الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الرواية عند البيضان بقلم: أحمد بطاح

تاريخ النشر : 2016-02-13
قد تبدو للقارئ للوهلة الأولى غرابة العنوان أعلاه، لا لأن مجتمع "البيضان" مجتمع اشتهر بالشعر أكثر من النثر فقط، بل تتعلق تلك الغرابة بالعنوان نفسه، وحتى أزيل "قلق العبارة" عن هذا العنوان سأعرف أولا بمجتمع البيضان، وهو المجتمع الذي يقطن الرقعة الممتدة جغرافيا من "واد نون" شمالا إلى نهر السينغال جنوبا ومن جبال الإفوغاس شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا، وهي الحوض المسمى ب "حوض البيضان" ويجمع هذا الحوض كلا من جنوب المغرب وشمال موريتانيا وشمال مالي وأجزاء من جنوب غرب الجزائر والنيجر وشمال السينغال. وعرف مجتمع البيضان بكونه مجتمع صحراوي من أصول عربية، يتشكل من مجتمعات هي مزيج من قبائل عربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية نحو شمال إفريقيا واختلطت بقبائل صنهاجية، وخلال احتكاك دام قرونا نشأ المجتمع البيضاني الناطق باللهجة "الحسانية" باعتبارها خليطا بين اللغة العربية الفصحى والأمازيغية. وقد ارتبط عيش الإنسان البيضاني بالصحراء وانعكست هذه العلاقة على نمط اللباس والمأكل وحتى التفكير.
بعد هذا الاستهلال البسيط عن مجتمع البيضان سأحاول الحديث عن الرواية في هذا المجتمع، إلا أن حديثي عن هذا الجنس الأدبي سيستهدف فقط المجال الجغرافي الذي أنتمي إليه، أعني جنوب المغرب، أي وادنون وإقليم الصحراء الغربية. فعلى الرغم من الخلافات السياسية التي ما زالت تعيشها المنطقة إلا أن ذلك لم يمنع من تكون تجارب روائية جديرة بالمتابعة والتعريف بها، وبالرغم أيضا من ارتباط مجتمع هذه الرقعة الجغرافية بالصحراء، ونحن نعرف الارتباط الوثيق بين فضاء الصحراء والجنس الأدبي المرتبط بها وهو الشعر، إلا أن ذلك لم يقف حجر عثرة من اقتحام عالم النثر في أحدث تجلياته وهو الرواية، لقد اشتهر الصحراويون عموما بتعاطيهم للشعر ونبوغهم فيه وهو الأمر الذي جعل الإنسان البيضاني شديد التعلق به، لكن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها الصحراويون بإقليم الصحراء الغربية، والهجرة من الصحراء نحو المدينة، وتشكل مدن حديثة بجنوب المغرب كالعيون وكليميم والطنطان جعل الكثير من المثقفين البيضان يتحولون من الشعر إلى الرواية، وهو أمر لا يدعو للغرابة، فكما رأى "هيغل" وتلميذه "جورج لوكاتش" أن الرواية وليدة البورجوازية والتحول من نمط فلاحي إلى نمط صناعي أدى إلى تكون المدن وهو الأمر الذي يفسر هذا التحول.
ولعل أول تجربة روائية في هذا المجال كتبت في أواخر التسعينات (1997) للكاتب أحمد قاري تحت عنوان "لا أحد يعرف ما أريده" والتي يقول عنها الناقد "بوزيد الغلى" في كتابه "دراسات صحراوية" الصادر عن "دار فضاءات" طبعة 2015 في الصفحة 61: "تنهض رواية لا أحد يعرف ما أريده للأستاذ أحمد قاري الفائزة بجائزة دار الفكر للرواية والقصة عن عام 1997، نصا من بواكير النصوص الروائية الصحراوية..." ولم تقف الاصدرات الروائية في الصحراء عند هذا الحد، بل تتالت بعد ذلك لتعرف في العقد الثاني من الألفية الثالثة ازدهارا واضحا تمظهر من خلال إنتاج عدة نصوص روائية بدءا من رواية "بقايا أحلام عزة" للكاتب "يحضيه بوهدا" ثم رواية "بوح الذاكرة وجع جنوبي" للكاتبة "الباتول المحجوب" ورواية "شموخ مقبرة" للكاتب "محمد أحمد الومان" ناهيك عن رواية "الحب الآتي من الشرق" للكاتب "أحمد بطاح" و "وصايا جدي" للكاتب "إبراهيم أكراف" ثم رواية "كولومينا" للكاتب "محمد النعمة بيروك" التي توجت بجائزة مؤسسة عبد القادر الحسيني الثقافية بالقاهرة، هذا بالإضافة إلى نصوص أخرى مطبوعة وقيد الطبع والنشر. ولعل القارئ لهذه النصوص سيقف عند حجم النضج التي تتميز به شكلا ومضمونا، وحتى يخلو حديثي من المجاملات فورشة الكتابة الروائية التي نظمت مؤخرا بمدينة العيون وأشرفت عليها الناقدة الروائية "زهور أكرام" أحد أعضاء لجنة جائزة البوكر وناقدة معروفة بالوسط العربي، أبانت بالملموس عن مدى أهمية التجربة الروائية في الصحراء، وأعلنت عن انبهارها بالمستوى التي وصلت إليه الرواية في هذه الربوع، وحتى يتضح الأمر للقارئ أكثر فلا طريق أفضل من قراءة تلك المنجزات المتاحة ورقيا وإلكترونيا في الشبكة العنكبوتية.
وقد تنوعت التيمات التي عالجتها هذه النصوص الروائية، لكنها لم تنفصل عموما عن هموم الإنسان عموما والعربي على وجه الخصوص، فما بين المعاناة داخل السجون وقسوة الجلاد، كانت معاناة أخرى جراء تجارب حب بين شخصيات عديدة حكت عن معاناتها، كما حكت أخرى عن معاناة من نوع آخر، اجتماعية كانت أو مادية أو سيكولوجية، إلا أن القاسم المشترك بين كل هذه النصوص هو أنها لم تخرج من عباءة الرواية الكلاسيكية خاصة على مستوى الشكل، حيث ظلت تستحضر الأبعاد المعروفة لهذه الرواية، بالرغم من محاولة إدخال بعض التقنيات الجديدة كتقنية تعدد الأصوات في رواية "لا أحد يعرف ما أريده" ورواية "الحب الآتي من الشرق" ثم تقنية تعدد المنظور السردي والمزاوجة بين الرؤية من خارج والرؤية من الداخل... وإذا أخذنا مثلا النصوص التالية: "كولومينا" و "الحب الآتي من الشرق" و "بقايا أحلام عزة" نجد أنها نصوص لا تخرج عن إطار الروايات الاجتماعية التي تثير مواضيع لصيقة بهموم المجتمع خاصة في ظل التحولات السوسيولوجية التي يعرفها المجتمع الصحراوي وما تطرحه من مشاكل جديدة، حاولت هذه النصوص نقلها في قالب سردي مجسدة مقولة "ستاندال": "الرواية مرآة تتجول في الشوارع" والنقل هنا ليس نقلا فوتوغرافيا يعتمد التصوير المباشر بل كان تشخيصا للإشكالات وإثارة للأسئلة ودفع المتلقي إلى فعل التفكير في هموم الشخصيات من خلال طرح عديد من التساؤلات التي تجعله يعيد النظر في الكثير من الأمور، وذلك عبر تعدد أساليب الحوار من حوار خارجي "ديالوج" إلى حوار داخلي "مونولوج" والحوار ألاسترجاعي "تيار الوعي" وغيره من التقنيات التي لا تجعل المتلقي في علاقة مباشرة بالواقع، بل تنقله إلى مستوى النقد وطرح التساؤلات واتخاذ موقف من العالم الروائي الذي ينخرط فيه، وهي المهمة الجديدة التي حملتها الرواية على عاتقها، من خلال تحولها من نص تشويقي إلى نص فكري يقود القارئ إلى البحث عن ممكنات جديدة للتفكير في عالمه واستكناه مضامين أخرى له.
بالرغم من الغنى الذي تعرفه النصوص الروائية في الصحراء، وعلى امتداد حوض البيضان إلا أن حجم الالتفاتة لها ما زال متأخرا لا على المستوى العربي فقط بل حتى على المستوى المحلي، وهو الأمر الذي ما زال يشكل مطبة كبرى في وجه روائيين بيضان جلهم من الشباب لم تتح لهم الفرصة بعد لنقل هذه التجربة الروائية إلى مستوى التجارب الطليعية على المستوى العربي بل وحتى المستوى العالمي لما تزخر به من طاقات تحمل على عاتقها مسؤولية الكتابة الرصينة والهادفة إلى خلق جيل جديد أكثر وعيا بالإشكالات التي تعيشها الذات العربية في ظل التشظي الذي تعرفه والمشاكل السياسة التي تعصف بها مؤخرا وإعادة إحياء التجربة العربية السابقة التي أنجبت روائيين كبار من حجم نجيب محفوظ وشعراء من حجم محمود درويش الذين غيبهم الموت قبل أن يشهدوا التحولات الكبيرة التي وقعت في العقد الثانية من هذه الألفية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف