الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البعد الوطنى فى ديوان " غنوة الصباح والمساء " ... بقلم: رفعت المرصفى

تاريخ النشر : 2016-04-27
البعد الوطنى فى ديوان " غنوة الصباح والمساء " ... بقلم: رفعت المرصفى
تأملات فى شعر العامية لإبداعات إقليم القاهرة الكبرى --- لـ رفعت المرصفى
البعد الوطنى فى تجربة الشاعر سمير فرج عبدالقادر من محافظة الفيوم
تأسيسا على ديوانه " غنوة الصباح والمساء" (1)
------------------------------------------------
مقدمة :
معيار الدهشة هو الفارق بين الشعر واللاشعر :
قبل أن نلج فى تجربة الشاعر سمير فرج عبدالقادر تأسيسا على ديوانه " غنوة الصباح والمساء" لابد أن نؤكد أولا على أن الدهشة هى المعيار الفاصل بين الشعر واللا شعر , وقد مرّ فن العربية الأول بعدة تعاريف حتى وصل إلى التعريف الذى يتخذ من الدهشة معياراً فارقاً لهذا الفن(2)
ولنبدأ بالتعريف الكلاسيكى القديم الذى عرّف الشعر بأنه الكلام الموزون المقفّى ؛ وهذا التعريف هو الـذى أفرز الميراث الكبير من القصائد العمودية والبيتية بداية من الشعر الجاهلى وحتى بداية قصيدة التفعيلة ؛ هذا الميراث الشعرى الـذى ارتكزَ فى معظمه على الإيقاع المصمت المنظوم والـذى يخرج فى معظمه بالنص من دائرة الشعر الحقيقى إلى دائرة النظم الموسيقى .
وحتى نكون منصفين فإن هذا الكلام لا ينطبق على كل الشعر العمودى ولكن إحقاقا للحق فإن هناك الكثير من القصائد العمودية تجمع بين الشاعرية الحقيقية والإيقاع الخليلى المتّسق .
ننتقل إلى التعريف الـذى يتخذ من الدهشة أساسا له والذى يقول بأن الشعر هو الكلام المدهش الموزون ؛ وهذا التعريف يتميز عن سابقه لا يكتفى بالإيقاع الموسيقى تشعيراً للكلام وإنما يستوجب إحداث الدهشة عند سماعه أو قراءته لكى يكتسب صفة الشعر الحقيقى .
إذن لا المعيار الموسيقى يكفى وحده لإنجاب القصيدة ولا المعيار الـدهشوى يكفى بمفرده لإنجاب القصيدة وإنما يجب التضفير بين هاذين المعيارين فى الكلام المطروح لكى يمكن أن نصنفه شعرا حقيقيا مع الأخذ فى الاعتبار أن معيار الـدهشة منفرداً إذا توفر فى كلام ما فإنه ينتج لغة شعرية فقط ولا ينتج قصيدة وهذه اللغة الشعرية المنتَجة يمكن أن تحيا بمفردها ويمكن أن تحيا فى شرايين وأوردة الأنواع الكتابية الأخرى مثل القصة والرواية والمسرحية000الخ فتصيبها بألق الشعر فقط مع احتفاظها بجنسها الكتابى المغاير للقصيدة0
وما دمنا بصدد الحديث عن الـدهشة الشعرية فلا بد أن نذكر ما قاله الشاعر العربى القديم فى هذا المعنى:
إذا الشعرُ لم يدهشْك عند سماعـهِ
فليس خليقا بأن يُقالُ له شـعــــرُ
ويؤكد شاعرنا الكبير نجيب سرور على هذا المعنى فيقول :
الشعر مش عامى وفـصيح / دا الشعر لو هزّكْ بقى الشعر بصحيح
وما دمنا فى رحاب الدهشة الشعرية الفاصلة بين الشعر واللاشعر فمن الواجب أن نؤكد على أن هذه الـدهشة مرهونة بالمتلقى فى درجة الادهاش وبالتالى فى درجة الشاعرية وهنا نسوق قول محمود درويش فى هذا الصدد حيث يقول :
" الشعر هو الكلام الـذى عندما تسمعه تقو ل هـذا شعر" إذا فالدهشة وفق هذا التعريف الـدرويشى تختلف من نص إلى آخر ومن متلق إلى آخر كل حسب ثقافته ومخزونه المعرفى والأدبى والانسانى أيضا بل ونذهب الى أبعد من ذلك فنقول بأن الحالة الوجدانية التى يكون عليها المتلقى أثناء استقباله للقصيدة تلعب دورا مؤثرا فى تحديد درجة دهشته فما يدهشنى قد لايدهش غيرى وما يدهشنى فى الصباح قد لايدهشنى فى المساء وبالتالى فإن المتلقى وحده هو الذى يميز بذائقته الخاصة وبتركيبته المتفردة بين الشعر واللا شعر "
إذن فخلاصة ماقدمنا أن الدهشة الشعرية وحدها فى كلام ما لاتنتج شعرا وإنما تنتج فقط لغة شعرية وكذلك التضفير الموسيقى فى كلام ما وحده لاينتج شعرا وإنما ينتج فقط نظما مصمتا لاروح فيه ولا رائحة ويبقى الشرط الوحيد لانتصاب القصيدة هو التزاوج بين الدهشة والايقاع الموسيقى فى كلام ما سواء كان فصيحا أو عاميا ؛ والايقاع الموسيقى قد يكون طبقا للبحور الخليلية الصافية أو المركبة كما فى القصيدة العمودية والبيتية أو طبقا لتفعيلة البحر الشعرى الصافى المنطلقة من تفعيلة الأبحر الخليلية الصافية كما فى قصيدة التفعيلة 0

نعود إلى "غنوة الصباح والمساء" وشاعرنا سمير فرج عبدالقادرلنكتشف منذ بدايته أن الهم الوطنى المصرى هو المُتكأ الأساسى لهذا الديوان وأن الشاعر استطاع بالفعل أن يدهشنا عبر محطات وميادين هذا الديوان المتقد عشقا لمصر وخوفا عليها ’وقد بدا هذا الحب الجارف منذ لحظة الإهداء فى صفحة 5 والذى يقول فيه:
" بحبكْ موت ... ويوم راح اموت... يكون نفسى ... أموت فيكى وعلى ترابكْ" وجاء الإهداء بمثابة بيان قوى شديد اللهجة قوى الدلالة وجاء فى إيجاز يعقبه تفصيل عبر روابى الديوان المنسابة من بدايته لنهايته وقد أتى هذا الإهداء أيضا بمثابة تهيئة ذهنية ونفسية للمتلقى قبل السباحة بين شواطئه
وينتقل الشاعر بنا فى مسيرة مصرية خالصة من الإهداء إلى قصيدة بعنوان " مين يقدر يوصف هذا الشعب" فى صفحة13 حيث يهامس عشقه الأول مصر وهو فى ميدان التحرير أثناء ثورة 25/ يناير بصراحة قائلا لها:
"على قد سنين العمر اللى انا عشتها جواكى/ عمرى مـ كنت أصدق يوم / ان احنا هنبقى لوحدينا / وفـ ثورة / أنا وانتى / وتالتنا الميْدان/ تحكيلى مواجعك / من برة ومن جوّة..."
ثم يحدث نوع من العتاب الجميل بين المحبين فيعاتبها هامسا :
"ليه سايبه الحابل عـ النابل / فى إيدين اللى افتكروكى العزبة ... / تفرد خطاويهم / ويدوسوا مواضعكْ / وانا عايش ميت فيكى / وفـ حضنكْ / بحب الصبح وبعد الضهر ... وكل أوان فى مداسكْ / مـ انا محسوب ... من ناسك / من كام سنة واقف على بابك / مين ناسك قدى فـ محرابكْ ؟/ ... / ياحبيبتى ..."
وقد نجح الشاعر فى إدهاشنا بقوة من خلال هذا البوح الجميل الهامس ومن خلال لغته السلسة المنسابة وعذوبة ورشاقة ومن خلال تفعيلة بحر الخبب المتسقة الشهية ///5 /5/5 , استطاع أن يدهشنا من خلال المقابلة القوية بين الدلالة اللغوية لكلمة واحدة فى صورتين منفصلتين متصلتين فى آن واحد وهى كلمة " ناسك" فقد أتت فى الصورة الأولى بمعنى أهلكْ وجاءت فى الصورة الثانية بمعنى عابد وقد أضاف هذا الفعل اللغوى بعدا موسيقيا رائعا ’استطاع أن يدهشنا أيضا من خلال تلاحق وتتوالى الصور الشعرية القصيرة والممتدة ليصنع لنفسه عالما شعريا خاصا ماؤه الشعر الصافى وهواءه الإحساس الصادق والراقى

ويستمر الشاعر الثائر فى بوحه لمعشوقته فيقول فى نفس القصيدة :
"بصى ياستى ... / ياللى انا عايش فيكى وبيكى وليكى/ مشروعة الأحلام جواكى / لكن تحقيقها هوة الصعب بعينه / ...
كانت مشروعة بس حرام / كانت أحلامى البكر فـ حبك / متباعة مقدم / عبر الأنفاق تتصدرْ / وعليا أصدق أى كلام يتقال/ عمرك شفتى سوبر ماركت للأحلام / وخطط خمسية تتباع فيها الأوهام ..."
ثم يختتم العاشق الشاعر هذا الهمس الشفيف لمصره الحبيبة بأجمل صورة فى هذه القصيدة حيث يقول " مااملكشى غير إنى اتمرغ فـ ترابك / وازحف ْ وامسك بضوافرى الباقى من تلابيب فستانكْ / قبل مـ يتوسّخْ .... "
ولنتأمل معا روعة وقسوة هذه الصورة " أتمرغ – وازحف – وامسك بضوافرى - الباقى من تلابيب فستانك – قبل مـ يتوسخ
صورة لها تواجد درامى مؤثر فكأننا أمام مشهد سينمائى قاس , ولا أدرى لماذا طفى على ذهنى وأنا أتأمل هذه الصورة العظيمة الفنان الكبير الراحل محمود المليجى فى فيلم الأرض فى المشهد الذى يحاكى هذا المشهد تماما فى نهاية الفيلم عندما كان يتشبث بأرضه ويمسك بأظافره كل حصاة فيها حتى سالت دماؤه لتروى عطش هذه الأرض فى صورة هى الأرقى على الإطلاق...
ماأروع هذا النص وما أشهى مابه من فعل ثورى وهم وطنى وعشق أبدى يستحق التأمل ويستوجب التقدير.

وننتقل إلى ربوة عاشقة أخرى لشاعرنا العاشق سمير فرج عبدالقادر من قصيدة بعنوان " ترانيم حزينة من كتاب الوعد " فى صفحة 37 ولنتأمل جيدا الترنيمة الخامسة حيث يقول :
يامصر ألفين سلامة نفضى الغمة / لمى بإديكى اللى باقى / محتاجين لمة / فجركْ مـ غابش انما / واقف على الأبواب / شدى البيبان افتحى / فجركْ مصير أمة /
وكأن شاعرنا يريد أن يقول لمعشوقته رغم كل ماحدث ورغم كل الخلافات يجب أن نعمل على لم الشمل وتوحيد الصف من أجل مصرنا الحبيبة ومن أمتنا العربية والإسلامية بل والإنسانية على الإطلاق , ولنتأمل روعة الصورة الشعرية التى يقول فيها " فجرك مـ غابش انما واقف على الأبواب / شدى البيبان افتحى فجرك مصير أمة " ولنتأمل الدلالة الفنية لكلمة فجر التى أتت مرتين فى هذه الصورة .
وننتقل أيضا إلى الترنيمة رقم 6 من نفس القصيدة والتى
يستمر فيها الشاعر مع نفس الجو النفسى والوجدانى العاشق والداعم لهذا الوطن حيث يقول:
يامصر مـ يهمكيش شدةْ وهـ تعدى / وتفردى خطوتك وتقولى مين قدى / دا ياما دقت طبول عـ الراس وبتعدى / ...
ولنتأمل معا التوظيف الفنى الجاد والجميل للأمثال الشعبية ومدى تأثيرها على متانة وقوة هذه الترنيمة ومدى دلالتها القوية مثل " شدة وهـ تعدى" و " دا ياما دقت طبول عـ الراس " وكذلك الإشارة الرائعة إلى الجيش المصرى العظيم من خلال تعبير " نسر الوطن صاحى"

وننتقل مع شاعرنا إلى نص عاشق آخر فى قصيدة بعنوان " سورة من تراتيل الوطن" حيث يقول فى صورة من أروع الصور أيضا فى هذا الديوان :
"الصمت أول مشنقة للموت / غطينى من عُريى الجديد / واقرى لى سورة من تراتيل الوطن ( إنا نعوذ من الضياع – ومن دهاليز الرعاع – ومن متاهات افتقار الذاكرة- وحرق التاريخ ولم يكن )"
وكأن الشاعر يؤكد على أهمية الإستفادة من أخطائنا وأن الإختلاف لايفسد للود قضية لأن الوطن فوق الجميع والمحافظة عليه واجبة على الجميع .

وفى النهاية وبعد هذه السباحة الممتعة بين شواطئ هذا الديوان الصاخب نؤكد على شاعرية هذا الشاعر وعلى امتلاكه أدوادته الفنية باقتدار من اللغة الصافية والموسيقى الشعرية المتسقة والشاعرية المرهفة النقية , ونتقدم بخالص التهنئة لشاعره ونتمنى له مزيدا من ألق الإبداع

-----------------------------
هوامش:
1-غنوة الصباح والمساء- ديوان للشاعر سمير فرج عبدالقادر – رقم إيداع بدار الكتب:11094/2015
2-كتاب "تأملات أدبية" لـ رفعت عبدالوهاب المرصفى –رقم الإيداع بدار
الكتب:25846/2015
3- كتاب المؤتمر السادس عشر لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافى - مدينة السادس من أكتوبر - ابريل 2016- ابحث الخاص بـ رفعت المرصفى من صفحة 189- 240
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف