الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تأملات نقدية فى شعر العامية بقلم : رفعت المرصفى

تاريخ النشر : 2016-04-28
تأملات نقدية فى شعر العامية بقلم : رفعت المرصفى
التريّض على ضفاف الحلم والوطن --- رؤية نقدية لـ رفعت المرصفى
فى تجربة الشاعر محمد هباش من محافظة القليوبية
تأسيسا على ديوانه " ملامح شرقية " (1)
-----------------------------------------------
كان وسيبقى الحلم هو الفجر المُنتظر وهو الألق القادم من قبو الذاكرة ’ كان وسيبقى الحلم هو أيقونة النهار وبلسم الشفاء مهما طالت عتمة الليل ومهما اشتدت صرخات الوجع . كان هذا أول مارصدناه فى "ملامح شرقية" للشاعرمحمد هباش ’ فمن الإهداء ومرورا بمعظم ملامح الديوان يـتألق الأمل على ضفاف الوطن الخالد والذى يسكن فى ضمير ووجدان الشاعر
وقبل أن نبحر فى نهر الملامح الشرقية لهذا الشاعر على ماهية الشعر ؟ والإجابة من منظرو إنسانى تأملى تقول بأن الشعر هو المرجعية العاطفية للإنسان والعاطفة شجرة وارفة تنمو وتلد, تلك هى شجرة التواصل مع البشر فى كل زمان ومكان إنها شجرة الحياة والتى بدونها لا يكون الإنسان انسانا بل يبقى مجرد حيوان ناطق وإن كان صاحب عقلية علمية جبارة ، (2) فالشعر الحقيقى هو الأرض الأخلاقية لأى عالم والعصور التى ازدهر فيها الشعر هى فى الأغلب عصور السلام والثراء الحضارى ، حين تغلبت المادة وصارت هى الأساس فى الحراك الجوهرى للشعور تراجع الشعر وأحبط الشعراء, لأن الفكر المادى حين يسود تجف ينابيع الشعر فى البشر ولو بشكل مؤقت ولكن يبقى فى النهاية المحتوى الشعرى للبشر مهما طغت المادية على كل سبل الحياة ...
لنعود إلى " ملامح شرقية " ونتأمل مايشدو به فى الإهداء حيث يقول :
" إلى كل الرؤى النقية الخالصة الصادرة من القلب تشع الضياء فى ربوع الحياة كى ننعم دائما بالسلام " ليؤكد منذ البداية أن السلام هو أرقى الأحلام وأنقى الرؤى التى يصبو إليها الشاعر ليضع بذلك الملمح الرئيس فى تجربته الإبداعية

. ثم يستمر فى العزف على قيثارة الحلم والأمل الذى ينشده فى هذا العالم فيقول فى قصيدة بعنوان " شارع الحياة" فى صفحة 8 :
"لكن مادام النور اتوجدْ / لازم نعيش / لازم نقول ان الأمل مـ ينتهيشْ / وان الحياة من غير أمل / يعنى مفيش/..."
ليؤكد لنا فى نهاية المقطع أن فقدان الأمل هو بمثابة فقدان
الحياة.

ويستمر فى العزف على قيثارة الأمل ليعلن فى نهاية المقطع القادم أن أسمى الآمال هو أن نمسح العتمة من فوق الوشوش وأن نغير الألوان المحزنة ليكون اللون السائد والمعتمد لنا جميعا هو لون الوطن فى يوم النصر ولنتأمل هذا المقطع من قصيدة " ألوان " فى صفحة 10 حيث يقول:
"مـ نخافشى من شوك الورود / مـ نخافشى من ضوء النهار لو يوم يعود / والصفحة تبدأ من جديد / نغير الألوان المحزنة / لون دمنا / نمسح العتمة من فوق الوشوش / ويبقى لونّا لون جديد / لون الوطن يوم نصرنا / ... "
ولنتأمل المقطع الآتى من قصيدة " الحلم " فى صفحة 13 حيث يقول :
" الحلم سكينة ساعات / بتفوت فى مد الذكريات / الحلم دوامة نهار فى الإنتظار / الحلم توب ... / يامُنتهى الوجع اللى صار على كل باب / إياك تكون صدف المحار اللى تغرّبه الأمواج / ... ياكل أحلام الحقيقة المعضلة / هىّ الحقايق فى الحياة أحزان وفيها مشكلة / واللا حبوب الصمت أوهام الكلام " وهنا نلمح بعض الصور الشهية التى تجسد عمق التجربة فى وجدان الشاعر فى " الحلم سكينة ساعات " والحلم دوامة نهار " يامنتهى الوجع اللى صار ...ياكل أحلام الحقيقة المعضلة " مجموعة من الصور القصيرة المكثفة والمتلاحقة التى تؤرخ للتجربة وتؤكد تمكنها من حنايا الشاعر ووجدانه.

وينتقل بنا الشاعر إلى قصيدة قصيرة بعنوان " صورة " وأنا أعتبرها من أجمل قصائد الديوان حيث الفكرة الرائعة والصور الشعرية الزاهية البراقة وكذلك البعد الإنسانى الذى يمنح التجربة تألقها وجمالها وهى تدور أيضا فى فلك الحلم ولكن فى صياغة فنية جيدة وبعد إنسانى راقى كما يلعب الإيقاع المتسق والمتناغم دورا هاما فى زيادة ألق النص والفكرة , كما أن الطرح الإستفهامى للنص أيضا يعطى دلالة فنية جيدة جميلة حيث يقول فى صفحة 17:
" إصرارك على إنك تكتب كل قصيدة شعر بنفس الصورة / إصرارك على رسم ملامح حلمك جواها / بيخلى قصيدك شبه البنت المسحورة اللى بتطلع جوه الحواديت / بتخاف من حلمك ياخدك جوه فـ أعماق إحساسكْ / بتخاف من راسكْ/ وتمرد أحلامك ْ / على سطوة أحلام الغير على حلمكْ / ويفوت الحلم وتشكيل الصورة / وانت لساك مشغول بالبرواز / ... " ولنتأمل معا الصورة المرسومة بعناية فائقة والتى يقول فيها " إصرارك على رسم ملامح حلمك جواها " يؤكد على أن ملامح حلم الشاعر يتألق فى كل قصيدة يكتبها ليشكل فى نهاية الأمر ملامحه الخاصة والتى قدمها لنا فى ديوان الذى بين أيدينا " ملامح شرقية"
ويستمر فى عزفه الحالم ليقدم لنا معزوفة رائعة فى قصيدة بعنوان " قلب الليل" حيث يقول فى صفحة 20:
"بتحلم يوم تكون فارس / تكون حارس / قلوب فاتها الزمان بزمان / بتحلم ترجع الأوطان كما كانت / بترسم عـ البيبان لبلاب كما الأحباب / سنين فاتت على الأحلام / بتستنى النسيم يرجع لحضن الليل / ..." وهنا يخاطب الشاعر نفسه ويهدهد أحلامه ويبوح بها ربما ليؤكد عليها خشية من ضياعها وأروع مافى هذا المقطع الصورة الوطنية الرائعة التى يقول فيها " بتحلم ترجع الأوطان كما كانت / بترسم عـ البيبان لبلاب كما الأحباب " بوح يفيض بالتمنى الجميل ويشى بروعة وسمو الأحلام وهل هناك أسمى
من أن نحلم بعودة الوطن كما كان فى وحدته وامنه ورغده وعزته ؟

وعلى ربوة شاعرة أخرى نقف متأملين تجربة الشاعر محمد هباش , ومن قصيدة بعنون " كلمة الوطن" فى صفحة 23 حيث يقول :
"يعنى إيه كلمة وطن ؟ / يعنى بيت وصوت ودم / يعنى فكر ونور وهم /
يعنى إيه كلمة وطن ؟/ يعنى صوت مسموع فى قلبى / وكلمة تايهه من حروفها / وفعل مكسوف من كسوفها / وجملة تنهى بيها خوفها /
يعنى إيه كلمة وطن ؟ / يعنى خوف مـ اعرف طريقهْ / ومد شوف مـ لهوش نهاية / ونور بيعرف فين طريقه / ... "
وهنا يتألق الشاعر فى رصد تجربته الوطنية ويقدم لنا صور شهية مختلفة لمعنى الوطن من وجهة نظره ومن رؤيته الخاصة فيقدم السؤال " يعنى إيه كلمة وطن " ثم يتلوه بالإجابة الشخصية الخالصة و من أرقى الصور هنا التى يقول فيها " يعنى خوف مـ اعرف طريقه / ومد شوف ملهوش نهاية / ونور بيعرف فين طريقه " وفيها يقدم لنا قيمة الخوف على الوطن والتوقع دائما للخطر الذى يحيط بالوطن والذى لايعرف طريقه ولكنه فى ذات الوقت يشعر به ويتوقعه ويحتشد له عندما يقول " ومد شوف ملهوش نهاية " وهى صورة تعكس شدة الحرص على حدود هذا الوطن والإستعداد الدائم للذود عنه وحمايته
وعلى نفس الوتر المتألق للوطن يقول فى قصيدة بعنوان " دايما فيه مصر " فى صفحة 27 حيث يقول مخاطبا مصرنا الحبيبة ومعلنا عن سعادته الغامرة لرحيل الطاغية واستعادة الكرامة والعزة فى صياغة بسيطة التركيب قوية المعنى متينة الدلالة وما أجمل الصورة الأخيرة من المقطع "... حتى لو صبح القلم نبوت " كما يقول فى صورة قوية وطازجة فى نفس القصيدة " وساعة الألم مـ تحتملش سكوت" ولنتأمل معه هذا المقطع الشهى حين يقول :
"أنا كنت فاكر إنى يامصر هـ اموت قبل مـ اشوفكْ / بتكسرى قصادى التابوت / وبتعلنى موت الطاغوت / وبتلعنى ذل السكوت /
أنا كنت فاكر إنى يامصر ضعيف / وان الصباح بقى بعد منو مخيف / وان الظلام ... الصمت عنه سخيف / لو حتى صبح القلم نبوت / ..."

وفى قصيدة تحمل نفس عنوان الديوان " ملامح شرقية " فى صفحة 67حيث يقول :
"يافجر ياللى الليل عليك مكتوب / إنت اختيارنا واللا شئ مكتوب / ييجى النهار فى بدايته أمل / يمشى فـ طريقه وفى النهاية يدوب / ... " وكأن الشاعر هنا يتحسر على طول الأنتظار وعلى التمسك بخيوط ضعيفة فيناجى فجره المنتظر معاتبا وشاكيا
وىستمر فى العتاب والشكوى نفس القصيدة ولكن هذه المرة يشكو إلى نهر النيل الخالد ويذكّره بأوجاعه وأوجاعنا الجديدة الجديدة وبالحصار الردئ الذى ألم به وبنا فيقول فى صفحة 68:
"يانهر بين شطين مليان بأوجاعنا / مين اللى باع ميتك ومين بعنا / تشهد علينا كل نقطة من سنين / تشهد عليك وعلينا أوضاعنا / ... "

واستمرارا للعزف على محور العتاب والشكوى للوطن يقول فى قصيدة بعنوان " أنا من هنا ومش من هنا " فى صفحة 43 :
"أنا من هنا / أنا مـ البلد دى يابلد / صوتى اتولد / على صرخة عايشة فـ دمنا /
أنا من هنا / صوتى اتنبح / قلبى اندبحْ / جسمى اتشبح/ على ميت خازوق مش من هنا / "
وهنا يصرخ الشاعر لكى يسمعه الوطن الذى يشعر بتجاهله له ولصوته فيصرخ مؤكدا أنه ابن هذا الوطن وأنه منذ ولادته يسكنه الألم وتمزقه المعاناة ويوكد فى المقطع الآخر أنه أنه بح صوته وذبح قلبه حتى أصبح شبحا من شدة الفقر والمعاناة التى تأتى سواء من الداخل أو من الخارج
حتى يصل فى النهاية إلى قمة التمزق وذروة الألم حين يقول أنه لم يعد فى حياته سوى ساعتين فارقتين هما كل حياته وهما ساعة الحلم بالأمل المشرق الجديد لهذا الوطن والساعة الأخرى مغايرة تماما لما قبلها وهى ساعة الدعاء على الظالمين والعتاة الذين يقطفون ثمار هذا الوطن دون غيرهم من أبناء هذا الوطن الكادح
فيقول فى صفحة 44:
"ساعتين فى عمرى بينقضوا... / هما الحياة / ساعة مـ بحلم يوم بعالم فيه حياة / وساعة مـ بدعى عـ العتاة والظالمين /
وعلى قيثارة الحلم مازال شاعرنا يقدم ألحانه الشهية , ففى قصيدة " الطريق " صفحة 31 يقول :
وبتحلم تبقى فـ يوم بحار / شايل كل هموم الناس / ومحدش راضى يشيل همّكْ / إيه همكْ / الحب يضيع واللأّ الإحساس / واللا انت تضيع جوه همومك / أحلامك جواك محبوسة / وبتضرب للدنيا سلام "

كانت هذه تأملات شهية فى ديوان ملامح شرقية للشاعر محمد هباش ولكن أود أن أشير قبل الوصول للنهاية إلى بعض الملاحظات البسيطة والتى لاتؤثر أبدا على شاعرية العمل ولا جدية الشاعر ومنها على سبيل المثال عناوين القصائد التى جاءت باهتة ومصمتة وخالية الشعرية وهذا لايليق بالشعر فلابد للعنوان أن يجرى به ماء الشعر تماما مثل قصائده وأنه يجب التفرقة بين عناوين الموضوعات الخطابية والنثرية وبين عناوين الشعر , الملاحظة الثانية هى وجود بعض الخلل فى موسيقى الديوان ومهى متناثرة فى العديد من القصائد وهى تؤثر بالسلب فى انسيابية التأمل ومتعة التذوق كما أنه يخل بعامل أساسى من عوامل بناء النص الشعرى ويجب أن نعلم أن الإيقاع من الضرورات الأساسية للشعر العر بى فهو الحد الفاصل بين الشعر والنثر ... والملاحظة الثالثة والأخيرة هى وجود بعض الترهلات البسيطة فى عدد من القصائد مما يؤثر بالسلب على البنية الفنية الصحيحة للشعر, وفى النهاية أتقدم بخالص التقدير للشاعر على هذه الملامح الشرقية الأصيلة مع تمنياتى له بمزيد من الإبداع الجيد الجديد بإذن الله .

هوامش :
1- ملامح شرقية – ديوان للشاعر محمد هباش – رقم إيداع بدار الكتب : 13940/2015
2- انظر " ويبقى المحتوى الشعرى للإنسانية " للأستاذ الروائى الكبير / خيرى شلبى – مجلة الشعر العدد رقم 117 – يناير 2005 .
3- كتاب المؤتمر السادس عشر لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافى المنعقد فى مدينة السادس من أكتوبر فى أبريل 2016- البحث الخاص بـ رفعت المرصفى من صفحة 189- 240
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف