الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحق وحده لا يكفي بقلم: رائد محمد الدبعي

تاريخ النشر : 2015-11-30
الحق وحده لا يكفي بقلم: رائد محمد الدبعي
الحق وحده لا يكفي
بقلم: رائد محمد الدبعي

        هل عدالة قضية ما كافيا لتحقيقها النصر؟ وهل  حصول الشعوب على الحرية مرهون بما تجود به من تضحيات فقط؟ وهل من المحتم  أن يقترب موعد النصر بزيادة عدد الثكالى والأرامل، واليتامى وحجم نحيبنا على من نفقد من الأعزاء ؟ وهل ابتهالاتنا الصادقة ودعواتنا الحارة من على محاريب المساجد، والكنائس كفيلة وحدها  بتحسين الواقع المعاش؟   

     لو كانت النتائج تقاس بالتضحية وحدها لما تفتح  الجيل الفلسطيني الرابع تحت حراب المحتلين، ولو كانت الإبتهالات وحدها كافية لتحقيق الأماني لما كانت القدس تحت براثن غول التهويد والأسرلة،  فشعبنا من أكثر شعوب الأرض اتقانا  لزراعة  الحقول الوعرة بالتضحية،  إلا أن مواسم الحصاد، ومنذ ما يزيد عن القرن من الزمن تصر على العناد، وتتلكأ على بعد خطوة من موعد فجر الحرية.

   أتقنت الحركة الصهيونية ولا زالت استخدام لغة القوة والمصالح، واستغلت  كل الفرص والظروف لتحقيق أطماعها الإستعمارية، وسيطرتها على فلسطين، وتهجير يهود العالم اليها، بمن فيهم يهود العالم العربي، مستخدمة مختلف الوسائل المتاحة، بغض النظر عن شرعيتها، بما في ذلك رأس المال الصهيوني العالمي، ووسائل الإعلام،  متقنة فن التغلغل واستغلال الصراعات الإقليمية والدولية، ولحاق الدول بحبل مصالحها،  لفرض نفسها قوة إقليمية وعالمية مؤثرة، في الوقت الذي لا زلنا  عربا وفلسطينيين منذ عشرات السنوات نوهم أنفسنا وأجيالنا المتعاقبة، أن عدالة قضيتنا، كافية للخلاص من المحتل.

   تعتبر اليونان والهند من الأمثلة البارزة على اتقان اسرائيل لغة المصالح في إحداث الإختراق، فقد كانت الأولى تاريخيا من أبرز أصدقاء العرب، ومن المناصرين المبدئيين لشعبنا وثورته المعاصرة، وينظر العديد من اليونانيين للشعب الفلسطيني بأنهم أحفاد اليونانيين،  وقد كان لرئيس الوزراء اليوناني "أندرياس باباندريو" موقفا صلبا ضد العدوان الإسرائيلي لبيروت عام 1982، واستطاع انتزاع قرارات إدانة هامة لاسرائيل  من السوق الأوروبية المشتركة، كما أن السفن التي نقلت مقاتلي منظمة التحرير من لبنان هي سفن يونانية، وأثينا كانت وجهة ياسر عرفات الأولى في رحلته من بيروت إلى تونس، كما أن اليونان لم تقدم على تبادل السفراء مع اسرائيل إلا عام 1992 .

    استطاعت إسرائيل التسلل إلى اليونان،  واختراقها اقتصاديا، وسياسيا، وأمنيا وعسكريا، مستغلة أزمتها  الإقتصادية، لتؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات، منذ العام 2010، حينما دشن " جورج باباندريو"، العلاقات مع إسرائيل،  القائمة على تبادل المصالح، فقد وجدت إسرائيل بالمجال الجوي اليوناني بديلا عن التركي لتنفيذ التدريبات الجوية العسكرية بعد فتور  العلاقات مع الأخيرة، كما وجدت بها ممرا استراتيجيا مستقبليا لتصدير الغاز المكتشف في منطقة شرق المتوسط إلى أوروبا، بالإضافة الى المكاسب الإقتصادية جراء صفقات السلاح بين الطرفين.

   فيما وجدت أثينا في التقارب مع  إسرائيل عاملا هاما للخروج من أزمتها الإقتصادية الخانقة،  من خلال تأثير يهود العالم على البنوك العالمية، ومؤسسات التقييم السيادي العالمية، وحاجة اليونان لداعمين ومستثمرين، وكذلك للسياحة الإسرائيلية،  بالإضافة إلى حاجتها  للاصطفاف  الأمريكي في الصراع القبرصي، من خلال بوابة اسرائيل.  

    تتنوع  أوجه  التعاون الإسرائيلي مع اليونان، في مجالات حماية نظام التنقيب وتوزيع الغاز الطبيعي ومراقبة المناطق البحرية، ومجالات الطاقة ومكافحة الكوارث المناخية والبيئية والسياحة والآثار وتعاون الشركات الخاصة، وكذلك في الميادين العسكرية والأمنية، والذي تمخض عنه قرار منع إبحار " أسطول الحرية 2" عام 2011، إلى قطاع غزة، نتيجة للضغوط الإسرائيلية.

    على الرغم من ترؤس اليساري " أليكسيس تسيبراس " الحكومة اليونانية، والذي اتهم اسرائيل بقتل الأطفال والمدنيين خلال العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، حينما كان رئيسا للمعارضة، إلا أن حكومته لا زالت تتلكأ في الإعتراف بدولة فلسطين، لأن ميزان المصالح ينزاح للجانب الإسرائيلي، والإعتراف المزمع في ديسمبر القادم بحضور الرئيس الفلسطيني داخل البرلمان اليوناني، كان من المفروض أن يتم قبل عام على الأقل، إلا أن قراءة اليونان المتأنية لخريطة القوى والمصالح لا زال يؤجل القرار .

    أما الهند التي   تضم ما يقارب 17.5 من سكان الأرض، وتلي الصين في عدد السكان، فقد شكلت تاريخيا داعما أساسيا وثابتا  للقضية الفلسطينية، فلم تعترف بقرار 181، ورفضت الإعتراف بإقامة دولة على أساس ديني، ولم تعترف بإسرائيل إلا عام 1950،  كما رفضت الهند عام 1966 نزول الرئيس الاسرائيلي " زالمان شازار" من طائرته في نيودلهي في طريقه لبورما، والهند إحدى الدول المؤسسة لمجموعة دول عدم الإنحياز،  وعندما نشر  المستشار في السفارة المصرية في نيودلهي " مصطفى الفقي " مقالا في مجلة السياسة الدولية في القاهرة خلال فترة ترأس انديرا غاندي  لمجلس الوزراء  حول مستقبل العلاقات الإسرائيلية الهندية، تقدم  السفير الهندي في القاهرة باحتجاج رسمي على مجرد التجرؤ بالشك في أن الهند ستتجه يوماً ما لتعزيز علاقاتها مع إسرائيل .

     استطاعت اسرائيل اختراق الموقف الهندي بشكل متسارع، وذلك بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وتوقيع اتفاقية أوسلو، وتراجع حزب المؤتمر المناصر للشعب الفلسطيني، وللقضايا العربية بشكل عام،  وتقلد حزب الشعب اليميني السلطة في البلاد، إذ استطاعت اسرائيل منذ بدء العلاقات الدبلوماسية الكاملة  بين الطرفين عام 1992، إحداث تغييرات كبيرة في الموقف الهندي من القضية الفلسطينية، فبعد أن كانت الهند من أبرز مناصري شعبنا في الأمم المتحدة، ومن أشد المدافعين عن حقوقه المشروعة، أصبحت مواقفها أكثر تماهيا مع الموقف الاسرائيلي، وأصبح سلوكها التصويتي يقترب منه، إذ صوتت الهند واسرائيل عام 2000 ضد  مقترح القرار العربي بجعل الشرق الأوسط منطقة مجردة من السلاح النووي، وخالية من أسلحة الدمار الشامل، كما امتنعت عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان  على قرار يدين إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة العام 2014.

      شكل الفهم الإسرائيلي الدقيق لاحتياجات الهند الأمنية والعسكرية والإقتصادية والتكنولوجية الفجوة التي عبرت من خلالها إلى الهند، فبالإضافة إلى حاجة الهند لإسرائيل كبوابة للعلاقة مع الولايات المتحدة والغرب، فقد شكل التعاون الأمني، ومحاربة ما تطلق عليه الدولتين " الحركات الأصولية " مجالا واسعا للتعاون والتنسيق بينهما، بالإضافة الى رغبة الهند الاستفادة من التكنولوجيا الاسرائيلية في مجال التسليح، والزراعة، والأمن، وفي تطوير قدراتها النووية في صراعها مع باكستان.

     في حين وفر هذا الإختراق الإسرائيلي فرصة لمراقبة  تطور مشاريع التسلح النووية  الباكستانية عن كثب،  في إطار سياسة مواجهة "القنبلة النووية الإسلامية " ، والتي تشمل إيران وباكستان، إذ أوجدت تلك العلاقة موطئ قدم لها في شبه القارة الهندية بالقرب من البلدين،   كما فتح للصناعات  الإسرائيلية  - العسكرية والمدنية- سوقا قوامها يزيد عن المليار نسمة، وساهم في التخفيف من حالة العزلة الدولية ضدها، ووفرت لها رقعة جغرافية  لإجراء  تجاربها النووية، في المحيط الهندي، وصحراء راجستان، بالإضافة إلى المساهمة في تسهيل هجرة اليهود الهنود، وقبل كل ذلك تحقيق انتصار معنوي على العالم العربي والإسلامي، من خلال اختراق إحدى الدول التي شكلت حليفا أساسيا له عبر التاريخ.

      شكلت زيارة الرئيس الهندي "بارناب موكهيرجي" خلال أكتوبر الماضي  لإسرئيل تتويجا للعلاقات الإسرائيلية الهندية، وتم خلالها توقيع أكبر اتفاقية تعاون بين الجانبين، من بينها صفقات أسلحة بقيمة مليار دولار،  وحجم التبادل التجاري بين الجانبين يتجاوز اليوم 6 مليار دولار سنويا.

    في الوقت الذي كانت اسرائيل تؤسس لعلاقات استراتيجية مع الهند،  رفضت منظمة التعاون الإسلامي، الطلب الهندي بالانضمام لها، على الرغم من أنها  تضم 120 مليون مسلم،  في موقف لا يمكن تبريره أو تفهمه، وفي الوقت الذي أعرب الرئيس الهندي رغبة بلاده فتح افاق جديدة للتعاون مع إسرائيل، بما في ذلك في مجال التعليم، والثقافة، لم يتعد برنامجه في رام الله إفتتاح أحد الشوارع التي حملت إسم الهند، وفي الوقت الذي لا تتوقف الرحلات العربية والإسلامية والفلسطينية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، تكاد تكون زياراتهم للهند نادرة ومقطوعة، مقابل بناء اسرائيل مزيد من الجسور الجوية مع الهند.

     الحق دون قوة تسنده وتدعمه لن يرى النور، والعمل السياسي دون إتقان معادلة المصالح يبقى مختلا، ومنقوصا، وعملا لا عقلانيا،  فحتى رسالة الأنبياء والرسل، احتاجت قوة لكي تسندها وتنشرها بين البشر.

      ما لم نعي  جيدا أن الدول عبيدا لمصالحها، وأن العلاقات بينها لا تقوم على مبدأ القيم والأخلاق وحدها، إنما على مبدأ القوة والمصالح، فلن نستطيع عربا وفلسطينيين تحقيق أية إنجازات، وقد يكون المستقبل أكثر ظلاما مما نتوقع، وانعكاس الصورة في الحالة الهندية قد لا يكون الأسوأ، إذ قد نرى في القريب العاجل ضغطا عربيا وإسلاميا  علنيا على الفلسطينيين، لصالح الاحتلال، ضمن معادلة المصالح المشتركة .  
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف