الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تأملات نقدية فى شعر العامية ... بقلم : رفعت المرصفى

تاريخ النشر : 2016-04-30
تأملات نقدية فى شعر العامية ... بقلم : رفعت المرصفى
تأملات نقدية فى شعر العامية ... لــ : رفعت المرصفى
الهم الذاتى فى تجربة الشاعر جاسر جمال الدين – من محافظة بنى سويف
تطبيقا على ديوانه " ملاك من غير هالات ... " (1)
---------------------------------------------------------------
منذ البداية تجد الشاعر يسبر أغوار همه الذاتى والإنسانى ليطرحه لنا فى سياقٍ شعرى راق وفى طزاجةٍ إبداعية رائعة . ولنتأمل ذلك فى نصه الأول " مقدمة لابد منها " فى صفحة 7 حيث يقول :
" نويت اصلى / لكن للحبيبة فقط / واحل لغز الهوى / واملا مكان النقط"
وبالرغم من جمال الصورة الشعرية وروعة السياق الإنسانى ودعونى أترك الصورة الأولى مؤقتا حيث سأعود إليها بعد قليل وأتأمل الصورة الثانية " وأحل لغز الهوى واملا مكان النقط " حيث يؤكد الشاعر على عزمه البوح بهمه الوجدانى والإجابة على كل علامات الإستفهام التى أثيرت حول هذه التجربة الذاتية والإنسانية الخاصة وهى صورة جيدة وقوية جسّدت مايريده الشاعر تجسيدا رائعا . ونعود إلى الصورة الأولى كما وعدناكم التى يقول فيها " نويت اصلى لكن للحبيبة فقط " ولا أدرى لماذا يصر مبدعينا فى شتى مناحى الإبداع على إقحام المقدسات والثوابت الدينية فى إبداعاتنا والذى من شأنه المساس بهذه المقدسات والعبث بها . فهل ضاقت الدنيا أمامنا فلم نجد مانجسد به تجاربنا الإبداعية والفنية سوى الثوابت الدينية المقدسة وهل بهذا الطريقة سنؤكد مهارتنا الإبداعية ونؤكد ذواتنا الفنية ... من فضلكم أيها المبدعون دعوا المقدسات جانبا وأبدعوا كما شئتم وكيفما شئتم فالعالم أمامكم بكل مفرداته يمثل مادة خصبة لإستعراض مواهبكم الفنية والإبداعية ودعوا كل ماهو مقدس وشأنه ومكانه اللائق به . فالصلاة هى لله وحده جل شأنه وليست لإنسان مهما علت قيمته وجلت أهميته .
وما دمنا بصدد الملاحظات فدعونى أتحفظ أيضا على طول عنوان الديوان الذى جاء فى سطرين على غلافه وكان يمكن أن يُكتفى بسطره الأول فقط " ملاك من غير هالات " فالعناوين الشعرية ليست رسائل توضيحية ولا بيانات كاشفة لمحتويات الديوان وإنما هى دفقة شعرية موجزة وسريعة بهدف تحفيز المتلقى وإدهاشه منذ البداية وإدخاله فى الحالة الشعرية بصورة أو بأخرى كل حسب قدراته وموهبته
نعود مرة أخرى إلى النص الأول فى هذا الديوان " مقدمة لابد منها" والذى يجسد بصدق وبشاعرية دفاقة الهم الذاتى والإنسانى الذى يحمله ونتأمل مايقوله فى صفحة 7:
"مات الكلام عـ اللسان مع إنه فى شبابه / الإسم كان إنسان عنوانه على بابه / السن متعدّش بس السعادة ساعات / والقلب متهدّش مـ الذكر والصلوات / أموت فى عشقه صبى / رغم السنين والشيب / أنا أذكى واحد غبى / على كف همسه يطيب / عليل ودمعه قريب / ياشافى لـ اللى اتنقط / نويت اصلى لكن للحبيبة فقط "
ويقوم الشاعر هنا بدور الراوى والبطل فى نفس الوقت وقد فى هذا الطرح إلى حد الإدهاش " أنا أذكى واحد غبى على كف همسه يطيب " ولنتأمل معا الضمير" أنا" فى البداية ثم ضمير " الهاء" فى كلمة " همسه " نجد الأول ضمير على الراوى والثانى ضمير يعود الشاعر وهما فى النهاية شخص واحد كذلك وبنفس الأسلوب حيث يقول يقول "أموت فى عشقه صبى رغم السنين والشيب " الضمير الأول " أنا" ضمير الفاعل يعود على الراوى والمفعول به " صبى" وهو الشاعر ذاته والإثنان فى النهاية هما شخص واحد .
ونؤكد أن هذا الأسلوب البلاغى فى التناول قد حقق بُعدا دراميا رائعا إضافة إلى البُعد الإبداعى المدهش منذ بداية التجربة وحتى نهايتها
واستمرارا للهم الذاتى الذى يتأوه بين ضلوع ديوان " ملاك من غير هالات" نتأمل نص "وش بالمقلوب" فى صفحة 35 حيث يقول:
" زى الوجع / تقدر تقول زى المرض / لما بيدخل فى الجسد / شحنات بتنزف بالدما / زى خرابيش القطط/ تنهش فريسه مسلمّة/... الخ"
هذه المفردات تصور مشهدا من الصراع الدامى وترسم جوا مأساويا يسيطر عليه ومع ذلك فهو يضحك محالا التستر على هذه الأشلاء الممزقة بداخله ولكن يعود الشاعر ويعتذر لنفسه قائلا :
" كان نفسى أشرح ضحكتك بكلام جميل / لكن النصيب حظك كدا " وكأن الشاعر كان يحاول أن يتوارى خلف ضحكته ثم يعتذر لنفسه " حظك كدا" ثم يبدأ فى كشف قناع هذه الضحكة ويفضح ماخلفها بقسوة شديدة فيقول :
" مشرط طبيب / بيشد منى حروف كلامى / أتغزلك بشكل تانى / يمكن طريقة تهزلك / قلبى المشرّخ يعشقكْ "
وهكذا يستمر الشاعر فى لعب دور الراوى والشاعر فى آن واحد وكأننا فى عرض مسرحى من شخصين فقط يقوم بدوريهما ممثل واحد , حتى عنوان القصيدة ذاته " وش بالمقلوب" يؤكد مانقوله فهذا الوش المقلوب يؤدى دورين لممثل واحد هو الشاعر ذاته , وهى طريقة شديدة الذكاء قوية التعبير رائعة البلاغة تستحق الإشادة والتأمل , والجميل بحق هو استخدام هذه الطريقة الدهشوية فى النصوص العشرة القليلة المكونة لهذا الديوان .
وبنفس الطريقة وعلى نفس النهج نجده يجسد نفس العرض المسرحى المكون من شخصين فقط يقوم بأداء دوريهما شخص واحد هو الشاعر ذاته نجده يقول فى نص آخر بعنوان " عرض مش سينمائى " فى صفحة 39 :
" ريقه ناشف / قايم بيتنهد حلاوة الحلم اللى فات / كانت الحداية بتنقر على راسه / حَب يجرى / خطوته لسه بتلزق فى الرصيف / والأرض مش بتطاوعه أبدا "
ولنتأمل معا وينفس النمط الذى رسمناه فى السابق وهو وجود شخص الراوى وشخص الشاعر فى شخص واحد فى عرض سينمائى وليس سينمائيا كما قال هو فى عنوانه ويستمر فى طرحه المسرحى بأنه يستيقظ من حلاوة حلمه الجميل على واقع شديد القسوة والذى يتمثل فى الحداية التى تنقر على رأسه وكأنها تستعجله فى الإستيقاظ وعندما أراد الهروب من ذلك التصقت خطواته بالرصيف ورفضت أن تطاوعه الأرض , وفى اعتقادى الخاص أن الشاعر يعى تجربته تماما وهو يكتب من منطقة اللا وعى بداخله ولكن بوعى شديد وهو يمارس تجربته من خلال ديوانه الواقع فى عشرة نصوص , ولكن بعد أن تقرؤه جيدا تجد نفسك أمام قصيدة واحدة تحمل تجربة واحدة وإن توزعت على عشرة عناوين مختلفة تحكى تجربة ذاتية الوجع شاعرية النزيف .
واستمرارا لمسرحة الهم الذاتى فى تجربة الشاعر جاسر جمال الدين من محافظة بنى سويف وفى نص يحمل نفس عنوان الديوان "ملاك من غير هالات" فى صفحة 19 حيث بقول:
" بيتنفض / الظاهر إن البرد بيلسعه/ ويخلعه آخر فانلة كان اشتراها من زمن / واتهربدتْ / دخلت فى جلده / اتشوكت من دم ناشف / ومن عروق متلخفنة عكس الطبيعى "
وأيضا يؤكد هذا النص فكرة الراوى والشاعر الذى يجسدهما شخص واحد هو الشاعر بذاته وهى الفكرة الرئيسة فى صياغة هذا الديوان والتى وضحناها فى عدة مقاطع سابقة ولكن ماأود أن أضيفه فى هذا المقطع الراقى هى الروعة التصويرية التى جسدت بصدق شديد وبحرفية فنية راقية جعلتنا نرى المشهد وكأننا داخل قاعة للسينما فقد كنا نقرأ صورا سينمائية وليست كلمات هجائية فقط , ولنتأمل الروعة التصويرية المشار إليها فى صورة آخر فانلة كان اشتراها من زمن بعيد ولم يخلعها منذ ذلك الحين حتى تمزقت والتصقت بجسده وليس ذلك فحسب وإنما تتشوك هذه الفانلة من دمه الجاف حيث تصلد هذا الدم وأصبح أشواكا لهذه الفانلة العتيقة التى استجارت من جسده ,ليس ذلك فحسب وإنما تشوكت أيضا من أضلاعة وعروقه التى اختلفت عن وضعها الطبيعى
وهو تصوير قمة فى الروعة وذروة فى الدلالة , وفى النهاية يحشد مشهدا مأساويا وإنسانيا يستحق التقدير والتأمل

ويستمر الشاعر فى طرح همه الذاتى الأسطورى حيث يقول فى صفحة 20 :
" خايف / وكأن ساعة الحيط هتنزل فوق عضامه بالعقارب / بتسخط فى الركن تمثال من خشب / قاعد مقرفص عـ البلاط / والسوس بينخر فى انتباهه / يسحب فى لحمه المستكين / شابط على الحيطة البيجامة بمسمارين / وجنبها أفرول مقطّع / وقناعين للإكتئاب "
وهكذا يؤكد الشاعر الهم الذاتى والإنسانى بشاعرية جميلة ومصداقية راقية ولنتأمل تصوير المادى بالمعنوى أو العكس المعنوى بالمادى حيث يقول " والسوس بينخر فى انتباهه" فالسوس هو العنصر المادى الملموس والإنتباه هو العنصر المعنوى الغير ملموس وهذا التصوير يستمد روعته من الهزة التأملية التى تصاحب القراءة . وكذلك عندما يقول " وقناعين للإكتئاب " وبنفس البعد البلاغى نجد القناعان هما العنصر المادى المحسوس والملموس والإكتئاب هو العنصر المعنوى غير الملموس ... وهكذا
وتأكيدا لفكرة الهم الذاتى والإنسانى الذى يقوم الشاعر بتجسيدها بطريقته الخاصة والمتفردة حيث يقول فى نص بعنوان " أوهام أبو الرياح" فى صفحة 51:
" دخان سيجارته بيترسم سلم طويل / يطلع فوقيه لحد أحلامه الكتيرة / كان نفسه قلبه يتفرش زى الحصيرة / يلم كل الناس سوا ... / كان نفسه فى شوية هوا "
وهكذا ... لايسعنا إلا أن نؤكد على متانة نسيج هذا الديوان وتمكن صاحبه من أدواته الفنية ونتمنى له مزيدا الإبداع والتألق

هامش:
1-ديوان"ملاك من غير هالات نور فوق دماغه"رقم إيداع بدار الكتب :13849/2015
2- كتاب المؤتمر السادس عشر لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافى المنعقد فى مدينة السادس من أكتوبر فى أبريل 2016- البحث الخاص بـ رفعت المرصفى من صفحة 189- 240
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف