الـخــيــار الـمُـــر
بـقـلم / حــســن زايـــــد
إذا ألمَّ بالإنسان مرض ما ، فمن الحكمة الذهاب إلي طبيب لتشخيص الداء ، ووصف الدواء . ومن غير الحكمة الإمتناع عن الطب والدواء ، لأن ذلك قد يفضي إلي تفاقم الداء ، والإستعصاء علي الشفاء ، فيؤدي ذلك إلي الهلاك . ومن المؤسف حقاً ألا يكون العلاج إلا بأحد طريقين : الأول ـ الدواء ، وهو غالباً ما يكون مُراً. الثاني ـ البتر أو التدخل الجراحي . ولا خيار أمام الإنسان سوي هذا الخيار المُر ، إذا ما رغب في الحياة ، فإما أن يتجرع الدواء المُر ، وإما أن يعاني آلام البتر . وما يصح للأفراد إذا ألمّت بهم الأمراض والعلل ، يصح كذلك للمجتمعات والأمم . ومن المجتمعات التي أصيبت بداء ما يسمي بالربيع العربي ، سواء سميتها ثورات أو سميتها مؤامرات ، المجتمع السوري . شأنه في ذلك شأن بقية المجتمعات العربية ، التي حطت عليها لعنة المخطط الأمريكي ؛ لإعادة تقسيم المنطقة ، وإن تدثرت بأردية الثورة ، وخلفت نتائج كارثية ، وإن كانت قد نجحت في إزاحة رأس السلطة . ولا ريب أن مبررات الثورة ، وبيئتها الخصبة ، والدوافع إليها ، كانت متوافرة ، في البيئة السورية . وأن النظام القائم منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي ، قد فقد كل عوامل صلاحيته للإستمرار في سدة الحكم ، وأنه غير صالح للإستهلاك الآدمي . كل هذا صحيح . أضف إلي ذلك المواجهات الدموية للنظام في مواجهة شعبة ، علي نحو غير مسبوق ، ليصبغ النظام بصبغة دموية ، تحول دون استمراره ، أو قبول استمراره . ومع ذلك تبقي هناك مساحة للنقاش حول الثورة والثوار . فالثوار ـ هنا أو هناك ـ ليسوا هم الملائكة الأطهار ، ذوو الأيدي المتوضئة ، والأفكار النقية ، والمسلك المثالية . إذ حولهم علامات استفهام ضخمة ، معقوبة بعلامات تعجب ودهشة . فدخول الثوار في صدام مسلح مع السلطة القائمة ، منح السلطة قبلة الحياة ، لأنه أعطاها المبرر للمواجهة بذات السلاح . ونقل الصراع من صراع علي السلطة بين الشعب وحكامه ، إلي صراع وجود بين عناصر ثائرة ، وسلطة قائمة . ثم تتدافع علامات الإستفهام والتعجب حول مصادر التسلح ، والتدريب علي السلاح ، والتمويل ، والمعونات اللوجستية. لاريب أن كل ذلك لم يكن موجوداً، ولا متوفراً للمعارضة من قبل ، ثم أصبح موجوداً ، ومتوفراً . وهنا يثور التساؤل حول الدولة أو الجهة التي تفعل ذلك من أجل لون عيون السوريين . ونحن نعلم أن كل طرف من أطراف اللعبة علي المسرح السوري ، وراءه دولة أو جهة . والدول أوالجهات لا تحركها العواطف ، ولا تحكم علاقاتها أوهام العشق والهيام ، وإنما تحركها مصالح . وتعدد الأطراف الخارجية لا يعني سوي تعدد المصالح ، وتباينها بالضرورة . وأعتقد أن التصارع الحاصل بين الفصائل علي الأرض السورية يعكس هذا التباين والإختلاف . وما يشغلني في الواقع هو المواطن السوري العادي ، اللامنتمي سياسياً ، وما يكابده من مشاق في الداخل ، وما يتعرض له من مخاطر الموت أو الهجرة الجماعية بعيداً عن الوطن . وفي النهاية وجد نفسه بين المطرقة والسندان ، بين استمرار نظام ديكتاتوري متسلط ، أو قدوم سلطة طوقت أعناقها بفواتير واجبة السداد . والمعارك علي الأرض مستمرة ، حيث لا انتصار ولا هزيمة ، ولا أفق مفتوح لوقف نزيف الدم . وليس أمام السوريون سوي قبول الخيار المر . فالقول بالقضاء علي نظام الأسد عسكرياً لا يسانده واقع . والقول بالحل السياسي من دونه غير قابل للتنفيذ علي الأرض . وليس هناك من سبيل سوي أن يصبح الأسد جزءاً من الحل السياسي المقترح إذا أريد حقن الدماء السورية ، ولملمة جراح الوطن،وعودة اللاجئين السوريين إلي ديارهم .
حــســـــن زايـــــــــــد
بـقـلم / حــســن زايـــــد
إذا ألمَّ بالإنسان مرض ما ، فمن الحكمة الذهاب إلي طبيب لتشخيص الداء ، ووصف الدواء . ومن غير الحكمة الإمتناع عن الطب والدواء ، لأن ذلك قد يفضي إلي تفاقم الداء ، والإستعصاء علي الشفاء ، فيؤدي ذلك إلي الهلاك . ومن المؤسف حقاً ألا يكون العلاج إلا بأحد طريقين : الأول ـ الدواء ، وهو غالباً ما يكون مُراً. الثاني ـ البتر أو التدخل الجراحي . ولا خيار أمام الإنسان سوي هذا الخيار المُر ، إذا ما رغب في الحياة ، فإما أن يتجرع الدواء المُر ، وإما أن يعاني آلام البتر . وما يصح للأفراد إذا ألمّت بهم الأمراض والعلل ، يصح كذلك للمجتمعات والأمم . ومن المجتمعات التي أصيبت بداء ما يسمي بالربيع العربي ، سواء سميتها ثورات أو سميتها مؤامرات ، المجتمع السوري . شأنه في ذلك شأن بقية المجتمعات العربية ، التي حطت عليها لعنة المخطط الأمريكي ؛ لإعادة تقسيم المنطقة ، وإن تدثرت بأردية الثورة ، وخلفت نتائج كارثية ، وإن كانت قد نجحت في إزاحة رأس السلطة . ولا ريب أن مبررات الثورة ، وبيئتها الخصبة ، والدوافع إليها ، كانت متوافرة ، في البيئة السورية . وأن النظام القائم منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي ، قد فقد كل عوامل صلاحيته للإستمرار في سدة الحكم ، وأنه غير صالح للإستهلاك الآدمي . كل هذا صحيح . أضف إلي ذلك المواجهات الدموية للنظام في مواجهة شعبة ، علي نحو غير مسبوق ، ليصبغ النظام بصبغة دموية ، تحول دون استمراره ، أو قبول استمراره . ومع ذلك تبقي هناك مساحة للنقاش حول الثورة والثوار . فالثوار ـ هنا أو هناك ـ ليسوا هم الملائكة الأطهار ، ذوو الأيدي المتوضئة ، والأفكار النقية ، والمسلك المثالية . إذ حولهم علامات استفهام ضخمة ، معقوبة بعلامات تعجب ودهشة . فدخول الثوار في صدام مسلح مع السلطة القائمة ، منح السلطة قبلة الحياة ، لأنه أعطاها المبرر للمواجهة بذات السلاح . ونقل الصراع من صراع علي السلطة بين الشعب وحكامه ، إلي صراع وجود بين عناصر ثائرة ، وسلطة قائمة . ثم تتدافع علامات الإستفهام والتعجب حول مصادر التسلح ، والتدريب علي السلاح ، والتمويل ، والمعونات اللوجستية. لاريب أن كل ذلك لم يكن موجوداً، ولا متوفراً للمعارضة من قبل ، ثم أصبح موجوداً ، ومتوفراً . وهنا يثور التساؤل حول الدولة أو الجهة التي تفعل ذلك من أجل لون عيون السوريين . ونحن نعلم أن كل طرف من أطراف اللعبة علي المسرح السوري ، وراءه دولة أو جهة . والدول أوالجهات لا تحركها العواطف ، ولا تحكم علاقاتها أوهام العشق والهيام ، وإنما تحركها مصالح . وتعدد الأطراف الخارجية لا يعني سوي تعدد المصالح ، وتباينها بالضرورة . وأعتقد أن التصارع الحاصل بين الفصائل علي الأرض السورية يعكس هذا التباين والإختلاف . وما يشغلني في الواقع هو المواطن السوري العادي ، اللامنتمي سياسياً ، وما يكابده من مشاق في الداخل ، وما يتعرض له من مخاطر الموت أو الهجرة الجماعية بعيداً عن الوطن . وفي النهاية وجد نفسه بين المطرقة والسندان ، بين استمرار نظام ديكتاتوري متسلط ، أو قدوم سلطة طوقت أعناقها بفواتير واجبة السداد . والمعارك علي الأرض مستمرة ، حيث لا انتصار ولا هزيمة ، ولا أفق مفتوح لوقف نزيف الدم . وليس أمام السوريون سوي قبول الخيار المر . فالقول بالقضاء علي نظام الأسد عسكرياً لا يسانده واقع . والقول بالحل السياسي من دونه غير قابل للتنفيذ علي الأرض . وليس هناك من سبيل سوي أن يصبح الأسد جزءاً من الحل السياسي المقترح إذا أريد حقن الدماء السورية ، ولملمة جراح الوطن،وعودة اللاجئين السوريين إلي ديارهم .
حــســـــن زايـــــــــــد