حالةٌ فردية أم قضيةُ جيل؟
بقلم: د. سـائـد الـكونـي
تخرجت منذ فترة وجاءت إلى مكتبي بصحبة صديقتها تسألني عن إمكانية مساعدتها في إكمال تعليمها الجامعي خارج الوطن. سررت بسؤالها فقد عرفتها طالبة ذكية، لمّاحة، مؤدبة، خجولة وملتزمة، وإن كانت قليلة النقاش والمشاركة في قاعة الدرس. أسعدني أن ألمس لديها مثل هذه الرغبة والإصرار وسط جمعٍ غفير من زملاء لها يعيشون يومهم ولا يفكرون بغدهم، وكونها أنثى وجدت في ذلك رُقي فكر وعلو همة وثقة لديها ولدى أهلها، فليس بالأمر الشائع أن يتحدى ولي أمر عادات مجتمعه ويرسل إبنته وحيدةً لبلاد الفرنجة، وهي أيضاً ممارسةٌ عملية لإحترام مجتمعنا الفلسطيني لحقوق المرأة ودورها الطليعي في الأسرة وخارجها.
بإهتمام ودافعية قوية لمساعدتها بدأت بسؤالها مستفسراً منها عن وجهة سفرها وغايتها منه، وسارعت تحدثني بانبهار شديد عما طالعته على الإنترنت من مظاهر الرفاهية والحياة الكريمة في تلك البلدان، متغنيةً ببساطتها وسهولتها، وما توفره حكوماتها من مساعدات كريمة وسخية لسكانها المحليين والمغتربين، فرجعت بي الذكريات إلى الوراء لعشرات السنين، حينما كنت في مرحلة الدراسة الثانوية، وأخبرني أحدهم ممن يعيشون في جنان الله على الأرض، عن طيب العيش هناك وبدأت حينها أنا الآخر برسم أحلامي بالسفر إلى بلاد الفرص والنجاحات، ولكنّ صديقي ترك لي على ما يبدو أن أكتشف بمفردي لاحقاً حجم المصاعب اليومية التي يواجهها الطالب أو الإنسان المغترب عموماً، فالأمور ليست جميعها وردية كما يُصورها الكثيرون، فهنالك المُر كما هو الحلو، وهكذا أحببت إطلاعها على جوانبٍ ومصاعبٍ وتحدياتٍ على ما يبدو لم تقرأ أو تعلم عنها، لتكون على بينة من أمرها وتعد لها العدة كما ينبغي، وتسافر وهي مُسلحةً بإرادة التحدي والإصرار على تحقيق مسعاها وتسير نحوه بخطى واثقة ومدروسة، ولتعود بعد حين لبلادها مكللةً بآيات الفخر والنجاح.
ولكن سرعان ما بدأت فرحتي بالإنحسار، وبدء ينتابني بدلاً منها شعورٌ بالإحباط عندما تبين لي أن فكرة مواصلة التعليم ما هي إلا واجهةٌ لرغبة جامحة للهروب من واقع حالي، وزاد ذلك الشعور لدي عمقاً استعدادها حتى للهجرة غير الشرعية إن لم تُفلح مساعيها بالحصول على فيزا دراسية توصلها الى تلك الجنان، وبدى لي أنها غير مُنصتةً لنصائحي أو آبهة بما قد ينتظرها من تحديات!!!!
وسألت نفسي هل هي حالة فردية أم قضية جيل؟ وفي كلا الحالتين، من يتحمل المسؤولية ؟، وفي خاطري حديثه صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالامام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته".
بقلم: د. سـائـد الـكونـي
تخرجت منذ فترة وجاءت إلى مكتبي بصحبة صديقتها تسألني عن إمكانية مساعدتها في إكمال تعليمها الجامعي خارج الوطن. سررت بسؤالها فقد عرفتها طالبة ذكية، لمّاحة، مؤدبة، خجولة وملتزمة، وإن كانت قليلة النقاش والمشاركة في قاعة الدرس. أسعدني أن ألمس لديها مثل هذه الرغبة والإصرار وسط جمعٍ غفير من زملاء لها يعيشون يومهم ولا يفكرون بغدهم، وكونها أنثى وجدت في ذلك رُقي فكر وعلو همة وثقة لديها ولدى أهلها، فليس بالأمر الشائع أن يتحدى ولي أمر عادات مجتمعه ويرسل إبنته وحيدةً لبلاد الفرنجة، وهي أيضاً ممارسةٌ عملية لإحترام مجتمعنا الفلسطيني لحقوق المرأة ودورها الطليعي في الأسرة وخارجها.
بإهتمام ودافعية قوية لمساعدتها بدأت بسؤالها مستفسراً منها عن وجهة سفرها وغايتها منه، وسارعت تحدثني بانبهار شديد عما طالعته على الإنترنت من مظاهر الرفاهية والحياة الكريمة في تلك البلدان، متغنيةً ببساطتها وسهولتها، وما توفره حكوماتها من مساعدات كريمة وسخية لسكانها المحليين والمغتربين، فرجعت بي الذكريات إلى الوراء لعشرات السنين، حينما كنت في مرحلة الدراسة الثانوية، وأخبرني أحدهم ممن يعيشون في جنان الله على الأرض، عن طيب العيش هناك وبدأت حينها أنا الآخر برسم أحلامي بالسفر إلى بلاد الفرص والنجاحات، ولكنّ صديقي ترك لي على ما يبدو أن أكتشف بمفردي لاحقاً حجم المصاعب اليومية التي يواجهها الطالب أو الإنسان المغترب عموماً، فالأمور ليست جميعها وردية كما يُصورها الكثيرون، فهنالك المُر كما هو الحلو، وهكذا أحببت إطلاعها على جوانبٍ ومصاعبٍ وتحدياتٍ على ما يبدو لم تقرأ أو تعلم عنها، لتكون على بينة من أمرها وتعد لها العدة كما ينبغي، وتسافر وهي مُسلحةً بإرادة التحدي والإصرار على تحقيق مسعاها وتسير نحوه بخطى واثقة ومدروسة، ولتعود بعد حين لبلادها مكللةً بآيات الفخر والنجاح.
ولكن سرعان ما بدأت فرحتي بالإنحسار، وبدء ينتابني بدلاً منها شعورٌ بالإحباط عندما تبين لي أن فكرة مواصلة التعليم ما هي إلا واجهةٌ لرغبة جامحة للهروب من واقع حالي، وزاد ذلك الشعور لدي عمقاً استعدادها حتى للهجرة غير الشرعية إن لم تُفلح مساعيها بالحصول على فيزا دراسية توصلها الى تلك الجنان، وبدى لي أنها غير مُنصتةً لنصائحي أو آبهة بما قد ينتظرها من تحديات!!!!
وسألت نفسي هل هي حالة فردية أم قضية جيل؟ وفي كلا الحالتين، من يتحمل المسؤولية ؟، وفي خاطري حديثه صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالامام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته".