الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سكاكين ... سكاكيييين بقلم:مصطفى عبد الفتاح

تاريخ النشر : 2015-11-25
قصة قصيرة

سكاكين ... سكاكيييين

مصطفى عبد الفتاح

رغم بلوغه الخامسة والسبعين من العمر وانحناء ظهره الى الامام بشكل يجعل كتفيه بموازاة راسه اثناء سيره، رغم قصر قامته وضعف عوده, ورغم حركته الدائمة التي لا تتوقف اثناء العمل وإثناء السير الطويل بين الحارات والشوارع لتسويق بضاعته التي لا يمكن لنساء قريتنا من الاستغناء عنها الا ان أبو حسين ما زال نشيطا ومثابرا في عمله يتحدى بذلك زمانه وزمان غيره كأنه في العشرين من عمره.

ازداد نشاط أبو حسين في الآونة الأخيرة بشكل لافت، فهو لا يترك حارة او شارع وحتى زقاق في أصغر واضيق احياء القرية الا ويصلها صوته الرزين الواثق والمميز، فصوته يختلف عن جميع أصوات الباعة التي تدخل البيوت دون استئذان، وهي كثيرة ومتشعبة ومتنوعة حسب الفترة الزمنية وحسب العرض والطلب.

يرتدي أبو حسين جاكيته الأسود الطويل الداكن، تتدلى اطرافه السفلى الى الامام بسبب قصر قامته وانحناءة ظهره، فتغطي جزءا كبيرا من بنطاله الواسع الذي يرفعه حتى اعلى الوسط، ويطوي اكمامه من الأسفل نظرا لقصر قامته، يحمل سلة بلاستيكية شبكية صفراء اللون ترتفع عن الأرض عشرة سنتيمترات او يزيد قليلا، في داخلها قطعة جلدية بنية اللون، ملفوفة بشكل مستدير بعناية فائقة.

 ينظر أبو حسين الى السلة ودون ان يتوقف عن سيره، يرفع راسه، وهو ينادي بأعلى صوته الرنان المبحوح، فتخرج الحروف من أعماق حلقه ومن مخارجها الصحيحة وبموسيقى تجعلك تنصت اليه مرغما:

سكاكين ..... سكاكييييين.

يصمت للحظات ثم يعود على بدء كأنه أسطوانة مشروخة:

سكاكين ...... سكاكييييين.

التفتت ام علي الى زوجها ونظرات الاستهجان والاستغراب بادية في عينيها الجاحظتين الحائرتين، كأنها تبحث عن تفسير فوري لما تسمع، وانطلقت على عجل نحو شرفتها المطلة على الشارع العام لتتأكد من حقيقة ما تسمع، عادت بالسرعة نفسها وهي تضرب يدها اليمنى الموضوعة على صدرها بيدها اليسرى لتزيد من دهشتها واستغرابها وهي تقف امام أبو علي الذي لم يعرها ادنى اهتمام, حيث اخذ التلفزيون المفتوح على قناة الميادين جميع حواسه وتركه يضرب اخماسا بأسداس وهو يحلل الاخبار التي تتوافد عليه تباعا, لا تترك له مجالا لالتقاط أنفاسه وتصحيح مسار عقلة وتحليله للسياسة بشكل صحيح. ما سمعته ام علي للتو لا يمكن السكوت عليه او المرور عنه مر الكرام ويجب على أبو علي ان ينتبه فقالت تخاطبه:

_ سمعت أبو حسين شو بنادي ؟!.

 لم يجب أبو علي رغم انه سمع صوت أبو حسين يملا سماء الحارة، ظنه في البداية صوت المراسل الذي ينقل الاخبار في التلفزيون من موقع الحدث وهو يتحدث عن عمليات الطعن بالسكاكين، فلم يعر ما يحدث بالخارج أي اهتمام، فأكملت ام علي الحديث كأنها تخاطب نفسها متجاهلة عدم اهتمام أبو علي بالموضوع:   

_ الله يشحرك يا أبو حسين، هذا مفكر الدنيا فالتي، إذا سمعه البوليس او الجيش ليقوسوه على المحل، وما حدا يسال عنه، ويعتبروه إرهابي أبا عن جد.

اختلط كلام ام علي مع ما يقوله المذيع في التلفزيون:

"أطلق جنود الاحتلال النار على فتاة من داخل الخط الأخضر في مدينة العفولة اثناء محاولتها طعن أحد الجنود بالسكين ".

"أعلن مراسلنا ان شابا يهوديا في العشرين من عمره قام بمحاولة طعن شاب اخر يمر في المكان ظن انه عربي وبعد التحقيقات ثبت انه يهودي، وقد ألقي القبض على الشاب وهو يخضع للتحقيق الان ".

" تم إطلاق النار على شاب قام بعملية طعن لثلاثة مستوطنين في قلب مدينة القدس إصابة أحدهم خطيرة ".

صوت أبو حسين يأتي مبحوحا من الخارج:

_ سكاكين ...... سكاكيييين

همس أبو علي لنفسه وعلى مسمع زوجته ام علي:

_ بعدين مع أبو حسين ما بكفي اللي منسمعه بالتلفزيون.

وبشيء من الحدة توجه الى زوجته :

_ يا سكينة .... اطلعي نادي على أبو حسين هذا الزلمة مش فاهم الدنيا شو صاير فيها.

فكر أبو علي قليلا باسم زوجته كأنه يكتشفه لأول مرة، قال مخاطبا نفسه، في الوقت الذي انطلقت سكينة (ام علي) الى شرفة البيت لتنادي أبو حسين:

_ سكينة ........ سك......سكين ... هاي مرتي اسمها أخطر علينا من سكاكين أبو حسين.... هه ..هههه .... ههه....

دخل أبو حسين متثاقلا رمي سلته الشبكية الصفراء جانب الكرسي، وضع نفسه بكل قوة على الكرسي بعد ان سلم على أبو علي، لم ينتظر طلبات أبا علي.

 مد يده الى السلة اخرج منها لفة القماش بنية اللون فردها امام أبا علي وفيها عشرات السكاكين من كل الاحجام والاشكال والالوان وجميعها مختومة بختم "سمعان " العلامة الفارقة لجودتها.

بادره أبو علي بالقول:

_ الحقيقة ما بدي اشتري سكاكين، لكن حتى اخفف الحمل عنك بدي اشتري سكينان منك يا أبا حسين، ولكن قبل هذا بدي أحذرك انت شايف الوضع يا أبا حسين هاي الدولة جنت وبقتلوا الناس عن اليمين والشمال وبدون سبب، كثير من اللي ماتوا ما معهن لا سكين ولا حجر، وانت اذا بمسكوك او بسمعوك تنادي سكاكين .. سكاكين, رايحين يقتلوك, ويمكن يعتبروا أنك مصدر التموين بالسلاح المهم.

_ انا ببيع سكاكين قبل ما تخلق هذه الدولة، وهذا مصدر رزقي وما بستغني عنه، وبعدين شو انت شايفني شركة لوكهيد والا شركة بوينغ لبيع الأسلحة الفتاكة، وهذه الشركات ما حدا بحاسبها بدهن يحاسبو واحد مثلي يا رجل، شو انا ببيع صواريخ والا مدافع، العمى في قلوبهن يتركوا هالناس تعيش بحالها, وكيف ما بدها, والمشاكل بتزول لحالها, بدكاش تشتري اتركني امشي يا أبا علي وشكرا الك .

لم يرد أبو علي، فكر بكلام أبو حسين، بالأحداث التي تتوارد ساعة بعد أخرى، بهبة شعب يرزح تحت الاحتلال، بأطفال يموتون لأنهم عرب لأنهم يقاومون احتلال مجرما ويتصدون للعنصرية والحقد الأعمى للمستوطنين، يبدو انه مثقف ويفهم في السياسة وما يدور حوله وهو صادق بكل كلمة قالها. ما ذنب أبو حسين إذا كانت هذه الدولة مجنونه وتقتل الناس لأتفه الأسباب، بينما هو غارق بتفكيره وصوت أبو حسين يبتعد رويدا رويدا وهو ينادي:

سكاكين ..... سكاكييين

في اليوم التالي وفي الساعة العاشرة صباحا، طلب أبو علي من زوجته سكينة ان تسكت حتى يسمع نشرة الاخبار الجديدة من راديو الشمس، في حين كانت تكلم ابنهم الذي يتعلم في تل ابيب وتقول له:

_ لا تتكلم العربي هناك يا ابني يمكن يقتلوك احكي مثلهن يما كثرانه المجانين بهاي الدولة يمكن واحد يغدرك.

_ صرح الناطق بلسان الشرطة انه تم القاء القبض على الممول الرئيسي للإرهاب والذي يقوم بمد المجموعات الإرهابية بالأسلحة التي يستعملونها لطعن المواطنين. وصرح رئيس الحكومة ان هذه العملية النوعية التي قامت بها قوات الامن تعتبر خطوة كبيرة للقضاء على الإرهاب الذي تقوم به الجماعات الإرهابية.

ضرب أبو علي كفا على كف وهو يقول:

 _ والله ... هسترت هاي الدولة.

ومنذ ذلك التاريخ زادت عمليات الطعن والتصدي للمستوطنين ولكن أبو علي لم يسمع بعدها أبو حسين ينادي:

سكاكين ..... سكاكييين.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف