جواز سفر
أحياناً نحتاج لشيء يحرّك إنسانيتنا غير الأخبار والصحف المثقّلة بصور الدماء النازفة وقصص نزوح وهروب اللاجئين "الروتينية"، نحتاج لشيء أقرب للواقع بعيداً عن كلام الجرائد والرقابة. فيلم "أنا مع العروسة" قدّم لي جرعة مما أحتاج لأدرك القليل ... القليل... من قصص اللاجئين. الفيلم يحكي قصة عرس وهمي تم تمثيله لتهريب خمسة لاجئين سوريين وفلسطينيين من إيطاليا إلى السويد، هذا الفيلم يقدّم عيّنة من الواقع المرير الذي يعايشه أصحاب جواز سفر لا يمنحهم الحياة، الفيلم يستحق المشاهدة علّنا نشعر قليلاً بمعاناة اللاجئين.
فمنذ الدقيقة الأولى من الفيلم، وفور ظهور المشهد الذي تتخاطب فيه عيونهم معنا، وأنا لم أكف عن التفكير ولم يتوقف حزني على أرواحنا المنكسرة، وللأسف كلّ ما كان باستطاعتي أن أفعله هو كتابة هذه الكلمات.
أرى الأمل في عيونهم الهاربة متشبثاً بحبل ليتسلق خارجاً من بئر همومهم المختنقة بين جدران صدورهم المعبّقة بدخان النيران والطلقات الرصاصية، ليصطدم بالأمواج المنكسرة ما بين عيونهم والحياة...
يبحثون عن جواز سفر...
اسمه جواز سفر... ولسخرية القدر وتناقض المسميّات فهو وثيقة "قد" تسمح بكل شيء إلا السفر، ربّما أخطأوا في هذه التسمية، كان من الأجدر تسميته "جواز حياة"، لأن من قرر تقسيم هذه الأرض إلى حدود ... قرر معها تقسيم حق الإنسان في الحياة.
أيُعقل أن يهرب الأطفال والرجال والنساء من موطنهم إلى بلاد أخرى تفصلها حدود يحرسها من حالفهم الحظ وحصلوا على "جواز سفر" ذات "قيمة حياتية" أعلى؟
أيُعقل أن يحاول اجتياز البحار مئات الأبرياء... ويدفعوا آلاف الدولارات ليصادقوا المهرّبين آملين بأن تُفتح نافذة جديدة لهم على الحياة... ومع هذا ورغم القوارب الخائبة... يصل منهم حيّا بضعة عشرات والباقي أضحى مفقوداً أو جثثاً لا قيمة لها في الحياة... وكأنهم أرواحاً غلفتها أجسادٌ مكروهة ومنبوذة في كل بقاع الأرض الموحشة.
أحياتهم ليست جديرة وذات أهمية كبيرة بما يكفي بأن نشاركهم الحياة؟
بأصواتهم المبحوحة... غنّوا للحياة والحرية وبقلوبهم الموجوعة أحبّوا الحياة ولسوء حظهم جواز سفرهم قتلهم...
يااااه... جواز سفر ما هو إلا سلاحاً متّخفياً.
قد يكون معك.
قد يكون ضدك.
كلّه يعتمد على حظك وحظ تلك التي أنجبتك.
والشكر لحظي... فقد أنجبتني أم فلسطينية وحصّتي من الأرض كانت بُقعة من رام الله ولكننا كبرنا ومفهموم الهوية تشتّتْ ومعه الوطن مفهومه صار أكبر، صار أرضاً وبيتاً وأشجاراً وحقلاً يفيح برائحة البرتقال.
الوطن لا هو بندقية ولا هو حدود... الوطن حب وسماء ونجوم وشمس وقمر وأرض بلا حدود.
الوطن هو الإنسان بكامل حقه في الحياة.
بقلم: عبير علان
أحياناً نحتاج لشيء يحرّك إنسانيتنا غير الأخبار والصحف المثقّلة بصور الدماء النازفة وقصص نزوح وهروب اللاجئين "الروتينية"، نحتاج لشيء أقرب للواقع بعيداً عن كلام الجرائد والرقابة. فيلم "أنا مع العروسة" قدّم لي جرعة مما أحتاج لأدرك القليل ... القليل... من قصص اللاجئين. الفيلم يحكي قصة عرس وهمي تم تمثيله لتهريب خمسة لاجئين سوريين وفلسطينيين من إيطاليا إلى السويد، هذا الفيلم يقدّم عيّنة من الواقع المرير الذي يعايشه أصحاب جواز سفر لا يمنحهم الحياة، الفيلم يستحق المشاهدة علّنا نشعر قليلاً بمعاناة اللاجئين.
فمنذ الدقيقة الأولى من الفيلم، وفور ظهور المشهد الذي تتخاطب فيه عيونهم معنا، وأنا لم أكف عن التفكير ولم يتوقف حزني على أرواحنا المنكسرة، وللأسف كلّ ما كان باستطاعتي أن أفعله هو كتابة هذه الكلمات.
أرى الأمل في عيونهم الهاربة متشبثاً بحبل ليتسلق خارجاً من بئر همومهم المختنقة بين جدران صدورهم المعبّقة بدخان النيران والطلقات الرصاصية، ليصطدم بالأمواج المنكسرة ما بين عيونهم والحياة...
يبحثون عن جواز سفر...
اسمه جواز سفر... ولسخرية القدر وتناقض المسميّات فهو وثيقة "قد" تسمح بكل شيء إلا السفر، ربّما أخطأوا في هذه التسمية، كان من الأجدر تسميته "جواز حياة"، لأن من قرر تقسيم هذه الأرض إلى حدود ... قرر معها تقسيم حق الإنسان في الحياة.
أيُعقل أن يهرب الأطفال والرجال والنساء من موطنهم إلى بلاد أخرى تفصلها حدود يحرسها من حالفهم الحظ وحصلوا على "جواز سفر" ذات "قيمة حياتية" أعلى؟
أيُعقل أن يحاول اجتياز البحار مئات الأبرياء... ويدفعوا آلاف الدولارات ليصادقوا المهرّبين آملين بأن تُفتح نافذة جديدة لهم على الحياة... ومع هذا ورغم القوارب الخائبة... يصل منهم حيّا بضعة عشرات والباقي أضحى مفقوداً أو جثثاً لا قيمة لها في الحياة... وكأنهم أرواحاً غلفتها أجسادٌ مكروهة ومنبوذة في كل بقاع الأرض الموحشة.
أحياتهم ليست جديرة وذات أهمية كبيرة بما يكفي بأن نشاركهم الحياة؟
بأصواتهم المبحوحة... غنّوا للحياة والحرية وبقلوبهم الموجوعة أحبّوا الحياة ولسوء حظهم جواز سفرهم قتلهم...
يااااه... جواز سفر ما هو إلا سلاحاً متّخفياً.
قد يكون معك.
قد يكون ضدك.
كلّه يعتمد على حظك وحظ تلك التي أنجبتك.
والشكر لحظي... فقد أنجبتني أم فلسطينية وحصّتي من الأرض كانت بُقعة من رام الله ولكننا كبرنا ومفهموم الهوية تشتّتْ ومعه الوطن مفهومه صار أكبر، صار أرضاً وبيتاً وأشجاراً وحقلاً يفيح برائحة البرتقال.
الوطن لا هو بندقية ولا هو حدود... الوطن حب وسماء ونجوم وشمس وقمر وأرض بلا حدود.
الوطن هو الإنسان بكامل حقه في الحياة.
بقلم: عبير علان