الأخبار
غالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيرانيالجيش الإسرائيلي: صفارات الانذار دوت 720 مرة جراء الهجوم الإيرانيالحرس الثوري الإيراني يحذر الولايات المتحدةإسرائيل: سنرد بقوة على الهجوم الإيرانيطهران: العمل العسكري كان ردا على استهداف بعثتنا في دمشقإيران تشن هجوماً جوياً على إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخالاحتلال يعثر على المستوطن المفقود مقتولاً.. والمستوطنون يكثفون عدوانهم على قرى فلسطينيةبايدن يحذر طهران من مهاجمة إسرائيل
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البيئة الجزئية في كتاب "الولائم في دولة المماليك" للبروفسور فاضل جابر ضاحي بقلم:صالح الطائي

تاريخ النشر : 2015-11-30
البيئة الجزئية في كتاب "الولائم في دولة المماليك" للبروفسور فاضل جابر ضاحي بقلم:صالح الطائي
صالح الطائي


المماليك لغة هم: هم أطفال سُبُوا ولم يُسْبَ آباؤهم ولا أمهاتهم. وهناك مرحلتان مهمتان أسهمتا في تكوين المماليك في المجتمع العربي، كانت الأولى قد بانت ملامحها بعد الخلاف الذي نشب بين الأمين والمأمون حيث اتخذ لفظ المماليك مدلوله الاصطلاحي الخاص تحديدا إبان حقبتي حكم المأمون (198ـ 218) هجرية، وأخيه المعتصم (218ـ 227) هجرية. فخلال هذه السنوات وبعد الاضطرابات التي حصلت وما تلاها من اصطفافات عرقية وعشائرية تهددت الدولة العباسية بالسقوط، وبعد فقدان الثقة بين الأطراف بسبب المؤامرات، والشد الذي سببه التقاتل على كرسي الحكم، جلب الخليفتان أعداداً ضخمة من الرقيق عن طريق الشراء، وبتمويل من بيت مال المسلمين، وكونوا منهم فرقا عسكرية اعتمدوا عليها في تدعيم نفوذهم. وفي هذه المرحلة كان المماليك قوة مسيطر عليها نوعا ما، هذا بالرغم من كونهم تحولوا في عصر المعتصم إلى قوة جبارة مما اضطره إلى إبعادهم عن بغداد وإسكانهم في سامراء، ثم بعده خضعت هيبة الدولة العباسية وخلفائها إلى سطوتهم، فأصبحوا القادة الفعليين، وكان الحكام والأمراء لهم تبعٌ.

أما المرحلة الثانية فبدأت مع بداية تأسيس الأيوبيين لدولتهم يوم قاموا باستقدام أطفال من بلدان غير إسلامية، تعود أصولهم غالبا إلى الأقوام التركية في آسيا الوسطى، وقاموا بتربيتهم وفق قواعد صارمة في ثكنات عسكرية معزولة عن العالم الخارجي، لضمان ولائهم التام لهم وحدهم، واعتمدوا عليهم في تدعيم قوتهم، واستخدموهم في حروبهم، وكانت لكل ملك مجموعة منهم تسمى باسمه وينتسبون إليه؛ فالمماليك الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية، وغيرهم يعرفون بالبحرية، وهكذا.

فضلا عن مصدر هؤلاء الأطفال كانت هناك مصادر أخرى للحصول على المماليك، منها بالأسر في الحروب، أو الشراء من أسواق النخاسة. ومع أن الغالبية العظمى من هؤلاء كانوا من أصول تركية إلا أن هناك بينهم من كانوا من أصول أرمينية، أو مغولية، أو أوربية شرقية، وعرف هؤلاء بالصقالبة. وإلى جانب المماليك كان هناك الخوارزميون الذين استعان بهم الملك الصالح نجم الدين أيوب في حروبه ضد الصليبيين، ثم انشقوا عنه.

كانت أعداد المماليك حتى هذه اللحظة لا تشكل خطرا حقيقيا، لكن بعد خروج الخوارزميين وانفصالهم عن الملك وتركهم الجيش، شعر  الملك الصالح بالخطر المحدق به، فقام بالإكثار من شراء المماليك لتقوية جيشه، فازدادت أعدادهم بشكل كبير ولاسيما في مصر، وأصبحوا قوة عسكرية كبيرة وخطيرة، ومنهم نشأت سلالة من الجند الذين حكموا مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية لأكثر من قرنين ونصف القرن (1250 إلى 1517)، هي الحقبة التي تناولها الدكتور فاضل جابر ضاحي في بحثه عن الولائم في زمن المماليك.

كانت بداية سيطرة المماليك على الحكم عن طريق مؤامرة خططت لها شجرة الدر زوجة الملك الصالح بعد أن مات زوجها، واستولى على العرش ولده من زوجة ثانية (توران شاه) الذي انشغل باللهو بعد النشوة التي حققها انتصاره على الصليبيين، فأساء معاملة قادة الجيش من المماليك، وأساء إلى زوجة أبيه؛ التي شعرت بالتهميش، فتآمرت مع قادة المماليك (فارس الدين أقطاي) و(ركن الدين بيبرس) و(قلاوون الصالحي) و(أيبك التركماني) على قتل (توران شاه)، فقتلوه سنة 648هجرية، بعد سبعين يوما فقط من اعتلائه عرش مصر، وبمقتله انتهى حكم الأيوبيين، واستولى المماليك على مقاليد الحكم.

مثل غيرهم ممن كتب لهم أن يحكموا عالمنا الإسلامي باسم الدين، تمتع المماليك خلال حقبة حكمهم بشرعية دينية لأسباب منها:

الأول: سيطرتهم على أراضي الحجاز والحرمين.

الثاني: استضافتهم للخلفاء العباسيين في القاهرة منذ سنة 1260م.

الثالث: تصديهم للغزوات الصليبية وانتصارهم على الصليبيين.

وبسبب هذه الخاصية فضلا عن طباعهم الخشنة، تركوا أثرا كبيرا في تاريخنا الإسلامي بعد أن حكموا باسم الإسلام، وكانت الحقبة التي سيطروا فيها على مقاليد الأمور من أكثر الحقب اضطرابا، ربما بسبب طبيعتهم الخشنة القاسية التي اكتسبوها من طريقة تربيتهم ونشأتهم، فضلا عن كونهم لا يحملون إرثا مجتمعيا بسبب انقطاعهم عن أصولهم، مع شعور مفعم بالدونية نتيجة المعاملة الخشنة التي عومل بها بعضهم، علما أن البعض الآخر منهم حظي بمعاملة لا تقل عن معاملة الأمراء والنبلاء.

وبسبب هذه الطبيعة المتطرفة قام المماليك بارتكاب جرائم تصنف من فعل الدواعش المعاصرين، وقد أورد المؤرخ القاضي ابن الصيرفي كتابه "إنباء الهصر بأبناء العصر" الشيء الكثير عن جرائم المماليك لدرجة أنه وصف الحكام وقضاة الشرع منهم بأنهم الأكثر إجراماً، وأن جرائمهم كانت تتحصن بالدين، قام بها أعوانهم وخدمهم والمقربون منهم وبعض أمرائهم.

الغريب أن الحديث عن تطرفهم بدا مثل جميع أمورنا الأخرى التي اختلفنا بشأنها، فانقسم المتحدثون بين ذام ومادح، لكن الغريب أن المادحين أنفسهم، ولاسيما الذين كانت دوافع مدحهم طائفية ممن تحدثوا عن الأيادي البيضاء للمماليك متمثلة بتصديهم للغزو الصليبي والمغولي، وبتركهم آثاراً عمرانية وعلمية، بالرغم من ذلك كان تحصيل حاصل لأن  دفاع المماليك كان عن أنفسهم ووجودهم ودولتهم، أما الآثار التي أقاموها فكانت لخدمتهم ورفاهيتهم، لم ينجحوا في كتمان أخبار الجرائم التي ارتكبت، ولكنهم كعادتهم نسبوا ذلك إلى الطبيعة العسكرية التي صبغت دولة المماليك، والطريقة القاسية التي نشأوا عليها، ولاسيما وأن المؤرخين أفاضوا في الحديث عن جرائم المماليك، ومنهم المؤرخ المصري الذي كان منهم، وعاصر سقوط دولتهم على يد العثمانيين "ابن إياس" في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور".

لقد ابتدع المماليك أساليب تعذيب غريبة فيها الكثير من التوحش والقسوة مثل طريقة العصر: التي كان يتم خلالها عصر أعضاء الإنسان بالحبال وغيرها من أجل إجباره على الاعتراف. والتعرية: وكانت تستخدم لإذلال الضحية عبر تعريته، وخلع عمامته. والتجريس والتشهير: وفيها يركبون الضحية على حمار، ويجولون به في الشوارع، وينادون عليه بما فعل ليكون عبرة لغيره. والتعليق: حيث يعلق الضحية منكوساً. والضرب: وكان المماليك يتفننون بها. والتسمير: كان الضحية يسمر فيها على جمل بالمسامير، ويطاف به في الشوارع. والخنق: وكانوا يخنقون الضحية ويدعون أنه مات حتف أنفه. والصفع بالقباقيب: وقد تم قتل شجرة الدر بهذه الطريقة حتى ماتت، ثم سحبوها من رجلها، ورموها من فوق السور إلى خندق، وهي عريانة، فأقامت وهي مرمية في الخندق ثلاثة أيام. والتعليق بالكلاليب، والتوسيط: وكان يتم خلالها شطر الضحية بالسيف إلى جزأين بالعرض من منتصف الجسم.

والذبح: وهي الطريقة التي تمارسها داعش اليوم. والتغريق: وهي غمر الضحية بالماء إلى أن يموت

وهناك ثلاثة أساليب للتعذيب تبدو في منتهى السفالة والخسة وهي على التوالي: السلخ: وفيها يتم سلخ جلد الضحية وهو حي من الرأس حتى القدم. والرمي بالنشاب: حيث يبنون على الضحية حائطا أو يعلقوه بشجرة ويرمون عليه بالنشاب إلى أن يموت. والخازوق: حيث كانوا يُجلِسون ضحاياهم على رمح طويل يدخلوه في مؤخرة الإنسان إلى داخل جسمه، ويبقى الضحية معلقاً بواسطته حتى يلفظ آخر أنفاسه.

وهنا لابد وأن تكون لهذه الحقبة التاريخية أسرارها الخفية التي تبحث عمن يزيل غبار التاريخ عنها لتذكرنا بتلك الأيام السوداء التي مرت على أمتنا، ولابد من الحديث عن أصغر جزئيات هذه الحقبة لتبدو الصورة واضحة بلا رتوش. وربما لهذا السبب سعى الباحث البروفسور فاضل جابر ضاحي المتخصص بحقبة عصر المماليك من خلال بحوثه الكثيرة عن هذه الحقبة إلى دراسة جزئيات مهمة من عصرهم  بل تفرد بالاهتمام بالبيئة الجزئية وأراد من خلالها أن يُسَوِّق لنفسه ولفكره،

أملا في أن يغير، أو يطور، ولو شرائح محددة من المجتمع عن طريق الإيحاء الذي توفره كتاباته التخصصية، وإن كان هذا السعي يحتاج إلى جهد كبير؛ فإن الدكتور نجح ليس فقط في التعامل مع البيئة الجزئية بعد ما أحس أنه يحتاج أن يهتم بالبيئة الكلية، وأقصد بها  البيئة المباشرة للمجتمع من خلال الاستجابة لمطالبه والتكيف معه، أملا في التأثير فيه عن طريق تلك الجزئيات التي تناولها بالدراسة، وأنا هنا أتحدث عن البيئة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتربوية، والتقنية، والنفسية، والقانونية، والطبيعية، وبمعنى أدق هي محاولة لترسيخ مفاهيم بنائية تقف بالضد من المفاهيم التوحشية التي بدأت تنتشر في مجتمعاتنا مرة باسم الدين وأخرى باسم المذهب وثالثة باسم القومية ورابعة باسم العقيدة.

في هذا المسعى، وبغية توظيف الجزئيات للوصول إلى الكلية، كانت للباحث وقفات مع أدق جزئيات المجتمع المملوكي المضطرب بدأً من الحديث عن "الزواج السياسي في عصر المماليك"؛ الذي خصه ببحث رائع، ثم "الرأي العام في عصر الممالك"؛ الذي خصه هو الآخر ببحث قيم، وبعدها تناول "شجرة الدر ونشاطها السياسي" ببحث آخر فيه إشارات إلى أسلوب المؤامرة الذي قامت عليه دولتهم لدرجة تآمر زوجة الملك المتوفى على أبن زوجها بالتعاون مع قادة الجيش والقيام بقتله، ليتناول في بحث آخر "الفساد الإداري ومحاولات الإصلاح في عصر المماليك"؛ الذي خصه ببحث، وآخرها الولائم في دولة المماليك؛ وهو الكتاب الذي نحاول معرفة أسلوب اشتغالات الباحث فيه.

يستوقفنا بداية في البحث الأخير تغير نمط العنوان الذي اختاره الباحث فهو بعد أن كان في كتاباته السابقة يركز على (عصر المماليك) بشكل عام نجده في هذا البحث يتحدث عن (الدولة) وليس العصر، بكل ما تمثله من خصوصية وتفرد وتميز في أنماط التفاعل والقيادة والسلوك، لكن بالرغم من هذا التبدل يتبين لك من المقدمة التي كتبها الباحث أنه لا زال يسعى خلف جزئيات عصر المماليك ليشبعها بحثا، فهو يقول: "لم تزل الكثير من المواضيع الخاصة بالعصر المملوكي لم تحظ بالمزيد من الدراسات والبحوث"(1)

 

تناول الباحث حقبة المماليك بالحديث عن ملامح الحياة السياسية والاجتماعية ليدخل من خلال هذه المقدمة التي شغلت الفصل الأول من الكتاب إلى التحدث عن مادة الكتاب (الولائم) وخص الفصل الثاني للحديث عن السماط بأنواعه ولاسيما بعد أن شاع مصطلح السماط كثيرا في العصر المملوكي(2) وتنوعت وتعددت أنواعه مثل سماط كسب الولاء؛ الذي كان أحد الوسائل المهمة في كسب الولاء وتهدئة النفوس وتذليل الصعاب التي تواجه السلاطين الجدد(3) وسماط المصالحة والموادعة، وسماط الزائرين، وسماط تولي السلطة، وسماط الاعتقال وتصفية الحسابات السياسية. أما الفصل الثالث فخصص للحديث عن الولائم الاجتماعية مثل وليمة المولد النبوي وولائم الأعراس والمواليد والنزهة وغيرها.

ويبدو من خلال البحث أن الولائم كانت نوعا آخر من أنواع الأسلحة التي استخدمها المماليك لتدعيم وتقوية سلطانهم، فهي إن لم تنجح في ترطيب الأجواء مع من يخالفونهم الرأي أو يختلفون معهم، كانت تحول إلى أداة للقتل بواسطة السم لتصفية الأعداء والمنافسين، أو طريقة للإيقاع بالخصوم واعتقالهم ومن ثم سجنهم أو قتلهم(4) وقد نجح المماليك في تحويل السماط من دلالة من دلالات الكرم إلى وسيلة ناجعة في تحقيق مآرب الساسة المتآمرين الذين يرومون القضاء على أعدائهم(5) بمعنى أنهم حولوا السماط على وسيلة من وسائل الغدر.              

وربما هي سخرية القدر التي رسمت صورة الإبادة الجماعية التي قام بها حاكم مصر محمد علي في قلعة صلاح الدين ضد المماليك عام 1809 بنفس أسلوب الغدر الذي كانوا يتبعونه ضد أعدائهم.

صدر كتاب "الولائم في دولة المماليك" عن دار تموز للطباعة والنشر السورية بمائة وثمانية وعشرين صفحة قطع نصف أي فور، وقامت أمينة صلاح الدين بتصميم صورة الغلاف.

الكتاب إضافة جديدة للدراسات التاريخية التي تناولت عصر حكم المماليك، وقد أجاد الدكتور فاضل جابر ضاحي في اختزال مادة الكتاب وتكثيفها ليصبح الكتاب في متناول الجميع دون أن يؤثر ذلك على مادة البحث.

الهوامش

(1)            فاضل جابر ضاحي، الولائم في عصر المماليك، ص9

(2)            المصدر نفسه، ص45

(3)            المصدر نفسه، ص47

(4)            المصدر نفسه، ص57

(5)            المصدر نفسه، ص64
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف