لوحتان من فراغ
اعتدتُ أن أراهُ كل صباحٍ يقفُ هناك منتظراً حافلة المدرسة , كان يكتفي بالرد على ابتسامتي بمثلها , أما اليوم فوجدته يتجه نحوي ويبادر بالابتسام , وقبل أن أنبس بكلمة وجدته يُخرجُ ورقةً من حقيبته ويمدها إليَّ , ويبادرُ بالكلام أيضاً :
- ما رأيك بما رسمت ؟
كانت ورقةً بيضاءَ ناصعة , ليس فيها إلا نقطة سوداء صغيرة في أقصى يسارها , وأمامها فُتِحَ المدى , قُلتُ :
- وما هذه النقطة السوداء ؟
- دَبَّابة , نعم هي دبابةٌ تأتي من البعيد , تَشُقُّ الفراغَ وبالكادِ تُرى .
أربكني كلامه ولم أجد ما أقوله , فاستعضتُ عن الكلام بابتسامةٍ وبمسحةٍ على رأسه , ناولته ورقته وغادرته إلى شأني .
عُدتُ قبيل المساء , كان يقفُ في ذات المكان , ليس هو , يُشبههُ تماماً لكنه يكبرهُ ببضع سنين , كان يرمقني بنظرات عجزتُ عن تفسيرها , اقتربتُ منه ونظرتُ في عينيه , لم يطُل صمته وكأنه لمس حيرتي فأراد لها أن تنتهي , قال :
- رأيتُ أخي يُحدثك صباحاً ويريك ما رسم .
- هو أخوك إذن , نعم , نعم , يُشبهك تماماً .
- لقد أكملتُ عنه الرسم , أيزعجكَ أن تراه ؟
- بل يسرني .
ناولني ورقة بيضاء كتلك , نظرت فيها فدُهشت , ورقة بيضاء ناصعة , ونقطة سوداء , وحولها اتسع المدى , قلت باستغراب :
- كيف تقول أنك أكملتها ؟ لم تزل كما كانت , ورقة بيضاء ونقطة سوداء .
- لا يا عماه , يبدو أنك لم ترها جيداً , كانت النقطة على طرفها الأيسر , وهي الآن على أقصى يمين الورقة , فلقد غيرّتُ مكانها .
- وما هذه النقطة ؟
- دبّابة , نعم دبّابة , كانت تقف بعيداً ولا تكادُ تُرى , رآها أخي كنقطة سوداء فرسَمَها , لم يكن يُدرك أن من يمشي في الفراغ دون عوائق يصلُ سريعاً , نعم , وصلَتهُ سريعاً , قَتَلَتهُ .
- ويحك , ماذا تقول ؟
- قَتَلتهُ الدبابة , ثم سارت تشقُ الفراغَ مرةً أخرى , وهاي هي تقف هناك لا تكادُ تُرى , رأيتُها كنقطة سوداء على الجهة المقابلة , فأعدتُ رسمها .
اعتدتُ أن أراهُ كل صباحٍ يقفُ هناك منتظراً حافلة المدرسة , كان يكتفي بالرد على ابتسامتي بمثلها , أما اليوم فوجدته يتجه نحوي ويبادر بالابتسام , وقبل أن أنبس بكلمة وجدته يُخرجُ ورقةً من حقيبته ويمدها إليَّ , ويبادرُ بالكلام أيضاً :
- ما رأيك بما رسمت ؟
كانت ورقةً بيضاءَ ناصعة , ليس فيها إلا نقطة سوداء صغيرة في أقصى يسارها , وأمامها فُتِحَ المدى , قُلتُ :
- وما هذه النقطة السوداء ؟
- دَبَّابة , نعم هي دبابةٌ تأتي من البعيد , تَشُقُّ الفراغَ وبالكادِ تُرى .
أربكني كلامه ولم أجد ما أقوله , فاستعضتُ عن الكلام بابتسامةٍ وبمسحةٍ على رأسه , ناولته ورقته وغادرته إلى شأني .
عُدتُ قبيل المساء , كان يقفُ في ذات المكان , ليس هو , يُشبههُ تماماً لكنه يكبرهُ ببضع سنين , كان يرمقني بنظرات عجزتُ عن تفسيرها , اقتربتُ منه ونظرتُ في عينيه , لم يطُل صمته وكأنه لمس حيرتي فأراد لها أن تنتهي , قال :
- رأيتُ أخي يُحدثك صباحاً ويريك ما رسم .
- هو أخوك إذن , نعم , نعم , يُشبهك تماماً .
- لقد أكملتُ عنه الرسم , أيزعجكَ أن تراه ؟
- بل يسرني .
ناولني ورقة بيضاء كتلك , نظرت فيها فدُهشت , ورقة بيضاء ناصعة , ونقطة سوداء , وحولها اتسع المدى , قلت باستغراب :
- كيف تقول أنك أكملتها ؟ لم تزل كما كانت , ورقة بيضاء ونقطة سوداء .
- لا يا عماه , يبدو أنك لم ترها جيداً , كانت النقطة على طرفها الأيسر , وهي الآن على أقصى يمين الورقة , فلقد غيرّتُ مكانها .
- وما هذه النقطة ؟
- دبّابة , نعم دبّابة , كانت تقف بعيداً ولا تكادُ تُرى , رآها أخي كنقطة سوداء فرسَمَها , لم يكن يُدرك أن من يمشي في الفراغ دون عوائق يصلُ سريعاً , نعم , وصلَتهُ سريعاً , قَتَلَتهُ .
- ويحك , ماذا تقول ؟
- قَتَلتهُ الدبابة , ثم سارت تشقُ الفراغَ مرةً أخرى , وهاي هي تقف هناك لا تكادُ تُرى , رأيتُها كنقطة سوداء على الجهة المقابلة , فأعدتُ رسمها .