أحمد أبو شاويش
7 أكتوبر، الساعة 06:16 صباحاً · تم تعديله ·
جرى قديماََ قولٌ "للجاحظ" : " العادة توأم الطبيعة " ، وقيل حديثأَ : " للعادة قوة لا تقهر " ، وفيما يقول الجاحظ ما يوحي بأن العادة تستمد من الطبيعة قوتها، إن لم تماثلها فيها ، وكدلالة على قوة الطبيعة قيل : "الطبيعة تغلب التطبع". وقوة العادة التي لا تقهر تأتي من كونها تتحكم في المرء تَحَكُّم المالك المستبد ، على حد وَصْفِ الأديب والناقد الكبير "د إحسان عباس" لتحكُّم "المتنبي" في اللغة ، ولعل أشد العادات قوة ، وخطرا كما سنرى ، هي عادة الاستسلام لأفكار لا تحول دون التطور وحسب، إنما هي تصطدم (عينك عينك) مع الواقع أيضا ، ناهيك عن أنها تتناقض مع المصالح الحقيقية لجمهورِِ تَعوَّدها . فقد يأتي حِينٌ على بعض الأفكار أنها تكتسب ، بسبب قِدَمِها ، رسوخا وعراقة يضفيان عليها مشروعية ، وقداسة ، لدى الجمهور بما يكاد يستحيل معهما النَّيْلُ منها . وعبر تاريخنا الممتد ، وبسبب إغلاق باب الاجتهاد ، وغرق مجتمعاتنا في حالة من التخلف الفكري ، والتراجع الحضاري ، والضعف الاقتصادي ، وانسداد الآفاق سياسياََ بفعل تراكم الطغيان والاستبداد ، والهجوم الخارجي المتواصل ، وما ارتكبه الطغاة من مطاردة ،وقتل ، وتشهير ، وتشويه ، وتكفير، وإحراق كتب ، لمن عُدُّوا بحق أنصع ومضات الإبداع الفكري في تاريخنا المسكوت عنه (مثل : الجاحظ وابن رشد والحلاج والمعري والفارابي وابن سينا والكندي وابن حيان والسهروردي... والقائمة تطول ، بينما هم في الغرب لا ينكرون اعتمادهم في بعض مفردات نهضتهم الحديثة على آراء واجتهادات بعض هؤلاء ) ، بسبب ذلك كله جرى تشييع مرحلة نهضوية بكاملها ، وأهيل عليها التراب ، وغابت في طي عالم النسيان . واستُبْدِلَت بموروث فكري وفقهي سلفي مقيت حصل إنتاجه في إطار تفشي ظاهرة فقهاء السلاطين ، وكان يُعاد انتاجه بين الحين والآخر في خطاب وقالب مُسْتَجدَّيْن ، حسب مقتضى الحال ، كما حصل بالأمس القريب ، وكما يحصل الآن ، من الإفتاء بشرعية الاستقواء على أبناء جلدتهم بالعدو الأجنبي الذي يحتل الأرض ، ويدنس المقدسات ، وينهب الثروات . وقد عُدَّ ذلك الخطاب والموروث (الفكري) والفقهي بمثابة الدستور لتأبيد استبداد وطغيان السلاطين ، بمختلف أشكالهم وألوانهم ومُسَمَّياتِهم . وتدريجياََ ، وبسبب تقادم العهد على ذلك الخطاب ، أصبح يشكِّل جزءاََ عضوياَََّ من مكوّن عقل وتفكير وعادات الجمهور ، وله من المشروعية والقداسة ما له ، والأنكى أنه أصبح يشكل جزءاََ من مكوِّن عقل وتفكير وعادات العديد من النُّخَب من فقهاء ومفكرين وعلماء ومثقفين ، وفي ذلك كانت الطامة الكبرى التي نكتوي بنارها اليوم ، والتي لا سبيل لنا للخروج من مأزقها المستفحل سوى إعادة النظر في عاداتنا الفكرية تلك : منشأََ وصيرورة..
7 أكتوبر، الساعة 06:16 صباحاً · تم تعديله ·
جرى قديماََ قولٌ "للجاحظ" : " العادة توأم الطبيعة " ، وقيل حديثأَ : " للعادة قوة لا تقهر " ، وفيما يقول الجاحظ ما يوحي بأن العادة تستمد من الطبيعة قوتها، إن لم تماثلها فيها ، وكدلالة على قوة الطبيعة قيل : "الطبيعة تغلب التطبع". وقوة العادة التي لا تقهر تأتي من كونها تتحكم في المرء تَحَكُّم المالك المستبد ، على حد وَصْفِ الأديب والناقد الكبير "د إحسان عباس" لتحكُّم "المتنبي" في اللغة ، ولعل أشد العادات قوة ، وخطرا كما سنرى ، هي عادة الاستسلام لأفكار لا تحول دون التطور وحسب، إنما هي تصطدم (عينك عينك) مع الواقع أيضا ، ناهيك عن أنها تتناقض مع المصالح الحقيقية لجمهورِِ تَعوَّدها . فقد يأتي حِينٌ على بعض الأفكار أنها تكتسب ، بسبب قِدَمِها ، رسوخا وعراقة يضفيان عليها مشروعية ، وقداسة ، لدى الجمهور بما يكاد يستحيل معهما النَّيْلُ منها . وعبر تاريخنا الممتد ، وبسبب إغلاق باب الاجتهاد ، وغرق مجتمعاتنا في حالة من التخلف الفكري ، والتراجع الحضاري ، والضعف الاقتصادي ، وانسداد الآفاق سياسياََ بفعل تراكم الطغيان والاستبداد ، والهجوم الخارجي المتواصل ، وما ارتكبه الطغاة من مطاردة ،وقتل ، وتشهير ، وتشويه ، وتكفير، وإحراق كتب ، لمن عُدُّوا بحق أنصع ومضات الإبداع الفكري في تاريخنا المسكوت عنه (مثل : الجاحظ وابن رشد والحلاج والمعري والفارابي وابن سينا والكندي وابن حيان والسهروردي... والقائمة تطول ، بينما هم في الغرب لا ينكرون اعتمادهم في بعض مفردات نهضتهم الحديثة على آراء واجتهادات بعض هؤلاء ) ، بسبب ذلك كله جرى تشييع مرحلة نهضوية بكاملها ، وأهيل عليها التراب ، وغابت في طي عالم النسيان . واستُبْدِلَت بموروث فكري وفقهي سلفي مقيت حصل إنتاجه في إطار تفشي ظاهرة فقهاء السلاطين ، وكان يُعاد انتاجه بين الحين والآخر في خطاب وقالب مُسْتَجدَّيْن ، حسب مقتضى الحال ، كما حصل بالأمس القريب ، وكما يحصل الآن ، من الإفتاء بشرعية الاستقواء على أبناء جلدتهم بالعدو الأجنبي الذي يحتل الأرض ، ويدنس المقدسات ، وينهب الثروات . وقد عُدَّ ذلك الخطاب والموروث (الفكري) والفقهي بمثابة الدستور لتأبيد استبداد وطغيان السلاطين ، بمختلف أشكالهم وألوانهم ومُسَمَّياتِهم . وتدريجياََ ، وبسبب تقادم العهد على ذلك الخطاب ، أصبح يشكِّل جزءاََ عضوياَََّ من مكوّن عقل وتفكير وعادات الجمهور ، وله من المشروعية والقداسة ما له ، والأنكى أنه أصبح يشكل جزءاََ من مكوِّن عقل وتفكير وعادات العديد من النُّخَب من فقهاء ومفكرين وعلماء ومثقفين ، وفي ذلك كانت الطامة الكبرى التي نكتوي بنارها اليوم ، والتي لا سبيل لنا للخروج من مأزقها المستفحل سوى إعادة النظر في عاداتنا الفكرية تلك : منشأََ وصيرورة..