاجأة ... !!! صرخت أم الهموم وقفز ابنها من مكانه قفزة تعبر عن سعادة غامرة وفرحة كبيرة عندما أخرج أبو الهموم من الكيس محفظة ملآى بالنقود بل محشوة بكل أصنافها.

سكت الجميع في ذهول وصمت لفته الهيبة والرهبة والمفاجأة وسافر ذهن كل منهم وشرد بعيداً مع خيالهم الجامع نحو إيمانهم بأن رزقاً غير منتظر أتاهم من الله ورسم كل منهم مستقبل حياته، والتي لم تخرج عن كونها كانت أحلاماً تمثلت في ترميم بيتهم وشراء مستلزمات للبيت وملابس وأدوات يحتاجها الأبناء، والابن الأكبر راوده حلمه وأمله النائم منذ زمن فأفاق وأصبح يشعر بأن الحلم بات حقيقة وهو أن يتزوج ويؤمن مصدر رزق له من خلال عمل مشروع استثماري صغير يطوره مع المستقبل.

عاد كلاهما إلى وعيهما بعد أن فاجأهم أبا الهموم بقوله لازم نأخذ المحفظة إلى مركز الشرطة هذه لا بد أن تكون لأحد الأشخاص الذي فقدها وهذه مش من حقنا وأن أيّ تصرف غير ذلك يوقعنا في الحرام.

ذهلت الزوجة والابن من طرح أبو الهموم وقالت: هذا رزق من الله يا أبو الهموم .. قال بس هذا حرام ... قالت نحن مش سارقينه ... قال الشرطة هي المسئولة فقد يكون أحدهم أبلغها عنه وصاحب هذا المبلغ هو الأحق فيه.

سكت الجميع وذهبوا إلى النوم الذي لم يرقد في جفونهم بل غادرها إلى فضاء الوهم والأمل والحزن.

ومع ساعات الصباح الأولى توجه أبو الهموم وابنه إلى مركز الشرطة وكان يحتضن المحفظة في ثنايا ملابسه الرثة، وطلب مقابلة الضابط المسئول .... لم يكترث له شرطي الاستقبال وباستهزاء قال له شو بدك منه قال عايزه بكلمتين حاول الشرطي الاستفسار عن السبب ولكنه لم ينجح في إخراج سبب طلب أبو الهموم مقابلة الضابط، فاتصل بالضابط وأخبره أن شخصاً ما يريد مقابلته شخصياً.

دخل أبو الهموم إلى غرفة الضابط الذي لم يكترث كثيراً لأبو الهموم وبادره باستهزاء شو في شو عايز.

أغلق أبو الهموم الباب وبدأ بسرد قصته وقصة ابنه وقصة المحفظة والنقود التي وجدها بداخلها، فاجأه الضابط بلهجة الاشمئزاز والتعالي من وين سارقينها؟

ذهل أبو الهموم من السؤال وكاد الدمع يتساقط من عينيه وقال إحنا مش حرامية يا سيادة الضابط إحنا صحيح غلابة وفقراء لكن عندنا كرامة وأمانة وشرف وإلا شو اللي جابني للمركز لأسلمكم المحفظة، خجل الضابط وجلس إلى مقعده واعتذر لأبو الهموم وطلب له كأساً من الماء ليهدئ من روعه، وأعاد أبو الهموم القصة على مسامع الضابط الذي استمع إليه باهتمام وشغف وحياه على أمانته وصدق قوله ... طلب الضابط ملف بلاغات وشكاوى الناس وبحث فيه فوجد بلاغاً من فلان عن فقدانه لمحفظته أثناء استجمامه وأبنائه على شاطئ البحر، فطلب من شرطي الاستقبال الاتصال به ودعوته للحضور للمركز بأقصى سرعة.

بعد أقل من ربع ساعة كان فلان يمثل أمام الضابط الذي يسأله عن مواصفات محفظته التي فقدها وعن نوع وعدد النقود بداخلها فكانت أقواله مطابقة تماماً للمحفظة ومحتوياته.

كان فلان يحدق في أبا الهموم ويعصر تفكيره أين شاهده وكأنه يعرفه منذ زمن طويل، وهو ينظر إليه بنظرة الكبر والتعالي، وفي المقابل كان أبو الهموم ينظر إليه نظرة أعادته إلى حيث التقى هذا الرجل ويتذكر قوله له وهو يمسح بكفه على لحيته البيضاء مرة باليد اليمنى ومرة أخرى بيده اليسرى وهو يعطيه صدقة (شيكل واحد) أخرجه من ذات المحفظة المحشوة بكل صنوف العملة، استرجع أبو الهموم الموقف وكلمات فلان الجارحة له.

خيم الصمت للحظات كسره الضابط بتوجيه الكلام لفلان وقال له أن أبو الهموم هو من وجد المحفظة وقام بإحضارها إلى مركز الشرطة للبحث عن صاحبها، قاطعه فلان وقال يعني سارقينها.

انتفض أبو الهموم وقال لو إحنا سارقينها ما أحضرناها للشرطة.

أمر الضابط الراجل بالسكوت وطالبه بالاعتذار لأبو الهموم وشكره على أمانته ففعل وهمس الضابط بأذنيه بأن يقدم له مكافأة لأمانته.

لم يبد فلان أيّ استحسان للفكرة وعلى مضض وضع محفظته في جيبه وحرك يده في جيبه وأخرج منها المكافأة ليقدمها لأبو الهموم، كان أبو الهموم لا يرغب بالمطلق أن يتلق أيّ مكافأة ثمناً لأمانته وصدقه إلا أنه ذهل من تصرف فلان الذي أخرج من جيبه مبلغاً من المال يقدمه لأبا الهموم مكافأة له على أمانته وإرجاع محفظته له. وكانت عبارة عن شيكلين !!!

د. عز الدين حسين أبو صفية
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف