الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حضارة وقات وأئمة وعسكر بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2015-10-20
حضارة وقات وأئمة وعسكر بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
حضارة وقات وأئمة وعسكر
عادل بن مليح الأنصاري

ربما أن التاريخ لا يُنسى , ولكنه حتما لا يرحم أيضا , فالتاريخ يذكر لنا أن بلاد ما بين النهرين ( العراق) هي من أقدم الحضارات البشرية على وجه الأرض , ومنها سومر وآكد وبابل وأشور وكلدان , وسمعنا عن قوانين حمورابي وهي أقدم القوانين المكتوبة في تاريخ الإنسان , وتعود لـ1790 ق . ب تقريبا , وكذلك قرأنا الكثير والكثير عن حضارة الفراعنة 3150 ق.م , ولا نبالغ لو قلنا أن علماء الأثار ليومنا هذا يكتشفون المزيد من غرائب تلك الحضارة , وقد ذكر لنا التاريخ حضارات أخرى في الهند والصين والإنديز .
ولكن الأيام دول فتلك الحضارات سادت ثم بادت ولم يتبق منها إلا أسطر في صفحات الكتب وحوارات المثقفين .
وكذلك التاريخ لم يرحم تلك الشعوب التي كانت يوما ما مصدر إشعاع حضاري وعلمي , وتفوق اقتصادي وعسكري , وتنظيم اجتماعي ورخاء , فنقل التاريخ تلك الصفات والظروف من شعب إلى آخر , وربما سقطت بعض تلك الشعوب من بعد رخاء ورفعة إلى متاهات السقوط والضعف والتواري عن أضواء الحضارة .
ربما لا يخفى على أي متابع أو مثقف بسيط تلك الصورة النمطية التي تطالعنا بها فضاءات الإعلام المفتوح ومواقع التواصل ونشرات الأخبار عن ذلك الإنسان اليمني البسيط الذي تظهره لنا فضاءات الإعلام بصورته النمطية الغالبة على تشكيل النظرة السريعة على هذا الإنسان , والحكم عليه ربما ببساطة وربما أيضا بسذاجة عن كونه ذلك الإنسان رث الثياب الحامل لأنواع متعددة من الأسلحة بدءا من (الجنبية) وحتى الكلاشنكوف , ولا تكاد تخلو صورة لذلك الإنسان اليمني دون ظهور ذلك (النتوء) على أحد خديه وكأن هذا الإنسان أصبح يمتزج بسلوك (تخزين) القات ليل نهار , وكذلك تطالعنا الكثير من الصور لجلسات السمر التي تتمحور حول أكوام هذا النبات (القات) , وتلك النتوءات الغريبة التي شكلت الجزء الأكثر وضوحا من ملامحهم الطيبة .
هذه صورة الإنسان اليمني المعاصر البسيط , الذي تمتد جذوره ضاربة في عمق التاريخ الإنساني كموطن أصيل لجزء كبير وهام من السلالات البشرية (العرب) .
اليمن وما أدراك ما اليمن .
ربما لا يُذكر تاريخ اليمن القديم إلا ويتبادر إلى أذهاننا تلك الملكة العظيمة (بلقيس)
(935-970 ق.م) والتي عاصرت نبي الله سليمان وقصتها خلدها القرآن الكريم كما نعرف جميعا , تلك الملكة التي حكمت شعبا قال رب العباد عنهم على لسان الهدهد :
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) .
وقال عنها رب العباد أيضا :
( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) .
ذلك الشعب الذي تصفه كلمات قالها وزراء بلقيس كما وردت في أقدس كتاب جاء للبشر :
) قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد ) .
ذلك الشعب الذي تقودهم امرأة قبل ما يقارب 3000 آلاف سنة , والذي يضرب أروع أمثلة الشورى والحضارة قبل أن يتشدق الغرب بالديموقراطية , يصف لنا القرآن تلك الصورة الحضارية الفخمة :
) يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ) .
وقد تعدت شهرة بلقيس الأدب الإسلامي والقرآني وقصص الأنبياء إلى أداب شعوبٍ مختلفة , كالتوراة ونصوص القديسين المسيحيين , وتناولتها روائع فناني عصر النهضة مثل رافائيل ورويموندي , ووردت في كتاب ( مجد الملوك ) , هذه هي الأصول التاريخية الحضارية لذلك الإنسان الذي تطالعنا القنوات الإعلامية صباح مساء بصورته النمطية وثيابه الرثة مدجج بأنواع الأسلحة ويخزن القات ليل نهار .
وكذلك يذكر لنا تاريخ اليمن القديم الملكة أروي , وهي اروى بنت محمد احمد قاسم الصليحي , وقد حكمت من 479هـ وحتى 532هـ , أي ما يقارب 53 سنة , وقد عُرف عهدها بالحكمة والعدل واهتمام بالعلم والعلماء , وأوصلت المياه للمساكن , وبنت للعلماء منازل , وبنت الكثير من الجوامع , وكانت ذات علم وصلاح , ولها الكثير من المآثر .
هذا الشعب المُشرب بالحضارة في الماضي المطمور تحت قشور التخلف العابر حاليا سبق الكثير من الحضارات والدول الحديثة في تمكين المرأة الجديرة بحكمهم , وكانت تلك المجتمعات التي تحكمها النساء مثالا للعدل والرخاء وانتشار العلم والبناء والقوة والأنفة .
ولا يُمكن أن نغفل شهادة خير الخلق محمد بن عبدالله فيهم :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما قدم أهل اليمن على رسول الله عليه الصلاة و السلام في المدينة قال رافعا صوته : الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله و جاء فتح الله و جاء أهل اليمن فقال بعض الصحابة : و ما أهل اليمن ؟ ! فقال صلى الله عليه و آله و سلم : قوم نقية قلوبهم و لينة طباعهم ... الإيمان يمان و الحكمة يمانية هم مني و أنا .
و في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا :
( الإيمان يمان و الحكمة يمانية و الفقه يمان )
والكثير مما لا يسع ذكره هنا .

ومن الممالك القديمة في اليمن :
- مملكة معين .
- ومملكة حضرموت .
- ومملكة قتبان .
- ومملكة حمير .
- مملكة أوسان .
- مملكة دمت .
- مملكة جبان .
- مملكة كندة .
- مملكة هرم .
- مملكة نشق .
- مملكة ديدان .
تلك هي أرض اليمن والتي ربما لا يرى فيها الأحفاد اليوم إلا جلسات القات والرجال رثة الثياب وحاملي الأسلحة .
اليمن هو امتداد وعُمق , بل هو أصل جزيرة العرب , وهم منبع أجدادهم , وربما أن دول الخليج وبعد ظهور البترول قد نسوا أو تناسوا هذا العمق التاريخي والاستراتيجي والقبلي والعائلي ووحدة الدم واللغة والتاريخ لذلك الشعب الذي ألبسه التاريخ وعلى حين غفلة قشور التخلف وترك ماضيه الحضاري البعيد والعميق عرضة لنسيان الكثير منا , هذا الإنسان اليمني الذي ما زال يتميز عن سائر بني البشر بصفات لا تخفى عن المتأمل لذلك الوهج الحضاري الذي يسكن تحت جلدة أحفاد الملوك وصانعي الحضارة , فالشعب اليمن يكاد أن يكون أكثر شعوب الأرض حملا للسلاح حتى صار السلاح جزءا من هندامه وكيانه ورفيق سمره وسفره ومناسباته وحتى في سوقه ومتجره وملعبه , ولكننا لم نسمع يوما عن اقتتالهم في نواديهم واسواقهم ومناسباتهم رغم هذا الكم الهائل من السلاح الممتزج مع أكوام البشر في كل مكان , لم نسمع عن حروب قبلية واعتداءات بين مختلف مكوناته الشعبية أو غياب الإحساس بالأمان بين سكانه وزائريه .
وربما يكاد اليمنيين أن ينفردوا بصفات قد تلاشت في شتى بقاع الأرض إلا في أوساطهم , فاليمنيون مازالوا يقدمون الولاء لشيخ القبيلة قبل الحكومة , ومع هذه المفارقة الغريبة استطاعوا صُنع دولة يحترم أبناؤها القانون , ورغم هذا الولاء القبلي إلا أنهم قدموا أروع الأمثلة للعلاقة الصعبة بين الحكم العصري والانتخابات وبين الولاء القبلي .
ومن المميزات النادرة حضاريا وتاريخيا أن اليمن بلد يصعب احتلالها , وتكاد تكون مقبرة لغزاتها الطامعين أو المتوسعين منذ الأزل , وهذا يرجع لعوامل بيئية واجتماعية وسياسية , فاليمنيون يعيشون فوق أرض تحفظ الولاء لهم , وتحارب أعداءهم إلى جوارهم , فهي ذات طبيعة قاسية وتضاريس عصية , ومن نشأ على أرضها تشرب كبرياء طبيعتها وتحدي تضاريسها , وتوارثوا العزة والانتماء للقبيلة وقوة التحمل من تاريخهم العتيق .
اليمنيين هم بناؤون يملكون عبقرية طبيعية في التعامل مع الحجر والطين والبيئة , وتكاد البشرية لا تعرف مدينة بقدم وعظمة صنعاء القديمة , ببيوتها الحجرية الشامخة منذ مئات السنين , ولم يكتف البناء اليمني برفع بيوته الحجرية لطوابق عدة قد تصل لخمس أو سبع طوابق , بل ظهرت في بنائيها روح الفن والأناقة التاريخية , فزينوها بالمشربيات والأخشاب والألوان وفتحات التهوية حتى صارت تُرى من بعيد وكأنها قطعة فنية صاغتها يد فنان واحد وفي وقت واحد , ( انظر صور صنعاء القديمة في جوجل ) .
ولن يستطيع أحد أن ينكر أن البناء اليمني حمل موهبته تلك في بدايات النهضة الخليجية وبعد ظهور البترول , وشدوا سواعدهم لبناء الكثير من البيوت في دول الخليج منذ عشرات السنين , حتى لا نكاد نعرف في تلك الفترة بنائيين غيرهم .

تلك الوجوه التي تنقلها لنا فضاءات الإعلام لذلك الإنسان الرث الثياب المدجج بأنواع الأسلحة , بنظراته الزائغة , وهضبة القات التي تختبئ تحت خديه , لم تنقل لنا ذلك التاريخ الحضاري المجيد وقصة أجمل ممالك الأرض ( اليمن السعيد ) , والذي بهتت سعادته منذ ظهور الإنسان الحديث , والعوائل التي تركت خدمة الإنسان ورخائه وبناء أجياله إلى مجرد مجموعة من الباحثين عن الباحثين عن الرخاء الشخصي , وسلب مقدرات الوطن لصالحهم ولمصالحهم الأسرية الضيقة , ويكفي مقارنة عابرة ومؤلمة عن تلك الحقب القديمة وأولئك الملوك الذين تركوا في عمق التاريخ أرضا يمنية سعيدة تحدثت عنها كتب التاريخ وعما تركته تلك الأسر الحديثة من خراب وفقر وتخلف , وكيف التحفوا بأنفسهم وباليمن عن دولاب الحضارة والتقدم بأغطية التخلف والجاهلية والسذاجة والمصالح الذاتية والشهوات المنحطة .
عجلة التاريخ يُفترض بها أن تحمل المجتمعات للأمام نحو المستقبل ونحو الأمان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي , ولكن بعض الدول العريقة تاريخيا والذين سادوا العالم ذات زمن , قادها متنفذيها من أُسر أو من عسكر نحو ظلمات التاريخ , ونحو الفقر بعد غنى , ونحو الخوف بعد الأمان , ونحو الدمار بعد البناء , ونحو التبعية بعد السيادة , تلك الحضارات المُبهرة ذات تاريخ قديم تحولت من بؤرة الوهج الحضاري والرفعة الإنسانية النبيلة إلى مجتمعات طفيلية وعاجزة ومنتظرة في صفوف طالبي المساعدات , وبعد أن كانوا يُطعمون الغير أصبحوا يطلبون الطعام من غيرهم , ومن صانعي كرامة ومجد وفخر إلى طالبي شفقة , سُحق منهم من سُحق بمطرقة الدولار , ومنهم من يئن تحت وطأة بسطار العسكر .
شعوب صنعت الحضارة ذات زمن وكرست مدخراتها ونتاجها القومي وسواعد أبناءها وخلاصة فكرهم لبسط الرخاء على أراضيهم وشعوبهم , تسلط عليهم قلة من المنتفعين المفسدين , فحولوا مدخرات أبنائهم ونتاج سواعدهم , ونزيف أراضيهم , لأرصدة في
بنوك أعدائهم .
لم تكبح جماح شهواتهم تعاليم دين , ولا خوف من جزاء وحساب , ولا لعنات التاريخ , ولا همس انتماء وطني .
شهوات عابرة , وعصيان لرب العباد , وشعوب جائعة , وسجن وقتل وتعذيب وتشريد لشعوبهم , سحقوا أوطانهم من أجل فاسقة يختلون بها , وكأس يتنحون في حضرتها ,
وأرصدة سُلبت من أفواه شعوبهم تقبع في مخابئ الأعداء , سيتركونها ذات يوم ليقابلوا رب العباد بأجسادهم النجسة فقط , وصحائف أعمالهم السوداء .

من الإمام إلى صالح :
حكم الإئمة اليمن قرابة ألف عام , قدم الإمام يحيى بن الحسين من الحجاز في أواخر القرن الثالث الهجري , ولُقب بالهادي ودعا لإمامته ولمذهب الزيدية , ثم مرت الإمامة بمرحلتين , الأولى (الدولة القاسمية) , والثانية قامت على يد الإمام «يحيى حميدالدين بن محمد» من نسل الأسرة القاسمية واستمرت 44عاماً (إلى قيام ثورة سبتمبر 1962( .
تلك الدولة عرفت أيضاً بالمملكة المتوكلية اليمنية ودخلت في صراعات وحروب طويلة مع الإنجليز في الجنوب والغرب والسعوديين في الشمال حتى تفجير «ثورة 26 سبتمبر» ضد الحكم الإمامي بمساعدة من مصر وقتل الإمام «أحمد» وقيام الجمهورية العربية اليمنية برئاسة «عبدالله السلال»، واشتعال حرب أهلية بين الجمهوريين والملكيين .
أبعد الإمام يحيى المذاهب الأخرى عن الساحة اليمنية كالشافعية والإسماعيلية , و تبنى سياسة انعزالية خوفا من أطماع الاستعمار الأجنبي بعد الحرب العالمية الأولى من جهة , وخوفه من تأثير تيار القومية العربية من جهة أخرى .
حاول الإمام أحمد وإصلاح بعض سياسات والده والانفتاح قليلا بعد عدة محاولات انقلابية من قِبل الضباط المبتعثين وبعض المثقفين الذين ساءتهم تلك السياسات الانعزالية , ولكن سياسات طويلة من تكريس القبلية والطبقية الاجتماعية ومؤامرات الأئمة الزيدية فيما بينهم للوصول لكرسي الإمامة لم تفلح في البقاء على النظام الإمامي قائما فكانت ثورة سبتمبر .
وفي ظل تلك النزاعات استحوذ الإنجليز على الجنوب وظهرت على الخارطة السياسية اليمنية ما يُعرف بدولة الجنوب العربي , وظل الشمال بيد الأتراك سياسيا وفي يد الأئمة فعليا , ووُقعت معاهدة عام 1914م كرست هذا التشطير .
وقبل أن نتحدث عن ثورة سبتمبر على يد السلال يجب أن نلقي الضوء على تعاطف العسكر المتمثل في عبدالناصر مع السلال .
بدأ عسكر مصر بحملة طوسون لإنهاء الدولة السعودية الأولى , بـ8000 جندي , ولكن القوات السعودية هزمتهم شر هزيمة في معركة وادي الصفراء بقيادة الأمير عبدالله بن سعود , فطلب طوسون العون من أبيه محمد على باشا والي مصر , ثم بعث محمد علي قائده أحمد الخازندار في 1227هـ , وبعد عدة انتصارات مني بهزيمة نكراء على يد القوات السعودية , فما كان من ( العسكري ) محمد علي باشا إلا أن قدم بنفسه إلى جدة ليكون قريبا من خصومه الجدد , وبعد عدة انتصارات رجع محمد علي باشا لمصر , وبعد أن أُنهك طوسون من حروبه للسعوديين استأذن والده في الرجوع إلى مصر , فأذن له .
ثم أرسل محمد علي باشا ابنه إبراهيم بجيش منظم وحديث وطعّمه بخبراء فرنسيين وإيطاليين مما رجح كفة الجيش المصري , ونظرا للفروقات الكبيرة بين الجيشين أنهى عسكر والي مصر محمد علي باشا وابنه ( القائد ) ابراهيم باشا الدولة السعودية الأولى .
بعد سقوط الملكية في مصر على يد العسكر (الضباط الأحرار) ورث العسكر المصريين من عسكر محمد علي باشا (جينات) البغض للأنظمة الملكية وخاصة نظام آل سعود , كما أن حرصه على تقويض حلف بغداد أدى لسقوط الملكية في العراق .
عبدالناصر رغب في التدخل لصالح عسكر اليمن ضد الأنظمة (الرجعية المتخلفة) كما قال , لم يكن عبدالناصر يحمل لليمن أو اليمنيين تقدير أو اهتمام (حسب وجهة نظري) ولكن أراد أن يسدد أكثر من رمية في تدخله في اليمن :
- فهو لم يقدم لليمن أي مساعدات علمية أو إنشائية أو حضارية , ولكنه قدم الجيش والسلاح .
- كما أنه كان يبحث عن زخم إعلامي كحامي للأنظمة الديموقراطية الوليدة .
- وحامل لواء العداء للأنظمة (الملكية المتخلفة) كما يقول .
- و الخروج من حالة الإحباط بعد فك الوحدة مع سوريا .
- كما أنه كان يعتقد أن السعودية هي سبب تفكك تلك الوحدة .
- وسحب الأضواء من رفقاء الثورة كقائد وزعيم أوحد .
- وإثبات جدارته بقيادة وزعامة العرب .
- كما خطط لطرد البريطانيين من عدن ليظهر كمحرر للعرب وعدو للاستعمار .
- كما أنه كان يعتقد أن وجود نظام جمهوري يدعمه في اليمن سيؤمن له السيطرة على باب المندب ,.
- وكان حريصا على بناء زعامة عربية مطلقة .
وكانت النتيجة 55000 جندي مصري في اليمن , وقيل 70000 ألف , مع اختلاف
في عدد القتلى بين 20000 و 5000 جندي .

ربما من أخطاء الحقبة الإمامية هي سياسة الانغلاق عن العالم التي مارسها الإمام , والاكتفاء بالتمسك ببيئة ومحيط متخلف رافض لأي عنوان من عناوين التقدم والتحديث , وربما للإماميين أسبابهم , ومنها :
- طبيعة الحياة القبلية والخضوع للمشايخ ومن ثم خضوع المشايخ للإمام لسباب دينية وتاريخية وطبيعة إنسانية خاصة باليمنيين .
- إيمان المحيط القبلي وحتى الإماميين بالهبة الإلهية في استمرار تلك الأسرة في الحكم .
- طبيعة المذهب السائد في أحقيتهم في الحكم بتفويض ديني عقائدي .
- محاولة الإماميين بعدم مسايرة الأمم الأخرى في الرقي بمجتمعاتهم ولحق ركب المدنية الحديثة التي تأخر العرب عنها لأسباب كثيرة هنا ليس مقام ذكرها .

ولا يخفى على المطلعين على تاريخ اليمن أن عهد الإمام يحيى كان عهدا مليئا بالاضطرابات التي صنعت معوقات كبيرة في طريق محاولة اليمن باللحاق بشيء من التطور الحديث الذي بدأ يتسلل لكثير من الدول العربية بعد خروجها من عباءة الخلافة العثمانية أو استقلالها من الاستعمار , مثل :

- 1904- 1918 كانت المقاومة والقتال مع الأتراك والمناوشات مع الانجليز .
- 1919- 1932 كانت الحروب مع القبائل وإخماد الانتفاضات .
- 1932- 1934 كانت الحروب مع السعودية والأدارسة والتي انتهت باتفاقية الطائف .
- 1935- 1948 كانت الحركة الوطنية المعارضة قد بدأت بالتشكل ودخلت طور
المواجهة مع الإمام وانتهت بثورة 48م .
- وكذلك وقوع الجنوب تحت الاحتلال البريطاني .

ولكن للإمام خطوات تحديثية تُحسب له منها :
- أوجد البنية التحتية للدولة اليمنية الحديثة وزرع بيده النواة الأولى للحركة الوطنية فقد أبقى على التقسيم الإداري للدولة الموروث من الأتراك.
- فتح المدرسة العلمية ومدرسة الأيتام اللتين تخرج منهما رجال الحركة الوطنية والعلوم بصنعاء والمدرسة الشمسية بذمار
- بعث بالطلاب اليمنيين للدراسة في العراق .
- أصدر أول تشريع بتنظيم الشؤون الصحية في اليمن .
- كان له دور كبير في إنشاء الجامعة العربية وحركة عدم الانحياز التي
انضمت إليها اليمن .
- عقد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية .
- ظل متمسكا بتحقيق الوحدة اليمنية رافضاً الاعتراف باتفاقية الحدود بين تركيا وبريطانيا عام 1904م معتبراً أن الشطر الجنوبي هو القطعة الأخرى من اللحمة اليمنية التي فصلها الاستعمار وستعود لتلتحم بالوصلة الأم في الوقت المناسب.
- كان الأمن والعدل سائداً في أيام الإمام يحيى الذي كان وثيق الصلة بالشعب فيخرج إليهم ويلتقي بهم في أغلب الأوقات ويحكي عنه كاتب فرنسي بأن أهالي صنعاء جميعاً كانوا يعرفون إذا عاد مرض النقرس للإمام .

ولكنه فشل في إحياء دولة حديثة ترضي المثقفين والمبتعثين خاصة من الضباط والعسكريين , كما أن سياسته في الحكم المطلق وعدم البت في أي أمر إلا بعد الرجوع له شخصيا , وتكميم الأفواه واعتقال المعارضين أو المعترضين .

وبدأت الثورة على الإماميين كما يحدث كثيرا في عالمنا العربي , يهجم العسكر على الحكم بدعوى تخليص البلاد من براثن التخلف وحكم الاستبداد , بعد أن يغادروا بلادهم ويتعايشوا مع مجتمعات مختلفة , ويتفاجؤوا بوجود مؤسسات مدنية وتقدم شامل كانوا في غفلة عنه .

ولكن يجب أن لا يغفل التاريخ واليمنيين أن النظام الإمامي لم يكن عاصيا على التحديث والإصلاح , فها هو الإمام سيف الإسلام محمد البدر بن الإمام أحمد حميد الدين , يأمر بالإفراج عن السلال بعد فشل محاولته الانقلابية الأولى , مع مجموعة من الضباط الأحرار كما سموا انفسهم , وقد قرر أن يقوم بحركة إصلاحية وينقلب على والده ,
ولكن خططه الإصلاحية لم تتم بسبب تدخل والده في اللحظات الأخيرة .
وبعد إبعاد السلال كمسؤول عن ميناء الحديدة , واصل تخطيطه للثورة مع الوفود الأجنبية خاصة المصرية والسوفيتية والصينية , شارحا ما تعانيه اليمن من استبداد وتخلف من الإمام , وبعد أحداث كثيرة ثبت الوضع للعسكر , وانتهت الإمامة , وصار السلال أول رئيس جمهوري لليمن .
وربما انقلب العسكر (كعادتهم) على بعضهم البعض , وأُخرج السلال من الحكم , أو ربما خرج لإدراكه أن مصير اليمن صار بيد دول خارجية , وقد احتج على اتفاقيتي جُدة 1965م والخرطوم 1967م بين طرفي النزاع السياسي العربي داخل اليمن، مصر والسعودية , حيث لم تُؤخذ مشورته في قراراتها .
وتوالى حكم العسكر بعد ذلك , وما تخلله من تقلبات وأحاث وانقلابات ودسائس ومؤامرات , فأُطيح بالسلال في انقلاب أبيض بقيادة القاضي الإرياني , وبعد استقالة المجلس بقيادته استلم الحكم الرئيس الحمدي , وبعد 3 سنوات قاد الغشمي انقلابا دمويا أطاح بالحمدي , والذي بدوره لم يُكمل إلا اشهرا ليذهب ضحية قنبلة زُرعت له .

الرقيب السابق و المشير الحالي صالح :
بعدها قام قائد لواء تعز , فخامة المشير ( علي عبدالله صالح ) بالقفز على كرسي العسكر , وبعد ضم الجزء الجنوبي صار رئيس اليمن الواحد , والذي كان رقيبا أثناء الثورة .
ربما يعتبر المشير علي قائدا فطريا ومحنكا , وصاحب شرف الوحدة اليمنية , كما أن تاريخ اليمن الحديث يشهد له بعدة إنجازات هامة مثل :
- يُعتبر أول رئيس لليمن الواحد .
- قاد حربا لمنع الانفصال بين اليمنين ,
- إعادة بناء سد مأرب العظيم .
- استخراج النفط والغاز.
- تحقيق تنمية زراعية كبيرة .
- إقامة المنطقة الحرة بعدن .
- توقيع معاهدة الحدود بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان واريتريا .
- انضمام اليمن لبعض مؤسسات مجلس التعاون الخليجي .

- ومن ملامح الدهاء أو المكر أو الدناءة في شخصية المشير صالح , تنكره لمن ساندوه من الشخصيات والأحزاب فسعى إلى إقصاء الشركاء وإخراجهم من دائرة الحكم بأسباب وأساليب مختلفة واستبدلهم بشخصيات تدين له بالولاء وتعترف له بالطاعة وتحارب من أجله .
- كما كانت جميع الحكومات في عهد صالح صورية , وكان يملك الكلمة الفصل في جميع الأمور والأحداث , فكان صورة مصغرة من حكم الإمام في تسلطه وكونه رجل اليمن الأوحد .
- كما اسند المناصب القيادية لأفراد اسرته والمحسوبين لولائه فقط , ومارس الإقصاء لكل من يعارضه .
- وتضخمت ثرواته وثروات المحسوبين عليه رغم فقر الشعب وتداعي البنى التحتية وسوء الظروف المعيشية لعامة الشعب .
- توريث الحكم هي الورقة الأصعب التي حاول صالح العبث بها أمام شعبه المنهك , فبها خرج الرقيب السابق والمشير الحالي عن خط وأساس الثورة السبتمبرية والنظام الجمهوري .

صالح والحوثيين :
ليس سهلا على شخصية تتمتع بأخلاق (لمامة) العسكر , وشخصية غير مثقفة أو متعلمة , وخرجت من رحم الفقر والتهميش , أن تقبل بكل بساطة ثورة من (العامة) لتطيح بالداهية الفذ المراوغ المشير صالح , راقب صالح طوفان الثورة وخضع لع مرغما مترقبا الانتقام والعودة .

يشترك صالح والحوثي في صفات قلما تجتمع في خصوم , فكلاهما يتوق للانتقام , وكلاهما يسعى لكرسي الحكم , وكلاهما يتمتع بالغدر والخيانة والمكر ونكث المواثيق ,
وكلاهما حاقد على شعبه , وكلاهما يسعى لحكم أُسري أبدي , وكلاهما يتخذ من الإرهاب ذريعة ليمسك بزمام الأمور .
أعداء الأمس تناسوا تلك الحروب والدماء التي سالت بينهما لتلاقي مصالحهما الطارئ , صالح لم يكن يوما صديق لأحد , فقد كان بالأمس القريب صديقا للسعودية , وقد جاءها محروقا بشكل شبه كامل , وتمت معالجته وإعادته إلى ما كان عليه قبل التفجير الذي استهدفه , وعاد لصنعاء متمتعا بحصانة خليجية ضد المطاردة والمساءلة ليفتح مخازن أسلحته للحوثيين ذراع إيران النجسة أعداء السعودية , كرد للجميل بأسمى آيات الغدر والخيانة , صالح يرى ويشارك في تدمير المدن اليمنية بيد الحوثي عدو الأمس وصاحب الست معارك الدامية معهم , وكأنه ينتقم من شعبه الذي أطاح به في ثورته العاتية , ولم تكن خيانة وغدر صالح للخليجين مفاجئة , فقد خانهم مع صدام قبلها , ولكن زعماء الخليج ينسون ويسامحون سريعا , ولا تلبث يد الغدر التي أمسكوا بها يوما لإبعادها عن المنزلقات , لا تلبث أن تحاول طعنهم ثانية , وللعسكر نصيب كامل في ذلك , بدء من صدام ومرورا بالسيسي وليس انتهاء بصالح .
المشير صالح تحالف مع الحوثيين ضد شعبه , وربما تحالف مع القاعدة , وربما داعش , وربما مع الشيطان , كل ذلك فقط ليجلس على عرش اليمن هو وأبناؤه ليكمل طريق الأئمة السابقين , ولكن بعيدا عن أحفادهم الحوثيين .
تلك بعض من ( أخلاق لمامة ) العسكر .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف