الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللغة الراسمة في ( شرفاتٌ شاحبةٌ منْ طين ) لكريم عبد الله بقلم:د أنور غني الموسوي

تاريخ النشر : 2015-11-27
اللغة الراسمة في ( شرفاتٌ شاحبةٌ منْ طين ) لكريم عبد الله بقلم:د أنور غني الموسوي
اللغة الراسمة في ( شرفاتٌ شاحبةٌ منْ طين ) لكريم عبد الله
د أنور غني الموسوي

الرسم بالكلمات ، ليس فنا جديدا ، بل هو ضارب بالقدم ، الا انّه غاية للاديب ايضا ، و لطاما تباهى المبدعون بذلك ، حتى اشير اليه انّه ليس اسلوبا فقط بل هو فن قائم بذاته .و لحقيقة المركزية التي صارت تحتلها الصورة الشعرية في الادب الحديث ، صار من الجميل فعلا الارتقاء بهذا العطاء الانساني .

ان المميّز الأهم للغة الراسمة انّها اكثر حيوية و اكثر اشراقا ، و اكثر وضوحا ، و تعتمد التعبير المنطلق من الصورة ، بحيث انّك ترى الكلمات كأشياء و التراكيب كلوحة ، ثم هي تنطلق بك بعد ذلك الى عالم المعنى . بل انّ الامر يكون احيانا اعمق من ذلك ، اذ تتشكل الصور في عالم الفكر ، فيكون امامك تلألأ فذ و جميل ملّون و برّاق . 

انّ اللغة الراسمة و ما ترسمه من تشكلات انّما هو باختصار عالم جميل ، عالم يعجّ بالجمال ، الجمال فحسب . و هذا التراكم الجمالي التصويري نجده جليّا في لغة الشاعر العراقي الفذّ كريم عبد الله في كتاباته ، و ربما المفتاح الأمهر لقراءة لوحات كريم عبد الله هو مدخل اللغة الراسمة ، الا انّه في نص ( شرفات شاحبة من طين ) يبلغ الغاية محقّقا انجازا ادبيا فذّا و متفردا سيكون له أثره في ساحات الأبداع . و نحن هنا في هذا المقال سنركز على الاسلوبية التي حقّق بها هذا النص القدرة الراسمة الكبيرة ، اما الجوانب الجمالية الاخرى للنصّ و التي هي كثيرة فنتركها لمحلّها و لأهلها . 

العنوان في ذاته لوحة ( شرفات شاحبة من طين ) و لا تحتاج الا لمخيّلة حتى تبحر في تلك الشرفات الطينية الشاحبة و تعيش أجواءها .

في لوحة مرسومة من المعاني في فضاء من الدلالات يقول كريم عبد الله ( فراغٌ متجرّدٌ إلاّ منْ مخالب تعلو أفقاً متآكلاً .... ) . الاسناد الاسمي ( فراغ متجرد ) ثم يتبعه بالاستثناء ، فبعد ان تشكّلت الصورة للفراغ ، جاء صوت الاستثناء ، كضربة و رفع يد للأشارة الى جانب ، ( الا من مخالب ) انّه ابراز للمخالب . اللغة الراسمة تتميز بالأبراز و القدرة على تسليط الضوء . و هذا ايضا يجري على تصدير الكلام بكلمة ( فراغ ) انّه تسليط للضوء على هذه الكلمات . انه فراغ متجرد الا .... من مخالب . لا ينتهي الوصف هنا ، و بلغة نثرية فذة ، على مستوى عال من الشاعرية ، انّها مخالب تعلو افقا متآكلا . . و بعد هذا الرسم ، و ما للمفردات من مرجعيات و عوالم معنوية تنقل الذهن الى فضاءات الدلالة و ما يريد الشاعر ايصاله .

ثم ببيان اعلى يقول ( كاتماً بأنفاسِ شرفاتٍ مستوحشةٍ في زمنِ الخراب .. ) في لوحة تصويرية تطورية تفترش المكان ، و تعلو و تكتم الانفاس ، انفاس شرفات مستوحشة ، في زمن الخراب .

( خاليةٌ الأشجارُ سوى القُبحَ يتوجّسُ ثمارِ الهزيمةِ ............... ) و في بيان مرآتي و انعكاسي او محاكاتي ، و بتدوير للوحة من وجه اخر ، الاشجار خالية ، ليس هناك سوى قبح يتوجّس ثمار الهزيمة ) في اسلوب الابراز و التوضيح و الامانة الكاملة ببوح عال و مجازية و شعرية فذة تتكامل الصورة.

و من ثم بوجه ثالث للوحة و ببوح عال يقول او يرسم ( يوشكُ هذا الليل يربطُ وجهَ الصبح بفوّهةٍ رعناء ...) ، حتى تصل اللغة الى مقطع مرسوم بدقة عالية (تمتمَ القطارُ نحوَ الغروب يحثّو عجلاتَ القلق ) ، في بيان حدثي ، فعلي يتمتم القطار ، نحو الغروب مجازية عالية الا انها بوحية ، يحثّ عجلات القلق .

انك ترى بوضوح حضور الالفاظ الظرفية وهي مهمة كثيرا في الرسم ، انه ترتيب المكان ، و يمكننا القول و بسهولة ان هذه اللغة مقصودة و ليست انثيالات شعرية بل تقنية عالية يقول كريم عبد الله (للمحنةِ صرير أبوابٍ مغمضة وراءها تراثٌ معلول .../ أقامَ الزمنُ خيمةً ظلّلَ أوتادها الحداد ) نلاحظ كلمة صرير ، و ابواب ، و مغمضة ، و وراءها و معلوم . كلها مفردات حسية ، ظاهرة جدا لا لبس فيها ، و كلمة و راءها لها وصف مكاني ظرفي بحت . اذن تعلمنا لغة كريم عبد الله ان اللغة الراسمة لغة تعتمد الحسيات و تعتمد الظرفيات وانها لغة التقنيات العالية ، انها مدرسة تعلّمنا نموذجا لفن كلامي فذ .و في مقطع يشهد لما قلنا و يوضّحه اكثر يقول كريم عبد الله (أقامَ الزمنُ خيمةً ظلّلَ أوتادها الحداد )

و يستمر الرسم حيث يقول (الآتيَ أومأَ بالتسوّلِ يدقُّ مساميرَ النعشِ ../ في الفتنةِ الهوجاءَ يتعنّكبُ رمادٌ أجهشهُ وطنٌ بلا غد .../ منْ هنـــــــــــــــــاكَ مرقَ طليقاً حجراً محتضناً هشيمهُ ... ) ، المقطع يعجّ بالافعال المضارعة و يعجّ بالترتيبات المكانية و الزمانية و يعجّ بالحسيّات ، انّه رسم مقصود و فذّ و تلوين للفكر . لغة راسمة تأسر الفكر و ترتّب المعاني كأنّها اشياء و ليست مقاصد معنوية .

الى ان تأتي المقاطع الاخيرة و على نفس الوتيرة و الرسم و الترتيب 

(هذا الصدى للأنين صارَ وجهاً ملفوفاً بالدهشةِ ../ مبلولاً بالأحقادِ صرخاتهُ أنجبتْ حلماً خديجاً .../ داهمَ نثيثُ الأوبئةِ أجساداً مغيّبةً تئزُّ بــ عورةِ الثورات

رائحةُ الأرصفة المشويّةِ وصوتها المبحوحَ يشي بــ الرحيل .../ الحزنُ معتقلٌ في صدورٍ تاهتْ متبعثرةً بـــ أروقةِ الخذلان ..../ 

غبراءَ كعادتها إندلعت في أوراقنا ثقّبتْ مكروهةً ريح أشعةَ الحلم ........ )

و نلاحظ جيدا التجسيد الحسيّ القوي في عبارة (رائحةُ الأرصفة المشويّةِ وصوتها المبحوحَ يشي بــ الرحيل .../ الحزنُ معتقلٌ في صدورٍ تاهتْ متبعثرةً بـــ أروقةِ الخذلان ..../ )

ان كريم عبد الله بلغ هنا غايات مهمّة جدا في اللغة الراسمة و قدّم نموذجا فذا يفتخر به حقّا في هذه اللغة ـو كما قلنا هناك جوانب جمالية عالية و كبيرة في النصّ يطول الحديث عنها الا أنّا و كأسلوب نتبعه نركّز دوما على مظهر من مظاهر الابداع لأجل فهمه و فهم اللغة التي كٌتِب بها و لقد كان نصّ ( شرفات شاحبة من طين ) مناسبة جمالية متفرّدة للغة الراسمة ، و نموذجا خصبا لهذا المظهر الابداعي .

النص

( شرفاتٌ شاحبةٌ منْ طين )

كريم عبد الله

فراغٌ متجرّدٌ إلاّ منْ مخالب تعلو أفقاً متآكلاً ..../ كاتماً بأنفاسِ شرفاتٍ مستوحشةٍ في زمنِ الخراب .../ خاليةٌ الأشجارُ سوى القُبحَ يتوجّسُ ثمارِ الهزيمةِ ...............

يوشكُ هذا الليل يربطُ وجهَ الصبح بفوّهةٍ رعناء .../ تقزُّ الأجاجَ حولَ رقّاصٍ أعرج ...../ تمتمَ القطارُ نحوَ الغروب يحثّو عجلاتَ القلق ................../

مسّحتْ غمامةٌ نبضَ الجوعِ تستسقي غاباتَ الظمأ .../ للمحنةِ صرير أبوابٍ مغمضة وراءها تراثٌ معلول .../ أقامَ الزمنُ خيمةً ظلّلَ أوتادها الحداد ......./ ....................

الآتيَ أومأَ بالتسوّلِ يدقُّ مساميرَ النعشِ ../ في الفتنةِ الهوجاءَ يتعنّكبُ رمادٌ أجهشهُ وطنٌ بلا غد .../ منْ هنـــــــــــــــــاكَ مرقَ طليقاً حجراً محتضناً هشيمهُ ...

هذا الصدى للأنين صارَ وجهاً ملفوفاً بالدهشةِ ../ مبلولاً بالأحقادِ صرخاتهُ أنجبتْ حلماً خديجاً .../ داهمَ نثيثُ الأوبئةِ أجساداً مغيّبةً تئزُّ بــ عورةِ الثورات

رائحةُ الأرصفة المشويّةِ وصوتها المبحوحَ يشي بــ الرحيل .../ الحزنُ معتقلٌ في صدورٍ تاهتْ متبعثرةً بـــ أروقةِ الخذلان ..../ 

غبراءَ كعادتها إندلعت في أوراقنا ثقّبتْ مكروهةً ريح أشعةَ الحلم ........

 كريم عبدالله

بغداد العراق
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف