تأَبَّطَ تَمْرًا سميرالهواري
( أوراق منتزعة من سفر الجوع )
سميرالهواري
رغم الوهن الذي استوطن جسده منذ مدة بعيدة ، لم تمنعه طول المسافة من ركوب دراجته الهوائية عابرا الجسر العتيق باتجاه الضفة الأخرى من النهر ، إنتابته همة آملة جعلته يجدّ في قطع الطريق ، متحسسا جيبه بين الفينة والأخرى حيث نقوده التي أودعها محفظته ؛ كانت آخرما تبقى من ثمن القلادة الذهبية التي باعها منذ أيام ليشتري بثمنها بضعة كيلو جرامات من الذرة العتيقة التي ستخلطها زوجته مع أشياء أخرى باتوا لا يعرفون ما هي ؛ فغاية ما ينشدون ، أن يكون هناك خبزما يسكت البطون الجائعة .
ذكروا أن هناك مخازنا للتمر في الجهة الأخرى عبر النهر ؛ قال أحد المتحدثين :
لماذا هذا التكالب !! إن هو إلا تمر يستخدم كعلف للحيوانات ؛ حاول أن يضحك فخرج الهواء من أنفه في سخرية مريرة .
صفع وجهه هواء بارد أدمع عينيه ، لاحت أمام عينيه دمعة حاولت زوجته أن تخفيها وهي تنزع قلادتها ، فشعر بالعجز .
الحياة هنا لم تعد كسابق عهدها ، يد القسوة طالت كل شئ ، أنشبت مخالبها في وداعة الصباح ، خنقت ضحكات الأطفال ، وأسالت الكحل على خدود الإباء ، خلفت الندوب غائرة في خواصر البيوت ، ووجوه الشوارع التي شوهتها الحفر ، حتى النخيل هنا لم يسلم من القتل .
الأسعار ترتفع بسرعة جنونية لا يعادلها إلا ارتفاع أصوات القصف الذي اعتقل الأمان ملقيا به نحو هاوية العدم ؛ المواد الغذائية تنضب وتتلاشى من الأسواق ، ومعها الأمل حتى التمر المحصول الرئيسي للوطن هو أيضا تخلى عنهم ، لم تعد هناك أدنى قيمة للنقود وللإنسان أيضا .
تواتر الدراجات على الطريق أعاده إلى مشهد ظل يلح على ذاكرته استحضره في محبة يشوبها الألم ؛ تذكر حين أعلنت الحرب على الوطن ، نزوح سكان العاصمة باتجاه غرب القلب ، ذلك الشعور باللهفة ، الأبواب المشرعة ، والموائد العامرة بالمحبة .
إنتابته قشعريرة جعلته يتوقف ، طرقت ذاكرته سنوات الحصار وكيف أنها لم تكن بهذه القسوة الدراجات المتتالية تحثه على الإسراع فاستأنف سيره وصدى أغنية قديمة ينسال إلى وجدانه
في وجع ( هلي يامن ضيعوني ).
لم يكن صعبا أن يظفر بكيس كبير من التمر رغم الأعداد المتزايده على الشراء ، تأبطه بقوة ثم احتضنه وهو يرفعه واضعا إياه في صندوق الدراجة بعناية شديدة ؛ لاحت له وجوه أطفاله
فرحة باسمة ، فلمعت عيناه وامتطى دراجته في نشوة .
( أوراق منتزعة من سفر الجوع )
سميرالهواري
رغم الوهن الذي استوطن جسده منذ مدة بعيدة ، لم تمنعه طول المسافة من ركوب دراجته الهوائية عابرا الجسر العتيق باتجاه الضفة الأخرى من النهر ، إنتابته همة آملة جعلته يجدّ في قطع الطريق ، متحسسا جيبه بين الفينة والأخرى حيث نقوده التي أودعها محفظته ؛ كانت آخرما تبقى من ثمن القلادة الذهبية التي باعها منذ أيام ليشتري بثمنها بضعة كيلو جرامات من الذرة العتيقة التي ستخلطها زوجته مع أشياء أخرى باتوا لا يعرفون ما هي ؛ فغاية ما ينشدون ، أن يكون هناك خبزما يسكت البطون الجائعة .
ذكروا أن هناك مخازنا للتمر في الجهة الأخرى عبر النهر ؛ قال أحد المتحدثين :
لماذا هذا التكالب !! إن هو إلا تمر يستخدم كعلف للحيوانات ؛ حاول أن يضحك فخرج الهواء من أنفه في سخرية مريرة .
صفع وجهه هواء بارد أدمع عينيه ، لاحت أمام عينيه دمعة حاولت زوجته أن تخفيها وهي تنزع قلادتها ، فشعر بالعجز .
الحياة هنا لم تعد كسابق عهدها ، يد القسوة طالت كل شئ ، أنشبت مخالبها في وداعة الصباح ، خنقت ضحكات الأطفال ، وأسالت الكحل على خدود الإباء ، خلفت الندوب غائرة في خواصر البيوت ، ووجوه الشوارع التي شوهتها الحفر ، حتى النخيل هنا لم يسلم من القتل .
الأسعار ترتفع بسرعة جنونية لا يعادلها إلا ارتفاع أصوات القصف الذي اعتقل الأمان ملقيا به نحو هاوية العدم ؛ المواد الغذائية تنضب وتتلاشى من الأسواق ، ومعها الأمل حتى التمر المحصول الرئيسي للوطن هو أيضا تخلى عنهم ، لم تعد هناك أدنى قيمة للنقود وللإنسان أيضا .
تواتر الدراجات على الطريق أعاده إلى مشهد ظل يلح على ذاكرته استحضره في محبة يشوبها الألم ؛ تذكر حين أعلنت الحرب على الوطن ، نزوح سكان العاصمة باتجاه غرب القلب ، ذلك الشعور باللهفة ، الأبواب المشرعة ، والموائد العامرة بالمحبة .
إنتابته قشعريرة جعلته يتوقف ، طرقت ذاكرته سنوات الحصار وكيف أنها لم تكن بهذه القسوة الدراجات المتتالية تحثه على الإسراع فاستأنف سيره وصدى أغنية قديمة ينسال إلى وجدانه
في وجع ( هلي يامن ضيعوني ).
لم يكن صعبا أن يظفر بكيس كبير من التمر رغم الأعداد المتزايده على الشراء ، تأبطه بقوة ثم احتضنه وهو يرفعه واضعا إياه في صندوق الدراجة بعناية شديدة ؛ لاحت له وجوه أطفاله
فرحة باسمة ، فلمعت عيناه وامتطى دراجته في نشوة .