الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

شركة داعش بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2015-12-14
شركة داعش بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
شركة داعش ( عادل بن مليح الأنصاري)

ليس مهما في رأيي المتواضع الحديث عن داعش من حيث الظهور والتنظيم والايدلوجية والتواجد والاستقطاب , والأهم من أنشأها ومن يمولها ومن يحافظ على بقائها كأكبر علامة استفهام في وقتنا الراهن , كل هذه الأحجيات سينكشف عنها الغطاء ذات وقت ولكن غالبا عندما تصبح مجرد معلومات لا تقدم ولا تؤخر , ولا شك ستمر مرحلة الكشف بأطوار تبدأ بتكهنات ثم تقارير مسربة ثم مستندات وشهود واتهامات , ولكن الرابح الأكبر من كل ذلك جمع غنائمه منذ حين واستلقى يراقب القطيع التائه خلف الحقائق الغائبة .
مازلنا في الوقت الحالي في خضم الأحداث , وما زلنا نراقب فوق صفيح ساخن , وربما تذهلنا ضربات وقوة وغموض داعش , وكيف تسببت بكل هذا الصداع للعالم أجمع , مازلنا نتلقى الكثير من الشكوك والاتهامات والإشاعات عن داعش , ولكن في ظل هذا الشلال من الأخبار عن حروبها وضرباتها ومعاركها ووصول يدها لأماكن عديدة في العالم تضاءلت رغباتنا عن انتظار حقائق تكشف لنا سر هذا التنظيم بشكل حقيقي وصادق , وربما تعودنا كعرب أن نتلقى الأحداث ونعايشها ونترك الحقيقة خلف حدوثها للزمن , أو هكذا عودونا ساستنا العظام .
هناك وجهة نظر تقول أن داعش هي امتداد للقاعدة , أو خروج من عباءتها وارتدت عباءة جديدة ربما أكثر عنفا وتطرفا و (غموضا) , وسواء أكانت خروجا من عباءة القاعدة وامتداد عنيف لها أو هي تنظيم جديد اتخذ منهجا مرعبا ودمويا لم تعهده المنطقة العربية قبلا , والمراقب للأحداث لا يعلم من هو عدو داعش الحقيقي , فهي تضرب الجميع وتنحر الجميع , وتتمدد رغم وقوف جيوش ودول واستخبارات عالمية ضدها , ومن ضمن التساؤلات المؤجلة هل نصدق أن الأقمار الصناعية الأمريكية التي كانت تصور أفراد القاعدة في افغانستان في الجبال والوديان وتحت الأشجار في حتى في الليل الحالك , عجزت عن تصوير جيوش داعش بكل راياتهم وآلياتهم وصفوف رجالهم ومركباتهم وفي وضح النهار وعلى أراضٍ مكشوفة ؟
كيف يحاربون شيعة العراق ثم يقتلون سنة سوريا ويفجرون في مساجد السنة قبل الشيعة ؟
كيف يكفرون كل أبناء الإسلام إلا من آمن بمنظَّرهم وشيخهم فقط ؟
كيف يغسلون أدمغة الشباب شرقا وغربا , فيقتل الرجل أقاربه قربانا لرجال لم يشاهدهم أو يسمع منهم وكل ذلك عبر مواقع إلكترونية فقط ؟
ربما تكمن الإجابة أن السحر ليس في تعاليم داعش , ولا في قوة سحرهم وطريقتهم الغريبة والخفية في غسل الأدمغة , ربما داعش ظهرت في ظروف استثنائية لم تبلغها أمة الإسلام وخاصة الشرق أوسطية من الضعف والهوان والتخاذل والخذلان .
فبعد أن انتهت القاعدة من مهمتها ودُحر الروس من أفغانستان , أنغمس القاعديون في مشاكل الأفغان الخاصة وتدخلوا في طريقة قيادة أمراء الحرب السابقين من الأفغان اصحاب الأرض مما ولد الكثير من العداء لهم حتى تطور لحروب تدار من الكل ضد الكل , ولم تهدأ تلك الفوضى إلا بعد أن انقلب العالم على حلفاء الأمس في قتال الروس (القاعده) عليهم وبدأوا يحاربونها كعدو لدود , كان القاعديون يثيرون بعض المشاكل هنا وهناك كنوع من الانتقام أو محاولات يائسة للاستمرار على الساحة الإسلامية كرمز للمقاومة ضد قوى الكفر والاستعمار المتمثل في تدخل القوى (الكافرة) في شؤون العالم الإسلامي , وبعد وفاة الزعيم الأكبر للقاعدة اسامة بن لادن , بدأ نجم القاعدة يتضاءل , وبدأت الجاذبية الإسلامية التي كانت تحيط بهم كملاذ وحيد للمتحمسين إسلاميا لقتال الكفار ودحرهم عن بلاد المسلمين تجف أو تكاد .
في ظل هذه الظروف الاستثنائية تفاقمت حالة الانهزام والهوان العربي والإسلامي , وبدأ العالم يبحث عن بديل لفزاعة الاتحاد السوفيتي التي كانت تحرك أمريكا وأوربا لتجعل من الحلف الأمريكي الأوربي وبعض العرب رباطا مقدسا يجمع تحت مبادئه مصالح عسكرية واقتصادية وسياسية في وجه المسخ الشيوعي المدمر للمدنية (كما صنفوه) .
بعد المؤامرة الكبرى على العرب وتنامي قوى مخيفة لدى العراقيين بسبب حروبهم الطويلة مع إيران , ظهر قائد ذكر الغرب بجنون هتلر القيادية , فهذا صدام حسين المهيب الرهيب جعل من أرض العراق وشعبها قنبلة قادرة على التلاحم والانفجار متى شاء دون رادع يذكر من شعبه أو قيادته , وبدأ المهيب الرهيب يفكر في الخروج من ضائقته الاقتصادية بعد حروبه مع إيران متطلعا لبترول الخليج , هو لم يكتف بتلك الأموال التي سُكبت في خزائنه من حلفاء الدم والجوار والنسب , بل طمع في أكثر من هذا بعقلية القائد الحالم بزعامة عربية يجمع فيها الثروة والقوة والشخصية المهيبة , ليصنع تاريخا خاصا به عبر جلمه بتحرير الأقصى بعد صهر دول الخليج تحت عرش بغداد , فقال مقولته الشهيرة (القاتلة) ,,( سأحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج) , هذا التصريح الذي أعقبه بحكمة حماسية أخرى ( اللهم امنحني ظهرا قويا لا حملا خفيفا ) , هنا تنبه بنو صهيون لهذا القائد المهيب الرهيب القادم من عاصمة الرشيد , متكئا على منطقة نفطية يحلم ويخطط لامتلاكها فيتحكم بمصير الاقتصاد العالمي , ويحلم ويخطط لزعامة عربية وربما إسلامية تكون محركها ومحرقتها إسرائيل .
لن يكون عبثا أو سذاجة أن نقول أن من يتذكر تلك الفترة وكيف ألمحت السفيرة الأمريكية وقتها أن بلادها لا تهتم بالمشاكل في الخليج طالما أن البترول يتدفق على بلادها ولن يتضرر اقتصادها , عقلية الزعامة المهوسة والمتلهفة لإكمال أحلامها وخططها الجهنمية ستفهم بسهولة أن (هذا الطعم) هو ضوء أخضر لابتلاع الكويت الأقرب مكانا والأقرب تاريخا لمطامعه , والتي تعرضت لاتهامات سابقة بالإضرار بزعيم الأمة وقائد قادسية صدام , أرادوا منه بعد أن أدركوا مطامعه وأحلامه أن يفعلها , وفعلها , والتهم الكويت خلال ساعات واثقا أن شرطي العالم سيقف متفرجا عليه وينتظر منه فتح صنبور النفط على أقصاه لهم .
ولكن في سراديب تل أبيب هناك سيناريوا آخر يحاك للمهيب الرهيب , فهذا الذي هدد بحرق نصف اسرائيل يملك جيشا مخيفا ويفصل بينه وبين تل أبيب جيشا عربيا أخر وشعبا شبه مجيش ومن خلفه جيش مصري لن يقف مكتوف اليدين في حالة ما أقدم المهيب المتهور على ضرب اسرائيل , فهذه ثلاثة جيوش لا يؤمن جانبها وسيبدأ بهذه الكارثة زعيم عاش في ثكنات الجند وحارب الصفويين سنوات طوال بكل صبر وجلد ودهاء وعنف .
كان الصهاينة يدركون أن تدمير العراق وجيشه سيكون الضربة القاصمة للجيش السوري والمصري , فصدام لا يمكن أن يتوقع أحد متى يضرب أو كيف , فلا مناص من تدميره أولا , خاصة لو تم تدميره بأيدٍ غير صهيونية , حتى لا تتحمل تبعات الأمر وتستقطب عداء الأمة , فما الحل ؟
الحل أن يُضرب الجيش العراقي بأيدٍ عالمية وبموافقة عالمية ويظل الصهاينة بعيدين عن هذه الجريمة .
وتكتمل فصول الرواية كما سبق , ويدخل صدام الكويت مطمئنا واثقا من نجاح خطته , فيظهر السيناريو الخفي والذي ساهم صدام حسين باكتمال فصوله بتهوره وغدره بحلفاء الدم والتاريخ والأرض والنسب والدين .
بعده انشغل العالم بما يحصل في العراق من تدمير لجيشه ودخول إيران لمفاصل حياته العامة والخاصة وغرقت بغداد الرشيد في بحور الدماء , هكذا عادت صواريخ صدام التي كانت تهدد اسرائيل لقلب بغداد الرشيد .
وتم للصهاينة ما أرادوا وخططوا .
تنفس الصهاينة الصعداء , ولم يفق العالم من متابعة قصص الموت والدمار والتشريد والتطهير الطائفي في العراق , حتى أشعلت نيران (البوعزيزي) العالم العربي مرة أخرى , ولكن هذه المرة امتدت نيرانه للكثير من الدول العربية تحت مظلة الربيع العربي , ومرة أخرى جلس الصهاينة يتفرجون على اشتعال العالم العربي مبتهجين بتلك الفرصة التاريخية التي لم يكونوا يتوقعوها , ولربما تلقوا تلك الشرارة وقاموا بالنفخ فيها عبر مخابراتهم ومخابرات الدول الصديقة والخونة والسفلة لتزيد اشتعالا .
وباسم الربيع العربي لم تعد اسرائيل عدوة العرب الأولى , وحل محلها في بؤرة العداء الإخوان المسلمين , وربما كل ما يمت للإسلام من تعاليم تحث على الكرامة والمقاومة ومحاربة اليهود الغاصبين قتلة الأنبياء ومحتلي فلسطين .
أطل علينا الربيع العربي بشعارات ورموز وشخصيات هزلية ربما .
فهذا بن علي يقول ( الآن فهمتكم ) .
ومبارك يقول (لن أورث الرئاسة لنجلي ) .
وعلي صالح يصرخ ( فاتكم القطار ) .
والقذافي ( من أنتم ) .
وكأن التاريخ العربي المعاصر يذكرنا بمأساة اللفظ العربي الذي انحدرت به القيمة التاريخية وأصبح كلمات جوفاء لا تتضمن إلا السخرية والغباء ومخاطبة الشعوب بلغة الحمقى والمغفلين .
في ظل هذه الظروف الاستثنائية من الخذلان والعهر السياسي والقهر والكبت والاحباط والتدهور الاقتصادي والأخلاقي , وتنامي التسلط والديكتاتورية والفقر والبطالة والفساد الذي مارسته السلطة العربية وتمركز الثروات في ايدي المسؤولين والأقارب والأتباع , ثم مراقبة الإنسان العربي البسيط لهذا الكم من الدمار والتهجير والانتهاكات لكرامة الإنسان العربي في العراق وسوريا , واستمرار القهر والذل الذي يمارسه اليهود على شعبنا في فلسطين .
هنا شعر الشباب المسلم عامة والعربي خاصة أن مرارة الذل لا تحتمل , وتاق لتجربة القاعدة في أول ظهورها ومقاومتها للروس ثم هزيمتهم , وكذلك استحضروا تجربة خطاب وبقية المجاهدين في الشيشان عبر مواقع التواصل التي ساهمت كثيرا في تشكيل الرفض الإسلامي العام نحو هذه انهزامات والخضوع وربما التآمر ضد مصالح الأمة , ولأن القاعدة أصبحت كالرجل المريض الذي فقد القدرة على الطعن والإوجاع وأنهك بالملاحقات وفقد القدرة على التنظيم وفقد سطوعه الإعلامي خاصة بعد مقتل قائده الأول , هنا خرج من تحت رماد القاعدة ما يعرف (بداعش) .
بدأت داعش من قلب الحدث ومن مكمن الوجع , العراق والشام , ربما بدأت إيدلوجيتها تداعب المتحمسين من الشباب ببث روح المقاومة والانتقام من أعداء الأمة كما زعموا في بداياتهم , وتسابق شباب الأمة من داخل وخارج موطن الجراح وحتى من دول العالم كافة في السعي بكل الطرق لكسب شرف الجهاد (كما يعتقدون) , وربما جهل الغالبية العظمى أو لم يهتموا بأجندات داعش الحقيقية أو سياستها الغريبة في تكفير الجميع , واتخاذ وسائل رهيبة في التعامل مع خصومهم , فشاهدنا الذبح والحرق والإعدامات الجماعية , ولم يكونوا يفرقوا بين سني أو شيعي (وإن كان أكثر ضحاياهم من السنة !) , حاربوا الجميع الأكراد السنة , وحاربوا الشيعة , وحاربوا المقاومة السورية , وحاربوا حتى أنفسهم , إيدلوجية غريبة وشيطانية غير واضحة المعالم أو مفهومة للمنطق والعقل .
أعتقد أن داعش كانت في حقيقتها مجرد (رمز) لرفض الشباب المتحمس من ابناء الأمة الإسلامية أينما كانوا لهذا الهوان العظيم , يسعون لها زرافات ووحدانا ومن أقاصي الأرض لأنها الإطار الوحيد الذي يمنحهم حق الرد والانتقام والمقاومة .
ربما الكثير منهم لم ولن يفهم حقيقة افكارهم ونواياهم وتوجهاتهم , فقط يدركون أن اسم (داعش) يرهب أعداء الله كما يأملون ويظنون , فيمنحه الانضمام لهذه الجماعة روح العزة والكرامة المفقودة , ويعوضهم عن ذلك الهوان واليأس والإحباط الذي عم سماء الأمة كما يعتقدون .
ما يحدث اليوم في العراق وسوريا من غطرسة عالمية من روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا من تدمير وتهجير وتطهير طائفي لشعبين عربيين دون هوادة أو رحمة لطفل أو شيخ أو امرأة طغى على ممارسات داعش الغريبة من قتل وذبح وتفجير لكل من خالفهم في عقول أولئك الشباب , فلا صوت إلا لصوت البراميل والصواريخ وبكاء الأطفال والنساء والشيوخ , وطغت تلك الصور للمشردين فوق الثلوج وعلى الرمال وتحت الأسلاك الشائكة , وتحت رحمة وذل الأوربيين لأبناء الشام ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم , وغرقاهم في بحار العالم , وذلهم لكسرة خبز وخيمة بالية وملابس مهترئة , كل ذلك لم يترك ثغرة في عقول ألاف المنظمين لداعش ليجادلوا في سياستها وفكرها وموقفها وحقيقته .
داعش ليست إلا ( رمز ) للمقاومة والهروب من ذل الهوان الذي باتوا يستشعرونه نحو أمتهم .
ولكن المخيف حقا فيما قد يخبئه الغد للعالم كافة من تداعيات داعش .
فداعش اصبحت كشركة عملاقة تمنح المقاولات من الباطن لشركات أصغر , وربما لأفراد هنا وهناك , فقد يضرب شخص أو شخصين أو عدة أشخاص في أمريكا أو اليمن أو كندا أو في دولة خليجية أو في الصين أو البرازيل , وينسبون تلك الضربات لداعش , وقادة داعش لن يرفضوا هذا الشرف الذي منحهم إياه أشخاص لربما لا يعرفونهم أو حتى تواصلوا معهم , فالمنفذ يشعر بالانتقام وحلاوة الثأر وقادة داعش يشعرون بالقوة ويوصلون رسائل مرعبة للدول كافة أننا نضرب في أي مكان ووقت ما نشاء .
داعش أصبحت تمنح مقاولات الإرهاب من الباطن لمن يريد ودون دعم منها أو تخطيط , هم ينفذون وهي تتبنى وتشعر العالم بالرعب وقوة التخطيط وطول اليد .

ولكن كيف الخروج من هذا المأزق الصعب ؟؟

ليس أمام قادة العالم إلا تدمير هذه الشركة وفروعها المجهولة المكان والزمان والعدد والعدة إلا بطريقة واحدة فقط وهي :
تجفيف منابعها وتدمير أساساتها القائمة على الثأر والانتقام والشعور بالقهر والانهزام والذل , والخروج من العراق وسوريا , وانهاء الوضع فيهما بوضع حد للفوضى التي زرعوها هناك فقط لتنعم اسرائيل بالأمن والأمان على حساب تدمير دول وتهجير شعوب وزرع الذل والحقد والكراهية في نفوس شعوبها للأبد نحوهم .
لن تنتهي داعش وتختفي لينعم العالم بالسلام حتى يعود هذا السلام للعراق وسوريا , وتتوقف حملات التخوين والمحاربة للجماعات الإسلامية المعتدلة التي كانت ومازالت تمارس حقها في الوجود عن طريق الانتخابات الحرة وبدعم من قاعدتها الشعبية في بلادها .
لربما يأتي يوم قريب تكثر تلك الشركات التي تمارس إرهاب الباطن وتخلق من فزاعة داعش وحش لن يجعل للنوم سبيلا إلى عيون العالم الغربي المتحضر , وقتها ربما سيدفعون ثمنا باهضا لما فعلوه في الشعبين العراقي والسوري .

مقال ذا علاقة :

http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/06/22/370050.html
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف