الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كلمات صنعت تاريخ وكلمات صفعت تاريخ بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2015-12-08
كلمات صنعت تاريخ  وكلمات صفعت تاريخ بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
كلمات صنعت تاريخ وكلمات صفعت تاريخ

( عادل بن مليح الأنصاري )

تواصلا لما قلناه سابقا عبر مقال : ( الكلمة , الموقف , الرجل الرمز )
نتواصل مع الكلمة , والكلمة في تاريخ العرب لا يمكن أن نعزلها عن قائلها الذي اختار حروفها ومعانيها وما قصد بها وما أراد أن ترمي إليه , وكما قلنا الشعر ديوان العرب , وما الشعر إلا كلمات قالها رجل ما ولم يطلقها جزافا , فالعربي (كان) يدرك خطورة الكلمة وما يمكن أن توصله حروفها لموارد التهلكة أو عروش الرفعة , ولا نشك أن للكلمة دور في تاريخ العرب قديما وحديثا في تدوين بعض صفحات التاريخ , نعم أمة البيان لا يستغرب منها أن تصنع تاريخا يُكتب وأحداثا تُسطر وتبقى رغما عن التاريخ تتصدر بعض أهم صفحاته .
قديما حفظ لنا التاريخ هذه الكلمات ( وا ذلاه يا آل تغلب ) , أطلقتها ليلى بنت مهلهل أخو كليب , أدت هذه الكلمات التي أطلقتها امرأة ذات يوم إلى قتل ملك العرب عمرو بن هند على يد أخو ملك وهو عمرو بن كلثوم .
ملوك تقتل ملوك لسحر الكلمات ومكانتها عند أمة لا تتكلم إلا بما تعرف وتقدر .
وفارس أخر صنع تاريخا ومجدا واسما لن ينساه التاريخ عندما سمع كلمات من أبوه الذي كان يعامله معاملة العبيد , فقال له عندما غزتهم قبيلة معادية (كر يا عنترة) , فقال له عنترة (إن العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب والصر) , فانطلقت إحدى تلك الكلمات التي صنعت مجدا ذات يوم ( كر وأنت حر ) , فعرف التاريخ (عنترة بن شداد العبسي) أسطورة تاريخية عربية تجاوزت حدود الأدب العربي لحدود الأدب والفروسية الإنسانية كافة .
ولنا في تاريخ سيد البشر وفصيح العرب الأول وسيدهم محمد بن عبدالله خير واشرف مثلا على تغيير التاريخ بكلمات , فبدأت رسالته ومن ثم تغيير وجه البشرية بكلمة ألقاه جبريل رسول الوحي إلى قلبه (اقرأ) , ثم تغير وجه التاريخ , ثم كلمة ( فاصدع بما تؤمر ) التي أشعلت فتيل الانفجار والتمدد الإسلامي المقدس والذي حمل لواؤه ثلة من ساكني الصحراء ليوصلوا نور تلك الكلمات من حدود الصين إلى حدود فرنسا .
ولن ننسى كما لن ينسى التاريخ تلك الكلمة المهيبة التي أطلقتها امرأة مسلمة ذات يوم من عمورية في الأناضول ( وامعتصماه ) لتبلغ المعتصم في العراق , وقبل أن تنسى تلك المرأة كلماتها إذا بجيش المعتصم يفتح عمورية ويخرجها من السجن .
وهارون الرشيد قال كلمات تختصر ما وصلت إليه قوة ونفوذ وتمدد الرسالة المحمدية بكل بلاغة وثقة وجمال وإبداع ثقافي ( امطري حيث شئت , فسيأتيني خراجك) .

وكما للعرب تاريخ بطولي تختصره كلمات , كذلك لهم تاريخ مأساوي حفظته كلمات أخرى , فهذه الكلمات : ( ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال ) , , قالتها أم ابي عبدالله محمد الثاني عشر بعد ضياع أخر ممالك الأندلس , لتبق عبارة تأبين تختصر قصة اقتتال ملوك الطوائف على مصالحهم الخاصة لتضيع مصالح الأمة في طريق صراعاتهم .
ويستمر انحدار الكلمات تزامنا مع انحدار مكانة الأمة , فعندما جلجل عبدالناصر بمقولته المشهورة ( ما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة ) , ربما لم يتعدى صداها سقف حلقه ثم غابت لتلحق بدموع أبي عبدالله محمد الثاني عشر .
وهذا صدام حسين زلزل خيالاتنا بمقولته الشهيرة ( سأحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج ) , ولم نفق بعد كلماته تلك إلا بعد ضياع العراق وتدمير قادسية صدام , واستعمار الشعب العراقي من قبل الصفويين , وتلاها انتقام اليهود من عنتريات العرب الخائرة بتدمير سوريا وجيشها وشعبها ومدنها وجاء أحفاد ( راس بوتين ) ليكملوا تلك المأساة .
ثم اكتملت مهازل العرب بــــ(جحا يحكم المدينة) .
عندما كان العرب يمجدون الكلمة , ولا يطلقوها إلا بحقها , ويحافظوا على شرفها وأمانتها , سادوا وزرعوا الرعب في قلوب أعدائهم , ولكن عرب اليوم باتوا أول الساخرين والمستهزئين بتلك القوة التي امتازوا بها يوما على غيرهم , كانت معجزة دينهم الكلمة , وتحركهم كلمة , ويحاربوا من أجل كلمة , وتسقط عروش وتبنى عروش بكلمة , وتطير رؤوس بكلمة .
ربما لم تحفظ لنا ذاكرة التاريخ من ذلك الماضي التليد إلا ما نعرفه اليوم والذي برع فيه قادة العرب وزعمائهم الأشاوس ألا وهي أن ( الكلمة ) قد تطير الرؤوس فقط .
بدأت أجيال بني يعرب بالامتعاض من لغتهم (النووية) و وبدأوا يسخرون ويحتقرون تركيبها ومفرداتها , ولا يعرفون عنها إلا من مصادر السخرية والتهكم , فاستبدلوا بعض مدلولاتها بكلمات أجنبية وباتوا يتفاخرون بها , وتطلع علينا كل يوم عبر نوافذ التواصل بكلمات وجمل ربما (ساقطة) أحيانا لتحلق عاليا في سماء ثقافاتنا السطحية البائسة و باتت اللهجات العامية تُشهر وتشتهر بما لم يتوفر للمعلقات السبع .
.
.
باختصار ,, انهارت الكلمة فانهار العرب .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف