الأخبار
وفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العرب
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تعقيبات على ما جاء فى كتاب كارلا باور: "لو كان البحر مدادا- If the Oceans Were Ink" بقلم: د. إبراهيم عوض

تاريخ النشر : 2015-11-27
تعقيبات على ما جاء فى كتاب كارلا باور:
"لو كان البحر مدادا-
If the Oceans Were Ink"
د. إبراهيم عوض
[email protected]

منذ بضع ليال فاجأنا الصديق المصرى الذى يعيش فى اليابان أ. ميسرة عفيفى على صفحتى فى الفيس بوك بخبر عن ترجمة يابانية لكتاب إنجليزى عن الإسلام للمؤلفة الأمريكية كارلا باور عنوانه: "If the Oceans were Ink"، وهذا العنوان بمثابة ترجمة للعبارة القرآنية التى تقول: "لو كان البحر مِدَادا"، المأخوذة من قوله تعالى: "قل: لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لَنَفِد البحر قبل أن تَنْفَد كلماتُ ربى ولو جئنا بمثله مَدَدًا"، فحفزنى هذا الخبر على البحث عن الأصل الإنجليزى حتى وجدته وشرعت أقرأ فيه. والكتاب عبارة عن تسجيل لحوار طويل دار بين المؤلفة الأمريكية اليهودية الأم والكويكرية الأب وبين د. أكرم ندوى، وهو أستاذ جامعى هندى كان يعيش وقتذاك فى أكسفورد، التى أمضيت فيها سنوات دراستى للحصول على درجة الدكتورية فى النقد الأدبى الحديث من 1976 إلى 1982م. وقد شدنى الكتاب شدا قويا، وبخاصة أننى قد كتبت عن د. الندوى عدة فقرات فى كتاب سابق لى عن إنجازه الكبير فى رصد أسماء آلاف النسوة المحدِّثات فى التاريخ الإسلامى، ذلك الإنجاز المتمثل فى أربعين مجلدا كنت أحسبه قد انتهى من إصدارها لأفاجَأ من كلام المؤلفة الأمريكية أنه لم يظهر منه سوى المجلد الأول، وألفيت نفسى بعد قليل أبدأ فى تسجيل تعليقاتى على ما تقوله الكاتبة. وهذه أول مقطوعية. وأبدأ أولا بإيراد الفقرة التى أريد مناقشة ما فيها من أفكار للمؤلفة، ثم أثنى بالتعقيب عليها:
“Revered by a population as diverse as the umma, or worldwide Muslim community, the Quran can refract in dazzling ways. The San Francisco civil rights lawyer may discover freedoms in the same sura, or chapter, in which a twelfth-century Cairo cleric saw strictures. A Sudanese mullah, or religious teacher, may read a command for wifely obedience; an Indonesian wife may interpret the same passage as a call for equality and compassion. The Marxist and the Wall Street banker, the despot and the democrat, the terrorist and the pluralist—each can point to a passage in support of his cause.
Sheikh Mohammad Akram Nadwi, the Islamic scholar who taught me the Quran, once told me an old Indian joke. A Hindu goes to his Muslim neighbor and asks if he could borrow a copy of the Quran. “Of course,” said the Muslim. “We’ve got plenty! Let me go get you one from my library.” A week later, the Hindu returns. “Thanks so much,” he said. “Fascinating. But I wonder, could you give me a copy of the other Quran?” “Um, you’re holding it there,” said the Muslim. “There’s just one Quran, and you’ve got it.” “Yeah, I read it,” replied the Hindu. “But I need a copy of the Quran that’s followed by Muslims.” “The joke is right,” said Akram. “All this talk about jihad and forming Islamic states, that’s not what the Quran says!”.
تقول الكاتبة إن النص القرآنى يقبل بالتفسيرات المتعارضة: فالحاكم المستبد يجد فيه ما يعضد استبداده مثلما يجد الحاكم الديمقراطىّ فى نفس النص ما يدعم حجته. والمدافعون عن حقوق المرأة يجدون ما يريدون فى ذات الآية التى يستشهد بها من يضيّقون على حواء ويحرمونها حقوقها. وبالمثل يجد الماركسى فيه ما يقوى عقيدته الماركسية فى الوقت الذى يجد الرأسمالى ما يقوى رأسماليته. وبغض النظر عما تريد الكاتبة من وراء هذا الكلام فلا بد من معرفة أن المسلمين فى عصر النبى لم يختلفوا فى فهم القرآن على النحو الذى تصوره كلمات الكاتبة. ولو كان القرآن فى ذاته يؤدى إلى هذا الاختلاف لرأيناهم فرقا وشيعا، كل فرقة تمضى فى اتجاهها لا تتلاقى مع سائر الفرق والشيع. لكننا ننظر فنجد أنهم كانوا جميعا على قلب رجل واحد.
أما لو وقع خلاف بين أحد وآخر أو حدث سوء فهم من أى منهم لنص قرآنى فما أسرع ما يقضى النبى، بوصفه المرجعية الصحيحة، على هذا الخلاف بتوضيح الصواب من الخطإ كما هو الحال مثلا حين استغرب عَدِىُّ بن حاتم قول القرآن عن أتباع النصرانية إنهم قد "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله"، إذ قال للنبى: ما كنا لنعبدهم. فكان أن وضح له النبى أن المقصود بالعبادة هنا أنهم كانوا يشرّعون لهم من عند أنفسهم اتباعا لنزواتهم وأهوائهم وشهواتهم الدنيوية لا بناء على وحى سماوى، فكانوا يتبعون تعاليمهم رغم انحرافها عن دين الله ومحادتها له. وعندئذ اقتنع عدىّ.
ويمكن أن نُلْحِق بذلك تردد الصحابة فى قبول معاهدة الحديبية لما رأوا فيها من إجحاف ولما تنص عليه من رجوعهم ذلك العام دون اعتمار، مما دفع بعضهم إلى التساؤل: ألم ير الرسول فى منامه أننا سوف نؤدى العمرة؟ فكيف نعود من حيث أتينا دون أن نؤديها؟ فما كان من النبى إلا أن سألهم بدوره قائلا: وهل قلت لكم إنكم ستعتمرون هذا العام؟ فحسم بسؤاله ذاك الحيرة والتردد. وهو ما أشارت إليه آية سورة "الفتح": "لقد صَدَق اللهُ رسولَه الرؤيا بالحقّ: لتَدْخُلُنَّ المسجدَ الحرامَ إن شاء اللهُ آمنين محلِّقين رؤوسَكم ومقصِّرين لا تخافون. فعَلِم ما لم تعلموا، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا".
ومثله اقتراح عمر رضى الله عنه على الرسول أن يقتل حاطب بن أبى بلتعة، وكان من أهل بدر، بعدما اكتُشِف أنه بعث برسالة إلى أهل مكة ينبئهم أنه صلى الله عليه وسلم يتجهز لغزو مدينتهم لولا أن الرسول كف عمر عن ذلك قائلا: "لعل الله اطَّلَع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم". لقد كان الرسول يعلم عن حاطب أنه مؤمن قوى الإيمان، وأن الدافع له على ما صنع ليس هو الخيانة العظمى بل خوفه على ماله فى مكة أن يجتاله أهلها دون أن يكون هناك من يمنعهم عن ذلك، إذ لم تكن له عزوة هناك.
ومثله كذلك ما رد به رسول الله على عمار بن ياسر حين أتاه فزعا تكاد روحه تزهق بعد أن نطق بكلمة الكفر تحت تأثير التعذيب البشع الذى صبه عليه كفار مكة، فما كان منه عليه السلام إلا أن سأله عن حال قلبه وما فيه من إيمان، فطمأنه بأن إيمانه باق على قوته رغم اضطراره للنطق بكلمة الكفر فرارا من استمرار التعذيب، الذى لم يعد يطيقه. فواساه الرسول وخفف عنه ومَرْهَمَ جراحَ ضميره مبينا له أنه ما دام إيمانه باقيا على حاله فى صدره فلا خوف. بل زاد فنصحه بأنهم إن عادوا إلى تعذيبه فلينطق أمامهم بما يسكتهم عنه ويجعلهم يطلقون سراحه. ذلك أن العبرة فى الإسلام فى تلك الأحوال بالنية والقلب. كما أن ديننا لا ينتظر من البشر أن يتحول كل منهم إلى سوبر مان، إذ يعرف أن مُنَّتهم ضعيفة وأن لاحتمالهم ضغوط العذاب حدودا ينتهى إليها مهما كان الواحد منهم شجاعا راسخ اليقين قادرا على التضحيات: "وخُلِق الإنسانُ ضعيفا"، "ما يفعلُ اللهُ بعذابكم إن شكرتم وآمنتم؟ وكان الله شاكرا عليما". والله فى الإسلام رب الرحمة واللطف والود والكرم، ورحمته تسبق دائما غضبه، وتسامحه مع عباده بلا حدود.
وهذا ما أريد لفت النظر إليه، إذ هناك دائما لدن شرح أى نص عدة شروط ينبغى الانتباه إليها ومراعاتها، وإلا فشل الشرح وابتعد عن المعنى الصحيح ابتعادا قد يصل إلى حد التناقض الذى لا يمكن جبره. ويمكن اختصار تلك الشروط فى احترام السياق، إلى جانب الذكاء والمرونة العقلية والإخلاص بطبيعة الحال. والسياق فى موضوعنا ليس ضربا واحدا بل ضروبا: السياق اللغوى، والسياق التاريخى، والسياق القرآنى، والسياق الحديثى. فلا يصح أبدا أن يهجم هاجم على القرآن الكريم وهو لا يعرف العربية، أو يعرف العربية المعاصرة مثلا بينما يجهل العربية القديمة التى كانت سائدة أيام نزول الوحى على سيدنا رسول الله، وإلا لفسر "الذَّرَّة" مثلا على أنها الجزء المتناهى فى الصغر من المادة فى حين أن المقصود فى القرآن هو النملة الضئيلة، ولَفَسَّر "السيارة" فى قوله تعالى: "وجاءت سيارةٌ فأرسلوا ورادَهم فأَدْلَى دَلْوَه" بمعنى العربة ذات المحرك رغم أنها القافلة فى القرآن، ولَفَسَّر "الخير" فى قوله عز شأنه فى سياق الحديث عن الإنسان: "وإنه لِحُبِّ الخير لَشديد" على أنه نقيض الشر مع أن القرآن إنما يقصد به هنا الأموال والأملاك، ولفسَّر "الفرح" فيه بالسرور فى الوقت الذى يريد به القرآن الغرور والبطر ونسيان الآخرة، ولفسَّر "اللَّعِب" لَدُنْ وصفه سبحانه للدنيا بأنها "لعب ولهو" على أنه تصريف الطاقة فى الجرى والقفز وتمضية الوقت فى السباق البدنى والعقلى وما إلى ذلك بغية تنشيط الجسم والعقل والتسرية عن النفس بينما يقصد القرآن أن حياة الأرض عابرة زائلة وغير جوهرية على عكس الآخرة بأبديتها وجوهريتها، ولفسَّر "اليد والوجه والعرش" بالنسبة لله على أنها اليد والوجه والعرش كما نعرفها فى حياتنا البشرية مع أنها تعنى قدرة الله وعظمته وسلطانه الشامل العميم على الترتيب، ولفسَّر "الجهاد" بمعنى الحرب ضد الكفار الذين يريدون بالإسلام والمسلمين شرا رغم أن "الجهاد" هو بذل الجهد فى مواجهة الخصم أيا كان نوع هذا الجهد، ومن ثم فقوله تعالى لرسوله فى المرحلة المكية: "وجاهِدْهم به جهادا كبيرا" ليس معناه: حارِبْهم، بل معناه: اجتهد بكل قوتك لإيصال الوحى إليهم وإقناعهم بصحة ما فيه وكسبهم إلى صف الإيمان بالحجة والموعظة الحسنة.
وبالمناسبة فأنت إذا ما سألت مصريا الآن عن معنى"الصعيد" فلن يخطر فى ذهنه سوى القسم الجنوبى من بلاده، وبالتالى كان من الصعب عليه، إذا لم يكن على علم بالأسلوب العربى القديم، أن يفهم قوله عز شأنه: "فتَيَمَّموا صعيدًا طيبًا" وأن المقصود هو الطاهر من التراب والرمل وما إلى ذلك... بل قد يكون قارئ القرآن صحابيا، وتفوته مع ذلك نكتة بلاغية مثلا فيخطئ فهم النص، كما وقع لعدى بن حاتم حين أخذ الآية القرآنية التالية على حرفيتها، ومن ثم أحضر خيطا أبيض وآخر أسود وظل يأكل فى خيمته كلما جاع طوال الليل إلى أن تبين له اللونان عند انتشار النور فى الآفاق، وفاته أن الآية تعنى النور والظلام لا الخيطين الماديين، إذ هى استعارة لا تعبير حقيقى. ونص الآية هو: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"... وهكذا.
وكثير من القراء اليوم لن يفهموا بسهولةٍ التراكيب التالية: "وإنّ كُلًّا لمّا لَيُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم" (بمعنى "بكل يقين سوف يوفيهم ربُّك أعمالهم)، أو "وإنْ كُلٌّ لمّا جميع لدينا مُحْضَرون" (ما منهم أحد إلا وسوف يُحْضَر إلينا)، "إنْ كلُّ نَفْسٍ لمّا عليها حافظ" (ما من نفس إلا وعليها حافظ)، "فلا تكن للخائنين خصيما" (لا تأخذ جانب الخائنين وتدافع عنهم)، "ولاتَ حينَ مناصَ" (لامَهْرَب ولا مَنْجَى لأحد فى ذلك الحين)، "وإنْ كادوا لَيَفْتِنُونكَ عن الذى أوحينا إليك لِتَفْتَرِىَ علينا غيره" (لقد كادوا أن يفتنوك عن الذى أوحينا إليك...)، "الطفل الذين لم يَظْهَروا على عورات النساء" (الأطفال)، "وكَأَيِّنْ من قريةٍ هى أشدُّ قوةً من قريتك التى أخرجتكَ أهلكناهم" (ما أكثر الأمم التى كانت أقوى من أمتك ورغم ذلك أهلكناهم)، "مما خطيئاتهم أُغْرِقوا" (بسبب خطاياهم تم إغراقهم)، "ولا تكونوا كالتى نقضتْ غَزْلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا تتخذون أيمانكم دَخَلًا بينكم أن تكون أُمَّةٌ هى أَرْبَى من أُمَّة" (بُغْيَة أن تكون أُمَّة هى أَرْبَى من أمة).
فهذا هو السياق اللغوى للنص القرآنى. أما السياق التاريخى فيأتى على رأسه ما يسمى فى علوم القرآن بـ"أسباب النزول"، إذ من غير الإحاطة بهذه الأسباب سوف نُلْفِى كثيرا جدا من المسلمين يصلّون متجهين إلى الجهة التى تعنّ لهم دون الالتزام بالقبلة اعتمادا على أن هناك آية تقول: "ولله المشرق والمغرب. فأينما تُوَلُّوا فثَمَّ وجهُ الله"، وفاتهم أن الآية إنما نزلت ردا على تحرج بعض الصحابة بعد اكتشافهم أنهم قد صَلَّوْا ذات ليلة فى غير اتجاه القبلة بسبب الظلام الدامس وخطئهم فى تحديد جهة الكعبة، فبيَّن القرآن لهم أن العبرة بالنية والاجتهاد المخلص، وأنهم معذورون فى هذا الخطإ، وأن صلاتهم مقبولة، فهم وإن كان استقبال القبلة قد أفلت منهم لم يفلت منهم الأجر، لأن الله ليس هنا أو هاهنا بل وجوده مطلق غير منحصر فى أى اتجاه، وهو سبحانه قد قبل منهم صلاتهم نظرا لظروفهم القهرية.
وبدون الاستعانة بأسباب النزول سوف يشرب كثير من المسلمين الخمر بناء على فهمهم لما تقوله الآية التالية من سورة "المائدة": "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُنَاحٌ فيما طَعِمُوا إذا ما اتَّقَوْا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتَّقَوْا وآمنوا ثم اتَّقَوْا وأحسنوا. والله يحب المحسنين"، وهو ما فعله أحد المسلمين على عهد عمر، بناء على ما فهمه من ظاهر الآية، الذى يقول إنه ليس على المسلم حرج فى أكل أى شىء أو شربه ما دام تقيا محسنا يعمل الصالحات، بينما معناها الحقيقى غير ذلك. فقد تساءل أيام النبى بعض الصحابة عن مصير المسلمين الصالحين الذين ماتوا وكانوا يشربون الخمر،إذ لم تكن أم الخبائث قد حُرِّمَتْ بعد. فوَضَّح القرآن أنهم ناجون يوم القيامة لتقواهم وإحسانهم وعملهم الصالحات رغم أنهم كانوا يشربون الخمر. ذلك أن الإسلام لا يحاسب الناس بأثر رجعى، ولا عقوبة إلا بنص. وما دام النص القرآنى الخاص بتحريم الخمر لم يكن قد نزل بعد فليس على هؤلاء الصحابة حرج. كما أنه بعد نزوله لا ينسحب على الزمن الذى مضى. بل ما مضى قد مضى، وانتهى أمره. والمهم فى هذا كله هو التقوى والعمل الصالح سواء كان ذلك قبل تحريم الخمر أو بعده. فإن كان الشخص تقيا صالحا ومات وهو يشرب الخمر قبل تحريمها فهو ناجٍ، أما إن لم يكن تقيا ولا صالحا والتزم، لسبب أو لآخر، بترك الخمر بعد تحريمها فليس من الناجين.
وفى قوله تعالى جَدُّه: "إن الصفا والمروة من شعائر الله. فمَنْ حَجَّ البيتَ أو اعتمر فلا جُنَاح عليه أن يَطَّوَّف بهما" يمكن جدا أن يظن كثير من المسلمين أن السعى بين الصفا والمروة هو فى أحسن أحواله غير محرَّم لكنه غير واجب، استنادا إلى ظاهر الآية من أنه ليس هناك إثم على الساعى بينهما، وهو ما يفهم منه أن هذا كل ما هنالك بحيث إذا لم يسع الحاج بينهما فلا جناح عليه من باب الأولى. لكن سبب نزولها يقلب المعنى رأسا على عقب، فقد كان بعض الصحابة يتحرج من السعى نظرا إلى أنه كان فوق كل من التلين صنم فى الجاهلية، فظن أنه من الأسلم ألا يسعى بينهما حتى لا يتشبه بما كان يصنعه الوثنيون آنئذ، وفاته أن الصنمين قد أزيلا وعاد السعى بين التلين إلى وضعه الأصلى قبل فساده على أيدى أهل الجاهلية. فالآية لا تقول عن السعى إنه لا بأس به، بل تزيل ما حاك فى نفس بعض الصحابة من أنه إحدى شعائر الوثنية، أما حكمه فباق على الوجوب.
أما السياق القرآنى فمعناه أنه يجب النظر إلى أى نص قرآنى فى ضوء النصوص القرآنية التى ترسم الخطوط العامة للإسلام، وبخاصة تلك التى تتعلق بموضوع النص المراد تفسيره. ولنأخذ مثالين على ما نقول: فأما المثال الأول فله صلة بما كتبه ابن سلام فى مقدمة كتابه: "طبقات الشعراء" عن النحل والانتحال فى الشعر الجاهلى، إذ كان من رأيه أن ما بلغنا من أشعار لعاد وثمود هى أشعار منحولة لهاتين القبيلتين. وحجته فى ذلك، وهو ما يهمنها هنا، أن القرآن قد أخبرنا أنهما قد أبيدتا عن آخرهما طبقا لما جاء فى سورتى "النجم" و"الحاقة". ومن ثم فالسؤال هو: من يا ترى حفظ أشعارهما وأداها إلينا رغم أن أحدا لم يبق منهما؟ وقد كنت أمر على تلك الحجة موافقا تمام الموافقة مثلى مثل جميع الباحثين الذين تناولوا ابن سلام ونظريته فى النحل والانتحال، إلى بضع سنين مضت، إذ بدا لى، فى سياق لا يهم القارئ ذكره هنا، أن أراجع ما قاله القرآن عن عاد وثمود فألفيته يقول بمنتهى الوضوح والصراحة فى سورة "هود" إن الله قد نجى كلا من هود (نبى عاد) وصالح (نبى ثمود) والذين آمنوا معه. وهو ما يعنى أن حجة ابن سلام باطلة تمام البطلان، وأنه لا يصح الارتكان إلى دعوى تدمير هاتين القبيلتين لأنها دعوى متهافتةلا حقيقة لها. والسبب هو أن ابن سلام توقف إزاء نصين قرآنيين يذكران أن تينك القبيلتين لم يتبق منهما باقية، مغفلا نصين آخرين يوضحان أن الذين تم تدميرهم إنما هم الكفار المعاندون من القبيلتين لا كل القبيلتين. لكن هذا لا يعنى بالضرورة أن ما بلغنا من شعر منسوب لعاد وثمود هو شعر صحيح، بل تلك قضية أخرى.
وأما المثال الآخر فيتعلق بالقتال. وفى هذه الأيام يُتَّهَم الإسلام دائما بأنه دين عدوانى يسارع إلى قتال أعدائه بل إلى قتلهم. ويشار فى هذا الصدد إلى قوله تعالى مثلا فى سورة "التوبة": "قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسولُه ولا يَدِينون دينَ الحق من الذين أُوتُوا الكتابَ حتى يعطوا الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون" وقوله جل جلاله من ذات السورة: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلَّ مَرْصَد". وفات من يشير إلى تينك الآيتين وأمثالهما قوله تعالى: "وقَاتِلُوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا. إن الله لا يحب المعتدين"، "وإن عاقبتم فعَاقِبوا بمِثْل ما عُوقِبْتم به. ولَإِنْ صبرتم لَهُوَ خيرٌ للصابرين"، و"إنْ جَنَحُوا للسَّلْم فاجنح لها وتوكل على الله".
كما أن آية سورة "التوبة" الأولى ليست فى الأمر بقتال أهل الكتاب من الباب للطاق، بل فى قتال الروم، الذين كانوا يعدون العدة للهجوم على المسلمين والقضاء على دينهم. أما الآية الأخرى من ذات السورة فهى فى المشركين الذين كانت بينهم وبين المسلمين معاهدات سياسية بالموادعة لمدة معلومة غدروا بالمسلمين بعد توقيعها بقليل وقتلوا منهم عددا دون أن يكون المسلمون قد أساؤوا لهم قط. ومع هذا فإن القرآن لم يقل للمسلمين: هيا اهجموا عليهم فى الحال. بل قال: أعطوهم مهلة أربعة أشهر يتنقلون فيها بطول البلاد وعرضها حسبما يحلو لهم دون أن تتعرضوا لهم بشىء. بل أوجب عليهم أنه متى أتاهم آت من الكفار يستجير بهم فليجيروه حتى يسمع كلام الله ثم فليبلغوه المكان الذى يأمن فيه على نفسه تمام الأمان. ثم بعد ذلك كله حين تنتهى مهلة الأشهر الأربعة فعاقبوهم وأذيقوهم من نفس الكأس التى أذاقوا منها إخوانكم المغدور بهم. ومع هذا فمبلغ العلم أن المسلمين لم يقتلوا أحدا من المشركين عندئذ، وكأن الآيات قد نزلت للترهيب وتحطيم الروح المعنوية لديهم ليس إلا. وعلى كل حال فقد تسارعت وتيرة الأحداث، وتم فتح مكة، ودخل المكيون فى دين الله، لينتشر الإسلام بعدها بإيقاع أسرع حتى عم ضياؤه بلاد العرب جمعاء. فأين العدوانية هنا؟ ولن نتكلم عن راية السلم التى ظل المسلمون يرفعونها طوال الفترة المكية أيام كان الاضطهاد والأذى يحيق بهم من كل جانب وفى كل لحظة.
ويؤيد ذلك ما ذكره رسول الله فى بعض أحاديثه كقوله: "لاتَتَمَنَّوْا لقاء العدو. فإذا لقيتموهم فاثْبُتوا"، إذ لو كان قتال غير المسلمين واجبا من الباب للطاق لكان تمنى لقاء العدو مكرمة لا يمكن أن ينهى عنها النبى عليه السلام. وفى واقعة الحديبية أعلن صلى الله عليه وسلم قائلا عن المشركين وتعنتهم معه هو وأتباعه: "والذى نفسى بيدِه لا يسألونى خُطَّةً يُعظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلَّا أعطَيْتُهم إيَّاها" مؤكدا أنه لن يبدأ أبدا بعدوان وأنه سوف يصابر المشركين إلى أبعد مدى. بل إنه، حين بلغه أن قريشا قد أقبلت تريد مقاتلته وصده عن زيارة البيت الحرام بالقوة الغشوم، أعلن قائلا: "إنَّا لم نجِئْ لقتالِ أَحدٍ ولكنَّا جِئْنا معتمرين. فإنَّ قريشًا قد نهَكَتْهم الحربُ وأضرَّت بهم. فإنْ شاؤوا مادَدْتُهم مدَّةً ويُخَلُّوا بينى وبيْنَ النَّاسِ: فإنْ ظهَرْنا وشاؤوا أنْ يدخُلوا فيما دخَل فيه النَّاسُ فعَلوا وقد جَمُّوا. وإنْ هم أَبَوْا فوالَّذى نفسى بيدِه لأُقاتِلَنَّهم على أمرى هذا حتَّى تنفرِدَ سالفتى أو لَيُبْدِيَنَّ اللهُ أمرَه". فكما ترى فإنه عليه السلام حريص على السلم إلى آخر المدى، ثم الحرب عندما لا يكون من الحرب مناص. وقد تجلى ذلك فى المعاهدة التى كتبت بينه وبينهم، إذ قَبِل الشروط المجحفة التى أملاها المشركون على المسلمين، وساءت كثيرا من الصحابة، ومع هذا ظل الرسول على موقفه.
ثم لماذا، إذا كانت سياسة القرآن هى العدوان على المخالفين مهما كانوا له من المسالمين، كتب النبى عليه السلام صحيفة المدينة إرساءً لأسس التعايش السلمى بين فئات سكانها من أوس وخزرج ومهاجرين ويهود؟ لقد كان الأحرى به أن ينقضَّ على اليهود فور هجرته قبل أن يستفيقوا فيقضى عليهم بكل سهولة وسلاسة. ولماذا لم يقتل مشركى مكة لدن الفتح وما كانوا عليه عقيب ذلك من ضعف وتهافت بعد الهزيمة النكراء التى حلت بهم؟ لقد كانت كلمته لهم: "اذهبوا، فأنتم الطلقاء"، تلك الكلمة التى سكنت مسامع التاريخ ولم تغادرها منذ ذلك اليوم الخالد. وقد رفض صلى الله عليه وسلم ما ردده أحد الصحابة اليثربيين حين قال فى ذلك اليوم العصيب تعبيرا عن نيته فى تطيير رؤوس المكيين عند دخوله المدينة المقدسة: "اليوم يوم الملحمة. اليوم تُسْتَحَلّ الحرمة"، ونهاه عن ذلك، ونحاه عن القيادة فورا. وهذه الأمثلة تبين لنا وجوب الاستعانة على تفسير القرآن بالسياق الحديثى.
ومن هذا الباب أيضا ما رواه المغيرة بن شعبة فى قوله: "لما قدمتُ نجرانَ سألونى فقالوا: إنكم تقرأونَ: "يَا أُخْتَ هَارُونَ"، وموسى قَبْلَ عيسى بكذا وكذا. فلما قدمتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سألتُه عن ذلك، فقال: إنهم كانوا يُسَمُّونَ بأنبيائِهم والصالحين قبلهم"، وإن كانت هناك رواية أخرى تقول إن ذلك التساؤل، أو بالأحرى: التشكيك، النجرانى إنما تم فى المدينة المنورة حين زارها نصارى المدينة اليمانية. يقصد صلى الله عليه وسلم أن أم المسيح ليست أختا لهارون على الحقيقة، لكنْ كان من عادة الإسرائيليين نسبتهم ناسا منهم إلى المشاهير الماضين من بنى جلدتهم رغم انتفاء صلات الدم بين الطرفين. وهو ما تقوله دوائر المعارف الكتابية من أن كلمات "أب وابن وأخ وأخت" كثيرا ما تستخدم فى الكتاب المقدس على نحو رمزى يدخل تحته بكل أريحيةٍ مناداةُ الإسرائيليين لمريم أم عيسى عليهما السلام بـ"يا أخت هارون" طبقا لما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وهذا فيما يتعلق بالأمور الدينية وما أشبهها، وإلا فتفسير القرآن أَحْرَى أن يستعين بكل ألوان المعارف والعلوم والفنون من تاريخ وجغرافية وطب وفلك وكيمياء وفيزياء ونفس واجتماع وتربية ونحت وتصوير... إلخ. وقد كنت فى صغرى مثلا أمرّ على قوله تعالى فى سورة "الفجر": "إِرَمَ ذاتِ العِمَاد * التى لم يُخْلَقْ مثلُها فى البلاد * وثمودَ الذين جابوا الصخر بالْوَادِ" فلا تستثير منى انفعالا ولا تُحَصِّل منى التفاتا، إذ كنت آنئذ لا أحقق معنى الكلام عن إِرَم ولا أفهم وجه تميز عمادها، كما لم أكن أتصور أن ثمود قد فعلت أكثر من إحداث فتحات بدائية فى الجبال وحولوا باطنها كهوفا ساذجة يسكنونها، إلى أن قرأت أن إرم كانت متقدمة فى فن العمارة حتى لقد كانت أعمدة مبانيها أضخم أعمدة فى زمنها. وبالمثل لم تكن ثمود تسكن مغاور وكهوفا وحشية فى جوف الجبال بل نحتت قصورا رائعة مزخرفة بديعة فيها مما لا يستطيعه كثير منا اليوم. وقد رأيت صورا لبعض تلك القصور فشُدِهْتُ لما شاهدت. والفضل فى هذا وذاك إنما يرجع إلى تقدم عِلْمَىِ التاريخ والجغرافية واكتشافاتهما المذهلة التى لا تتوقف. ومن هنا صككت شعارا علميا فى كتابى: "مسير التفسير" هو "كل العلوم فى خدمة التفسير".
كذلك فقوله تعالى فى معرض الحديث عن خلق الجنين وأطوار تشكله: "يخلقكم فى بطون أمهاتكم خَلْقًا من بعد خَلْقٍ فى ظُلُماتٍ ثلاث" لا يمكن فهمه الفهم الصحيح الدقيق إلا عن طريق علم التشريح، فكما قرأت فى بعض المواقع العلمية: "يحاط الجنين فى داخل الرحم بمجموعة من الأغشية هى من الداخل إلى الخارج كما يلي‏:‏ غشاء السلى أو الرهل، (amnion) ‏ والغشاء المشيمى ‏(chorion)، ‏ والغشاء الساقط ‏(Decidua).‏ وهذه الأغشية الثلاثة تحيط بالجنين إحاطة كاملة فتجعله فى ظلمة شاملة هى الظلمة الأولى.‏ ويحيط بأغشية الجنين جدار الرحم‏,‏ وهو جدار سميك يتكون من ثلاث طبقات تحدث الظلمة الكاملة الثانية حول الجنين وأغشيته‏. ‏والرحم المحتوى على الجنين وأغشيته فى ظلمتين متتاليتين يقع فى وسط الحوض‏,‏ ويحاط إحاطة كاملة بالبدن المكون من كلٍّ من البطن والظهر‏، وكلاهما يحدث الظلمة الثالثة تصديقا لقول ربنا‏ تبارك وتعالى".
وهناك قوله تعالى من سورة "فاطر": "وما يستوى البحران: هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابُه، وهذا مِلْحٌ أُجَاج.ٌ ومن كُلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا وتستخرجون حلية تلبسونها". ورغم أن الآية تقول بصريح العبارة: "ومن كُلٍّ (أى من كل من البحر الملح والبحر العذب، وليس من الملح فقط)... تستخرجون حلية تلبسونها" نقرأ فى تفسير الطبرى (القرن الرابع الهجرى): "يقول تعالـى ذكره: وما يعتدل البحران فـيستويان، أحدهما عَذْبٌ فُرَاتٌ، والفرات هو أعذب العذب، "وهذا مِلْـحٌ أُجَاجٌ". يقول: والآخر منهما ملـح أجاج، وذلك هو ماء البحر الأخضر. والأُجَاج: الـمُرّ، وهو أشدّ الـمياه مُلوحة... وقوله: "وَمِنْ كُلَ تَأْكُلُونَ لَـحْماً طَرِيًّا" يقول: ومن كلّ البحار تأكلون لـحمًا طَرِيًّا، وذلك السمك: من عذبهما الفرات، وملـحهما الأجاج. "وتَسْتَـخْرِجُونَ حِلْـيَةً تَلْبَسُونَها": يعنـى الدرّ والـمرجان تستـخرجونها من الـملـح الأجاج... وإنـما يستـخرج من الـملـح". وفى تفسير أبى السعود (القرن العاشر الهجرى) نقرأ ما يلى: "قوله تعالى: "وَمِن كُلّ" أي من كلِّ واحدٍ منهما "تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا، وَتَسْتَخْرِجُونَ"، أي من المالحِ خاصَّةً، "حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا"...". ويقول الشوكانى (القرن الثالث عشر الهجرى): "وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا: الظاهر أن المعنى: وتستخرجون منهما حلية تلبسونها. وقال المبرّد: إنما تستخرج الحلية من المالح. وروى عن الزجاج: أنه قال: إنما تستخرج الحلية منهما إذا اختلطا، لا من كل واحد منهما على انفراده، ورجح النحاس قول المبرّد".
ويقول الطباطبائى (وهو مفسر معاصر) فى تفسير "الميزان": "قوله: "ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها". اللحم الطرى: الغض الجديد، والمراد لحم السمك أو السمك والطير البحرى. والحلية المستخرجة من البحر اللؤلؤ والمرجان والأصداف... فظاهر الآية أن الحلية المستخرجة مشتركة بين البحر العذب والبحر المالح، لكن جمعا من المفسرين استشكلوا ذلك بأن اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من البحر المالح دون العذب. وقد أجابوا عنه بأجوبة مختلفة: منها أن الآية مَسُوقَة لبيان اشتراك البحرين فى مطلق الفائدة، وإِنِ اختصّ ببعضها، كأنه قيل: ومِنْ كُلٍّ تنتفعون وتستفيدون كما تأكلون منهما لحما طريا، وتستخرجون من البحر المالح حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر. ومنها أنه شبه المؤمن والكافر بالعذب والأجاج، ثم فضَّل الأجاج على الكافر بأن فى الأجاج بعض النفع، والكافر لا نفع فى وجوده. ومنها أن قوله: "وتستخرجون حلية تلبسونها" من تتمة التمثيل على معنى أن البحرين، وإن اشتركا فى بعض المنافع، تفاوَتا فيما هو المقصود بالذات لأن احدهما خالطه ما خرج به عن صفاء فطرته. والمؤمن والكافر، وإن اتفقا أحيانا فى بعض المكارم كالشجاعة والسخاوة، متفاوتان فيما هو الأصل لبقاء أحدهما على صفاء الفطرة الأصلية دون الآخر".
أما عبد الله يوسف على فيذكر، فى تعليقه على هذه الآية فى ترجمته الإنجليزية للقرآن المجيد ، من الحلى البحرى اللؤلؤ والمرجان، ومن الحلى النهرى العقيق وبرادة الذهب وغيرهما. وفى مادة "Pearl" من "Encyclopaedia Britannica" أن اللؤلؤ يوجد أيضا فى المياه العذبة. أما "المنتخب فى تفسير القرآن الكريم " فيقول فى الهامش المخصص لتلك الآية: "قد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرا للحلى، ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك. أما اللؤلؤ فإنه، كما يستخرج من أنواع معينة من البحر، يستخرج أيضا من أنواع معينة أخرى من الأنهار، فتوجد اللآلئ فى المياه العذبة فى إنجلترا وأسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان... إلخ، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة، ويدخل فى ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس، الذى يستخرج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة. ويوجد الياقوت كذلك فى الرواسب النهرية فى موجوك بالقرب من باندالاس فى بورما العليا. أما فى سيام وفى سيلان فيوجد الياقوت غالبا فى الرواسب النهرية. ومن الأحجار شبه الكريمة التى تستعمل فى الزينة حجر التوباز ويوجد فى الرواسب النهرية فى مواقع كثيرة منتشرة فى البرازيل وروسيا (الأورال وسيبيريا) وهو فلورسيليكات الألمونيوم، ويغلب أن يكون أصفر أو بنيا. والزيركون (CIRCON) حجر كريم جذاب تتقارب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه الكريمة تستخرج من الرواسب النهرية".
ومع هذا فإن بعض المترجمين الأوربيين فى العصر الحديث قد استبعدوا أن تكون الأنهار مصدرا من مصادر الحُلِىّ. وقد تجلى هذا فى ترجمتهم لهذه الآية، فمثلا نرى رودويل الإنجليزى يترجم الجزء الخاص بالحلى منها هكذا: " Yet from both ye eat fresh fish, and take forth for you ornaments to wear. ". فعبارة "from both" تصلح لترجمة آية سورة "الرحمن": "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان"، لكنها لا تصلح لترجمة هذه الآية. كذلك ينقل رودى باريت هذه العبارة إلى الألمانية على النحو التالي" " Und (aus dem Salzmeer) geurnnt ihr scmuck… um ihm euch anzulegen." وترجمته: "وتستخرجون (من البحر المالح) حلية تلبسونها". ويرى القارئ أن المترجم قد أضاف من عنده بين قوسين عبارة: "من البحر المالح: aus dem Salzmeer"، وهو ما يشير إلى استبعاده أن تكون الأنهار مصدرا من مصادر اللؤلؤ والعقيق وغيرهما من أنواع الحلى على ما تقول الآية الكريمة. أما ترجمة سيل وبالمر (الإنجليزيتان)، وترجمتا كازيمريسكى وماسون (الفرنسيتان)، وكذلك ترجمتا ماكس هننج ومولانا صدر الدين (الألمانيتان) على سبيل المثال فقد ترجمت كلها النص القرآنى كما هو، ولكنها لزمت الصمت فلم تعلق بشيء. فمن الواضح أن الاستعانة بالعلوم الطبيعية يمدّنا بالتفسير الصحيح لكثير من آيات القرآن الكريم. والسبب فى كل هذا أن القرآن كتاب لكل العصور ولكل البيئات وأنه كتاب إلهى، وليس من تأليف محمد، وإلا لكان انعكاسا لمستوى بيئته وعصره ثقافيا وحضاريا ولامتلأ بالأخطاء كما تمتلئ كتبنا بها مهما تحرَّزْنا ودَقَّقْنا ومَحَّصْنا.
وقد نقلت الكاتبة عن د. أكرم ندوى الهندى المسلم أنه ينبغى مواجهة القرآن مباشرة دون أن نشغل أنفسنا بما كتبه الفقهاء والمفسرون حوله توضيحا وشرحا. وقد سمعنا هذا الكلام أيضا من جمال البنا، لكن لا أظن د. الندوى يقصد ما يقصده البنا من إهمال كلام العلماء حول كتاب الله تماما ودخول كل من هب ودب على الكتاب المجيد دون أدوات تساعد على فهمه، بل أراه يقصد أن الواجب علينا، بعد الاطلاع على ما قالوه فى كتاب الله، الاجتهاد فى ألايقف ما قالوه حائلا بيننا وبينه حتى لا تشوش آراؤهم أذهاننا فنعمى عن مراميه متأثرين مسبقا بما يقولونه من أن هذا أو ذلك هو مرمى الكتاب الكريم، مما تكون ثمرته ألا ننظر بأعيننا أو نسمع بآذاننا نحن بل بأعين السابقين وآذانهم فلا نزيد عن تكرير ما قالوه بعُجَره وبُجَره ولا نأتى بشىء جديد أو صحيح، ويكون ما وصلنا إليه هو مجرد اجترار لما قيل من قبل. وأنا معه فى هذا على الشرط الذى وضحته هنا. ويمكننى أن أضرب مثالا على ما أقول. فلقد غبرعلىَّ زمان كنت أردد فيه ما درستُه فى الفقه الشافعى وأنا ولد صغير فى الأزهر من أن المسح بالتراب على اليدين ينبغى أن يكون إلى المرفقين قياسا على الوضوء مع أن آيَتَىِ التيمم تتكلمان عن مسح اليدين لا غير دون أن تحددا ذلك بكلمة "إلى المرفقين"، التى وردت فى الوضوء. كذلك كنت أتصور أن التيمم فى السفر لا يصح إلا إذا عدم الماء مع أن الآيةلا تقول ذلك بل تسوق السفر والمرض وعدم الماء أسبابا ثلاثة تجيز التيمم، وإلا لأشارت إلى عدم الماء وحده دون النص على ا لسفر. وقد نبهنى إلى ذلك ما كتبه الشيخ محمد عبده والشيخ شلتوت فى هذه النقطة، وألفيت ما كتباه مقنعا أشد الإقناع، فأخذت به من يومئذ.
وأيا ما يكن الأمر فهل القرآن وحده ينفرد بهذا الذى قالته المؤلفة الأمريكية عن اختلاف الناس فى فهمه؟ أبدا، بل هذا يصدق على كل كتاب: سواء كان كتابا دينيا كالكتاب المقدس، وهو كتاب الأمة التى تنتسب المؤلفة إليها، أو أى كتاب آخر. وعندنا مثلا، فى مجال الأدب والنقد، وهو مجال تخصصى الأكاديمى، ما قاله أرسطو حول "التطهير"، الذى تقوم به المسرحيات بالنسبة للمشاهدين. لقد اختلف النقاد ومؤرخو الآداب فى تفسير هذه الكلمة. كما أن المترجمين العرب القدماء قد أخطأوا فهم كلامه فى كتابه: "فن الشعر" عن المأساة والملهاة فى الشعر المسرحى ظنا منهم أنه إنما يعنى المديح والهجاء فى الشعر الغنائى، الذى لم يكن العرب يعرفون من الشعر غيره. وهو ما ترتب عليه أن كتب ابن رشد كلاما عجيبا غريبا ما أنزل الله به من سلطان فى ذلك الموضوع، وجعلتُه أنا محورا من محاور كتابى: "ابن رشد- نظرة مغايرة" حيث أوضحت التخبط الفاحش الذى تخبطه الفيلسوف القرطبى لعدم تأنيه أو إعماله مبدأ التشكك فيما لا يحسنه ولايعرف عنه شيئا واندفاعه فى هوج وثقة فى غير موضعهما مرافئا أرسطو على كل ما قاله رغم أنه لا يعرف عَمَّ كان الفيلسوف الإغريقى يتحدث، فأتى بالعجب العجاب مما كان كفيلا بأن يتجنبه ويجنب نفسه انتقاداتى الحادة له لو اعتصم بالتريث والإقرار بأنه يقدم على أمر ليس له فيه عير ولا نفير ولا أثارة من علم.
واختلف محمود شاكر وطه حسين وعبد الغنى الملاح وأنا حول نسب المتنبى: فطه حسين يزعم أنه أتى إلى الدنيا ثمرة اعتداء من أحد الجنود القرامطة على أمه. وشاكر يقول إنه ابن لأحد العلويين، وهو ما مد عبد الغنى الملاح خيطه إلى النهاية مدعيا، إى والله، أنه ابن المهدى المنتظر ذاته. أما العبد لله فلم يَرَ ما يدعوه إلى تنكب ما قاله القدماء من أن أباه كان سقاء. وقد بينت، فى كتابى: "المتنبى- دراسة جديدة لحياته وشخصيته"، تهافت ما قاله كل من طه حسين وشاكر والملاح وصلابة ما ذكره القدماء فى هذا السبيل. كما اختلف النقاد ومؤرخو الأدب حول عقيدة المتنبى السياسية، فزعم لويس ماسينيون أنه قرمطى، وصال وجال وأتى بما حسبه براهين قاطعة على زعمه هذا، وتابعه على هذا الزعم بعض الكتاب العرب، وهو ما حفزنى على معاودة فتح ذلك الملف، فكانت الثمرة كتابا فى ذلك الموضوع نفى بكل قوة وثقة واطمئنان قرمطية الشاعر الكبير اعتمادا على تحليل مرهق ومنطقى للظروف التاريخية والنصوص الشعرية والترجمات التى تركها لنا القدماء للرجل مما يجده القارئ فى كتابى: "المتنبى بإزاء القرن الإسماعيلى فى تاريخ الإسلام للويس ماسينيون- ترجمة وتعليق ودراسة إبراهيم عوض".
وغير خافٍ الاختلافُ حول مضمون رواية "وليمة لأعشاب البحر"، التى أثارت ضجة مصمة فى تسعينات القرن المنصرم، وانقسم النقاد حولها: فمَنْ كان على شاكلة حيدر حيدر فى اتجاهه السياسى والأيديولوجى دافع عن الرواية زورا وبهتانا بأنها لا تعادى الإسلام بل تدعو إليه وتعلى من شأنه، بينما رأى نقاد آخرون منهم العبد لله أنها تعادى الله ورسوله والإسلام وتتطاول على الذات الإلهية وتتجرأ على عِرْض الرسول الكريم وأن ما يقال عكس ذلك هو هراء فى هراء، وقدموا الشواهد القاطعة على صدق ما يقولون.
ومنذ عدة أشهر وقع لى بحث عن معلقة امرئ القيس تناولها فيه صاحبه طبقا لأحد المناهج النقدية الأخيرة، فرأى فيها محاولة من الملك الضِّلِّيل للتعبير عن شعوره بالذنب تجاه أبيه، الذى كثيرا ما عصاه ودار على حل شعره وراء الغيد الحسان فى صحبة الصعاليك الذين لا يناسبونه ولا يناسبهم، وللتعبير كذلك عن رغبته فى التطهر من ذلك الإثم الملح على ضميره كما يقول البحث. ومن ثم فقد فسر الكلام عن المطر والسيول فى المعلقة المذكورة على أنه رمز إلى حرص الشاعر على ذلك التطهر. وفاته بكل بساطة أن القصيدة إنما قيلت أيام صعلكة الشاعر وجريه مع نزواته إلى آخر مدى تحديا لرغبة أبيه الملك فى أن يتصرف ابنه تصرف أبناء الملوك، أى قبل مقتل الأب. وبالتالى فلا شعور بالإثم ولا يحزنون. وهذا هو السياق التاريخى الذى كان على الباحث استصحابه لدن كتابته بحثه، لكنه لم يفعل، بل انطلق مفتونا بالمنهج النقدى الجديد الغريب الاسم، فوقع فيما وقع فيه من غلطة بلقاء لا تغتفر، مثلما وقع فيها من راجعوا له البحث عند نشره فى إحدى المجلات المحكَّمة، إذ لم يتنبهوا إلى ما صنعه الباحث فيردوه عن هذا الذى صنع ويطالبوه بإعادة كتابة البحث من جديد أو الانصراف عنه إلى غيره من البحوث المجدية.
كما قد فات الأستاذ الباحث أن القصيدة نفسها تحتوى على ما يدل على أن الشاعر، حين نظمها، كان مبتهجا بسلوكه متلذذا بإباحيته وخروجه على العرف والتقاليد مفاخرا بمغامراته المفحشة مع الفتيات وبالحصان الذى يركبه ويعتقد أنه أفضل حصان فى العالم، مثلما غاب عنه أنها لا تأتى على سيرة الأب ولا مقتله ولا التأثم جراء ذلك بكلمة واحدة من قريب أو بعيد. ثم هل كان الوثنيون فى بلاد العرب قبل الإسلام يعرفون معنى التطهر على هذا المنوال، بله أن يكون تطهرهم بالماء؟ لقد كان كل ما فعله امرؤ القيس عندما بلغه مقتل أبيه على يد رعاياه، وكان الشاعر وقتئذ يشرب الخمر، هو أن استمر يشرب تلك الليلة قائلا: ضيعنى صغيرا، وحَمَّلَنى دمَه كبيرا. اليوم خمر، وغدا أمر. ثم تَرَك الشرابَ بعد تلك الليلة إلى أن مات وهو عائد من عند ملك الروم، الذى كان قد قصده ليعينه على أخذ الثأر لأبيه من قَتَلَته. وكان العرب فى مثل تلك الحالة يحرّمون النساء والاغتسال على أنفسهم إلى أن يدركوا ثأرهم. فكما يرى القارئ كان الأمر يجرى عند العرب على خلاف ما ظن الباحث. بل إن حنق الشاعر على أبيه وتحميله إياه المسؤولية هو أكبر برهان على أنه لم يكن يشعر بأى إثم يدعوه إلى التطهر، إذ كان أبوه فى نظره المخطئ لا هو. وهذا كله إنما يدل على أن العبرة فى التأليف والكتابة لا مجرد استخدام المناهج النقدية الجديدة بل حسن التأتى للموضوع والإخلاص لأصول البحث العلمى. ومع هذا فيحسب للباحث أنه، حين لفتُّ نظره، خلال اتصاله بى هاتفيا من خارج البلاد، إلى الغلطة العنيفة التى سقط فيها، لم يكابر بل أقر بأنها قلة خبرة منه.
فإذا ما انتقلنا إلى الكتاب المقدس استطعنا أن نجد فيه التوحيد مثلما نجد فيه تعدد الآلهة والقول بأن هناك بشرا ينتسبون إلى الله بوصفه أباهم. ونقابل أشخاصا يصفهم ذلك الكتاب بالتقوى والبر، ويراهم ناس آخرون زناة فسقة مجرمين أو ديايثة. وكلهم تقريبا أنبياء ورسل. كما نراه متناقضا فى تصوير العلاقة بين بنى إسرائيل والله رب العالمين: فهم أحباؤه خلقهم لنفسه شخصيا، وفى ذات الوقت نقرأ من لعناته عليهم وسبابه لهم ما لا يمكن أن يصدر إلا عن عدو مضطغن حاقد لا من أب على أبنائه أو حاكم على شعبه، الذى يعلن فى كل مناسبة أنه يحبه حبا لا مثيل له ولا مزيد عليه. ودعنا من التناقضات الحسابية والتاريخية والعقلية التى لا يمكن أن تنجبر أبدا مهما بُذِلَت فيها الجهود وتضافرت فى رتقها عبقرية العبقريين كما هو الحال فى ذلك الملك الذى مات وعنده أربعون عاما ليتولى عقب موته ابنه، الذى كان يبلغ من العمر آنذاك اثنين وأربعين عاما. إى والله!
أما بالنسبة إلى الأناجيل فقد اختلف النصارى فرقا وأحزابا يكفر بعضهم بعضا، وكل فرقة تتكئ على نصوص الإنجيل. فما العمل فى هذا؟ كما كان ملوك أوربا وقساوستها يعتمدون عليها فى تألههم واستبدادهم على عكس ما يقال الآن من أن الرحمة بالشعوب وحكمها بالديمقراطية ينبعان من تلك الأناجيل نفسها. و هناك من الغربيين من يكذِّب بوجود المسيح، ومنهم من يتهمه بالدجل والشعوذة وترتيب الأمور مع بعض تلاميذه بحيث تبدو للسذج المغفلين معجزات عجيبة، ومنهم من اتهمه بالشذوذ الجنسى، ومنهم من يقول إنه قد تزوج مريم المجدلية. وهناك كذلك من يؤكد أنه نبى السلام والرحمة والمحبة، ومن يرى أنه قد أتى لينشر العداوة والخصام والكراهية بين الناس بل بين أبناء البيت الواحد. ومنهم من يرى أنه عصبى شديد الانفعال هجام شتام يثور ويسب لأتفه سبب، ومنهم من يراه على العكس من هذا وديعا مسالما ينصح أتباعه بإدارة الخد الأيسر لمن يصفعهم على خدهم الأيمن. وهو نفسه يقول فى الأناجيل إنه ما جاء لينقض الناموس، الذى أتى به موسى، لنفاجأ به عقيب ذلك ينقضّ على ذلك الناموس تبديلا وإلغاء. وكل هذا وكثير غيره إنما يستند القائلون به إلى نصوص الأناجيل ذاتها.
* * *
“His elaboration—“Those whom God has favored” —was a rather narrower demographic than I’d been hoping for. Wondering how broad the definition of “righteous” was, I found a clue in the next line: “Not [the path] of those who are objects of anger, nor of those who wonder astray.”
“And what kinds of people are they?” I asked, fully expecting to hear a list roughly similar to that in the Judeo-Christian tradition, beginning with A for adulterers and ending with U for usurers.
The list was far shorter than I expected. “Well, some people have said that ‘those who are objects of Thine anger’ refers to the Jews,” said Akram, whose calm suddenly grew unnerving. “God became angry with the Jews after they rejected Jesus Christ. God’s favor can be taken away from you at any time.”
“Jews” struck like a pebble. It is a hard, small, unyielding word. It always seems to jam the conversation in a way that the adjective “Jewish” doesn’t. I thought of that famous line from the British director Jonathan Miller. “I’m not a Jew,” Miller said. “Just Jewish. Not the whole hog, you know.”
The Sheikh continued. “God does not favor people who have gone astray. Some people think this part means Christians, who went to extremes by confusing their prophet Jesus with the divine. The Quran wants Muslims to remember that Jesus is only a man.”
“But aren’t the Jewish people and the Christians ‘Ahl-e-Kitab’?” I asked, plaintive now. “People of the Book?”
Islam’s famous respect for Ahl-e-Kitab, literally the People of the Book, as the followers of the two other great monotheisms are known, was invariably invoked at interfaith events.
“Yes, they are,” said the Sheikh. “We respect the Jewish people and the Christian ones.”
The Sheikh did not believe that the last line of “Al-Fatiha” referred to Jews and Christians specifically, but to any Muslim who veered off piety’s path”.
وفى موضع آخر من الكتاب تسأل الكاتبة الأمريكية الشيخ الهندى د. أكرم الندوى عن المراد بـ"المغضوب عليهم والضالين" فى قوله تعالى فى سورة "الفاتحة": "اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" لتعرف كيف ينظر الإسلام إلى اليهود والنصارى. ترى هل تظن أن الإسلام يمكن أن يقر بصحة ما عليه الفريقان؟ إنه لو فعل ذلك لكان قد دق مسامير نعشه فى الحال. ذلك أن الإسلام قد أتى، ضمن ما أتى من أجله، لتوضيح الأخطاء العقيدية والتشريعية وتلك المتعلقة بسير الأنبياء السابقين عندهم، وإلا ما أدانهم وشدد النكير عليهم. إلا أن ذلك شىء، والتفكير فى إكراههم على تغيير ما يؤمنون به شىء آخر لم يفكر الإسلام فيه لأنه ضد مبادئه العظيمة من ترك كل أهل دين وما يدينون به دون التدخل فى شؤون ضمائرهم انطلاقا من دعوته الملحة إلى حرية الاعتقاد والدين. وقد لخصت السيدة باور رأى د. أكرم الندوى فى أن "المغضوب عليهم والضالين" ليسوا هم اليهود والنصارى بالذات بل أى مسلم ينحرف عن صراط المتقين.
وكنت قبل معرفتى بكتاب المؤلفة ووقوعه يدى قبل يومين كنت قد سجلت فهمى لذلك الموضوع فى كتاب لى صدر منذ عدة أسابيع نقلت منه الفقرات التالية التى ذكرت فيها أن المشهور فى تفسير تلك الآية هو أنها تشير إلى اليهود والنصارى، ثم مضيت قائلا: أما أنا فأُوثِر أن أقول إنهم هم كل من تبين له أن محمدا رسول لله رب العالمين لكنه عاند وتمرد وكفر أو عصى وتجبر وتأله وسام البلاد والعباد سوء الطغيان والعذاب والاستبداد واجتيال الأموال. وهؤلاء أوسع من أن ينحصروا فى أهل الكتاب، بل يدخل فيهم الوثنيون والمجوس وعبدة الجمادات وعبدة البشر وعبدة الحيوانات والملاحدة، وكذلك العصاة المجرمون والمنافقون ممن ينتسب زورا ومينا إلى دين محمد. وفى عصرنا هذا عرفنا الماركسية والوجودية والنازية والفاشية. ومن الأديان القديمة التى لم تكن فى بال المسلمين البوذية والكونفوشيوسية والشنتوية.
فكل من يتحقق من غير المنتسبين إلى الإسلام أن الإسلام هو الدين الحق، ثم يتعامى عن ضيائه الباهر ويكفر بنبيه وكتابه ويعاديه فهو من المغضوب عليهم والضالين حتى لو لم يكن يهوديا أو نصرانيا. أما قصر التفسير على اليهود والنصارى فينبغى النظر إليه على أنه من باب التمثيل ليس إلا. وقد يكون السبب فى ذلك أن الإسلام فى عمره الباكر لم يجد فى طريقه سوى هاتين الديانتين اللتين عادتاه واصطدمتا به وحاولتا استئصاله، فكان من الطبيعى أن تتبادرا إلى ذهن مفسرينا الأوائل رضى الله عنهم.
على أن الغضب والضلال، كما أشرنا، ليسا مقصورين على غير المسلمين مثلما أن الهدى والرضا ليسا منحصرين فينا نحن أتباع محمد عليه السلام. ألم يكن بين الأمم السابقة مؤمنون مطيعون مستقيمون ينصاعون لما يقوله رسلهم ويلتزمونه ويتمسكون به؟ ألم يكن بين أتباع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى مهتدون يحظَوْن برضا الله عنهم؟ بلى كان بكل تأكيد. ثم أليس من بين المسلمين من يشايع أعداء وطنه ودينه، ومن يعمل بعكس تعاليم الإسلام عمدا وعن سبق إصرار وترصد؟ أليس بين المسلمين من يعيش هملا لا يعرف لحياته معنى ولا لوجوده غاية، فهو يأكل ويشرب ويتناسل ليس إلا، ويؤثر ما هو عليه من جهل وفوضى وقبح وتشوه وإجرام وتسيب وتبلد ولامبالاة وتمرد على القانون وبذاءة وقذارة ونتانة، على العلم والنور والنظام والانضباط وحساسية الشعور والاهتمام واليقظة والجمال والرقى والنظافة وطيب الرائحة، ويكره كل من يحاول مد يده إليه لانتشاله من تلك الظلمات المتراكبة التى يعشقها عشقا ويذوب فيها هياما وغراما؟ أليس بين المسلمين لصوص عتاة يختلسون من المال العام الملايين والمليارات ويتركون أممهم تتضور جوعا وعريا وبلا مسكن يليق بالآدميين؟ أليس بين المسلمين طغاة مجرمون سفاحون سفاكو دماء متغطرسون متألهون تافهون لا يرحمون شعوبهم ولايفكرون فى ترقيتها والأخذ بيدها فى مدارج الحضارة والتقدم، بل يعسفون بها عسفا ويعصرونها عصرا ويقتلون منها من يقتلون دون مبالاة بالعواقب ويأخذونها فى مغامرات شيطانية إلى الدمار والخراب بغير حسيب أو رقيب، ويمصون دماءها بلا شفقة أو رحمة؟ أليس بين المسلمين ثعالب منافقة خبيثة اتخذوا الدعوة الدينية محترَفا يأكلون به الدنيا أكلًا لَمًّا، فهم يمالئون الظالمين ويضللون الجماهير ويشغلونهم بالتفاهات والشكليات والبهلوانيات وتفصيص الشعرة حتى لا يعرفوا شيئا عن الدور الحضارى العظيم الذى يقوم به الإسلام وتنتقل به الأمم التى تؤمن به وتنتهج سبيله من الفقر إلى الغنى، ومن ظلمات الجهل المتراكبة إلى ضياء العلم الباهر، ومن التبلد إلى التوثب، ومن استعذاب الظلم والاستبداد إلى التلذذ بطعم الحرية والمجاهدة فى سبيل نيلها.
ولا أتصور إلا أن هؤلاء داخلون مع المغضوب عليهم والضالين، فإن الله سبحانه لم يكتب النجاة فى الآخرة للإنسان لمجرد أنه قد نطق بالشهادتين. وإلا فما أسهل الإسلام والإيمان، وما أرخصه على كل من هب ودب! إلا أنه لا بد من التمييز بين غضب وغضب، وبين ضلال وضلال. فهناك درجات ودركات لكل شىء فى هذا الوجود، وعلى رأسه الحساب الإلهى. وفى آخر المطاف لقد أطلق القرآن القول إطلاقا، فذكر: "المغضوب عليهم والضالين"، ولم يقل: "اليهود والنصارى". ترى ما الذى منعه من تعيينهم بأسمائهم التى نعرفها بدلا من هذا التعميم؟ إنه دائما ما يذكرهم بـ"اليهود والنصارى" حين يريد التفصيل، وبـ"أهل الكتاب" حين يريد جمعهما معا. فلم نأتى نحن ونحدد، وقد أطلق هو الكلام؟
كذلك فإن "الفاتحة"، التى ورد فيها ذكر "المغضوب عليهم والضالين" قد نزلت فى مكة مبكرا جدا قبل أن يصطدم الإسلام باليهود أو النصارى، بل قبل أن يبرز فى حياة الإسلام اليهود والنصارى، فكيف يهاجمهم الإسلام قبل تجريبه إياهم وظهور عداوتهم وبغضهم له؟ ثم إن "الفاتحة" بطبيعتها سورة تجريدية، فهى تخلو من القصص والجدال والتفاصيل، وتكتفى بمناجاة الله حمدا واستعانة وطلب هداية، ولا تتحدث عن أحداث أو أشخاص، ومن ثم كان غريبا القول بأنها تدين اليهود والنصارى بوَسْم أولئك بـ"المغضوب عليهم"، وهؤلاء بـ"الضالين".
إلا أن المؤلفة لم تسترح إلى هذا التفسير رغم مرونته، التى تشمل المسلمين، بل التى فى الواقع تذكرهم قبل غيرهم بل ربما تذكرهم دون غيرهم، وظلت تنقّب فى التفاسير والدراسات القرآنية المكتوبة بالإنجليزية حتى وجدت ما كتبه فضل الرحمن، وهو كاتب إصلاحى مسلم، من أن النجاة فى الآخرة، حسبما تنص الآية 62 من سورة "البقرة" لا تقتصر على المسلمين فحسب بل تشمل معهم الصابئين واليهود والنصارى متى كانوا مؤمنين بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات، فعندئذ شعرتْ بالراحة العميقة ورجعتْ إلى ما كان عليه رأيها فى الإسلام من أنه دين واسع الأفق. وهذا ما كتبته عن تلك الحادثة:
“I sat with my tower of tafsirs, finger-scanning index columns for “Al-Fatiha” and for “Quran—attitudes to Jews and Christians.” I found some comfort in an introductory text by Fazlur Rahman, a great twentieth-century Muslim reformist. In Major Themes of the Quran, he cites a verse from the second sura: “Those who believe [Muslims], the Jews, the Christians and the Sabaeans—whosoever believe in God and the Last Day and do good deeds, they shall have their reward from their Lord, shall have nothing to fear, nor shall they come to grief.” Ultimately, concludes Rahman, these words have an “obvious meaning,” which is simply that those “from any section of mankind—who believe in God and the Last Day and do good deeds are saved.” There. It was ultimately about belief in God, and being good. A flood of relief. That I could do. I regained my faith in Islam as being a force for harmony between faiths”.
والحق أنْ لو كان الأمر كذلك ما كان هناك معنى لمجىء محمد ودعوته إلى الإسلام ولكذب القرآن نفسه بنفسه كما قلت، إذ يكفى أن يكون الشخص يهوديا أو نصرانيا أو صابئيا كى ينجو. وقد درستُ تلك القضية بالتفصيل فى بعض كتبى السابقة، وأهمها كتابى عن سورة "المائدة" حيث خصصت فصلا طويلا كاملا لمناقشة هذه المسألة، وألفيت الشيخ محمد عبده فى تفسيره لسورة "البقرة" ود. محمد عمارة فى كتابه: "الإسلام والوحدة الوطنية"، الذى ظهر فى أواخر سبعينات القرن المنصرم، يقولان شيئا مشابها لما قاله فضل الرحمن. وخلاصة رأيى أننا ينبغى أن نرقّم الآية التى تشير إليها الكاتبة: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" على النحو التالى: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا، وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". أى أن عندنا صنفين من الناجين يوم القيامة: المسلمين، الذين عبر عنهم القرآن بـ"الذين آمنوا"، ثم عندنا اليهود والنصارى والصابئون إذا كانوا مؤمنين بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات. فأما عمل الصالحات فلا مشكلة فيه، لكن المشكلة كلها تكمن فى معنى الإيمان بالله واليوم الآخر هنا.
ستقول لى: وكيف مَيَّزْتَ بين الفريقين على هذا النحو؟ فأجيبك أنه لا يُعْقَل أن يقول القرآن عن قوم إنهم "آمنوا"، أى آمنوا بالله واليوم الآخر، ثم يدور على عقبيه مشترطا أن يكونوا مؤمنين بالله واليوم الآخر، إذ هو شرط لا معنى له لأنه متحقق فى وصفهم بـ"الذين آمنوا". كذلك أرجوك أن تتمعن فى الآيات التالية من سورة "النساء": "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)"، ولسوف ترى بنفسك أن من لا يؤمن ولو بنبى واحد هو كافر فى نظر الإسلام حتى لو آمن بسائر الأنبياء الآخرين. فما بالك إذا كان هذا النبى المكفور به هو محمدا عليه السلام؟ ومعنى هذا أن اليهود والنصارى ليسوا من المؤمنين بالله ورسله. وبالمثل أرجوك أن تقرأ الآية 92 من سورة "الأنعام"، والكلام فيها عن القرآن: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ". وهذا منطوق النص، أما مفهومه فهو أن من لا يؤمن بالقرآن ليس مؤمنا بالآخرة فى نظر الإسلام. ومن هذين النصين يتضح تماما خطأ تفسير فضل الرحمن والشيخ محمد عبده ود. محمد عمارة. فهل فى هذا ما يعيب الإسلام؟ أبدا، فكل دين يرى أنه هو المذهب الصحيح، وإلا لترك كل أهل دين دينهم ولم يتدينوا بشىء، وعاش الناس هردميسة يا أم عيسى!
إلا أن هناك حلا آخر يتمثل فى قوله تعالى من سورة "الأنعام": "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" وفى قوله عز شأنه: "لا يُكَلِّفُ اللهُ نَقْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" بما يعنى أن الحساب يوم القيامة سيكون بناء على مدى اجتهاد الشخص وإخلاصه فى البحث عن الدين الصحيح ومدى مساعدة الظروف أو معاكستها له. وعلى هذا فمن يبحث ويجدّ ثم لا تتضح له الصورة على حقيقتها فالله سبحانه عاذره. ومن اتضحت له الصورة ثم عاند وتمرد وأغلق قلبه عن نور الإسلام وكفر بمحمد فهو فى النار. أما من لم يسمع عن الإسلام ونبيه بتاتا فهل تظن أن الله سوف يحاسبه على ما هو خارج وسعه وفوق طاقته؟ كلا وحاشا. وبالمثل من لم يكن عنده من العقل ما يستقلّ به ويعرف أن ما يقال له عن محمد عليه السلام ودينه كلام زائف مبطل فإن الله سوف يأخذ وضعه هذا فى الحسبان. وبهذه الطريقة ينحل هذا الإشكال. وبهذا نرى مدى سماحة الإسلام وتفهمه لحال البشر وضعفهم ومحدودية قدراتهم وضغط الظروف القاسية عليهم.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف