سلطان السلاطين وعبيد القصر
بقلم د. أكرم إبراهيم حماد
كانت لي جولات في بلاد إفريقيا استمرت لسنوات عشتها بين شعوب هذه القارة الطيبون ، فقد عشنا مع الأفارقة سنوات طويلة في نيجيريا والنيجر، وتشاد وغيرها من بلاد إفريقيا، وكان من الذكريات التي لا تنسى زيارتنا في أحد الأيام برفقة زميل أردني للشيخ بن فوديو فقد كان رجلاً عالماً تقياً ورعاً ، يلقبه أهل مدينته (كانو) بسلطان السلاطين، ويمثل بالنسبة لسكان المدينة الأب الروحي ، فكثيراً ما يلجأ إليه الناس لحل مشاكلهم، أو لمساعدتهم ، يتمتع بتلك البنية الجسمية القوية التي يتمتع بها كثير من الأفارقة ، وذاك الطول الممشوق، معتمراً تلك العمامة الكبيرة، وكانت زيارتنا له بناء على ترتيبات تمت مع أحد أصدقائه الذي اتصل به وأخبره أن صديقين من الأكاديميين العرب يودون زيارته ، وما إن وصلت سيارتنا بوابة القصر الذي يقطنه وجدنا في استقبالنا لفيف من رجال السلطان ، وأخذوا يدقون طبول الترحيب على عادة أهل الهوسا (إحدى القبائل الإفريقية) وخرج السلطان مرحباً وتقدمنا إلى مضافته التي يستضيف بها ضيوفه وتبادلنا أحاديث كثيرة حول أمور الدين والدنيا وكان مما استرعى انتباهنا وجود الكثير من الخدم لديه وسألناه عما إذا كانوا يقيمون لديه، فأوضح الأمر لنا بأن هؤلاء عبيد موجودن في القصر لخدمة القصر وهم يعيشون في أرض السلطان هم وعائلاتهم ، وأنهم ولدوا وتربوا وعاشوا في المكان وقد كان آباؤهم من قبل في خدمة القصر أيضاً ، وأنهم راضون بمعيشتهم ويتولى السلطان توفير مستلزمات حياتهم من مأكل ومشرب ومسكن، إلى جانب منحهم رواتب شهرية نظير خدمتهم للقصر، وأنهم سعداء بوضعهم هذا ويرفضون الخروج لمعترك الحياة خارج القصر .
نعم إنهم خلق من خلق الله ارتضوا لأنفسهم هذا النمط من العيش، فهم اختاروا أيسر السبل وأسهلها وكم في هذا الكون من هذه الغرائب والعجائب ، ارتضوا ببساطة العيش وأسهله ، وربما في جوانحهم طيبة القلب وصفاء السريرة ونقائها ، وهم في هذا جانبوا عبيد السلاطين الآخرين الذين ارتضوا أن يكونوا عبيداً للسلاطين ليس بحثاً عن يسر الحياة وسهولتها، فهناك الكثير من عبيد السلاطين الذين لم يتمكن المرء من كشف حقيقتهم وسبر أغوار حياتهم، الذين ارتضوا أن يكونوا عبيداً للسلاطين بحثاً عن سلطان زائل، أو بحثاً عن مصالح ومآرب يسعون لتحقيقها والحصول عليها، أو بحثاً عن سبل رخيصة للانتقام من الآخرين وربما دون وجود أسباب موجبة لهذا الانتقام سوى الحسد وما يتولد عنه من حقد في النفس ، إن لم يدفعه باتجاه الآخرين ربما قتل صاحبه نفسه .
إن الحرية لمن أرادها منبع كرامة وشهامة ووفاء وصدق ، وإن العبودية لمن أرادها مذلة وهوان على النفس وإن رفعت صاحبها للأعالي، فهو كفقاعة امتلأت بالهواء فخف وزنها وحملتها الرياح وطارت، فإذا ما صادفت قشة خفيفة حملتها أيضاً الرياح فسوف تفسدها وتخرج هواءها لتصبح جسماً لا معنى له سوى أنها نقطة ماء سرعان ما يجففها الهواء .
بقلم د. أكرم إبراهيم حماد
كانت لي جولات في بلاد إفريقيا استمرت لسنوات عشتها بين شعوب هذه القارة الطيبون ، فقد عشنا مع الأفارقة سنوات طويلة في نيجيريا والنيجر، وتشاد وغيرها من بلاد إفريقيا، وكان من الذكريات التي لا تنسى زيارتنا في أحد الأيام برفقة زميل أردني للشيخ بن فوديو فقد كان رجلاً عالماً تقياً ورعاً ، يلقبه أهل مدينته (كانو) بسلطان السلاطين، ويمثل بالنسبة لسكان المدينة الأب الروحي ، فكثيراً ما يلجأ إليه الناس لحل مشاكلهم، أو لمساعدتهم ، يتمتع بتلك البنية الجسمية القوية التي يتمتع بها كثير من الأفارقة ، وذاك الطول الممشوق، معتمراً تلك العمامة الكبيرة، وكانت زيارتنا له بناء على ترتيبات تمت مع أحد أصدقائه الذي اتصل به وأخبره أن صديقين من الأكاديميين العرب يودون زيارته ، وما إن وصلت سيارتنا بوابة القصر الذي يقطنه وجدنا في استقبالنا لفيف من رجال السلطان ، وأخذوا يدقون طبول الترحيب على عادة أهل الهوسا (إحدى القبائل الإفريقية) وخرج السلطان مرحباً وتقدمنا إلى مضافته التي يستضيف بها ضيوفه وتبادلنا أحاديث كثيرة حول أمور الدين والدنيا وكان مما استرعى انتباهنا وجود الكثير من الخدم لديه وسألناه عما إذا كانوا يقيمون لديه، فأوضح الأمر لنا بأن هؤلاء عبيد موجودن في القصر لخدمة القصر وهم يعيشون في أرض السلطان هم وعائلاتهم ، وأنهم ولدوا وتربوا وعاشوا في المكان وقد كان آباؤهم من قبل في خدمة القصر أيضاً ، وأنهم راضون بمعيشتهم ويتولى السلطان توفير مستلزمات حياتهم من مأكل ومشرب ومسكن، إلى جانب منحهم رواتب شهرية نظير خدمتهم للقصر، وأنهم سعداء بوضعهم هذا ويرفضون الخروج لمعترك الحياة خارج القصر .
نعم إنهم خلق من خلق الله ارتضوا لأنفسهم هذا النمط من العيش، فهم اختاروا أيسر السبل وأسهلها وكم في هذا الكون من هذه الغرائب والعجائب ، ارتضوا ببساطة العيش وأسهله ، وربما في جوانحهم طيبة القلب وصفاء السريرة ونقائها ، وهم في هذا جانبوا عبيد السلاطين الآخرين الذين ارتضوا أن يكونوا عبيداً للسلاطين ليس بحثاً عن يسر الحياة وسهولتها، فهناك الكثير من عبيد السلاطين الذين لم يتمكن المرء من كشف حقيقتهم وسبر أغوار حياتهم، الذين ارتضوا أن يكونوا عبيداً للسلاطين بحثاً عن سلطان زائل، أو بحثاً عن مصالح ومآرب يسعون لتحقيقها والحصول عليها، أو بحثاً عن سبل رخيصة للانتقام من الآخرين وربما دون وجود أسباب موجبة لهذا الانتقام سوى الحسد وما يتولد عنه من حقد في النفس ، إن لم يدفعه باتجاه الآخرين ربما قتل صاحبه نفسه .
إن الحرية لمن أرادها منبع كرامة وشهامة ووفاء وصدق ، وإن العبودية لمن أرادها مذلة وهوان على النفس وإن رفعت صاحبها للأعالي، فهو كفقاعة امتلأت بالهواء فخف وزنها وحملتها الرياح وطارت، فإذا ما صادفت قشة خفيفة حملتها أيضاً الرياح فسوف تفسدها وتخرج هواءها لتصبح جسماً لا معنى له سوى أنها نقطة ماء سرعان ما يجففها الهواء .