الأخبار
سيناتور أمريكي: المشاركون بمنع وصول المساعدات لغزة ينتهكون القانون الدوليالدفاع المدني بغزة: الاحتلال ينسف منازل سكنية بمحيط مستشفى الشفاء38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رجــال مـن بـلــدي بقلم:حــســـن زايــــــــد

تاريخ النشر : 2015-10-07
رجــال مـن بـلــدي بقلم:حــســـن زايــــــــد
رجــال مـن بـلــدي

بــقــلــم / حــســـن زايــــــــد

ربما لم أكن أتوقع في حياتي ، أن أجد من بين أبناء هذا الوطن ، من يستخف بقدر جيشه ، ويستهين برجاله ، ويسخر من هزيمته ، ويستهزيء بنصره . إلا أنني قد عشت حتي رأيت وسمعت . والناظر في أعمار هؤلاء يجدهم لم يجاوزوا بأعمارهم ذلك التاريخ . أي أن هذه الأحداث بالنسبة لهم تاريخاً لم يعاصروه ، وإنما يتعلمونه من الكتب إن كانوا يقرأون، أوعلي أغلفة الكراسات المدرسية ، التي يشترونها لأبناءهم ، بعد أن تجاوزوا مراحل التعليم ، ولم يتعلموا ، لعل أبناءهم يقرأونها لهم ، ويعلمونهم إياها .  وأنا هنا لم أكن من المشاركين الفعليين في الحربين ، ففي الحرب الأولي كنت في الصف الأول الإبتدائي ، وفي الحرب الثانية كنت في الصف الأول الإعدادي . ولست مؤرخاً ، ولا خبيراً عسكرياً . وإنما فقط طفل مصري عاش هذه الأحداث علي مدار ست سنوات حتي النخاع . ففي الحرب الأولي وهي حرب 1967 م ، تفاجأت قريتي الصغيرة الرابضة في أحضان محافظة الشرقية بأسراب من الطائرات تتقاطر ابتداءً من الثامنة صباحاً من الشرق إلي الغرب ، تقترب من الرؤوس صارخة وهي تشق السماء شقاً ، وتكاد تلامس الرؤوس لمساً . كنا ننكفيء علي الأرض رعباً وهلعاً كلما مر منها سرباً ، أو نجري مهرولين كي نتكوم في حجور أمهاتنا ملتمسين الأمان ، وأمهاتنا يطبطبن علي ظهورنا بعثاً لطمأنينة مفتقدة عند الجميع . لم تكن قد وصلتنا الجرائد في ذلك الوقت ، حيث لم تكن تصل الجرائد إلي الأرياف في ذلك التاريخ  . وقد كانت قريتنا محظوظة ، إذ كانت مرتبطة بمدينة الزقازيق بخط أتوبيس عام قد يأتينا سائقه بالجرائد ، وقد لا يأتي ،  أو تأتينا عن طريق أحد أبناء القرية القادمين من المدن . ولم تكن متاحة في مصر كلها سوي أربعة جرائد مملوكة للدولة هي : الأهرام ، والأخبار ، والجمهورية ، والمساء . وكان في قريتنا تلفاز واحد مملوك للقرية ، ومكانه عند عمدة القرية ، ولا يبث سوي قناتين هما : الأولي ، والثانية ، ولساعات بث محدودة . ولم يكن متاح سوي المذياع لدي بعض البيوتات نتلمس منه الأخبار . وقد كانت المعلومات القليلة المتاحة تترك المرء متخبطاً بين الواقع والخيال ، بين الحلم والحقيقة . كانت أذهاننا الصغيرة ، وأفهامنا الضيقة المحدودة تقتصر في استيعابها للموقف علي تصور سُريالي سيفضي في نهايته إلي عودة الإستعمار ، وإغتيال الحلم المصري في التحرر ، وإغتيال البطل القومي الذي تعلقت بوجوده الأفئدة . لم نكن ندرك أن هناك علي الجانب الشرقي للقناة أجساد مزقت أشلاءًا ، وتفتت ، وتفحمت ، وسالت دماؤها غزيرة علي رمال الصحراء الحارقة . ست سنوات فاصلة بين حربين ، كانت أصعب اللحظات حين ينادي المنادي بإطفاء الأنوار إنذاراً بوجود غارة ، وحين كنا نسمع أصوات المدفعية وهي  قادمة إلي أسماعنا من بعيد . وقد كان من ضحايا الغارات الإسرائيلية علي العمق المصري ـ حين ضربت مصنع أبو زعبل ـ  شقيق مدرسي في الإبتدائية ، وقد وصل الجثمان إلي القرية ليلاً ، وقد اجتمعت القرية عن بكرة أبيها ، كي تشاطر أهله الأحزان ، وقد بكته القرية ، وبكيناه أطفالاً . وفي هذه السن الباكرة ـ عشر سنوات ـ مات أبي في أول  العام 1970 م ، ومات عبد الناصر في آخره ، وجاء السادات ، وكان هناك شكوك في ملء الفراغ . وقد تابعت ما عرف بـ :" ثورة التصحيح " . فقد كان من قريتنا أحد المتهمين في هذه القضية ، ويدعي : " عبد الحميد الشيخ " . وبعد عام الضباب ، جاءت السنة الحاسمة ، وتابعنا مظاهرات طلاب الجامعة . ثم جاء عام النصر . وكان هناك ثلاثة من شباب القرية قد جري تجنيدهم ، وكانت لي بهم سابق معرفة ، وكنا نلعب معهم ، ويلعبون معنا بحكم تواصل الأجيال ، أولهم ـ البطل الشهيد / عبد المجيد اليماني ، وقد كان قريباً لجدتي من أمي . والثاني ـ الشهيد البطل ـ ابراهيم زاهر ، وقد كان عريساً حديثاً ، وكنت أرافقه وهو يصطاد السمك بسنارته من الترعة التي كانت تمر أمام القرية . أما الثالث ـ فهو البطل سمري شعلة ، وهو الذي عاد حياً من المعركة رحمه الله . عشنا الهزيمة وتجرعنا مرارتها صغاراً ، وعشنا نشوة النصر وزهوته ونحن علي أعتاب سن المراهقة  . نحن جيل لم نعش طفولتنا قط ، بل عركتنا الأيام والظروف والأوضاع ، حتي خلنا أنفسنا قد ولدنا رجالاً . وقد رأينا بأم أعيننا رجال هذه المرحلة ، وعشنا معهم ، وإقتسمنا معهم طفولتنا لعباً ومرحاً وتسلية وحكايات وحواديت لا تنتهي ، وما زالت صورهم حتي الآن تخايل ذاكرتي وتهز جذوعها هزاً ، فتساقط علي من الذكريات ما تدمع له العين ، تلك الدموع الملحية الصامتة التي لا تسمع لها نحيب . ما زالت صرخة الفرحة بحلاوتها التي وجدتها في حلقي ترن في أذني وأنا أسمع بيانات الجيش المتتالية أيام الإنتصار ، ولا زال صوت أحمد سمير ، وصبري سلامة يشنف آذاني مع كل بيان . وما زلت أذكر ـ وكلما شاهدته بكيت ـ خطاب السادات في مجلس الأمة يوم 24 اكتوبر ، وهو يعلن ثقة الأمة المطلقة في قواتها المسلحة . وتلك التحية العسكرية التي أداها المشير أحمد اسماعيل علي للشعب . وما قصدت من مقالتي تلك سوي إعلان أن هناك رجال من بلدي ، ورأيت أنه من حقهم علي أن أسجل أسماؤهم هنا في الذكري الـ 42 لنصر أكتوبر ، لعل ذلك يكون فيه جزء من الوفاء الواجب . ولعل الأجيال القادمة تدرك من هم الرجال حقاً وصدقاً .

حــســـــن زايـــــــــد
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف