الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة نقدية لرواية "ماريا بين السهم والوتر" للأديبة فاطمة يوسف عبد الرحيم بقلم د. عبد الله الخطيب

تاريخ النشر : 2016-04-25
قراءة نقدية لرواية "ماريا بين السهم والوتر" للأديبة فاطمة يوسف عبد الرحيم بقلم د. عبد الله الخطيب
ماريا بين السهم والوتر للأديبة فاطمة يوسف عبد الرحيم
د. عبد الله الخطيب أستاذ النقد الأدبي في الجامعة الهاشمية
جدلية الأنا والآخر
اهتمت الروايات العربية التي صدرت في القرن التاسع عشر بالحديث عن جدلية الأنا والآخر، ثنائية العرب (الشرق / الأنا) والأوروبيين (الغرب / الآخر)، وخير ما يمثل هذا الاتجاه ما كتبه محمد المويلحي في كتابه "حديث عيسى بن هشام"، لكن مع التطور الحضاري تغيرت النظرة لمفهوم الأنا والآخر في روايات النصف الأول من القرن العشرين، فمحمد هيكل في رواية "زينب" صور الأناوالآخر الصراع بين المدينة والريف، وفي رواية "الحرافيش" صور نجيب محفوظ الأنا بساكن الحارة القديمة والآخر بساكن الحارات الأخرى، وفي النصف الثاني من القرن العشرين تغير مفهوم الأنا عند الروائيين العرب استجابة لمدارات الحياة، فعبدالرحمن منيف في روايته "مدن الملح" يتشظى لديه مفهوم الأنا الذي كان يمثل القروي السعودي ويحمل الهوية السعودية، وتختفي هذه الشخصية في صراعها مع قوى انتهازية استفادت من الثروة الاقتصادية الكبيرة.
"فبعد أن كانت الجدلية تركز على الأنا والآخر؛ صارت تركز في الرواية الحديثة على الأنوات أو أشكال الأنا المتصارعة مع ذاتها، فانتقلنا من ثنائية الوطني / الأجنبي، إلى إشكالية الداخل، وكانت المسألة فيما مضى محسومة لصالح الوطني على حساب الأجنبي، بينما أصبحت في الرواية الحديثة معقدة شائكة، غامضة، وصارت متاهة تداخلت فيها التضاريس والألوان، شأنها في ذلك شأن الحياة العربية في أواخر القرن العشرين" (شحيد، 2002).
الأنا والآخر مولودان معا، هذا ما يقرره علماء الاجتماع وعلماء النفس، فالصورة التي نتخيلها عن أنفسنا لا تتم بمعزل عن صورة الآخر لدينا، كما أن صورة الآخر لدينا هي، بمعنى من المعاني صورة عن ذواتنا (أبو العينين، 1999).
كل ما هو خارج الذات هو آخر بالنسبة إليها، وذلك لأن "الآخر في أبسط صوره هو مثيل أو نقيض (الذات) أو (الأنا) (الرويلي، 2003).
والذات أو الأنا في تعريفها الأقل تبسيطاً، هي مجموعة من النشاطات المسؤولة عن تعزيز الذات والدفاع عنها، وهو تعريف قدمه كل من العالمين الاجتماعيين جيمس مارك بلدوين وتشارلس كولي، اللذين لم يفرقا بين الذات والأنا، بل استخدما اللفظ بمعنى واحد. وتعريف الذات يتضمن عنصرين مهمين: الأول معرفي، والثاني تقييمي، والعنصران كلاهما يتشكلان خلال خبرة الذات مع نفسها وخبرتها مع الآخر، وعلى هذا فـ "الذات نسق تصوري تطوره الكائنات البشرية أفراداً كانت أم جماعات، وتتبناه وتنسبه إلى نفسها، ويتكون هذا النسق التصوري من مجموعة من الخصائص الفيزيائية والنفسية والاجتماعية، ومن عناصر ثقافية كالقيم والأهداف والقدرات التي يعتقد الأفرادأو تعتقد الجماعة أنها تتسم بها، أما صورة الآخر فهي على هذا الأساس عبارة عن مركب من السمات الاجتماعية والنفسية والفكرية والسلوكية التي ينسبها فرد ما أو جماعة ما إلىالآخرين الذين هم خارجها" (أبو العينين، 1999).
إن صورة الآخر تحيل على الواقع الذي بنيت فيه: عندما يكون المجتمع في قوته وتكون ثقافته في مداها لا يكون الآخر مشكلة ولا جحيماً، وعندما يفقد الآخر قوته ومناعته، وتهتز ثقافته وتنكمش دفاعاً عن الذات، يصبح الآخر المهدد لها عدواً لا ترى غيره (طاهر،1999).
تعددت مستويات تمثل الآخر في الرواية العربية بوجه عام، من مطلق الرفض إلى محاولة التفريق بين "آخر" و"آخر" إلى محاولة "أنسنة" هذا "الآخر" إلى الرغبة في الالتقاء معه في منتصف الطريق، من خلال الشراكة أو التعايش، مع ملاحظة أن الصورة النمطية عن الآخر اليهودي ما تزال تلقى التعامل بحذر شديد معه.
مستويات الصراع بين الأنا والآخر في رواية ماريا بين السهم والوتر
تعددت مستويات الصراع بين الأنا والآخر في الرواية، وفيما يلي سيتم رصد تمثلات الأناوالآخر كما بدت في الرواية.
أولاً: صورة الذات الفردية الأنا:
ثانيا: المونولوج
تستدعي رواية " ماريا بين السهم والوتر " المونولوج ليعبر عن أزمة الراوي وصبوته وأحلامه، ويكشف من خلالها عن علاقاته مع الحياة والمجتمع، وعبر مناجاة النفس، عملت الرواية على تقديم أفكار الراوي وهواجسه وتخيلاته تقديماً مباشراً من الشخصية الى المتلقى من غير "حضور للمؤلف، ولكن مع افتراض وجود الجمهور افتراضاً صامتاً"( ) وهذه التقنية وظفتها الرواية لتفتح له الطريق معبداً للاطلال على عالم الشخصية الداخلي، وهو تكنيك نابع فيما يرى إريك أورباغ من تمثيل الكاتب لما يعد قبل كل شيء، من افرازات الوعي المضطرب، المتقلب لدى النفس الانسانية( ). كانت ماريا تستدعي الأحداث التي مرت بها منذ أن تركتها والدتها المسيحية واحتضنها والدها المسيحي الذي أقدم على الانتحار لتنتقل لبيت عمتها التي تتزوج مسلما ثم تدخل في مرحلة الزيجات الأربع من مسلمين بعد أن أسلمت وأنجبت طفلا مسلما .. هذا المونولوج وظفته الروائية لتظفر بسرد يمكنها من التدخل في سيرة الراوي / البطل ( ماريا ) وتفرض عليها اللغة التي تراها ملائمة في كل محور من محاور العمل .
صورة الذات الفردية الأنا:
وهي صورة بطلة الرواية، ماريا، فتاة مسيحية أسلمت بعد أن تجاوزت الثانوية العامة وعاشت مع عمتها المسيحية التي تزوجت مسلما ، ترى نفسها مخلصاً للآخر المسيحي من معتقداته، ومخلصاً للآخر المسلم الذي بعد عن عقيدته الأصيلة.
ترد رواية "ماريا بين السهم والوتر" بضمير المتكلم على لسان شخصية تعرف بنفسها منذ الأسطر الأولى للنص، ومن المعلوم أن ضمير المتكلم لا يعني ضرورة التماهي بين أعوان السرد الثلاثة: الراوي والشخصية والمؤلف، وإنما هو في النص السردي علامة دالة على الراوي وهو كائن ورقي لا وجود له إلا في عالم التخييل. ما الذي تسرب من هذا الضمير الأجوف الذي لا مرجع له إلا المقام الذي يحضر فيه حتى أوحى بأن له صلة خفية بذات المؤلف المرجعية .
كانت ماريا ترى نفسها نموذجا يصعب أن تجد له مشابها في واقعها الأليم ، فبعد أن أسلمت أنكرتها عمتها وأمها ، ليتلقفها أربعة رجال تزوجوها خلال عشر سنوات تراها ماريا أنها سنوات الضياع .
صورة الآخر في رواية ماريا
الآخر المسيحي :
تدور الرواية على الصراع بين الذات المسلمة المتحولة عن المسيحية ، لذا فإن الآخر المسيحي كان لها بالمرصاد محاولا إحداث فجوة بين العلاقة الفردية مع الله والعلاقة مع المجتمع ، وقد ظهرت أبعاد هذه العلاقة الموترة بين الذات المسلمة والأخر المسيحي من خلال :
- عمة ماريا : وهي امرأة مسيحية متزوجة من مسلم ، متعصبة للمسيحية ، كانت قد ربت ماريا منذ أن تركتها أمها وهي طفلة صغيرة إلى أن تحولت للإسلام وهي في بداية العقد الثاني من عمرها ، فطردتها عمتها من بيتها ولم تسمح لها بالعودة إلا بشرط واحد : ترك الإسلام والعودة للمسيحية ، وهنا يظهر مدى الصراع بين تحقيق الاستقرار المكاني ( العودة لمنزل آمن ) والاستقرار العقدي ( الاسلام أو المسيحية ) .
- عم ماريا : وهو رجل مسيحي عاد من ألمانيا بعد انقطاع عن العائلة لسنوات طويلة ، يلتقي بماريا ويقدم لها النقود والذهب مقابل مطلب واحد فقط : ترك الإسلام والعودة للمسيحية ، وهنا يعود الصراع ليظهر في صورة أخرى : المال مقابل العقيدة .
- هاني شماس الكنيسة : عشيق ماريا المسيحي الذي وجدت فيه شابا نبيلا معطاء كريما حنونا ، راودت ماريا فكرة الزواج منه مدنيا ... ترددت ثم عرضت عليه الإسلام لتتزوج منه بعد ساعة فرفض ... غاب هاني وبقيت ماريا معلقة به . وهنا يأتي البعد الثالث : صراع العشق / الدين .
- موظفة السفارة : مديرة قنصلية دولة أجنبية ، كانت تعامل ماريا بلطف ، وعندما اكتشفت أن ماريا كانت مسيحية طردتها من العمل .
الآخر الجنسي :
قدمت الرواية عند الحديث عن الآخر الجنسي الرؤية الإسلامية التي تتسم بالكلية ؛ وتهدف أساساً إلى إدماج الجنس بوصفه تجربة حياتية يومية، فالإسلام يقر بالجنس دون لبس أو إبهام، بل تقودنا رؤية الإسلام للجنس إلى ممارسة المسلمين الجنسية، وهي قضية بالغة الدقة بلا ريب، غير أنها تبرر مفهوماً يتعذر وجود ما يدانيه رحابة واتساعاً " فالإسلام يسمح بممارسة الجنس ضمن إطار النكاح مدمجاً إياه في المجتمع وفي الحياة العامة بواسطة حث المؤمنين وحضهم على أخذ نصيبهم من متع الجنس" .
فالآخر المشتهى مصدر للذة والسعادة والرضا، وتقوم العلاقة الجنسية هنا على المستوى الجسدي الذي يتجلى في العيون والجسد والمشاعر والأحاسيس . فإذا كانت ماريا قد واجهت صراعا مع الآخر المسيحي فإنها في صراعها مع الآخر الجنسي كان مع المسلمين ، وتمظهر هذا في صور أذكر منها :
- علي التركماني : سائق تكسي في الأربعين من العمر ، زوج ماريا الأول ، يعيش مع أسرة عبرت ماريا عنها بأنها " أسرة واقعة " حيث ضبطت ماريا زوجها يزني بأخته على فراشها ، ولما أخبرت أمه وإخوانه كان ردهم باردا ، بل طلبت أمه منها أن تطلقه لتزوجها من ابنها الثاني مناكفة لزوجته العنيدة ، فكانت هذه العائلة ترى ماريا بأنها جسد يباع ويشترى ، فتركتهم ماريا لتبحث عن قدر آخر .
- سامر الوهابي : فني ألمنيوم ، شاب في بداية العقد الثاني من العمر ، من أسرة فقيرة ، زوج ماريا الثاني ، انجبت منه طفلها محمدا ، كان أحب الأزواج إليها و أقربهم إليها ، طلقته بعد أن عجز عن تقديم الطعام والشراب لها ولطفلها . تعود إهانتها وضربها لتجد نفسها أخيرا في المحكمة تطلب الطلاق .
- أبو النمر : عجوز في السبعين من عمره ، صاحب مطعم ، ميسور الحال ، زوج ماريا الثالث ، تزوجها عشرة أيام لم يتمكن خلالها من مضاجعة ماريا على الرغم من حبوب الفياجرا التي كان يتناولها ، في اليوم العاشر انكشف أمر زواجه السري منها ، طلقها بعد أن دفع لها خمسة عشر ألف دينار .
- وليد : مشرف حفلات في مدينة العقبة ، تعرفت عليه ماريا يوم أن كانت تعمل في العقبة ، زوج ماريا الرابع ، كان متزوجا من برتغالية ، حلمت معه أن تعيش بأمان بعد أن فتح الله عليهم باب الرزق ، ساءت علاقته معها بعد أن عادت زوجته الأولى البرتغالية ، طلقها ، وخرجت من هذا الزواج ظافرة بأدوات المنزل الكهربائية التي سرقتها من منزل الزوجية بعد انقطاع زوجها عن تقديم مؤنة العيش لها .
- خالد : عشيق ماريا المخلص ، خياط في حي بسيط ، الشخص الذي كانت ترى نفسها معه إنسانة ، عرضت عليه أن يتزوجها مسيارا فرفض ، حالت بينهما ظروف الحياة .
- فادي : موظف فندق في العقبة ، تبادلا الحب لأيام ، لم تجد ماريا معه سوى الوعود ، فانقطعت عنه .
- موظفون وأصحاب محلات : موظف فندق في وسط عمان ، وصاحب محل ألبسة في جبل الحسين ، وصاحب محل مواد تجميل في الزرقاء ، كلهم طاردوا ماريا الجسد ، وعرضوا عليها الزنى أو تحرشوا بها ، وعرضوا عليها السكن أو المال أو لقمة العيش أو العمل مقابل الجسد . كانت ماريا تدافع عن شرفها أمام هذه الاغراءات متسائلة : ما قيمة المرأة بلا شرف ؟!

مختتم
 تبدو صيرورة تمثل الأنا والآخر في الرواية مشهداً يدفع في سياق تاريخي وعقدي، يتجلى في الصراع الديني بوصفه
 ليس الآخر المسلم أو المسيحي، كما يتجلى في الرواية خيراً كله ولا شراً كله، وهذا من ثوابت الفكر العربي وما ترسخ في روايات القرن التاسع عشر وما بعده
 إن مشكلة الأنا مع الآخر تتمترس في استحالة النظر إلى الآخر على أنه رافد من روافد الأنا، فما يفرق الأنا مع الاخر أكثر مما يجمعها، فأسباب القطيعة الاجتماعية والثقافية والعقدية تشكل عائقاً أمام وشائج التلاقي.
 يتداخل صوت الراوي في السرد كثيراً مع النسيج اللغوي وتعبر الشخصية عن ذاتها وأفكارها وآمالها من خلال تيار الوعي ومناجاة النفس والديالوج.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف