الأخبار
بايدن ونتنياهو يجريان أول اتصال هاتفي منذ أكثر من شهرإعلام إسرائيلي: خلافات بين الحكومة والجيش حول صلاحيات وفد التفاوضالاحتلال يفرج عن الصحفي إسماعيل الغول بعد ساعات من اعتقاله داخل مستشفى الشفاءالاحتلال يغتال مدير عمليات الشرطة بغزة خلال اقتحام مستشفى الشفاءاشتية: لا نقبل أي وجود أجنبي بغزة.. ونحذر من مخاطر الممر المائيالقسام: نخوض اشتباكات ضارية بمحيط مستشفى الشفاءالإعلامي الحكومي يدين الانتهاكات الصارخة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الطواقم الصحفيةمسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي"إسرائيل حولت غزة لمقبرة مفتوحة"تقرير أممي يتوقع تفشي مجاعة في غزةحماس: حرب الإبادة الجماعية بغزة لن تصنع لنتنياهو وجيشه النازي صورة انتصارفلاديمير بوتين رئيساً لروسيا لدورة رئاسية جديدةما مصير النازحين الذين حاصرهم الاحتلال بمدرستين قرب مستشفى الشفاء؟جيش الاحتلال يعلن عن مقتل جندي في اشتباكات مسلحة بمحيط مستشفى الشفاءتناول الشاي في رمضان.. فوائد ومضار وفئات ممنوعة من تناولهالصحة: الاحتلال ارتكب 8 مجازر راح ضحيتها 81 شهيداً
2024/3/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محمد.. والاتصال الموعود بقلم: أ. نائل الحلاق

تاريخ النشر : 2015-10-10
محمد.. والاتصال الموعود  بقلم: أ. نائل الحلاق
قصة قصيرة
بعنوان: محمد........ والاتصال الموعود. بقلم: أ. نائل الحلاق
هي ليلة من ليالي غزة المظلمة، والمكررة، جدول توزيع الأحمال في ظاهره (6) ساعات وصل، بـــــ(12) ساعة قطع، لكن الواقع كان مغايراً تماماً، فساعات الوصل بالكاد تصل إلى (3) أو (4) ساعات وصل فقط.
محمد شاب يافع في أواخر العقد الثاني من العمر -حاله حال السواد الأعظم من الشباب الخريجين- أعياه البحث عن وظيفة مناسبة أو عمل. جفى النوم أعينه تلك الليلة الظلماء، فحرارة الطقس وقفت كسد منيع دون ذلك، فتحريك الهواء الساكن المشبع بالحرارة والرطوبة بمروحة، خير من سكونه الرهيب.
وبعد عناء شديد استسلم جسد محمد الهزيل للنوم، وكان قد نسي وصل شاحن هاتفه الشخصي بمقبس الكهرباء فقد اوشكت شحنته على النفاذ، وفي الصباح استيقظ على جرس هاتفه منذراً بوجود مكالمة واردة، حاول أن يبصر اسم المتصل ولكنه لم يكن مدرجاً في قوائم الأسماء، اجتهد في طرد النعاس من عينيه والتعرف على هوية المتصل من خلال الرقم الذي كان مميزا من حيث الترتيب وسهولة الحفظ، حتى توقف الجهاز عن العمل بسبب نفاذ شحنة البطارية.
وهنا وقعت الطامة، وفزع محمد من فراشه كالمجنون، من المتصل ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟
لعلها مؤسسة كذا، أو تلك الشركة، أو مكتب العمل أو ديوان الموظفين، أو المشغل الفلاني، قائمة طويلة من المؤسسات والشركات التي يتواصل معها محمد باحثا عن وظيفة، إلى ان استقرت بنات افكاره نحو مؤسسة بعينها، فكل الشروط والمواصفات المطلوبة كانت تنطبق عليه، من مؤهلات وخبرات ومكان سكن ودورات وووووووووو، بالتأكيد هي لا مجال للشك. وراح شريط الأحلام الوردية يلوح أمام ناظريه، الوظيفة، المال، الجاه، السيارة، الزوجة ، البيت، الأولاد، الأرض، و و و و ،وظل على هذا الحال يحلم ثم يحلم ثم يحلم حتى فزعه أحد الباعة المتجولين بصوته الجهوري بعد ان استقر بعربته المتنقلة اسفل نافذة حجرته.
يواجه محمد الآن معضلتين: الأولى شحن هاتفه للتعرف على هوية المتصل في ظل انقطاع الكهرباء، والثانية هي تعبئة رصيد كي يتمكن من الاتصال ولا يملك ثمن التعبئة. جلس محمد في محاولة منه جمع أشتات أفكاره عله يهتدي إلى سبيل ينهي فيه سنوات عذابه في الحصول على عمل، وينزع النظرة السلبية التي تطارده من أبويه وجيرانه بأنه إنسان فاشل لا يقدر الحصول على مصدر للرزق ولم يسعى إليه، وأنه لا يجيد سوى السهر والسمر مع الأصدقاء.
خرج محمد من مخدعه ولم يشأ أن يخبر أبويه بما يؤرقه، ربما أنه يعرف موقف أبيه سلفا، وأمه مغلوبة على أمرها، وكم من المشاكل والشقاق سببها محمد بينهما بسبب تفهم الأم لواقع حال ابنها وقلة حيلته وشعورها مما يعانيه من ضغط وكبت شأنه شأن كل الشباب في عمره.
خرج محمد ولا يعرف أين المفر، كان همه الابتعاد عن المنزل ثم التفكير بروية، إلى أن استقر به الحال التوجه إلى بيت أخته فهي تسكن في منطقة تخالف منطقة سكن محمد في وصل وانقطاع الكهرباء، وكان عليه قطع المسافة مشياً على الأقدام، فهو لا يملك أي نقود، وبعد أن وصل إلى بيتها وطرق الباب بيده دلالةً على انقطاع التيار الكهربائي وبعد ان استقبلته اخته التي تكبره ببضع سنين، لاحظت الهم والحزن في عينيه وبادرت بسؤاله عما يختلج في صدره، وطلبت إليه البوح وعدم الكتمان، فأنا أختك الأكبر منك سناً فهي تعلم عن بعض المشاكل التي يواجهها محمد مع أبوه بسبب العمل، وبعد أن قص عليها القصص، وروى لها أمر الاتصال الموعود الذي سيقضي على كل آلامه ويحقق له جل أحلامه، طلبت إليه هاتفه المحمول ونزعت بطارية جهازها لتضعها في جهاز أخيها فرغم اختلاف الجهازين في الشكل، إلا أنهما يعملان بذات البطارية، تنفس محمد الصعداء، يا الله، أخيرا سأعرف من تلك المؤسسة التي طلبتني للعمل، وفور ظهور الارقام التي لم يرد عليها، ضغطت على زر إعادة الاتصال لذلك الرقم لتفاجئ بالأسطوانة الملعونة "نأسف لم يتبقى في حسابك أي رصيد" طلبت من محمد التوجه إلى المحل القريب من المنزل لتعبئة الرصيد، وأعطته شيئاً من المال، ووعدها بتسديده لها مع أول راتب.
وبعد أن أنهى محمد بنجاح شحن هاتفه الخلوي بالرصيد والبطارية، لم يتبقى له إلا الاتصال لمعرفة هوية الجهة المشغلة وطرق التواصل، ولكنه استدرك الأمر وتريث قليلا، عليّ ان ارتب افكاري وأن انتقي من الكلمات والعبارات ما يؤهلني بقوة للوظيفة، بالتأكيد هناك المئات ربما الألاف من المنافسين، وطلب من أخته ورقة وقلم ليبدأ في استمطار أفكاره وتفنيدها وترتيب سيرته الذاتية بشكل مختصر واستعداده لتحمل أعباء العمل، والعمل في أصعب الظروف، والقدرة على الاتصال والتواصل مع رؤسائه، حتى قطعت عليه أخته حبل أفكاره بتذكيره بقرب انتهاء ساعات الدوام الرسمي، فقد أوشكت عقارب الساعة تجاوز الواحدة بعد الظهيرة، وهنا بدأت أنامله تتلمسان مفاتيح الاتصال واستخراج المكالمات الفائتة بشيء من الرعشة، ونبضات قلبه تخطت العدد المتاح لها في الدقيقة الواحدة، واعتلت وجنتيه حمرة خفيفة في دليل واضح على الارتباك والخوف من القادم، هي فرصة العمر والأمل المعقود، بصوت هادئ يبعث على الطمأنينة قالت فاطمة هيا أخي سم الله وتوكل عليه، حاول محمد أن يهرب بعينيه خوفا من تلاقيهما مع عيني أخته، ربما ليخبأ دمعة كانت قد فرت من عينيه، فأمسكت الهاتف النقال من أخيها وأخرجت آخر رقم في السجل، وقررت إنهاء لحظات قاتلة من السكون والرهبة والخوف والأمل، وبشجاعة ضغطت على إعادة الاتصال وسلمت الجهاز لأخيها، ارتبك محمد قليلاً ثم تمالك نفسه وامسك النقال بقوة، تمر لحظات انتظار الرد صعبة وطويلة ولو استمرت لانهار محمد، ليأتي الرد أخيراً وينهي فصول قاسية من الألم والأمل، من معي تفضل، فرد محمد بصوت يكسوه الرجاء والتحنن، أنا محمد ........ لقد اتصلتم بي صباحاً ثم انقطع الاتصال بسبب .....، وقبل أن يكمل محمد ما اجتهد في انتقاءه من عذب الكلام وترتيب الأفكار وقبل أن يبدأ في سرد سيرته الذاتية ممسكاً بقصاصة الورق التي وضع فيها رؤوس أقلام ما ينوي قوله، قاطعه المجيب على الطرف الآخر، انت صاحب رقم كذا، استبشر محمد خيرا، ووقف بعد أن كان جلوساً، ووقفت فاطمة مع قيام أخيها، ورد محمد وعيناه تفيضان فرحا ودمعا، نعم، نعم أنا محمد صاحب الرقم .......، انا أسف جدا لقد طلبت رقمك بطريق الخطأ، إلى اللقاء.
بهذه الكلمات القليلة انهى صاحب الاتصال المجهول حلم كاد أن يصبح حقيقة، قتل نبتة كادت أن تورق وتزهر وتحمل فيما بعد ثمراً، قضى على شمس حاولت الظهور وسط الغيوم الملبدة، أطفأ نور كان قد أوقد بالخطأ في نهاية نفق مظلم، طمس بسمة سعت جاهدة أن ترسم نفسها على وجه لم يعرف إلا تقاسيم العبوس والحزن.
علمت فاطمة من تعابير وجه أخيها أن الأمر غير سار، حاولت تهدئة أخاها ببعض الكلمات والعبارات الروحانية، حملت كرسيها واقتربت منه فسقط هاتفها من يدها ارضاً موزعا على ثلاث قطع الغطاء الخارجي والبطارية وجسم النقال، حاول محمد التقاطه وعند انحناءه سقط هو الآخر هاتفه من بين يديه بنفس الكيفية إلى ثلاثة أجزاء، ونتيجة السقوط المزدوجة كانت استقرار وعودة بطارية كل جهاز إلى جوار بيتها الأصلي في مكان السقوط، فنظر محمد إلى فاطمة وضحكا كثيرا، والتقط كل منهما جهازه من الأرض وقاما بتركيب جهازيهما، وعاد محمد إلى بيته في انتظار أمل في غدٍ جديد.
نائل جهاد الحلاق: 6/ 10/ 2015
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف