الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

خاتم قمح بقلم:تهاني فتحي

تاريخ النشر : 2016-02-10
خاتم قمح بقلم:تهاني فتحي
خاتم قمح - تهاني فتحي

الثامنة مساءً وسبعة وأربعون ريشة قد خلعها الإنسان من كتف العصفور، أجلس أمام العائلة ولا يصل رئتاي سوى رائحة السجائر القوية والرخيصة. إنّهم يتحدّثون عن أسعار الدجاج والثورة الفلسطينية والخيارات المطروحة. أصعد إلى السطح لأحدِّق في وجه المخيم وأسمح للبرد أن يتسلَّل إلى عظامي رويداً رويداً ومع كلّ ثانية يزحف عميقاً يتراجع الغضب إلى الخلف تاركاً رأسي فارغاً مخدّراً، مرّة سألتني فتاة مقرّبة مني في ذاك الوقت، اليوم نحن أغراب؛ قالت: متى أصير عاقلة يا
تهاني ويقفز قلبي؟ أذكر إنَّني ابتسمت يومها وشبكت يداي الاثنتين على وضعية مهد وأخذت أأرجحهما يميناً ويساراً كأنّني أداري طفلاً صغيراً وأجبتها: حين تصبحين أمّاً. قبل فترة قصيرة أصبحت أمّاً بالفعل وقالوا لي أنّها عاقلة الآن وقلبها يقفز، إنّها تملك فتاة جميلة بأصابع كالسكّر. البرد شيء يشبه السحر،
أنا التي أملك رفاهية الوقوف أمامه باختياري أضاعني الحنين على عدّة جبهات، كلّ الضحكات التي سالت من فمي اليوم الآن أدفع ثمنها طواعية من أجل التفكير!
لكّن، دقيقة واحدة أولئك الذين يجلسون الآن في منتصفه مُجبرين هل تنمو وتكبر ذاكرتهم أيضاً على شكل حقولٍ من الجروح اليابسة وتلسعهم قلوبهم فوق الجوع؟ كيف ترى وتسمع كلّ شيء ثم تقرِّر أن تسحب كلّ هذا إلى الخلف وتقف بزوج عيونٍ أمام
الصمت محاولاً فهم ماهية الفقد الذي تعرّضت له بفعل إنسانيتك، هذا الفقد الذي يلوي العنق وهذه الأجزاء المتوقّفة عن العمل في داخلك لأنّ أعزّائك ذهبوا وتركوك تنشد أغاني الريح والحصاد؟ أنا حقّاً غبية وحمقاء، ما كان يجب أن أضحك كثيراً وبسخاء، ما كان يجب أن أضحك كطفلة يشتمها والديها لعدم اكتراثها وهيّ
لا تهتم إلا بتلك اللعبة الصغيرة التي يبدو أنّها بخير بين يديها، كم مرّة تحدّثت إلى الباب والسّيارت المارقة وكنت أتلّقى إجابات موفية بالغرض أكثر من إجابات أمي وأبي المختصرة. كنت أرى الملائكة وهم يغرقون في تحليل حفلة الشيطان الكبيرة على الأرض. ما كان يجب أن أضحك كثيراً قبل ساعتين لأبكي الآن لأنّ أحدهم خدش سور البيت وترك حفرة كبيرة في جذع الشجرة القريبة! أقضم شفتاي وأعدًّ على أطرافي كم قلباً وبيتاً خسرت في الحرب الأخيرة. أريد نظارة جديدة وبرميل مليء بزيت الذرة لأعطيه لجارتنا التي تحبُّ أختي، عائلة زوجها لا تدع
لها زيتاً ولأنّ رائحتها جميلة حين تعانقني غصباً عني لا أريد رؤيتها حزينة.
الجميع من حولي مكتّظ بالأقنعة وأنا أقضم أظافري هذه المرّة وأتأبط وجع أقدامه التي لا ترغب بالصمود، دمي يتحوّل لونه إلى الأزرق وهذا جميل وشاعريُّ لكنّه سيقتُلني بعد قليل! الفقد؟ هل وقف على باب قلبك كشَفرةٍ حديدية ومسح عليه بورقّة حادّة؟ إذا فعل: مباركٌ فأنت الآن أكملت رحلتك نحو الإنسانية ومقرّها
حيث لا جنّة. أمي تلمس وجهي في الحلم منذ ليلة ونهارٍ غامق وتقول شيئاً لم أفهمه، أنثر وصاياي أينما ولّيت فأنا لا أعرف متى يخذلني وجهي ويسقط. أنا لست خائفة من الموت بقدر ما أصبحت البارحة خائفة من صوت ارتطامه بصدر أبي وأخي، بعد درسي الأول منذ الوصول قرَّرت أن يمنحني الله رحيلاً هادئاً قبلهم جميعاً، أما درسي الذي وقع عليّ اليوم فهو لا بأس، ليرحلوا هم جميعاً قبلي فهذا أهون عندي من ألمهم. " إن الشيء الذي يقتلك هو الذي يتركك تدرك معنى أن تكون حيّاً.
" أحدِّق في وجه المخيم وكل ما أفكِّر به هو الشعر الدافئ لشابٍ يملك ابتسامة جميلة من العريش، الشاعر الوحيد الذي خاف مثلي انقراض الجدّات وأتسائل؟ جدّتي التي عملت طوال عمرها آذنة بسيطة كي لا تحرم أبنائها شيئاً، ماتت دون وداع، ماتت وقد تخلّت ذاكرتها عنها، حين نسيت الجميع ولم تنسى اسمي، وبعد أن رحلت قالت لهم: كان في عندي بنت هون اسمها تهاني ليش زعلتوها؟ جدّتي التي أراحها الزهايمر من الخيبات، ولم أكن الندى الذي تساقط على تراب قبرها، ماتت دون شاهدة قبر، ماتت وهي تحلم أن تضع في يدها يوماً خاتماً واحداً من الذهب! يا
الله، أريد راتباً واحداً محترماً فقط ثم لتذهب الحكومات والسلطات إلى الجحيم، سأشتري خاتم ذهبٍ بنقشة قمح وأدفنه إلى جانبها، أمنحها شاهدة جيدّة وأكتب: هنا يرقد القلب المطمّئن. ستي؟ هل تسمعينني؟ أنا تهاني السيئة. أقف أمام المخيم وبين الحشد أستلّ وجهك كما يستلّ البرد ظهري.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف