الأخبار
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ابن القيصر سلطان ترجمة : حماد صبح

تاريخ النشر : 2016-02-04
قصة / ابن القيصر سلطان ترجمة : حماد صبح 
في مملكة بعيدة من بلادنا ، وفي ماضي الزمان السحيق ، كانت ثلاث أخوات مجتمعات في ساحة بيت أسرتهن يتحدثن ، ويتخيلن ما ستفعله كل واحدة منهن لو تزوجها القيصر . قالت أولاهن إنها ستولم وليمة كبرى لكل الناس ، وقالت الثانية إنها ستنسج مناديل وأغطية سرر لكل الناس ، وقالت الثالثة إنها ستنجب للقيصر " وريث عرش جميلا باسلا لا شبيه له " . وسمع القيصر الذي كان وراء سور بيتهن حديثهن ، فراقه حديث الثالثة ، وشغفه هواها ، وطلب الزواج بها ، وتزوجا في نفس الليلة ، وسرعان حملت بولد . ومنح القيصر إحدى أختيها وظيفة طباخة ، ومنح الأخرى وظيفة نساجه في قصره . وبعد أشهر قليلة اضطر القيصر للذهاب إلى الحرب ومفارقة زوجته . ووضعت زوجته في غيابه ولدا ، وأرسلت إليه فارسا يحمل النبأ السار . وشعرت الأختان وصديقة لهما اسمها بارباريكا بالغيرة القاتلة لحسن حظ أختهما ، فاختطفن الفارس واستبدلن به رسولا حملنه رسالة تقول : " لم تضع زوجتك الملكة ولدا ولا بنتا ولا حتى فأرا أو ضفدعا ، وإنما وضعت مخلوقا صغير الجسم منكرا " . ولما قرأ القيصر الرسالة انتابه الشعور العنيف بالخزي والعار ، وأرسل رسالة مضادة إلى زوجته يأمرها بانتظار رجعته والامتناع عن أي تصرف . والتقت الأختان المتآمرتان الفارس في طريق رجعته وأسكرتاه ، واستبدلتا برسالة القيصر رسالة مزيفة تأمر بوضع الملكة ووليدها في برميل وبقذف البرميل في البحر . ولأنه ما كان من سبيل لمعصية أمر القيصر وضع حراس القصر الاثنين في برميل وحدروه صوب البحر . وخلال بكاء الأم داخله قوي ابنها قوة سريعة بحساب الدقائق لا بحساب الأيام ، وتوسل إلى الأمواج أن تدفعهما إلى بر من البرور ، فاستجابت الأمواج توسلاته الضارعة ، وألفى نفسه مع أمه مرميين على شط جزيرة خالية ، وكانا حينئذ في جوع قاسٍ ، فصنع لنفسه قوسا وسهما من دقاق أعواد الشجر ، وراح يصيد ما يتقوتان به . وسمع قرب شط البحر صيحة حادة ، ورأى بجعة تعسة نصارع صقرا كبيرا أسود ، فأرسل سهمه والصقر يهم بغرز منقاره في عنق البجعة ، وأسال دمه في البحر ، فسبحت البجعة إليه وشكرته وقالت : لم تقتل صقرا وإنما قتلت ساحرة شريرة ، وسأخدمك ما حييت جزاء إنقاذك لحياتي .
وعاد إلى أمه وأخبرها بمغامرته ، ونام الاثنان نوما عميقا مع أنهما كانا لا يزالان جائعين عطشين . واستيقظا صباح اليوم الثاني ، فرأيا مدينة عجيبة حيث لم يكن في المكان من قبل أي عمران ، وأخذ الاثنين العجب من القباب الذهبية للأديرة والكنائس القائمة وراء أسوار المدينة البيض . 
قال الشاب : عجبا ! انظري يا أمي ما صنعت البجعة ! 
ودخل الاثنان المدينة وحياهما الناس في صخب وأصوات عالية ، وتوجوا الشاب أميرا عليهم وسموه الأمير جفيدون .
ويوما كانت سفينة تجارية تبحر قرب الجزيرة ، فرأى بحارتها المدينة العجيبة ذات الأسوار ، وأطلقت مدفعية المدينة عدة طلقات إشارة دعوة للسفينة لتقترب من الشاطىء . ورحب الأمير جفيدون بالبحارة وقدم إليهم الطعام والشراب ، وسألهم عما لديهم من بضائع للبيع ، وما وجهتهم . فقالوا : نحن تجار فراء ، وفي طريقنا إلى جزيرة بويان حيث مملكة القيصر سلطان .
فطلب منهم نقل تحياته واحتراماته إلى القيصر . ومع أن أمه أخبرته من قبل عن الرسالة التي أدت إلى طردهم من مملكة القيصر فإنه كان لا يزال يحسن الظن بالناس ، ولا يصدق ان أباه يمكن أن يطردهما من المملكة . وحزن وهو يفكر في أبيه ويرى التجار يتأهبون لمفارقة الجزيرة .
سألته البجعة : ماذا حدث ؟! ما علة حزنك الكبير هذا ؟! 
فرد : بي رغبة عارمة لرؤية أبي القيصر .
وبضربة هاجت رذاذ الماء قلبت البجعة الأمير بعوضة ليتمكن من تخبئة نفسه في شق في السفينة القاصدة بلاد القيصر .
وحيا القيصر التجار حين وصلت سفينتهم إلى مملكته ، وسألهم أن يخبروه عن البلاد التي مروا بها ، فحدثوه عن الجزيرة ، وعن مدينتها المسورة ، وأطروا كرم الأمير جفيدون ، ولم يعلم القيصر أن الأمير جفيدون ليس إلا ابنه ، وأبدى رغبته لرؤية المدينة الجميلة مهما كلفه ذلك . ولم ترغب الأختان والعجوز بارباريكا في ذهابه إليها ، وتصرفن بما يوحي أنه ما من شيء مثير عجيب في قصة البحارة ، وقلن : " العجيب حقا سنجاب يجلس في ظل شجرة تنوب ، ويكسر حب جوز ذهبي يحوي حب زمرد خالص ، ويغني ، هذا هو العجيب حقا " ، ولما سمعت البعوضة التي هي الأمير جفيدون الحقيقي كلامهن هاج غضبها ولسعت عين العجوز اليمنى ، وطارت إلى الجزيرة ، وأخبرت البجعة بقصة السنجاب التي سمعتها . واستعاد الأمير خلقته ، ثم دخل قصره ، ويا للعجب العجاب ! ها هو السنجاب يجلس في ظل تنوبة ويكسر حبات الجوز، فسر عظيم السرور بما رأى ، وأمر ببناء بيت بلور للحيوان الصغير ، وجعل عنده حرسا لحمايته ، وأمر كاتبا بتسجيل كل قشرة جوز كسبا له وإكراما للسنجاب . وبعد حين قدمت سفينة أخرى إلى الجزيرة قاصدة بلاد القيصر ، ومرة ثانية أخبر القيصر البجعة بشوقه لرؤية والده ، فقلبته ذبابة ليختبىء في شق بالسفينة . وعندما بلغت بلاد القيصر حدثه بحارتها عن السنجاب العجيب الذي رأوه ، فرغب في رؤية المدينة الخرافية ، لكنه أحبط ثانية حين سمعت الأختان والعجوز بارباريكا قصة البحارة ، وتحدثن عن أعجوبة أكبر هي أعجوبة الفرسان الشبان الوسماء الثلاثة والثلاثين بقيادة العجوز تشيرنومور وراء البحار الهائجة ، فغضب منهن جفيدون الذبابة غضبا عاتيا ، ولدغ عين بارباريكا اليسرى ، ثم طار عائدا إلى الجزيرة . وهناك أخبر البجعة بقصة تشيرنومور العجوز والفرسان الثلاثة ، وبكى حزنا لحرمانه من رؤية تلك الأعجوبة ، فقالت البجعة : هؤلاء الفرسان من البحار العظمى التي أعرفها . لا تحزن ! هؤلاء الفرسان إخوتي وسيأتونك .
وعاد الأمير بعد ذلك وارتقى برجا في قصره ، ورنا إلى البحر ، وبغتة ارتفعت موجة هائلة واندفعت عميقا نحو الشاطىء ، وعندما انحسرت خرج ثلاثة وثلاثون فارسا دارعين يقودهم العجوز تشيرنومور في جاهزية تامة لخدمة الأمير جفيدون ، ووعدوه بأنهم سيخرجون يوميا لحماية المدينة . وقدمت إلى الجزيرة بعد عدة شهور سفينة ثالثة، ورحب الأمير ببحارتها على مألوفه ، وطلب منهم إبلاغ القيصر تحياته واحتراماته. وحين تجهزوا للرحيل أخبر البجعة بأنه لا يستطيع نسيان أبيه ، وبأنه مشتاق لرؤيته ، فقلبته نحلة . وبلغت السفينة المملكة وأخبر بحارتها القيصر سلطان عن المدينة العجيبة التي رأوها ، وكيف أن ثلاثة وثلاثين فارسا بقيادة العجوز تشيرنومور يخرجون يوميا من البحر لحماية الجزيرة ، فتعجب القيصر ورغب في رؤية البلاد العجيبة ، ومن جديد سفهت الأختان والعجوز بارباريكا خبر المدينة ، وقللن قيمة قصة البحارة ، وقلن إن العجيب حقا لا ميناً أن أميرة تعيش وراء البحار وأنها مذهلة الحسن حتى إن الإنسان لا يستطيع صرف عينيه عنها ، وأن " حسنها يخبو نور النهار إزاءه ، ويضيء ظلمة الليل الأغطش ، وأن كلامها يشبه صوت جدول الماء حين ينساب رهوا ، هذه هي الأعجوبة حقا " ، فغضب جفيدون النحلة من كلامهن غضبا عارما ولدغ أنف بارباريكا . وحاولن منعه من السفر إلا أنه عاد إلى الجزيرة سالما . وهناك سار إلى شاطئها والتقى بالبجعة ، فسألته : ما علة حزنك الكبير ؟! فأخبرها أنه حزين لكونه بلا زوجة ، وحدثها عن الأميرة التي يضيء حسنها ظلمة الليل ، وينساب كلامها انسياب الجدول الرهو الرقراق ، فصمتت لحظة ، ثم قالت إن هذه الأميرة موجودة حقيقة ، وأردفت : " لكن الزوجة ليست قفازا يرميه الإنسان متى شاء " ، فرد بأنه يعلم ما تقول ، لكنه متأهب للرحيل بقية عمره وبلوغ زوايا الأرض الأربع بحثا عن الأميرة العجيبة ، فتنهدت البجعة وقالت : " لست في حاجة للرحيل ، لست في حاجة لأن تجهد نفسك ، المرأة التي تحبها ماثلة أمام ناظريك ، أنا الأميرة العجيبة " ، ورفرفت بجناحيها وصارت الأميرة الجميلة التي سمع بها . وتعانق الاثنان وتبادلا القبلات في وجد وشغف ، وأخذها إلى والدته ، وتزوج الاثنان في ذات الليلة . وبعد حين قصير وفدت سفينة جديدة إلى الجزيرة ، ورحب ببحارتها على مألوف عادته ، وحملهم عند رحيلهم تحياته إلى القيصر ، ودعوة إليه لزيارة الجزيرة ؛ لأنه قرر ألا يغادرها هذه المرة لوجود زوجته فيها . ولما بلغ البحارة مملكة القيصر أخبروه بالجزيرة العجيبة التي شاهدوها ، وبالسنجاب الذهبي الذي يكسر الجوز ، وبالفرسان الثلاثة والثلاثين الدارعين الذين يأتون من البحر ، وبالأميرة الحلوة التي لا شبيهة لها في حلاوتها . ولم يصغ القيصر هذه المرة إلى الآراء المزيفة للأختين ولبارباريكا ، وأعد أسطوله وأبحر من لحظته ميمما الجزيرة . ولما بلغها وجد جفيدون في استقباله ، وقاده دون أن يكلمه في صحبة أختي زوجته وبارباريكا إلى القصر ، فرأى القيصر في طريقه كل ما سمع عنه : رأى الحراس الثلاثة والثلاثين والعجوز تشيرنومور يحرسون بوابات القصر ، ورأى في فنائه السنجاب العجيب يغني ويكسر الجوز الذهبي ، ورأى في الحديقة زوجة جفيدون الأميرة الحُسانة ، ، ثم رأى ما لم يكن في حسبانه : رأى في جوار الأميرة والدة جفيدون ، زوجته المفقودة منذ زمن بعيد ، فتعرفها في اللحظة ، واندفع لمعانقتها والدموع تسيل فيضا على خديه ، ونسي الاثنان آلام القلب وتهاميمه التي دامت سنين مِدادا . وعرف عندئذ أن الأمير جفيدون هو ابنه ، فتعانق الاثنان ، وأقيمت وليمة سعيدة ، واختبأت الأختان وبارباريكا خزيا وخجلا ، وعثر بهما في الختام ، فانفجرن باكيات منتحبات واعترفن بكل ما اقترفن ، وعفا عنهن القيصر لما كان فيه من سعادة كبرى ، وعاش هو والملكة وجفيدون والأميرة بقية حياتهم سعداء .
*من القصص الشعبي الروسي 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف