الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التطرف يؤرق الوطن العربي بقلم:حنا عيسى

تاريخ النشر : 2015-11-26
التطرف يؤرق الوطن العربي بقلم:حنا عيسى
الذي تمارسه تنظيمات الهوس الديني – وقد سادت حالة من الفوضى والحروب عدد من الدول العربية مما يهدد كيان المجتمعات العربية والاسلامية بمستقبل غامض وحاضر سماته العنف والقتل...وقد بلغت حالة الإنسداد مرحلة تنذر بتفكك الدول العربية إلى كيانات ومجموعات ذات إنتماء طائفي ومذهبي وأحياناً مناطقي – واذا لم يتم تدارك هذا الانزلاق بوعي ومناقشة الأسباب الحقيقية التي قادتنا إلى هذا الدرك من الانحطاط القيمي والأخلاقي سوف تتفكك المنطقة الى دويلات وكانتونات، واذا تتبعنا هذه الاحداث نجد ان تنظيمات الاسلام السياسي هي الحاضن الشرعي لكل كيانات الارهاب بمختلف مسمياته فالمرجعية الفكرية واحدة -والاحداث التي تمت في العراق والتي تمددت حتى سوريا وحالات العنف الدامي الذي شهدته نيجيريا ومالي له مدلولات وقواسم مشتركة وهو الاسلام السياسي الذي يغذي العقول بالكراهية تجاه الاخر المختلف في الاعتقاد.
 
تُعدّ مشكلة التطرف، من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام من قبل النخب الفكرية فنمو الظاهرة وانتقالها إلى أطوار وأشكال جديدة، ربما لم تكن موجودة من قبل، يدعونا إلى قراءة أكثر عمقاً. والتطرف لغة مشتق من "الطـَّرَف" أي "الناحية"، أو "منتهى كل شيء". وتطرّف "أتى الطرف"، و"جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط". وكلمة "التطرف" تستدعي للخاطر كلمة "الغلوّ" التي تعني تجاوز الحد. وهو من "غلا" "زاد وارتفع وجاوز الحد".
 
التطرّف، تعبير يستعمل لوصف أفكار أو أعمال ينظر إليها من قبل مطلقي هذا التعبير بأنها غير مبرّرة. من ناحية الأفكار، يستعمل هذا التعبير لوصم الأيديولوجية السياسية التي تعتبر بعيدة عن التوجه السياسي للمجتمع. من ناحية الأعمال، يستعمل هذا التعبير في أغلب الأحيان لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغير سياسية أو اجتماعية. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين.
 
والتشدّد أو التطرّف موجود داخل كل مجتمع وحزب وجماعة فالتعصب للرأي والقناعات، وعلى إلغاء الآخر ونفيه، والتعامل معه بتشدّد وحدّة فكرية أو سلوكية، ليس بالنهج الجديد، ولا يختص بفترة زمنية دون أخرى، ولا بمجموعة بشرية معينة، بل هو ظاهرة بشرية طبيعية موجودة منذ وجد الإنسان، وستظل موجودة ما دامت الحياة البشرية؛ لأنه يتعلق بطبائع البشر وميولهم ونفسياتهم...وهذا ما يفسر التصنيفات الشائعة سياسياً داخل كل جماعة أو حزب، من متشددين ومعتدلين، صقور وحمائم، محافظين وإصلاحيين. وإذا فشل أي حزب أو جماعة في احتواء وجهات النظر الداخلية المتباينة، ولم تستطع هذه الأطراف التعايش مع بعضها البعض، فإن ذلك يفضي في كثير من الأحيان إلى انشقاقات وانقسامات.
 
والتطرف لا ينحصر فى الجانب الديني فحسب، فهناك أشكال مختلفة من التطرف السياسي والثقافي والاجتماعي. وإذا كان التطرف الديني في الوقت الراهن هو الأبرز في المجتمعات العربية والإسلامية كما في المجتمعات الغربية، فإن تطرفاً يسارياً قد ساد المنطقة العربية في فترة الستينيّات وبداية السبعينيّات، ولم يكن التطرف القومي أحسن حالاً. وغالباً ما كان أصحاب التوجهات الدينية في تلك الفترات يقعون ضحية ذلك التطرف اليساري أو القومي حين وصل اليساريون والقوميون إلى السلطة، فتعرّضت الجماعات الدينية للقمع ومصادرة الحريات والاعتقال، وفي بعض الأحيان إلى التصفية والإعدام، بعد أن صودر حقها في التعبير، بل في الوجود، ووُجهت لها الاتهامات بالرجعية والعمالة للاستعمار.
 
والتطرف هو ظاهرة عامة وإنسانية موجودة منذ القدم"، يمثّل "نوعاً من الوعي المزيّف وحالة من الهروب إلى الأمام بالإستناد إلى نظرة غير واقعية، وغالباً ما يكون رد فعل على تطرّف آخر أو إحتجاجاً على الإعتدال، ولذلك فهو يُمثّل موقفاً خصماً بأكثر مما يمثلُ بديلاً إيجابياً. ولهذا يبقى التطرف حالة هامشية لا تصنع التاريخ ولا تدوم...كما ان مستوى التطرف وتعبيراته تعتمد على العلاقة بمجموعة من العوامل أهمها مدى تخلّف المجتمع أو تقدّمه، ومدى إنتشار المعرفة و"العلاقة بين التحدي والمعني بالتحدي لذلك كانت مظاهر التطرف تنتشر في ظل أوضاع التخلف والجهل والأزمات، وتقترن عادة بالتعصب والتزمّت وتختلط فيها ثقافة الأساطير بالأحكام القطعية وبالعدائية.
 
ويحفظ التاريخ من مختلف المجتمعات في العالم أمثلة كثيرة للتطرف الفردي والجمعي كفرض التشيع في ايران السنية أصلا وبالقوة من قبل الشاه اسماعيل الصفوي قبل ما يقرب من خمسة قرون .. وتلك الحادثة مثال واضح للتطرف الفكري والعقائدي والمذهبي الا ان هذا التغيير لم يكن ليكتمل الا بالعنف والقمع .. أما التمييز العنصري بين السود والبيض فكان أسوأ مثال شهدته أمريكا وجنوب أفريقيا في العصر الحديث .. ويأتي القرن العشرون بمثالين غاية في السوء هما فاشية موسوليني في ايطاليا ونازية هتلر في المانيا حيث فرضت عقيدة العرق الأفضل بالعنف والتقتيل ولا ننسى تطرف جوزيف ستالين في تطبيقه القاسي للاشتراكية في الاتحاد السوفيتي .. كما ان بروز حركات سلفية تكفيرية متطرفة كالحركة الوهابية والاخوان المسلمين في العصر الحديث تعتبر مثالا حيا للتطرف الفكري وفرض العقائد .. وهذا يثبت ان التطرف موجود في كل المجتمعات على اختلاف أديانها تقريبا الا ان الاعلام الغربي ونتيجة لضعف الاعلام في مجتمعاتنا الاسلامية والعربية يركز الضوء أكثر على التطرف لدى المسلمين .. وهناك الكثير من أشكال التطرف كالتطرف السياسي والاجتماعي والثقافي الا ان التطرف الديني أو المذهبي أو العرقي يعتبر الأخطر على المجتمعات.
 
التطرف حالة مرضية:
 
إن حدود التطرف نسبية وغامضة ومتوقفة على حدود القاعدة الاجتماعية والأخلاقية التي يلجأ المتطرفون إلى ممارساتها. إذاً التطرف ظاهرة مرضية بكل معنى الكلمة وعلى المستويات النفسية الثلاثة، المستوى العقلي أو المعرفي، والمستوى العاطفي أو الوجداني، والمستوى السلوكي. فعلى المستوى العقلي يتسم المتطرف بانعدام القدرة على التأمل والتفكير وإعمال العقل بطريقة مبدعة وبناءة، وعلى المستوى الوجداني أو العاطفي يتسم المتطرف بالاندفاعية الوجدانية وبشدة الاندفاع والمبالغة فيه. فالكراهية المطلقة للمخالفة في الرأي أو للمعارضة الشديدة، أو حتى للإنسان بصفة عامة، بما في ذلك الذات. هي كراهية مدمرة، والغضب يتفجر بلا مقدمات ليدمر كل ما حوله أو أمامه. وعلى المستوى السلوكي تظهر الاندفاعية من دون تعقل، ويميل السلوك دائماً إلى العنف.
 
واخطر اشكال العنف هو الذي يترافق مع التطرف الديني أو المذهبي أو العرقي والتي يرقى بعضها الى مستوى الجرائم الدولية .. قد يبدأ العنف بأبسط صوره وهو العنف اللفظي لمهاجمة فكرة ما أو شخص ما وقد يرافقه التهديد .. الا ان الصورة الأخطر للعنف هي تنفيذ الأذى الجسدي للطرف الآخر من أجل فرض العقائد والأفكار .. وتشير الدراسات والتقديرات ان نسبة تتجاوز التسعين بالمئة من عمليات العنف التي حدثت فعلا في مختلف المجتمعات أساسها التطرف واختلاف العقائد والأفكار .. وعلينا التمييز بين التدين والالتزام بممارسة الطقوس الدينية والمذهبية والحث اللطيف على أداءها وبين التعصب.. والتطرف مهما كان نوعه ان ارتبط أو تزامن معه ممارسات عنف ولا سيما الجسدية منها ضد الأفراد أو الجماعات العرقية والمذهبية أو ضد مؤسسات الدولة فانه يتحول الى حالة الارهاب ..فالارهاب مرحلة متقدمة من العنف .. فان كان العنف وسيلة وآلية تتبع التطرف عموما فان الارهاب هو الهدف الذي يصل اليه المتطرفون والمتعصبون والمتشددون مهما اختلفت التسميات .. وكلمة الارهاب باللغة العربية متأتية من الفعل الماضي الثلاثي " رهب" بفتح الراء وجر الهاء والتي تعني "خاف خوفا شديدا " .. وقد وضعت تعاريف كثيرة لفعل الأرهاب واختلف كثير من الباحثين على ذلك ومنذ عام 1930 حيث انعقد في العاصمة البولندية وارسو المؤتمر الدولي الأول لتوحيد قانون دولي للعقوبات .. الا ان أغلب المختصين في هذا المجال يعرف الارهاب على انه الممارسات العنيفة التي ينتهجها الارهابيون لاثارة مكامن الخوف والرعب لدى الطرف الأخر الذي يقع فعل الارهاب عليه لغرض تحقيق هدف معين فكريا كان أو سياسيا كتغيير نظام أو ديمومة نظام أو تغيير ديمغرافي لمنطقة جغرافية أو تغيير عقيدة دينية أو مذهبية أو فكرية أو سياسية وبالقوة التي تصل أقصى مدى .. ان الارهاب هي وسيلة التغيير الوحيدة التي تنتهجها الجماعات الارهابية لاحداث التغييرات لفشلها في احداث هذا التغيير بوسائل مشروعة وقانونية كالحوار والاعلام والدعاية الهادفة .
 
والارهابيون يندرجون تحت ثلاث فئات أولها بل أخطرها على الاطلاق الآيديولوجيون والمنظرون وهم أصحاب الفتاوى للجهاد ممن يحرض على الارهاب تحت مسمى الجهاد دون الاشتراك به لجبنهم .. أما الفئة الآخرى فهي فئة المنفذون وهم الانتحاريون والمسلحون الآخرون .. الممولون هم الفئة الثالثة من تجار وأثرياء يضخون الأموال بدوافع شتى منها العقائدي ومنها الشخصي ومنها ما ينتج تحت ضغط أو تهديد من نفس الارهابيين .. لذا فان محاربة الارهاب تبتديء بتجفيف منابعه العقائدية بمحاربة الفئة الأولى أولا وتجفيف منابعه المادية بمحاربة الفئة الثالثة ثانيا ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي محاربة الفئة المنفذة.
 
خصائص التطرف:
 
تتعدد خصائص التطرف لتشمل كل تصرف يخرج عن حد الاعتدال وذلك في كافة صور السلوك ومنها:
 
•        تعصب المتطرفين لرأي بحيث لا يتم السماح للآخرين بمجرد إبداء الرأي، أي الإيمان الراسخ بأنهم على صواب والآخرين في ضلال عن الحقيقة، لأنهم وحدهم على حق والآخرون في متاهات وضلالات.
•        العنف في التعامل والخشونة والغلظة في الدعوة والشذوذ في المظهر.
•        النظرة التشاؤمية والتقليل من أعمال الآخرين والاستهتار بها.
•        الاندفاع وعدم ضبط النفس.
•        الخروج عن القصد الحسن والتسيير المعتدل.
 
بعض من العقائد التي تصنّف بأنها متطرّفة:
 
•        النازية
•        الفاشية
•        حملات التكفير الإسلامية
•        الحملات الصليبية
•        التفرقة بين الشخص الأبيض والملون
 
الفرق بين الإرهاب والتطرف
 
إن التفريق بين الإرهاب والتطرف هو مسألة جد شائكة، وذلك لشيوع التطرف والإرهاب كوجهين لعملة واحدة، ومع ذلك فتفرقة ضرورية، ويمكن رسم أوجه الاختلاف بينهما من خلال النقاط التالية:
 
التطرف يرتبط بالفكر والإرهاب يرتبط بالفعل.
 
-                     إن التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسيا واجتماعيا ودينيا دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة، أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف فإنه يتحول إلى إرهاب، فالتطرف دائما في دائرة الفكر أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحول إلى إرهاب.
-                     التطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبر جريمة بينما الإرهاب هو جريمة يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن تم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه.
-                     يختلف التطرف عن الإرهاب أيضا من خلال طرق معالجته فالتطرف في الفكر، تكون وسيلة علاجه هي الفكر والحوار أما إذا تحول التطرف إلى تصادم فهو يخرج عن حدود الفكر إلى نطاق الجريمة مما يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها.
التطرف والاستبداد:
 
ويلخص المفكر المصري فؤاد زكريا (1927ـ 2010) في كتابه "الصحوة الإسلامية في ميزان العقل» (1987) الروابط بين الاستبداد والتطرف قائلاً: «لو شئت أن ألخص العلاقة بين الفكر الديني المتطرف من جهة وبين الديموقراطية والاستبداد السياسي من جهة أخرى، لقلت إن الديموقراطية لا تحارب هذا الفكر المتطرف، وإنما تزيل أسباب وجوده، فالتطرف الديني لا يضطهد في النظام الديموقراطي. بل إنه، ببساطة، لا يجد التربة الصالحة لظهوره. أما الاستبداد السياسي فإنه يعطي التطرف كل مقومات وجوده، ويهيئ له المناخ الذي يسمح له بالازدهار، لكنه سرعان ما يقمعه بعنف إذا تجاوز حدوداً معينة، وهو لا بد أن يتجاوز هذه الحدود، لأن التطرف لا يمكن حصره أو رسم «خط أحمر» لا يصح له أن يتعداه. وهكذا فإن الاستبداد يدخل مع التطرف في علاقة شديدة التعقيد: إذ إنه ينفعه ويضرّه في آن معاً، وينعشه ثم يخنقه في حركة جدلية مأسوية لا مفرّ منها. ومع ذلك، فإنك لو سألت التطرف الديني: أيهما عدوك الأول: الحاكم المستبد الذي يفتح لك الأبواب ثم يقمعك، أو الحاكم الديموقراطي الذي لا يضطهدك، ولكنه لا يعطيك فرصة الظهور، كان جوابه، الذي أثبتته أحداث التاريخ، هو أن الأخير هو العدو الحقيقي".
 
ويعتبر بعض المحلِّلين أن التطرف الديني هو ثمرة الهزائم السياسية والعسكرية التي عرفها العرب منذ نكسة 1967، وأن فشل المشروع القومي أتاح المجال للحركات الإسلامية العنفية بطرفيها السياسي والجهادي كي تحتل الساحات والعقول.
 
أسباب التطرف:
 
إن اسباب مشكلة التطرف والارهاب في مراحلها الاربع معا هي اسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وايديولوجية. فاعداد كبيرة من شباب العرب والمسلمين هم فقراء عاطلون عن العمل يعيشون في فراغ كبير ولا تتاح لهم اي فرص للمساهمة في معالجة مشاكل الخدمات والمرافق العامة المحلية المحيطة بهم، ويتعرضون بنفس الوقت لخطاب ديني متطرف ولثقافة ترفض التسامح فيجدون انفسهم في حالة تدفعهم دفعا نحو التطرف والعنف. فثقافة عدم التسامح التي يتم اكتسابها احيانا في المجتمعات العربية الاسلامية في المنزل والمدرسة واجهزة الاعلام والمسجد والشلة تتفاعل مع وجود خطاب ديني مسيس ومتطرف يقدمه بعض الوسطاء في المجتمع ويتبنى رؤية خاصة وتفسيرا خاصا للمشاكل الداخلية والخارجية في المجتمعات العربية والاسلامية ويساعد على تنمية التطرف والعنف والارهاب بين الشباب. والوسطاء الذين يقومون بنشر الخطاب الايديولوجي والديني المسيس الذي يحض بشكل مباشر وغير مباشر على التطرف والارهاب هم عديدون ويوجدون في مواقع كثيرة في المجتمع. ومن امثلتهم بعض العلماء وأئمة المساجد، وبعض الاساتذة والاداريين ومسؤولي النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي في المدارس والنوادي واصحاب الديوانيات والمجالس والمكتبات والمتخصصين في فن الكلام وزعماء بعض النقابات والجمعيات المهنية والفنية والتعاونية والخيرية وزعماء الشلل الثقافية وبعض الكتاب والمفكرين وخاصة انصاف المثقفين وبعض الاعيان واصحاب الوجاهة والنفوذ الفكري في الاحياء والقرى.
 
ومن اسبابه ايضاً التعليم والتنشئة الاجتماعية على ثقافة الاستعلاء ورفض الآخر والتسفيه منه وتراجع التفكير النقدي وانتفاء ثقافة المشاركة. اضافة للخطابات الدينية المتعصبة التي تستند إلى تأويلات وتفسيرات خاطئة، تجانب الفهم الصحيح للإسلام ومجافية لروح الأديان كلها من الحفاظ على القيم الروحية النبيلة التي تعتمد على المحبة والرحمة والتسامح، وتنبذ التعصب والكراهية... يضاف الى ذلك ثلاثية الفقر والأمية والجهل التي تدفع الشخص إلى الانسياق وراء خطاب ديني مشوّه وفتاوى وتأويلات مغلوطة، وآراء ضيقة الأفق، ومناخ معادٍ لثقافة الاختلاف، وفي أحيان كثيرة تكون "المرأة" في مقدمة ضحايا التطرف نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية في المجتمعات العربية.
 
ويزيد الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تجاه قضايا العرب والمسلمين، والتي يأتي في مقدمتها استمرار القضية الفلسطينية واحتلال الأراضي العربية والاندفاع نحو الحلول المتطرفة خاصة في ظل تنامي دور قوى فاعلة، سواء كانت دولاً وجماعات في إذكاء التطرف...وامام غياب قادة ورموز الفكر القادرين على مواصلة مسيرة سابقيهم من رواد النهضة والتنوير في العالم العربي، والذين قدموا اجتهادات ملهمة نجحت في المزج بين الأصالة والمعاصرة وتحديث بنية المجتمعات العربية تراجع تيار التحديث وتصاعد خطابات متزمتة فكريًّا، متطرفة دينيًّا، سلطوية سياسيًّا، منغلقة اجتماعيًّا.  ويضاف الى كل هذه المعطيات الآثار السلبية للموروثات والعادات الاجتماعية والقيم الثقافية التي أنتجت تشوهات ثقافية واجتماعية وانتشار العديد من المنابر الإعلامية المحلية، والإقليمية التي تبث رسائل تحض على التطرف والكراهية، وتسيء إلى وسطية الفكر الديني المعتدل.
 
الآثار الإجتماعية للتطرف:
 
1.     التدهور في الإنتاج، حيث أن أهم عنصر في قوى الإنتاج هو الإنسان العامل الذي لا بد – لكي يطور إنتاجه – من أن تتطور قدراته العقلية، بحيث يكون قادراً على الإبداع والإبتكار والتجديد. فإذا ما كان أسيراً لأفكار جامدة وعاجزاً عن التفكير وإعمال العقل، فإن ذلك يجعله متمسكاً بالأساليب البالية العتيقة في الإنتاج، بل بتنظيم العمليات الإنتاجية ذاتها كذلك.
2.     يمثل التطرف دائماً حنيناً إلى الماضي والعودة إلى الوراء، أي أنه يكون دائماً ذا منحى رجعي أو محافظ على أحسن الأحوال، وبالتالي فإنه يجر العلاقات الأجتماعية إلى أوضاع بالية لا تلائم تقدم العصر.
3.     يرتبط التطرف بالتعصب الأعمى والعنف، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى صراعات مدمرة داخل المجتمع.
4.     يرتبط التطرف بالتدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني، إنه قتل للإنسان باعتباره كائناً مبدعاً وخلاقاً.
5.     يعطل التطرف الطاقات الإنسانية كافة ويستخدمها في الصراعات والعداءات، ويحول دون تكامل المجتمع.
6.      يحاول المتطرفون إضفاء القداسة الدينية على مشروعهم السياسي والآيديولوجي، وما يترتب على ذلك من ممارسات إرهابية، فإن نطاق خطر الإرهاب يتسع ليشمل الإنسان والدين والعقل والحياة.
 
التطرف يؤرق الوطن العربي:
 
تعتبر مسألة التطرف أهم ما يؤرق الوطن العربي، فالغلو الديني والتطرف هو المصدر الرئيسي لتمزيق النسيج الاجتماعي وتكريس آليات التطرف عبر التاريخ، فظاهرة التطرف ظاهرة سلبية تجثم على صدر المجتمعات الإنسانية قديما وحدييثا، ويبرز من بين مظاهرها المختلفة "التطرف الديني" الذي يقترن بالغلو والتشدد في الخطاب، وما يرتبط بذلك من لجوء إلى العنف، ورفض المختلف إلى حد قد يصل إلى تكفيره، بل ومحاولة إقصائه بشكل كلي.
 

تطرف ايدولوجي
 
كما اتخذ ظهور التعصب والتطرف في المجتمعات العربية طابع التطرف الأيديولوجي من جهة أو التطرف الطائفي أو الإثني من جهة أخرى، وهما يشتركان في تهديد الإستقرار المجتمعي وفي خلق حالة من الصراع بين مكوناته وجعل الوطن على سعته يضيق ذرعا بمواطنيه. وقد صار من الواضح أن الحركات الدينية المتطرفة تستغل نزعة التدين الفطرية النقية استغلالا سياسيا، بمعنى أنها توظف المقدس الديني لإضفاء الشرعية على خطابها السياسي الذي يكفّر الآخرين أو يخوّنهم. والحق أنّ حركات التطرف تمارس قدراً من الخداع والتمويه، فهي تكون مع مسألة بعينها هنا وتكون ضدها في مكان آخر، وتخلط المطلق بالنسبي للوصول إلى سدّة الحكم ولا تقبل من الديمقراطية إلا بصندوق الإنتخاب فهي لا ترضى بالفكر الديمقراطي وأصوله الفلسفية. إنّ المواطن العربي المتدين-بصرف النظر عن الدين الذي ينتمي إليه-لم يشكل تهديداً للنسيج المجتمعي، فالتدين الصادق منتج للقيم المدافعة عن الفضيلة وهو مصدر من مصادر التسامح، لكنَّ الخطر على استقرار المجتمعات بدأ يتشكل عند بروز الحركات الشمولية الأيديولوجية الإسلاموية التي تقف على النقيض من مسائل الحداثة والتعايش والتقدم والمواطنة، بل إنها حركات تسعى لتعود بالمجتمعات العربية إلى مرحلة ما قبل قيام الدولة، فتجرها نحو الفوضى المدمرة وترهن حاضرها ومستقبلها وأجيالها للمجهول. وتجعل مصائر الدول موزعة بين الفوضى والتقسيم والحروب الطائفية.
 
كما ونجد الصراع التاريخي بين السنة والشيعة والذي أصبح أكثر حدة ورفضاً للآخر وانعدام للحوار، حيث تشهد المنطقة حالة من الاستقطاب المذهبي تستخدم خلاله دغدغة العواطف للتجييش والكسب السياسي من اجل تخدير الجماهير كما هو الحالة السودانية التي تحكي بواقعية تجربة الاسلام السياسي في الحكم والتي ادت سياساتهم الي تفكك الدولة السودانية ودوامة حروب استطالت وافقرت شعبه وفرطت في سيادته -والاوضاع في دول اخري تمدد فيه نفوذ الاسلام السياسي مثل اليمن وليبيا لا يبشر بخير اذ ينشط التنظيم العالمي للإسلام السياسي بتغذية الصراع في تلك الدول واحتضان الحركات المتطرفة لزعزعة الاستقرار والتعايش السلمي --- وكما تشهد الدولة المصرية صراعا محموما من اجل اجتثاث بؤر التطرف الإسلامي.
 
وآخر تجليات الاسلام السياسي متمثل في النسخة الداعشية التي تمثل قمة الانحطاط والانحدار نحو الهمجية واللاوعي وانعدام الانسانية---- ومؤكد ان خطر هاذه الجماعات سيطول المنطقة دون استثناء وحتي الدول الخليجية اصبحت تشعر بالخطر القادم عبر البوابة اليمنية من خلال تنظيم القاعدة والحوثيين والتغلغل داخل المملكة العربية السعودية.
 
التطرف الديني:
 
في حالة التطرف الديني، يكون الفرد متديناً عادياً يأخذ نفسه بتعاليم الدين ومبادئه، ويدعو الناس إلى الأخذ بذلك، وهو حتى هذه اللحظة يدعو إلى شيء لا يملك المجتمع إزاءه إلا تعبيراً عن الرضا والتشجيع. هذا الداعية غالباً ما يواصل مسيرته نحو التشدد مع نفسه أولاً ومع الناس، ثم يتجاوز ذلك إلى إصدار أحكام قاطعة بالإدانة على من لا يتبعه في مسيرته أو دعوته، وقد يتجاوز ذلك إلى اتخاذ موقف ثابت ودائم من المجتمع ومؤسساته وحكومته.
 
يبدأ هذا الموقف بالعزلة والمقاطعة، حتى يصل إلى إصدار حكم فردي على ذلك المجتمع بالردة والكفر، والعودة إلى الجاهلية. ثم يتحول هذا الموقف الانعزالي عند البعض إلى موقف عدواني يرى معه المتطرف أن هدم المجتمع ومؤسساته هو نوع من التقرب إلى الله وجهاد في سبيله، لأن هذا المجتمع – في نظر المتطرف – مجتمع جاهل منحرف، لا يحكم بما أنزل الله. هنا يتدخل المجتمع لوضع حد لهذا التطرف ومصادره، باعتباره نشاطاً يصل بصاحبه إلى الاصطدام بالعديد من القواعد الاجتماعية والقانونية. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساء هؤلاء استخدام تفسيرهما، ودعاهم هذا إلى الاعتداء على حقوق ليست لهم، وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم أو حقوقهم.
 
مظاهر التطرف الديني:
 
1.     التعصب للرأي تعصباً لا يعترف للآخرين برأي، وهذا يُشير إلى جمود المتعصب مما لا يسمح له برؤية مقاصد الشرع ولا ظروف العصر، ولا يسمح لنفسه بالحوار مع الآخرين. فالمتطرف يرى أنه وحده على الحق، وما عداه على الضلال، كذلك يسمح لنفسه بالاجتهاد في أدق القضايا الفقهية، ولكنه لا يجيز ذلك لعلماء العصر المتخصصين منفردين أو مجتمعين، ما داموا سيصلون إلى ما يخالف ما ذهب هو إليه.
2.     التشدد والغلو في الرأي، ومحاسبة الناس على الجزئيات والفروع والنوافل، كأنها فرائض، والاهتمام بها والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد.
3.     العنف في التعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار والاعتراف بالرأي الآخر.
4.     سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية لا ترى أعمالهم الحسنة، وتضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الزائدة بالنفس التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدراء الغير.
5.     يبلغ هذا التطرف مداه حين يسقط في عصمة الآخرين ويستبيح دمائهم وأموالهم، وهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين. وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد. إن هذه الظاهرة متكررة وليست وليدة العصر، بل وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية.
6.     العزلة عن المجتمع، والعزلة تؤدي وظيفتين؛ الأولى تجنب المتطرفون (المنكرات) التي تملأ جوانب المجتمع وحمايتهم من أن يشاركوا في نهج الجالية؛ والوظيفة الأخرى تكوين مجتمع خاص بهم تُطبق فيه أفكارهم ومعتقداتهم، وتتسع دائرة هذا المجتمع شيئاً فشيئاً حتى تستطيع غزو المجتمع من خارجه. وكما هو واضح فإن الوظيفة الأولى فكرية دينية، بينما الوظيفة الأخرى سياسية حركية.
 
نستطيع جلياً رصد أغلب (إن لم يكن جميع) مظاهر التطرف أعلاه لدى الجماعات الدينية المتطرفة التي تحاول فرض معتقداتها على باقي أفراد المجتمع أدعاءً منها أنها تقوم بحراسة الدين وتطبيق شرائعه. وهذا يعد من أشد أنواع التطرف خطورة حيث تُجيز هذه الجماعات لنفسها تكفير فئة أخرى (أو مذهب أو طائفة) ومصادرة حق أبنائها في الحياة من خلال إطلاق فتاوي التكفير واهدار الدماء والقتل عليها. وقد أنتشرت هذه الجماعات بكثرة في الدول العربية، خاصة في الجزائر ومصر والسعودية واليمن وسوريا، وبعد"الربيع العربي" بدأت بالظهور في كل من تونس وليبيا.
 
التطرف الطائفي:
 
كما ان خطر التطرف الطائفي فلا يقل عن خطر التطرف الديني، فالحركات الطائفية تعيد كتابة تاريخ الوطن والأمة لتبني تاريخاً أسطوري الأبعاد يقوم على الخطاب الإنفعالي ويستنفر الصراعات ويشعل المحن ويعلي من شأن الطائفة على حساب الوطن ويدمر النسيج المجتمعي ويشيع الفوضى والخراب. فقد غابت الهوية الجامعة التي تتقبل الإختلافات وتجعلها مصدر قوة وتتأسس على جدل معرفي بين اللغة والدين بأبعاده الحضارية، وحلّت الهويات الفرعية أو الهويات القاتلة، على حدّ تعبير أمين المعلوف، بديلا عنها. والهوية ليست معطى جاهزاً أو جامداً، إنها تبنى وتتغير وتغتني بمركبات جديدة، كما أنها تتحول على امتداد رحلة الفرد المعرفية، لكن الهويات الفرعية تنطوي على أبعاد طائفية مدمرة.
 
الانعكاسات الخطيرة للتطرف:
 
تتجلى انعكاسات التطرف الديني على مستويات متعددة، خاصة المرتبطة بالمجال الأمني والاجتماعي، حيث أن تأثيراتها تخلف آثارا سلبية، تمكن من تغلغل التعصب بين فئات المجتمع، الشيء الذي يؤدي إلى اتساع هوة تماسك بنياته الاجتماعية، فيهدد بذلك أمنه الاجتماعي، فضلا عن شرخه لاستقراره الأمني العام.
 
الأثر الاجتماعي:
 
إن تهديد السلم الاجتماعي داخل المجتمع، ليس رهينا بانتشار الجريمة ومظاهر العنف وحدها، بل أيضا وجود تنظيمات دينية متشددة، تطلق فتاوى وآراء وأحكام دينية، تزرع معها الفتنة والرعب داخل المجتمع، خاصة مع فتاوي القتل وتكفير المواطنين وما يترتب عنها من حلية دمهم ومالهم، والتشدد في تفسير الأحكام الإسلامية، وفرضها بشكل فردي أو عن طريق جماعة دون الرجوع للحاكم والنظام السياسي. فيؤدي ذلك إلى نخر السلم الاجتماعي وضرب مقوماته.
 
إن الآثار السلبية بتهديد السلم الاجتماعي داخل أي مجتمع، نتيجته واضحة وصورته جلية، فهو من الأكيد لن يحافظ على تعاضده وتزكية حالة الوئام داخله، بل مصيره التفرقة والنزاع. لذلك فإن التطرف والتشدد الديني، هو خطر على المجتمع ومصالحه، فلا يمكنه أن يخدم تطوره واستقراره، بل هو يسهم في تدهور الأمن فيه وزعزعته. فالأمن العام يحقق الطمأنينة في النفوس، وترتفع به الهمم.
 
الأثر الأمني:
 
يشكل التطرف السلوكي، أكثر أنواع التطرف الديني سلبية، من خلال تحوله من التطرف الفكري المبني على الأفكار والآراء، إلى تطرف مبني على العنف والإرهاب، من أجل فرض تلك الأفكار بالقوة. وهذا النوع من السلوك، هو الذي يجر أخيرا إلى الخطر الأمني، من خلال تهديد أمن وسلامة المجتمع والدولة، عبر التخطيط للعمليات المسلحة، والتفجير والقتل، انطلاقا من أفكار جهادية، بغية الوصول إلى إقامة الدولة الإسلامية، أو إعلان الولاء لتنظيمات إرهابية خارجية.
 
كما وأن الأثر الأمني، يمتد خطره إلى كل المستويات الأخرى، حيث أن زعزعة استقرار الدولة وأمنها، تكون عواقبه وخيمة على الاقتصاد الوطني من خلال هروب المستثمرين ورؤوس الأموال خوفا على مصالحهم الاقتصادية، إضافة إلى ضعف المردود السياحي، فانتعاش قطاع السياحة في أي بلد، هو بالضرورة رهين باستقرارها. ثم أيضا الأمن والسلم الاجتماعي بانتشار الخوف والفزع بين الناس، الخوف من حرية التنقل، والخوف من أي مصير نتيجة عمل وسلوك إرهابي. كما ولا يسلم من ذلك مؤسسات الدولة وغيرها، خاصة ذات البعد الخدماتي، والتي غالبا ما تكون عرضة للهجمات الإرهابية، فتقضي على مصالح المواطنين والخدمات المقدمة لهم.
 
مكافحة التطرف تستدعي:
 
1.     الخطاب الديني، وذلك عن طريق تصدي المؤسسات الدينية للمفاهيم التي تروج في المجتمع خاصةً بين الشباب، وفي مقدمتها التفسيرات المشوهة لمفهوم الجهاد والردة ووضع  المرأة، مع فتح أبواب الاجتهاد والمعرفة الأصيلة بمقاصد الشريعة والاعتراف بالمنظور التاريخي للتشريع وتطويره للتلاؤم مع مقتضيات العصر.
2.     الجانب الثقافي، وذلك من خلال مراجعة القوانين واللوائح والممارسات الإدارية على النحو الذي يعزز الانطلاق الحر للفكر والإبداع في المجتمع، ويزيل العقبات التي تحول دون حرية الرأي.
3.     التوسع في إصدار الكتب والمؤلفات التي تدعم العقلانية والاستنارة، وتنشر الفكر النهضوي.
4.     تشجيع الأعمال الفنية الراقية التي تهدف إلى النهوض بثقافة النشء وتنمية المواهب وصقلها في المؤسسات التعليمية والثقافية بشكل منهجي منظم وتيسير الوصول إلى المنتج الثقافي من خلال التوسع في إنشاء المكتبات والمراكز الثقافية والأندية الأدبية، وكذلك مراكز الفنون التعبيرية والتشكيلية والموسيقية، والاستفادة من النشر الإلكتروني.
5.     تدشين مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب لمحاصرة التطرف، وثقافة العنف.
6.     ضرورة توحيد نظم التعليم، ومنع الازدواجية بين تعليم مدني وآخر ديني أو أجنبي، وتحديث النظم التعليمية لتعزيز قيم التعددية والتعايش الإنساني، مع التأكيد على أهمية "التربية المدنية" في برامج التعليم، خاصة قبل الجامعي، ووضع برامج لتطوير القدرات الإبداعية في التعليم مثل: الموسيقى والتصوير والشعر والمسرح والأدب وغيرها، لبناء جيلٍ مبدع يسهم في تعزيز البناء الثقافي للمجتمع، ووضع برامج لتطوير المكتبات المدرسية، وتنقية برامج التعليم الديني من الأفكار التي تشجع التطرف، والعنف، أو تستند إلى فهم خاطئ للنصوص الدينية، وذلك لمحاربة انتشار التطرف عن طريق التعليم.
7.     حث المؤسسات الإعلامية على الالتزام بالمواثيق المهنية والأخلاقية، والتي تتضمن الابتعاد عن الخطابات المتعصبة.
8.     إطلاق مبادرة عربية لمراجعة المعايير المهنية والأخلاقية وسنّ التشريعات التي تجرّم نشر المواد الإعلامية التي تبث الكراهية وتحرِّض على العنف، وتدشين برامج إعلامية مشتركة بين وسائل الإعلام العربي تفند فكر التطرف، وتهتم بقضايا العلم والتنوير.
 
داعش.. جوهر التطرف:
 
تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذي يُعرف اختصاراً بـداعش، هو تنظيم سلفي وهابي مسلح، يُوصف بالإرهاب يتبنى القسم العسكري منه الفكر السلفي الجهادي. يهدف أعضاؤه إلى إعادة "الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة"، ينتشر بشكل رئيسي في العراق وسوريا مع أنباء بوجوده في مناطق دول أخرى هي جنوب اليمن وليبيا وسيناء وأزواد والصومال و شمال شرق نيجيريا وباكستان. زعيم هذا التنظيم هو أبو بكر البغدادي ... وانبثق تنظيم داعش من تنظيم القاعدة في العراق وهي التي شكلها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004، وابتداءً من عام 2014 وتحت قيادة زعيمها أبو بكر البغدادي، نمت داعش بشكل ملحوظ، وحصلت على الدعم في العراق بسبب التمييز الاقتصادي والسياسي المزعوم ضد السنة العراقيين العرب، وتم لها وجود كبير في المحافظات السورية من الرقة وإدلب ودير الزور وحلب بعد الدخول في الحرب الأهلية السورية، إلا أن هذا التقدم توقف بعد إنشاء تحالف من عدة دول لمحاربة التنظيم، وما بين أغسطس 2014 و أبريل 2015، خسر داعش ما بين 25% إلى 30% من الأراضي التي يُسيطر عليها في العراق.
 
اما الفكر الذي تتبناه هذه المجموعة فهو فكر التطرّف الموجود في كل زمان ومكان باختلاف الجماعات والتجمعات لذلك ربطهم بالإسلام ربط زائف مغاير للحقيقة ومغاير لحقيقة الاسلام، ففكر واجندة واساليب هذه المجموعة تقوم على اهدار مقدارت الأمة وحرق خيرت شبابها في أتون حروب عرقية إثنية دينية طائفية واهدار مقدراتها لذلك وجب التصدي لهذا الخطر الداهم الذي يهدد الحدود والوجود، حيث يحتاج ذلك الى وقفة من رجالات الدين والثقافة تحدد مناطق الخطر والخلل وترسم خارطة الحل والامل ترتكز على مقدرات الأمة ليكون هذا التنوع الاثني والعرقي اللغوي واللوني الجغرافي والاقتصادي  مصدر قوة للأمة لا مصدر ضعف. مصدر اجماع لا مصدر خلاف وذلك على ارضية المواطنة للجميع.
 
وظهور داعش على مسرح الأحداث في السنة الماضية كان ليس نتيجة استنباطات واستنتاجات فكرية ومنهجية محضة، وإنما هو حالة نفسية واجتماعية فرضتها ظروف معينة، صاحبها نوع من التبرير والتعليل الذي غالبًا ما يكون مستندًا إلى نص شرعي أو قياس فقهي أو ربما حالة تاريخية لها حضورها، وفي معظم الحالات يوازي ذلك عملية نشوء جماعة أو حزب أو حركة تكون بعض المفاهيم التي تستطيع من خلالها القيام بعملية الحشد الشعبي، والتي هي ركيزتها الأولى ولا وجود لها إلا بها، حيث لا يتم ذلك إلا استنادًا على المرجعية الثقافية للمجتمع، وهي في الحالة العربية على سبيل المثال دينية بالدرجة الأولى... فذلك الفكر ليس وليد اللحظة، وإنما وجد وتغير وازداد عبر عشرات السنين ليبلغ قمته ويتخذ شكله الحالي، وعامل آخر لعبت عليه داعش لتتخذ لها الشرعية اللازمة، وهي أنها توجت حالة التطرف تلك بإعلان الخلافة، ونستطيع أن نقول هنا إنها أدارت حالة التطرف بشكل جيد، فالخلافة هي الهدف الذي دعت وتدعو إليه كل الجماعات والحركات الإسلامية خلال المئة سنة الأخيرة، فحاولت أن تقطع الطريق عليهم جميعًا، وهم يستدلون في ذلك بأدلة شرعية متعلقة بشرعية الأسبقية بالبيعة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف