الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (44) الهوس الأمني والبلاغات الكاذبة

تاريخ النشر : 2015-11-26
الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (44) الهوس الأمني والبلاغات الكاذبة
الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (44)

الهوس الأمني والبلاغات الكاذبة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

الحقيقةُ التي لا يستطيعُ أن ينكرها أحد، أنه رغم القوة والتفوق، والجيش والسلاح والطيران، والدعم والإسناد والرعاية، والسيطرة والنفوذ والسلطة، والحماية والدفاع والقدرة على الهجوم، ووسائل الرقابة والتفتيش والتجسس، والتطور المهول في عالم الاتصالات والتواصل والمتابعة، فإن المجتمع الإسرائيلي خائفٌ في حقيقته، ومهزوزٌ من داخله، وغير متأكدٍ من مستقبله، وغير واثقٍ من أمنه، وهو قلقٌ على وجوده، ومضطربٌ في سلوكه، وتائهٌ في مساراته، ولا يدري أي الطرق تنجيه، وأي السبل تنقذه مما هو فيه، وهو يتهم قيادته، ويشك في حكومته، ولم يعد يجد الأمن في ظل جيشه، وبات يعيش كوابيساً في النهار وهواجس في الليل، ويصحو على خبرٍ ويبيت على آخر، ولا يعرف ماذا سيكون في غده.

أضفت الانتفاضة الفلسطينية على الحياة الإسرائيلية شكلاً آخر، قد يكون وقعه شديداً، وأثره قاسياً، وإضافته غير مقبولة، إذ لا يكاد يمر يومٌ واحدٌ على الإسرائيليين في كل المدن والبلدات والمستوطنات دون إنذارٍ بقرب وقوع حادث، أو خبرٍ عن هجومٍ أو اعتداء، أو سماع طلقاتٍ ناريةٍ في أكثر من مكانٍ، أو مشاهدة عربيٍ يحمل سكيناً، أو آخر يتجول بسيارته بحثاً عن هدفٍ، تتلوها نداءاتٌ عبر وسائل الإعلام، ورسائلٌ قصيرةٌ توزع عبر الهواتف النقالة، وأخرى تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي، كلها تحذر وتخوف، وتنذر وتبلغ، وتدعو المواطنين إلى التزام بيوتهم، وعدم التجوال في الشوارع، ولا التوقف على الطرقات، ولا الموافقة على نقل أو توصيل أحدٍ على الطريق، أو ركوبِ سياراتٍ مجهولة السائق.

لعل الجميع يصغي إلى الأخبار، ويصدق الأنباء ولو كانت كاذبة، وقد كثرت هذه الحوادث وازدادت في ظل الانتفاضة الأخيرة، حيث بدأت تصل إلى سلطات الاحتلال آلاف المكالمات اليومية، من عامة المستوطنين والزوار، الذين ينقلون مشاهداتهم في الحافلات وسيارات النقل، وشكوكهم في المرافق العامة والمحطات والتعاونيات الكبيرة، وريبتهم في سائقي السيارات، والواقفين في المحطات أو على الشوارع العامة، وظنونهم وخوفهم من كثيرٍ من المارة، ممن يشبهون الفلسطينيين شكلاً، أو يتماثلون معهم في لون البشرة وشكل الهيئة، علماً أن أغلب بلاغاتهم كاذبة، وجل ظنونهم واهية، ومن النادر أن تكون حقيقية، لكنهم يتوجسون ويخافون، ويتهيأ لهم ما يرون، ويحلفون على ما يشهدون عليه، رغم أنهم يتخيلون ويتصورون.

تلعب الإشاعة دورٌ كبيرٌ في شيوع الرواية وانتشار البلاغ أياً كان صادقاً أو كاذباً بين الإسرائيليين، الذين يصدقون كل نبأ، ويستجيبون لكل إشاعة، وكأنهم كما قال الله فيهم، يحسبون كل صيحةٍ عليهم، هم العدو فاحذرهم، لكن طبيعتهم الخائفة، وظروفهم المريبة التي يعرفونها، تجعلهم يخافون من جرة الحبل ويظنونها أفعى، ويصدقون كل خبرٍ ولو كان ناقله كاذباً، فلولا أنهم يعرفون أنهم ظالمون ومجرمون، وأنهم يعتدون ويسيئون، لما كان هذا حالهم، ولما سكن الخوف قلوبهم، ولا هيمن الجزع على نفوسهم. 

كما يصغي المواطنون إلى الأخبار والأنباء التي تنقلها وسائل الإعلام ومؤسسات الاحتلال الأمنية والعسكرية، فإن سلطات الاحتلال تصغي أيضاً إلى كل بلاغٍ، وتصدق كل شاهدٍ، وتسمع لكل راوٍ، ولا تهمل أي بلاغٍ، ولا تستخف بأي معلومة، ولا تتردد في التعامل الجاد والمسؤول مع ما يصلها من بلاغاتٍ وتحذيراتٍ، فتستجيب الشرطة إلى البلاغات، وتتعامل معها بجديةٍ كبيرة، وتعاقب موظفي الطوارئ الذين يعملون في مقاسم الطوارئ، الذين يهملون الاتصالات الهاتفية، ويصنفون بعضها بأنها لهو وعبث، وأنها صبيانية وغير جادة، وأنها لا تعكس خطراً حقيقياً، وإنما هي نتيجة الضغط النفسي والتوتر العصبي.

ولعل تصرف السلطات الإسرائيلية الحاد والجازم، مع موظفة المقسم التي ردت على مكالمة الشبان الإسرائيليين الثلاثة الذين خطفوا في مدينة الخليل منتصف العام 2014، التي لم تتعاطَ معهم بجديةٍ، ولم تول مكالمتهم الاهتمام المطلوب، بل استهترت بها ولم تبلغ مرؤوسيها بها، قبل أن يتبين لها وللشرطة أنهم تعرضوا فعلاً للخطف والقتل على أيدي شابين فلسطينيين، وأن أحدهم قد استخدم هاتفه واتصل بالطوارئ، قبل أن يتمكن الخاطفون من السيطرة عليهم وقتلهم، وقد شكلت هذه الحادثة إضافة جديدة إلى طريقة تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلية، العسكرية والأمنية، مع أي بلاغاتٍ تصلها، ومعاقبة كل من يهمل بلاغاً أو يستهتر به، أو يتأخر في إبلاغ المعنيين بالأمر، الذين يحاسبون أيضاً في حال إهمالهم وتقصيرهم.

لكن الأمر المعيب والمشين، أن يأتي الإنذار والتحذير إلى الجانب الإسرائيلي من جهات فلسطينيةٍ، ترصد الشعب وتتابع الشباب والنشطاء، وتعرف الحضور والغياب، والميول والاتجاهات، والنزعات والرغبات، والانتماء والتنظيم، فتبلغ العدو الإسرائيلي عبر مكاتب التنسيق الأمني المشتركة، وتحذره من إمكانية قيام مجموعاتٍ فلسطينية بعمليات خطفٍ أو قنصٍ أو غير ذلك، فيأخذ العدو حذره، ويتأهب لمواجهة التحذير والتصدي له إن كان حقيقة، أو الاستفادة منه في توجيه ضرباتٍ أمنية وإجراء اعتقالاتٍ إداريةٍ، في الوقت الذي يعمم الخبر على مواطنيه حسب منطقة الاستهداف المتوقعة.

البلاغات الأمنية الكاذبة والصادقة مكلفةٌ جداً على الشعب الفلسطيني، فالعدو الذي اعتاد أن يصدق كل بلاغ، وألا يكذب أي تحذير، وألا يستخف بأي احتمالٍ أياً كانت درجة مصداقيته، فإنه يقوم إثر البلاغات التي تصله بحملاتٍ أمنيةٍ واسعةٍ، فيداهم ويجتاح، ويقتحم ويعتقل، ويستدعي ويحذر، ويحاصر ويفرض حظر التجوال، وأحياناً يبادر بالقصف والقتل والاغتيال، ويبرر لنفسه ما يقوم به من اعتداءاتٍ ومظالم، بحجة أنه يصد خطراً، ويحبط عملاً، ويمنع المقاومين من استكمال مخططاتهم، وتنفيذ عملياتهم، ولكن الحقيقة أنه مهووسٌ وخائف، وقلقٌ وجبان، ولو كان درعه الحديدُ، وبيته القلعة الحصين، فإن بيته يبقى دائماً بيت العنكبوت، لا يقي ولا يحمي،و لا يصد ولا يصمد، ولا يبقى ولا يثبت.

بيروت في 26/11/2015

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف