الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

إعــتـــذار بقلم:حسن زايد

تاريخ النشر : 2015-11-28
إعــتـــذار  بقلم:حسن زايد
إعــتـــذار

أقــصـــوصــــــة

بــقــــلــم / حــســـــن زايـــــــــد

 

تعارفا من خلال موقع التواصل الا<تماعي :" فيسبوك " . هو كان كاتباً مغموراً ، يحاول إحياء ما تبقي له من عمر بممارسة هواية قديمة ، لم تجد متنفساً إلا من خلال الشبكة العنكبوتية " النت " . هي كانت شغوفة بكتاباته ، خاصة في القصة القصيرة . كانت تشعر أنه كاتب يملك أدواته . لم يتولد لديها هذا الشعور ، لأنها تدرك هذا الفن ، وإنما لأنها كانت تشعر بما يكتب . كان يذهب بها إلي عوالم شعورية مدفونة بداخلها ، فيفجرها متعة وشغف . كانت تعلق علي كتاباته ، تعليقات تحوي قدر هائل من التذوق . تولدت لديها الرغبة في التعرف عليه ، والإقتراب  من عوالمه . تولدت لديه الرغبة في التعرف عليها ، والإقتراب من عوالمها . طلب صداقتها ، فاستجابت علي الفور . فتح نافذة الدردشة علي استحياء ، مخترقاً تحذير " ممنوع الخاص" المتصدر لصفحتها ، وبادر بإلقاء التحية . ظهرت نبضات مؤشر الكتابة لديه ، فتعلقت عيناه بها ، انتظاراً للرد . توقفت النبضات ، ثم عادت للظهور ، ثم اختفت ، فأدرك  أنها مترددة . كرر التحية لينبيء عن إصراره  علي رغبته . هي شعرت بالتردد . كانت تهم بالرد ، ولمست بأصابعها لوحة المفاتيح ، ومع لمسة كل زر تتصاعد ضربات القلب ، ويداهمها إحساس بإختراق مبدأ : " ممنوع الخاص " ، فيدفعها ذلك إلي التراجع . يشعران أنهما يدخلان إلي نفق قد عرفا مدخله ، يلفه الغموض ، وينجذبا إلي سحر غموضه انجذاباً ، نفق تنحصرالحياة بداخله  داخل كبسولة العقل . تجري أحداثه ، وتتحرك شخوصه ، وتتولد أفكاره ، ومشاعره ، وأحاسيسه ، داخل ذلك العالم الإفتراضي اللامحدود ، المنحصر داخل العقل البشري ، الكاسر لحدود المكان والزمان  . التقطت عيناها نبضات مؤشر الكتابة  القادمة من الجانب الآخر ، وكأنه يهمس في أذنيها التحية مرة بعد مرة .أدركت أنه ليس أمامها من سبيل سوي الرد ، طالما تورطت في قبول الصداقة ، وشعرت بأنه يتعين عليها حسم الأمر من بدايته ، تحركت أصابعها ، لمست ازرار الحروف ، ردت التحية ، واستطردت ـ كي لا تتيح له فرصة الولوج في الحوار ـ قائلة :

ــ أنا لا أرد علي الخاص علي الإطلاق.

التقط طرف الحوار علي عجل :

ــ أعتذر ، ولكن فقط ، كنت أود التعرف عليك .

قالت بحسم :

ــ  ما بيننا لا يتعدي علاقة إعجاب ما بين قاريء وكاتب .

قال بتودد :

ــ وأنا لا أطمع في أكثر من ذلك .

توقفت نبضات الأزرار عند هذا الحد ، وقد رضي كل منهما ـ مؤقتاً ـ بما ظفر به . انشغل كل منهما فيها بشئونه . ولم ينسيا ذلك التلامس الحواري الذي أحدث في نفسيهماً أثراً .مرَّت الأيام  الفاصلة بينهما تترا حتي اكتملت أسبوعاً . همَّ بفتح جهاز اللاب توب ـ كما همت بغير اتفاق ـ كأنما دعوة غامضة ، تولدت من داخله ، وداخلها . فتحت نافذة الدردشة ، وعاجلته بقولها :

ــ أأنت بخير ؟ .

ــ نعم ، وأنت ؟ .

ــ لم أر لك شيئاً .

التقط طرف الخيط قائلاً :

ــ هذا اسمي ، وتلك صورتي .

قالت :

ــ هذا اسمي ، وتلك ليست صورتي .

قال بتلهف :

ــ أود التعارف .

قالت بحسم :

ــ لدي أسرة وزوج ، واحبهما بلا حدود .

قال مؤكداً :

ــ وأنا كذلك .

قالت بتخابث :

ــ إذن ، ماذا تريد ؟ .

قال بتودد :

ــ أن نظل أصدقاء مهما حدث .

قالت بارتياح :

ــ لك ذلك .

توادعا ، وفي الليلة التالية إلتقيا . تسارعت الأيام بهما ، حتي صارت أسابيعاً ، وشهوراً ، واحتفلا سوياً ــ بنبضات الأزرار ــ  بمرور عام علي تعارفهما ، لم يعد بينهما سراً ، تعاتبا ، تخاصما ، تصالحا . غارت عليه من لمسات الإعجاب ، وتعليقات الإطراء بالكلمات من المعجبات ، غار عليها ، من إعجاب المعجبين ، وتعليقات المعلقين ، كانا يشعران أن الغيرة أمارة دالة ، وهي ملح الطعام . لم يفكرا في الغاية ، وتحاشيا سوياً ـ بلا اتفاق ـ سؤال : ثم ماذا بعد ؟ . كانا يدركان أنه السؤال المعول ، لأن الأفق مفتوح بلا غاية  ، وبلا سقف . وتبقي الإرتباطات الأسرية هي الإطار المقيد للإنطلاق . تبادلا رقمي هاتفيهما ، لكسر حواجز الجمود الزاحف . المشاعر والأحاسيس ، علي تدفقهما ، والتهابهما ، يظلا مجرد حروف . حروف حية دافقة ملتهبة ، إلا أنها تبقي في إطارها الوهمي ، محصورة في عالمها الإفتراضي  اللاموجود . ومثل تبادل رقمي هاتفيهما طوق النجاة .

في اليوم التالي اختلي بنفسه ، بعيداً عن الأعين المتلصصة ، والأذن المسترقة ، وأخرج هاتفه ، وطلب الرقم ، وأسرع بوضع الهاتف علي أذنه .  هي سمعت صوت الهاتف وهو يناديها من داخل حقيبة يدها ، أسرعت بإخراجه ، لمحت اسمه علي شاشته ، فإذا بألوان الطيف تنعكس علي وجنتيها  ، تفحصت الوجوه ، فإذا بالعيون المتلصصة تنتهبها .  سحبت الحقيبة ، وتسللت خارجة دون أن تكترث بالأسئلة المتلاحقة التي تطاردها . يبدو أن وجهها قد فضحها . ابتعدت بعيداً ، وانزوت في أحد الإركان الهادئة ، وما زال الهاتف يرن . ضغطت علي الزر ، ووضعت الهاتف علي أذنها ، إنحبس صوتها ، ولكنه يبدو أنه قد سمع صوت أنفاسها ، وصوت دقات قلبها ، وأدرك عجزها عن الكلام ، فبادرها :

ــ لا يوجد كلام يعبر عن سعادتي .

ــ ....................................!!

ــ الآن تأكد لي وجودك خارج العالم الإفتراضي .

ــ ...................................!!

ــ ألن أسمع صوتك ؟ .

قالت بتلعثم:

ــ إننا نسرق ما ليس لنا بحق .

قال بآسي :

ــ أدرك . أترغبين في نهو العلاقة.

قالت بحرص :

ــ لا . نرشد الأمر .

اتفقا علي قصر الإتصال الهاتفي علي الضرورة القصوي ، واتفقا علي ترتيب مواعيد الإتصال ، تفادياً لمخاطر المفاجأة . وما زالت الأيام تمضي مسرعة ، ومع مضيها تتقلص القيود ، وتتلاشي الحدود ، وتذوب المسافات ، وتنعدم الأزمنة بضغطة زر . شعرا سوياً بالأزمة . لقد حلت التقنية الحديثة أزمة التواصل الإنساني من ناحية ، وعقَّدتها من ناحية أخري . لقد قربت المسافات البعيدة ، إلا أنها بعَّدت المسافات القريبة، وأعادت تشكيل العلاقات ، ودفعت بالإنسان إلي مزيد من العزلة والفردية ، بينما يتصور عن ذاته أنه قد غرق في الجماعية حتي أذنيه . علاقات افتراضية تبدأ وتنتهي بضغطة زر . إنهما يهربان ما وسعهما الهروب من الإحساس بذلك . في إحدي الليالي ، فاجأته بإرسال صورتها عبر نافذة الدردشة ، مكافأة له علي حلو الكلام . شجعه موقفها علي طلب مقابلتها إلا أنها أبت، وأبدت انزعاجها ، رغم رغبتها العارمة في ذلك . ألح في الطلب إلا أنها أبدت تخوفها القاتل .اتفقا علي اجراءات تأمين المقابلة ، وأن تكون في مكان عام ، وأن تكون في وضح النهار .

في اليوم التالي ارتدي أفضل ما عنده من ثياب ، بعدأن حلق ذقنه ، وهذب شعره ، واطمئن علي هندامه ، ركب السيارة ، وأدار المحرك وانطلق . وصل إلي المكان مبكراً . فضل أن يكون في الإنتظار .  جيء له بفنجان من القهوة . طفق يعبث بهاتفه وهو يحتسي القهوة . الوقت يمر بطيئاً وكأن آلة الزمن قد أصابها العطب علي نحو مفاجيء . جعل يطارد هواجسه في أركان ذهنه ، وعيناه تتعلقان بالمدخل . تصبر فلم يصطبر ، وأمسك بالهاتف ، وطلبها . لم يأت رد . انتظر قليلاً ، ثم طلبها ثانية ، فلم ترد . قال في نفسه : ربما يكون الهاتف داخل حقيبتها ، فلم تسمع صرخاته . بعد فترة لم يدر أطالت أم قصرت ، طلبها ، فلم ترد . جلس يتلمس لها الأعذار . وبينما هو كذلك ، إذا بالهاتف يرن . نظر في الشاشة ، فإذا برقم مجهول ، فتح الخط ، ففوجيء بصوت رجل في الطرف الآخر يسأله عن اسمه ، فرد :

ــ نعم .

ــ هذا الهاتف اتصل ثلاث مرات .

ــ ...........................

ــ واضح أنك رجل مهذب ومحترم .

ــ يبدو أن الهاتف به شيئاً ما . أعتذر .

أغلق الطرف الآخر الخط ، وعم الصمت . نهض من مكانه متثاقلاً ، أخرج نقوداً من جيبه ووضعها علي المنضدة ، التقط الهاتف ، ومفاتيح السيارة ، وانصرف وهو يردد : "أعتذر " .

حــســــــن زايــــــــــد

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف